الطريق إلى الصحة والحيوية
أيها الأخ الحبيب، إن صحتك التي وهبها الله تعالى لك هي أمانة عندك، أودعها الله لديك لتحافظ عليها ثم لتسخدمها في طاعته عز وجل وشكره، ونحاول إن شاء الله في هذه الوريقات أن نجمل المحاور الأساسية التي تعين المسلم على الاحتفاظ بصحته وحيويته وقوته حتى ينال فضل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: ((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف)) [رواه مسلم].
أولًا ـ قواعد عامة للصحة:
1ـ وثق علاقتك بالله تعالى، وأنزل حاجتك به، وحافظ على الأذكار المشروعة في الصباح والمساء والنوم والاستيقاظ وأمثال ذلك، ولا سيما الاستغفار، إذ له تأثير عجيب في حفظ قوة البدن وزيادتها، كما قال تعالى على لسان نبيه هود عليه السلام : ((وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ)) [هود:52].
2ـ حذار من الإسراف في الطعام والشراب فهو داء قاتل، واعلم أن السمنة هي العدو اللدود لبدنك، فتذكر دائمًا قوله تعالى: ((وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)) [الأعراف:31]، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((ما ملأ آدمي وعاء شرًا من بطنه)) [صححه الألباني].
3ـ إذا شكوت من مرض فعالجه قبل استفحاله، وإذا أمكن المعالجة والتداوي بالأشياء الطبيعية فلا تلجأ للكيماويات، وتذكر في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((الشفاء في ثلاثة: شربة عسل، وشرطة محجم، وكية نار وأنهي أمتي عن الكي)) [صححه الألباني].
وحاول أن تتعلم الحجامة؛ فهي طريق سهل قريب للشفاء من معظم الأدواء بإذن الله تعالى، وأضف إليها فن العلاج بالرقية الشرعية تحصل خيرًا عظيمًا إن شاء الله، وداوم على تناول عسل النحل وحبة البركة للوقاية من المرض.
4ـ تجنب تعاطي المسكنات والمهدئات إلا لحاجة ملحة.
5ـ اعلم أن التدخين هلاك محقق، فما ظنك بالمخدرات والمسكرات، فاحذر أن تتعاطى شيئًا من هذه المحرمات فتخسر دينك ودنياك.
6ـ كن في سكن جيد التهوية دائم النظافة.
7ـ النظافة في كل شيء من أسباب السعادة في الحياة.
8ـ حافظ على تناول التطعيمات الدورية ضد الأمراض الفتاكة.
9ـ واحذر من الوسوسة في استشارة الأطباء، وحاول انتقاء طبيب جيد ثابت للتعامل معه حتى لا تقع في دوامة الأطباء.
10ـ ليس هناك علاج سحري لكل مرض؛ وعليه فلا بد من التكيف مع بعض الآلام، واحتسب ما يصيبك من ذلك عند الله تعالى؛ فلعل هذا المرض يكون مطهرًا لك من ذنوبك.
ثانيًا ـ قواعد ذهبية في التغذية الصحية:
1ـ العقلاء يأكلون ليعيشوا، من أجل تحقيق أهدافهم السامية، فالطعام لديهم وسيلة لا غاية، أما الشهوانيون فإنهم يعيشون ليأكلوا فقط، فكن عاقلًا ولا تكن شهوانيًا.
2ـ لا تأكل إلا عند الإحساس بالجوع، فإدخال الطعام على الطعام، والوصول إلى حد التخمة داء قاتل، فوق أنه يقعد بالإنسان عن النشاط والاجتهاد، قال لقمان الحكيم: (إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة، وقعدت الأعضاء عن العبادة) [إحياء علوم الدين]
.
3ـ نوع طعامك واجعل أكثره نباتيًا، وبخاصة من الفواكه والخضروات الطازجة، وقلل من الدهون، ولا تفرط في تناول اللحوم، فحبذا لو جعلت تناولها مرتين أو ثلاثًا كل أسبوع، واحذر كذلك من الإفراط في تناول النشويات والسكريات حتى لا تعاب بالسمنة الضارة.
4ـ ابتعد ما أمكن عن تناول المصنعات والمعلبات والأغذية المحفوظة.
5ـ لا تتهاون في نظافة طعامك؛ فالطعام الملوث سم لا غذاء.
6ـ اجعل تناولك لطعامك في أوقات يومية محددة، وتجنب الأكل بينها قدر الإمكان.
7ـ أكثر من شرب الماء وتأكد من أنه نقي، وحبذا لو عودت نفسك على عدم الشرب أثناء الأكل وبعده مباشرة.
8ـ احذر من الإفراط في استعمال الملح والسكريات لا سيما المصنعة؛ فإن لذلك عواقب وخيمة على الصحة إذا تقدم العمر، حيث من الممكن أن يسبب ذلك داء السكر وارتفاع مزمن في ضغط الدم.
9ـ أقلل من شرب الشاي والقهوة والمياه الغازية، بحيث لا تتجاوز المرتين يوميًا، واستبدل مكانها الماء النقي والعصائر الطازجة.
10ـ كل بيمينك بعد غسلها، وسم الله تعالى على طعامك، ولا تأكل أو تشرب واقفًا لغير حاجة، وبعد الفراغ نظف يديك وفمك ثم احمد الله تعالى؛ فإنك إن فعلت ذلك نلت بركة طعامك واتبعت سنة نبيك صلى الله عليه وسلم.
ثالثًا ـ الحرص على ممارسة الرياضة:
فهي من أفضل وسائل حفظ حيوية الجسد وقدرته على القيام بأعباء الحياة، إذا ما مارسها الإنسان باعتدال، وباعتبارها وسيلة لا غاية في حد ذاتها، وها هي بعض التوجيهات الهامة التي تكفل لك الانتفاع الصحي بممارسة الرياضة:
1ـ اجعل الرياضة جزء من برنامجك الذي لا تنساه في جميع أحوالك، وأقل ذلك رياضة المشي مع بعض التمارين البدنية الخفيفة.
2ـ لا تجعل الرياضة غاية لك تترك من أجلها مسؤولياتك تجاه ربك وعملك وعائلتك وتسبب لك إشكالات مع الآخرين، بل تذكر دائمًا أنها وسيلة لحفظ الصحة وتقوية البدن.
3ـ استشر أهل الخبرة في تحديد تمارين منوعة لجميع الجسد بشرط أن تكون سهلة؛ بحيث لا تأخذ منك وقتًا ثم حافظ عليها في سفرك وحضرك.
4ـ احذر من التمارين الخطرة والعنيفة؛ فقد تؤذيك وتأثم بسببها.
5ـ لا تمارس الرياضة بعد الأكل مباشرة أو حين تشكو من شدة الجوع.
6ـ أنسب الأوقات لممارسة الرياضة من بعد صلاة الفجر أو من بعد صلاة العصر، فاحرص على ممارستها إما لنصف ساعة يوميًا أو مرتين في الأسبوع لمدة ساعتين في المرة الواحدة.
7ـ احصر على مراقبة الله تعالى في أقوالك وأفعالك وأنت تمارس الرياضة.
رابعًا ـ الحرص على النوم الكافي المريح:
النوم هو أحد الأسرار الإلهية العجيبة التي أودعها الله تعالى في خلقه: ((وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ)) [الروم:23].
فلا يستطيع الإنسان أن يستغني عنه بحال من الأحوال، وبعد أن يبلغ التعب بالإنسان غايته، والجهد مداه، يتغشاه النوم ثم يستيقظ فإذا بحيويته قد تجددت ونشاطه قد عاد، ونشير فيما يلي إلى قواعد هامة في التعامل مع النوم ليؤدي لك وظيفته من حفظ الصحة وتجديد الحيوية والنشاط، ولا يتحول إلى وسيلة تعويق وتثبيط لك عن أداء واجباتك:
1ـ لا تنسى حق جسمك من الراحة مهما كانت الظروف، فإن المنبت لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى، فتحميل النفس ما لا تطيق من السهر تدمير لطاقاتها وتعويق لعملها، فتذكر دائمًا أن لبدنك عليك حقًا.
2ـ أفضل قاعدة في التعامل مع النوم عرفها الإنسان هي: نم مبكرًا واستيقظ مبكرًا.
3ـ ثبت علميًا أن أفضل أوقات النوم ما كان بعد صلاة العشاء، وأن الساعة من النوم في أول الليل تعادل ساعتين من آخره، ولا يقوم مقامها ساعات من نوم النهار.
4ـ لا تنم بعد الأكل مباشرة، بل اجعل بينهما فترة مناسبة حتى لا تصاب بداء السمنة.
5ـ أسوأ أوقات النوم ما كان في أول النهار أو بين العصر والمغرب، ولكل قاعدة استثناء كما يقال.
6ـ لا تكن ممن يقضون معظم حياتهم في الفراش، بل اذهب إلى الفراش عند الحاجة إلى النوم وغادره عند عدم الحاجة إليه، وحاول ألا تزيد عدد ساعات نومك عن ست ساعات يوميًا.
7ـ لا تعود نفسك على عادات مستحكمة عند النوم؛ مثل طبيعة الفراش، ومقدار الضوء، وعدم الإزعاج، بل حاول أن تكسب نفسك القدرة على النوم في أي ظرف.
8ـ يستطيع الإنسان أن يتعود على الاكتفاء بقدر قليل من النوم بالتدرج في ذلك.
9ـ لا ننسى أن تتوضأ قبل أن تنام، ولا تحرم نفسك من ساعات القيلولة؛ فهي سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وثبت علميًا أن لها أثرًا كبيرًا في تجديد نشاط الذهن والبدن.
10ـ لا تنس آداب النوم الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ من الوضوء، وأذكار النوم والاستيقاظ، والنوم على الشق الأيمن.
وأخيرًا: أخي الحبيب لا ننسى احتساب النية في الأكل والنوم والرياضة، فتنوي بكل ذلك حفظ صحتك لتقوى على طاعة الله تعالى فتحصل خيري الدنيا والآخرة، وتعيش في ظلال قوله تعالى: ((قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)) [الأنعام:162].