هل تعرف فعلا ما هي الشهوة..؟؟؟
نظرتنا للأشياء تحدد بصورة كبيرة طريقة تعاملنا معها، وهذه القاعدة تنطبق على جميع الأمور؛ ويدخل ضمنها أيضًا الشهوة.
وسأحكي لكم تجربة حدثت معي شخصيا:
(كنت لا أحب أكل البيتزا مطلقًا، وأرى أنها عبارة عن خبز موضوع فوقه فضلات الطعام التي لا يحتاجها أهل البيت، فبدلًا من أن يلقوها في القمامة يضعونها على الخبز، ومع بعض التعديلات البسيطة تصبح بيتزا.
وكان تصوري هذا مبنيًّا على بعض التجارب الفاشلة لأمي في عمل البيتزا في بيتنا.
وظل هذا التصور في رأسي، حتى جاء يوم كنت فيه مع أصدقائي في أحد المطاعم، ونظرت إلى الطباخ الذي يقوم بعمل البيتزا، وتأملته فوجدته لا يفعل ما تصورته؛ فهو يأتي بعجين ـ وليس خبزًا ـ ثم يقوم بفرده، ويضع عليه إضافات طازجة ـ وليست فضلات ـ ثم بعد ذلك يقوم بطهيها، وعندما رأيته يفعل ذلك؛ قلت في نفسي أن نظرتي السابقة للبيتزا كانت هي السبب في أن أبتعد عن أكلها، ولكن بعد أن صححتُ نظرتي؛ فلماذا لا أجرب وآكل بيتزا هذه المرة؟ وبالفعل أكلت بيتزا، ومن يومها أحببت البيتزا وأصبحت آكلها بكثرة).
قصة طريفة عزيزي الشاب ولكنها معبرة، ولهذا يجب أن تعرف ما النظرة الصحيحة للشهوة؟ لأن أغْلَب ما تعانيه من مشاكل نتج عن تصورك الخاطئ لهذه القضية، والذي ربما بَنيْتَه على تجارب فاشلة في التعامل معها.
فما نظرتنا للشهوة؟ وهل لهذه النظرة تأثير على حجم مشكلة الشهوة في حياتنا؟ ثم ما نظرة الإسلام للشهوة؟ وهل هناك فرق بين النَّظْرَتين؟
أولًا ـ لا بد أن نُعرِّف الشهوة، ثم نحدد نظرتنا إليها:
تعريف الشهوة:
الشهوة هي: الميل والرغبة، وتنطوي على أمرين اثنين معًا: فطرة غريزية بشرية، ولذة جثمانية جسدية؛ ولذلك فهي موجودة في أصل خلقتك التي خلقك الله عليها.
فالشهوة عزيزي الشاب، من الأمور الفطرية التي جبلنا الله عليها، ووضعها فينا لحكم وفوائد عديدة؛ منها: حفظ النسل، وتحقيق المتعة للرجال والنساء، وغيرها من الفوائد.
ولذلك نظر الإسلام إلى الشهوة نظرة صحيحة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : (إن الله خلق فينا الشهوات واللذات لنستعين بها على كمال مصالحنا، فخلق فينا شهوة الأكل واللذة به فإن ذلك في نفسه نعمة وبه يحصل بقاء جسومنا في الدنيا، وكذلك شهوة النكاح واللذة به هو في نفسه وبه يحصل بقاء النسل.
فإذا استعين بهذه القوى على ما أمرنا؛ كان ذلك سعادة لنا في الدنيا والآخرة وكنا من الذين أنعم الله عليهم نعمة مطلقة.
وإن استعملنا الشهوات فيما حظره علينا بأكل الخبائث في نفسها، أو كسبها كالمظالم أو بالإسراف فيها، أو تعدينا أزواجنا أو ما ملكت أيماننا؛ كنَّا ظالمين معتدين غير شاكرين لنعمته)
وقال تلميذه ابن القيم رحمه الله : (اقتضت حكمة اللطيف الخبير أن جعل فيها ـ أي في النفس ـ بواعث ومستحثات تؤزه أزًّا إلى ما فيه قوامه وبقاؤه ومصلحته).
فهذه النظرة المتوازنة للشهوة هي الأصل في الإسلام؛ لأن الشهوة شيء لا يمكن وسمه بالسوء مطلقًا ولا الحسن مطلقًا، بل تختلف من شخص لآخر حسب تعامله معها.
ولكن الخلل تولَّد من جانبنا نحن مؤخرًا، عندما ضخمنا المشكلة عن حجمها الطبيعي الذي ينبغي أن تأخذه؛ حتى غطت على جميع المشكلات الأخرى.
وبالتالي عاش داخلها الشباب والفتيات و شغلت عقولهم وتفكيرهم، ولو أننا نظرنا إليها كما نظر الإسلام إليها بوسطية واعتدال؛ لانكشفت الحقيقة، وذهبت الحيرة، وزال الخوف منها في الحال.
إن الإسلام ـ وهو دين الفطرة ـ لم يقع في شَرَك الاقتصار على مخاطبة الروح وبنائها، بل اهتم بتغذية المادة، وأعطى لقبضة الطين حقها كما أعطى لنفخة الروح حقها.
فلم يأتِ الإسلام ويقل للناس: ترهبنوا، ودَعُوكم من التفكير في أمور الشهوة، ولم يصفها بأنها من الدنس، بل على العكس، هي من النعم بلا شك، كل ما في الأمر أن يهتدي المرء إلى الطريق الذي به يستفيد منها، وينجو من خلاله من الشقاء بها.
وللأسف الشديد، فتربيتنا حتَّمت علينا بعض التصورات عن الشهوة، ورسختها في عقولنا؛ فأدت إلى حالة من حالات الغموض والقلق والتخبط، الذي يجعل من الشاب أسير تصورات خاطئة حول الدافع الجنسي عمومًا، ووظيفته الاجتماعية، ومظاهره الفيسيولوجية، التي تبدأ بالظهور لدى الشاب منذ مرحلة المراهقة.
وهذه التصورات الخاطئة أدت إلى تضخيم المشكلة، وإعطائها حجم أكبر من حجمها الطبيعي؛ ومن ثم تأصيلها في واقع الشباب المحاط بالفتن من كل ناحية .
المصادر
- شهوة تبني مسجدا محمد السيد عبد الرازق
- مفتاح دار السعادة ابن القيم
- الاستقامة ابن تيمية
اخوكم علي تركماني
منقوووووووول