بتـــــاريخ : 7/19/2008 5:55:32 PM
الفــــــــئة
  • الأســـــــــــرة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1194 0


    الرهاب والقلق عند الأطفال والمراهقين

    الناقل : heba | العمر :42 | الكاتب الأصلى : الرهاب والقلق عند الأطفال والمراهقين | المصدر : www.almostshar.com

    كلمات مفتاحية  :
    طفل المراهقين


    الرهاب والقلق عند الأطفال والمراهقين .

     

    د.إبراهيم بن حسن الخضير .
     

     موضوع الرُهاب والقلق عند الأطفال والمراهقين، موضوع مهم، يهم الكثير من عامة الناس، ونظراً لأهمية هذا الموضوع فقد طلب الكثيرون مني الكتابة عن هذا الموضوع. فالرُهاب والقلق عند الأطفال و المراهقين مرض مزعج، وكثير من الأهالي و المحيطين بالطفل أو المراهق قد لا يتنبهون إلى أن هذا مرض أو اضطراب نفسي. فقد يعتبر الأهل هذا الاضطراب نوعاً من مراحل النمو عند الطفل أو المراهق. و كذلك ربما تعامل الأهل مع الطفل الذي يُعاني من الرُهاب أو القلق بطريقة خاطئة يكون فيها المردود عكسياً لدى الطفل أو المراهق، وترُسّب بعض العقُد النفسية وتُفقده الثقة في نفسه، و ترافق هذه العقد والاضطرابات إلى مرحلة النضج وتؤثر على مستقبله الدراسي والعملي والاجتماعي والزوجي.
    الرُهاب و القلق عند الأطفال والمراهقين هو أكثر الاضطرابات النفسية انتشاراً، وللأسف لا تُعالج ولا تصل إلى الأشخاص المختصين بعلاج مثل هذه الحالات.



    أولاً، يجب أن نُعّرف ما هو الخوف الطبيعي وما هو الخوف المرضي (الرُهاب).

    الخوف الطبيعي : هو شعور غير مرُيح ينتج عن الشعور أو وجود خطرٍ ما، وهذا الشعور يجعل الشخص يتجنب المخاطر، ويستعد لها. هذا الشعور يكون طبيعياً عندما يتناسب هذا الشعور ( الخوف ) مع الخطر أو الشيء الذي يخاف منه.

    مثال ذلك خوف الأطفال من الأشياء الغريبة وغير المألوفة عندهم و الخوف من الظلام في سنٍ مُبكرة أو الخوف من الحيوانات. أما بالنسبة للكبار فالخوف من الحيوانات المفترسة كالأسود والنمور والضباع فهذا شيء طبيعي، وكذلك الشعور الخوف من حوادث السيارات عند القيادة بسرعة. هذه الأشياء المُخيفة قد تجعل الشخص يستعد لمواجهة هذه الأشياء المُخيفة، التي يتفق الجميع على أنها مُخيفة فعلاً للجميع،وقد تكون ذات فائدة بحيث إن الشخص الذي ينتابه الشعور بالخوف من الامتحانات فيستعد لها.. أو الشخص الذي يخاف العدو فيتخذ الاحتياطات لصد العدو. هذا الخوف يُسمى باللغة الانجليزية (Fear).

    الخوف المرضي (الرُهاب) :

    هو شعور غير مريح من مواقف أو أشياء لا يتناسب حجم القلق و التوتر والخوف هذا مع الشيء المُخيف، ولا يستطيع الشخص تفسير خوفه وتوتره هذا، وكذلك لا يستطيع إعطاء أسباب مُقنعة لخوفه هذا غير المُبرّر من الأشياء المخيفة أو المواقف المخيفة، كذلك لا يستطيع الشخص التحكم بهذا الخوف أو مشاعر القلق والتوتر التي تُصيبه عندما يُقابل الشيء المُخيف بالنسبة له، بينما يُعتبر طبيعياً عند الناس الآخرين. مشاعر الخوف والقلق المرضية هذه تجعل الشخص يتجنب الأشياء المُخيفة الطبيعية التي لا تُقلق الآخرين و يعتبرها معظم الناس أشياء طبيعية.

    أمثلة على ذلك عند الصغار والأطفال الخوف من ترك المنزل أو الخوف من الافتراق عن الوالدين أو الخوف من الماء أو الضوء، وبالنسبة للكبار الخوف من السفر بالطائرة أو الخوف من الظلام أو التحدّث أمام مجموعة من الأشخاص، أو الخوف من مغادرة المنزل وحيداً، وكذلك الخوف من قيادة السيارة وحيداً، أو الخوف من الحيوانات والطيور الأليفة كالحمام أو الدجاج، أو الخوف من الأنفاق أو عبور الجسور أو الخوف من المرتفعات. هذه هي الأمثلة للخوف المرضي والذي يُعرف بالرُهاب (Phobia).

    نتحدث الآن عن أكثر اضطرابات الرُهاب والقلق عند الأطفال و المراهقين.

    1- خوف الانفصال (Separation Anxiety Disorder):

    هذا الخوف ينتشر في سنٍ مُبكرة عند الأطفال، خاصةً في سن السابعة إلى الثالثة عشرة. عادة ما يبدأ هذا المرض بالتدريج، فالطفل يبدأ بأن يكون قلقاً من بعد والدته عنه ولكن يُحاول أن يكبُت هذا، و لكن لا شعورياً يلتصق كثيراً بوالدته أو الشخص المهم في حياته. بعد ذلك يتطور المرض حيث يُصبح الطفل لا يستطيع الافتراق عن والدته ( أو الشخص المهم في حياته والذي غالباً ما تكون والدته)، و لتشخيص هذا الاضطراب، يجب أن يكون لدى الطفل على الأقل ثلاث من الأعراض التالية:

    1- خوف وقلق وتوتر شديد جداً، والشعور بالتوتر والخوف تظهر أعراضه على الطفل عندما يتوقع أو ينفصل عن هذا الشخص المهم في حياته، حتى ولو كان لفترةٍ وجيزة. و كذلك إذا كان الطفل يشعر بأنه سوف يُغادر إلى المدرسة أو إلى أي مكانٍ بعيدٍ عن الوالدة، مثل الذهاب إلى المدرسة أو زيارة أقارب. فغالباً يرفض الطفل ترك والدته ألخروج دون أن يكون معها، وكذلك يرفض الطفل مُغادرة المنزل إلى أي مكان دون مرافقة والدته له. وهذا يُسببّ مشاكل كبيرة، خاصةً بالنسبة للذهاب للمدرسة، التي غالباً ما يستجيب الأهل للطفل شفقةً وعطفاً عليه مما يُعززّ هذا الخوف ويُرسبه ليتفاقم و يصبح مُزمناً إذا لم يتم علاجه.

    2- يجب أن يكون هذا العرض مُتكرراً عند كل مرةٍ يحدث أو يشعر الطفل بأن الانفصال سوف يحدث.

    3- قلق شديد و خوف مستمر بأن الشخص المتعلق به الطفل (الوالدة) سوف يحدث له مكروه، مثل أن يموت أو يمرض و يضطر للانفصال عنه.

    4- قلق وتوتر شديد بأن هناك حدثاً ما سوف يؤدي بانفصال الطفل عن الشخص المتعلق به وبالتالي يرفض الطفل الذهاب للمدرسة ويرفض أن يكون وحيداً بدون الشخص المُتعلق به الطفل.

    5- يرفض الطفل النوم بعيداً عن الشخص المُتعلق به.

    6- كوابيس وأحلام مزُعجة عن الانفصال عن هذا الشخص الذي يتعلق به الطفل.

    7- يعتري الطفل أعراض عضوية مثل آلام في البطن أو الصداع أو أي شكوى جسدية عندما يتوقع بأن الشخص المرتبط به سوف ينفصل عنه لفترةٍ محدودة ووجيزة.

    8- يجب أن تكون هذه الأعراض مستمرة لمدة أربعة أسابيع على الأقل ويكون الطفل أقل من 18عاماً.

    نسبة اضطراب انفصال القلق أو رُهاب القلق تصل نسبتها إلى حوالي 13%، و يكون عند الفتيات أربعة أضعاف نسبته عند الأولاد.

    حالة طفل عمره عشر سنوات:

    هذه حالة طفل يبلغ من العمر عشر سنوات، بدأ الاضطراب عنده بصورةٍ تدريجية، فقد كان يعيش حياة طبيعية جداً مع أفراد أسرته، والده ووالدته وإخوته وأخواته الأكبر والأصغر منه. كان طفلاً وديعاً محبوباً من جميع من يحيط به. فجأة لاحظت والدته تغيّر الطفل بصورة أثارت قلقه. فقد أصبح كثير السؤال عنها، يسأل أين ذهبت؟ عندما يأتي من المدرسة يركض باحثاً عنها. في البدء توقعّت أن هذا أمرٌ طبيعي، ولكن بعد فترة بدأ لا يلعب مع أشقائه أو أقاربه، بل أصبح يأتي من المدرسة و مباشرةً يذهب إلى والدته ويبقى مُلتصقاً بها بصورةٍ أثارت دهشتها، فهو لا يتحرك إلا إذا تحركت و يذهب معها إلى أي مكان، حتى عندما تذهب إلى دورة المياه كان يقف في الخارج، عند الباب و ينتظر وبعد مضي دقائق يطرق عليها الباب مُتسائلاً هل هي بخير؟ استغربت هذا السلوك.

     

    وحاولت سؤاله عما إذا كان تعرّض لمشكلة أو اعتدى عليه أحد من زملائه أو مدرسية. لكنه أجابها بأن شيء من هذا لم يحدث. زادت المشكلة تعقيداً عندما أصبح الطفل لا يخرج مع أطفال آخرين من أقاربه يسكنون قريباً منه، بل أصبح لا يُغادر المنزل إلا إذا كانت والدته معه. و كان يلعب مع أقرانه ولكن كان حريصاً على أن تكون والدته في محط دائرة نظره. إذا تحركت، قطع اللعب و ذهب ليرى أين ذهبت..! ولا يعود إلى مكانه ليلعب إلا إذا كان يرى والدته من المكان الذي يلعب به..! زادت المسألة سوءً عندما بدأ يرفض الذهاب إلى المدرسة، وكانت والدته تحاول أن تتجاوز هذه المشكلة، فعرضت عليه أن تذهب معه لإيصاله إلى المدرسة ولكن عندما يصلون إلى المدرسة يبدأ في البكاء، ويبدأ بالشكوى من أعراض بدنية مثل آلام في البطن و كأنما يُريد الاستفراغ ويشكو من الصداع، عندئذ تُشفق عليه والدته وتُعيده إلى المنزل.

     

    عندما تستدير السيارة متوجهةً إلى المنزل تختفي جميع الأعراض العضوية، ويبدأ في اللعب، وهنا لم تعرف الوالدة ما الذي أصاب ابنها؟. تعقّدت المشكلة أكثر عندما أصبح الطفل يخشى على والده. فكان ينتظر حتى يأتي والده من عمله، و يتصل دائماً بوالده ليطمئن عليه في علمه، رغم أن عمل والده كان لا يُمكنه من الإجابة على المكالمات المتكررة من ابنه الذي لم يعهد به هذا الحرص على الوالد، خاصةً أن جميع المكالمات كانت عبارة عن استفسار عن صحة الوالد وهل هو بخير أم لا؟ كان هذا أيضاً مصدر قلق للوالد، الذي سأل الأم عن مشكلة الابن فشرحت له المشكلة برمتها، و طلب من الوالدة عرض الطفل على طبيب أو شخص متخصص لمعرفة عما إذا كان هذا مرض وكيفية علاجه.؟

    أيضاً كان يُريد أن ينام مع والديه في غرفتهما ولكنهما رفضا وقالا له بأن أخوانه وأخواته الأصغر سناً منه ينامون في غرفهم. اقتنع لكن كان في كل ليلة يأتي إلى غرفة والديه بعد أن يأوي الجميع إلى الفراش، ويحاول فتح الغرفة المغلقة التي ينام بها والديه، ويطرق الباب حتى يُفتح الباب و إذا كان من فتح الباب الوالدة فإنه يحضنها، ويسألها هل هي بخير، ثم يذهب إلى والده إذا كان نائماً و يضع أذنه على صدر والده ويُراقب تنفسه لكي يتأكد أن والده بخير. وهكذا كل ليلة يأتي ويطلب من والديه ألا يُغلقا الباب عندما ينامان، هذا أمرٌ صعب في غرفة نوم زوجين..!

    عندما حضر الطفل للعيادة كان يبدو عليه القلق خاصةً، وإنه كان يعرف بأنه سوف يُطلب منه مغادرة العيادة للانتظار في المنطقة المخصصة لانتظار المرضى. وفعلاً عندما طلبت منه والدته أن يُغادر للانتظار تردد كثيراً، ولم يذهب إلى غرفة الانتظار بل بقي واقفاً عند باب العيادة، وبعد عدة دقائق كان يفتح الباب ليطمئن على والدته التي طلبت منه عدم فعل ذلك، وإن عليه أن يذهب مع المربية إلى غرفة الانتظار، لكنه لم يستطع، إذ كان بعد دقائق معدودة يعود مرةً أخرى، وعندما غضبت عليه والدته لمُقاطعتنا، أصبح يتصل بهاتفه النقّال كل بضع دقائق ليكلم والدته، ولكنها تجاهلت الرد عليه، فكان يحضر كل مرةٍ لا ترد فيها عليها، فقالت لي هل رأيت المعاناة التي نعانيها منه ؟

    هذه صورة لاضطراب رهاب الانفصال أو قلق الانفصال عند الأطفال.

    اضطراب القلق العام عند الأطفال (Generalized Anxiety Disorder):

    هذا القلق يأتي في سنٍ مبكرة مثل رهُاب و قلق الانفصال، ولكن نسبته أعلى بين الأطفال. يكون الطفل قلقاً بصورة شديدة، ودائماً متوتراً ويشعر الطفل بأن هذه المخاوف والتوتر والقلق لا يستطيع السيطرة عليها، وينشغل التفكير عند الطفل بأمور مُتعددة من الأمور الاجتماعية و الأسرية، ويؤثر هذا القلق على المستوى الدراسي عند الطفل، إذ دائماً يكون قلقاً قليل التركيز، دائم التفكير بأن أموراً سيئة سوف تحدث لأحدٍ من أفراد عائلته لذلك دائماً يتفقد أفراد أسرته، ويسأل عن أي شخص غائب، ويطلب الاتصال به للتأكد من أنه بخير..!! عادةً ما تكون مصحوبة إعراض القلق هذه بأعراض عضوية مثل الآم متعددة في الجسم، مثل الآم في البطن أو آلام متُفرقة في الجسم لا يستطيع تحديدها،و كذلك يُصاب أحياناً بنوبات استفراخ عندما يكون في قمة قلقه على امرئ ما.

    يجب أن تستمر هذه الأعراض عند الطفل لمدة ستة أشهر و أن تؤثر على حياته الدراسية والاجتماعية، و تكون واضحة للأهل والأقارب بأن الطفل يُعاني صعوبةٍ ما.


    مرضى الرهاب في المملكة . 

    الرُهاب الاجتماعي اضطراب منُتشر بشكلٍ كبير بين الأطفال في المملكة العربية السعودية ، ولكن للأسف لا توجد دراسات مسحية عن هذا الإضطراب الذي يؤثر كثيراً على حياة الطفل ولا ينتبه الأهل إلى هذا الاضطراب ويعتبرون هذا السلوك خجلاً وربما شجعه سكوت الأهل وأحياناً الثناء على خجله كشيء مُحبب في مجتمع يعتبر مثل هذا السلوك أمراً مُحبباً خاصةً عند الفتيات.

    المجتمع يُساعد الأطفال على تنمية هذا الاضطراب المؤلم والذي قد يستمر مع الطفل حتى مرحلة البلوغ وأيضاً لسنٍ متأخر . ويؤثر الرُهاب الاجتماعي على الفرد في جميع مناحي حياته ؛ الدراسية ، الاجتماعية ، العملية ، الأسرية وكذلك تأثير اقتصادي على الفرد. كثير من الأشخاص الذين يُعانون من الرُهاب الاجتماعي يتأخرون في الزواج أو لا يتزوجون بسبب عدم قدرتهم على التفاعل مع الجنس الآخر.

    حسب الدراسات الغربية فإن إحدى الدراسات الأمريكية وجدت أن ما يُقارب من 58% من الأطفال في سن الثالثة عشرة يُعانون من هذا الاضطراب..! ولو تجاوزنا هذه النسبة العالية جداً ، فهذا يُعطى مؤشراً إلى أن اضطراب الرُهاب الاجتماعي منتشر كبير بين الأطفال ويؤثر بشكلٍ سلبي على أدائهم الدراسي ، فالطفل أو المراهق لا يحب أن يكون تحت محط أنظار زملائه ، ويكون خجولاً يبتعد دائماً عن تجمعات زملائه الطلاب ويشعر بأنه طفل غير مرغوب فيه من قِبل زملائه ، ويقضي وقته وحيداً، حيث لا يستطيع تكوين صداقات مع أطفال من سنه ، وكذلك قد يكون محط انتقاص من زملائه الذين قد يستغلون خجله وربما استضعفوا عدم قدرته على الدفاع عن نفسه فيستغلونه من جميع الجوانب بما في ذلك قد يتعّرض لاعتداءات جنسية من قِبل أطفال أكبر منه سناً ، ولكن نظراً لطبيعية شخصيته الخجولة وانطوائيته فإنه لا يجرؤ على الشكوى إلى المدرسين ،

     

    أو حتى إلى أهله في المنزل..! لقد شاهدت طفلة في الصف الأول المتوسط تركت المدرسة لأنها لا تستطيع ألإجابة على أي سؤال ، عندما تطلب منها المُدرسة أن تقف لتُجيب على أي سؤال. فتركت الدراسة وهي في الصف الأول متوسط وعمرها لا يتجاوز الثانية عشرة..! للأسف الأهل رضخوا لسلوكها وأبقوها في البيت دون عرضها على طبيب نفسي أو اختصاصي نفسي أو إرشادي لينُاقش معها مشكلة تركها إلى للدراسة في سنٍ مُبكر ، وهذا في ضررٌ كبير عليها ، حيث ستبقى جاهلة وسوف يفوت عليها أشياء كثيرة في الحياة أقلها الحصول على شهادة وكذلك الاختلاط بزميلات في المدرسة ، حيث لو تم علاجها بالعقاقير والعلاجات النفسية السلوكية المعرفية ، فسوف يتحسن وضعها إلى حدٍ يُمكنها من إنهاء دراستها، حيث إن مستواها الدراسي جيد وليس لديها صعوبات في التعّلم.

    المشكلة الأكثر خطورة هي أن الرُهاب الاجتماعي إذا لم يُعالج في فترة الطفولة والمراهقة فإنه يستمر مع الشخص إلى مراحل البلوغ ، ويؤثر كما أسلفت على حياة الشخص من جميع جوانب الحياة.

    تقول الدراسات التي أجُريت على مرضى الرُهاب الاجتماعي بأنهم يُعانون صعوباتٍ جمة في حياتهم الاجتماعية ، حيث إنهم يُعانون في العمل وبعضاً منهم لا يستطيع العمل رغم أنه يحمل شهاداتٍ جامعية وكذلك حصلوا على وظائف ولكن لم يستطيعوا الاستمرار بالعمل نظراً لعدم قدرتهم على مواجهة الجمهور أو حتى التفاعل مع زملائهم في العمل. بل إن بعضاً ممن يُعانون من الرُهاب الاجتماعي يرفضون الترقيات في عملهم ، إذا كان في ترقيتهم لعملهم مقابلةً للجماهير أو مقابلة أشخاص في مراتب عليا. مثل هؤلاء الأشخاص يرغبون في أن يكونوا بعيداً عن الأضواء أو تحت مواقف تضعهم في محل تقييم من قِبل الآخرين..! كان لدّي مريض يُعاني من رُهاب اجتماعي شديد منذ كان صغيراً ، هذا دعاه أن يعيش حياةً إنطوائية منذ الصغر ، فوجد في الكتب خير رفيق وقرأ كثيراً وكان متفوقاً في دراسته ، وبعد أن أنهى الدراسة الجامعية بتفوق ابتعثته حكومته (هو مواطن من أحد دول الخليج العربي وليس سعودياً) إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليُحضّر الماجستير والدكتوراه.

     

    وفعلاً حصل على الماجستير ، وعندما علم من الملحق الثقافي لدولته في واشنطن بأنه عندما يُكمل الدكتوراه فسوف يُعيّن عضواً في هيئة التدريس بجامعة بلده. هذا الخبر جعله يترك إكمال دراسة الدكتوراه واختار عملاً بعيداً كل البعد عن مواجهة الجماهير.. عمل إنفرادي يتناسب مع طبيعية شخصيته ، ويستطيع أن يعمل وحيداً لا يواجه جماهير أو حتى زملاء .. كان العمل الذي اختاره هو عمل يعتمد على الفردية الكاملة مع جهاز حاسب آلي ، ولا يُقابل إلا مديره في العمل. هذا الرجل والذي تجاوز الخمسين من العمر عازباً لأنه لا يستطيع أن يواجه أهل خطيبته أو خطيبته. كلما تقدّم أهله لطلب يد فتاة وافق أهل الفتاة ، حيث يتمتع بسمعة جيدة ومركز وظيفي وشهادة عالية ، ولكن عندما يطلب أهل الخطيبة أن يأتي ويزورهم في منزلهم ليُقابل خطيبته ، كان لا يستطيع ويعتذر عن الخطبة لمراتٍ عديدة ، حتى فكرّ أنه لن يتزوج رغم أنه يتوق إلى أسرةٍ وعائلة وزوجة ، لكنه لم يستطع أن يُقابل خطيبته وأهلها..! حتى الأكل كان يطلبه من المطعم ولم يدخل مطعماً قط ليأكل داخل المطعم. يأخذ الأكل ويذهب إلى منزله ويأكل وحيداً .

     

     

    كان لا يحضر المناسبات الاجتماعية الخاصة بالمواطنين من دولته والذين كانوا يجتمعون في المناسبات الخاصة والعامة مثل الأعياد وبعض المناسبات الاجتماعية عندما يزور مسؤولاً من دولته الرياض ، فيعتذر عن عدم الحضور بالمرض أو يختلق أي عذرٍ كي لا يحضر الاجتماع. هذه العزلة القاسية في بلدٍ غير بلدة ، جعلته يقع في مشكلةٍ خطيرة كثيراً ما يقع فيها الأشخاص الذين يُعانون من الرُهاب الاجتماعي وهي الإدمان على الكحول (في مراكز الإدمان على الكحول في بريطانيا وجدوا أن ما يُقارب 33% ممن يُعانون من الإدمان على الكحول لجئوا للكحول نتيجة اضطراب الرُهاب الاجتماعي..!) . هذا الإدمان جعله يضع نفسه في مواقف حرجة ، حيث عندما يكون مُضطراً إلى أن يذهب إلى مناسبةٍ اجتماعية فإنه يشرب كحولاً لدرجة تجعله يحصل على بعض الجرأة ويذهب ولكن كان يذهب في حالةٍ سُكرٍ بيّن مما يجعل الآخرون يُشفقون عليه ويشعر هو بالمهانة لأنه فعل ذلك ولكن لم يكن لا يستطيع أن يذهب إلى المناسبة لو لم يتعاط الكحول..!

    هذه الحالة تقودنا إلى علاقة الرُهاب الاجتماعي بالإدمان على الكحول والمخدرات. فكما ذكرت بأن الأشخاص الذين يُعانون من الرُهاب الاجتماعي يلجئون كثيراً إلى الكحول ليكسبهم جرأة. هذا الأمر يختلف من شخصٍ إلى آخر. حدثني رجلاً في منصبٍ مهم بأنه لا يستطيع الذهاب صباحاً إلى عمله إلا إذا تناول كأسين من الويسكي تجعله يستطيع مقابلة الجماهير وإعطائه جرعة من الجرأة في علمه مع موظفيه أيضاً. هذا الرجل أصبح بعد ذلك يتناول كأسين آخرين عندما يعود من العمل للاسترخاء ، وفي المساء يتناول كؤوساً كثيرة للاستمتاع بجلسة الزملاء والرفاق الذين كانوا يُشاطرونه الشراب والسهر على شرب الكحول ، حتى أصبح لا يستطيع الاستغناء عن الكحول وأصبح الكحول مرضاً وتعاطي الكحول أصبح إدماناً مرضياً ،حيث بدأ يؤثر على حياته الزوجية والاجتماعية وانحصر أصدقاؤه على من يشربون معه الكحول ، ثم بدأ الكحول يُسببّ له مشاكل صحية في الكبد والجهاز الهضمي ، ثم بدأ يُشكلّ له مشاكل مع المحيطين به الذين لاحظوا تغيّر شخصيته ، وعصبيته فتجنبه الأشخاص الطيبون وبقي معه المستفيدون منه مادياً ومن مركزه الاجتماعي والوظيفي..!

    شخصٌ آخر كان يُعاني الرُهاب الاجتماعي ، وهذا قاده كما حدث مع الأشخاص السابقين الذين ذكرتهم ، وكان يُعاني من الخروج ومقابلة الآخرين، إلا إذا كان مُتعاطياً للكحول ووصل به الأمر إلى أنه يذهب إلى صلاة الجمعة بعد أن يتناول مشروبا كحوليا ليس له رائحة.. فيشرب بضع الكؤوس ويذهب إلى المسجد لأداء صلاة الجمعة . كان يختار الذهاب مُتأخراً إلى الصلاة، حيث يجلس في آخر الصفوف ويعود سريعاً بعد انتهاء الصلاة إلى منزله حتى لا يُقابله أحد ممن يعرفهم فيُسلم عليه ، حيث إن صلاة الجمعة تُعتبر فرصة لمُلاقاة الآخرين والحديث معهم.

    إن اضطراب الرُهاب الاجتماعي مرض مُزمن ، يبدأ في سنٍ مبكر وإذا لم يُعالج كما أسلفنا فإنه يستمر لبقية العمر. لذلك يجب على الأهل والمدرسين أن ينتبهوا لهذا الاضطراب والتفريق بين الخجل الطبيعي واضطراب الرُهاب الاجتماعي الذي له مُضاعفات على حياة الطفل في مرحة الطفولة ويستمر معه إلى مرحلة النضج. نقول ذلك لأن إمكانية علاج الاضطراب وهم صغار بالعلاجات النفسية وأحياناً بعض العقاقير قد تسُاعد كثيراً الطفل وتُجنبه كثيراً من مُضاعفات هذا الإضطراب المزمن والمزعج على المدى البعيد. إنني أتلقى رسائل كثيرةٌ جداً عن الرُهاب الاجتماعي من القرّاء ، حيث يذكرون أنه بدأ معهم في سنٍ مُبكرة وأثّر عليهم سلبياً في حياتهم بجميع جوانبها.
     

     

     

     

     

    المصدر : صحيفة الرياض ، العدد :  14081 .

     

     

     

     

     

    كلمات مفتاحية  :
    طفل المراهقين

    تعليقات الزوار ()