بتـــــاريخ : 7/15/2008 3:51:25 PM
الفــــــــئة
  • الأســـــــــــرة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1216 0


    حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ [2]

    الناقل : heba | العمر :43 | المصدر : www.almoustshar.com

    كلمات مفتاحية  :
    رجل امراة المتزوجين

    حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ [2]

    عزيزتي الزوجة المسلمة:

    بقى لي سؤال في هذا المقام وهو: لماذا اعتبر الشرع إفشاء أسرار الزوجين حرامًا؟

    وقبل أن أعرض لك الأدلة التي تبين الحكم الشرعي في المسألة أقول: إن إفشاء ما يجري بين الزوجين، والذي اعتبره المولى تعالى (غيبًا) لا يليق بمكارم الأخلاق، ولا يتفق مع ذوق المسلم وحسه المرهف، ولا يفعله إلا أصحاب القلوب المريضة والعقول الفارغة، والزواج أيتها المرأة المتزوجة علاقة لها خصوصيتها وأسرارها، وهي علاقة يؤتمن فيها الزوجان على أسرار بعضهما، ولا ينبغي أن يفشي أحدهما سر صاحبه, لماذا؟

    هذا ما سنعرفه من النصوص التالية:

    [1] قال تعالى: ((فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ)) [النساء:34].

    [2] قال تعالى: ((وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ[34]أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ)) [المعارج:34-35].

    [3] قال تعالى: ((هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ)) [البقرة:187].

    [4] مثلهما كمثل شيطان وشيطانة.

    [5] ((إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة: الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر سرها)).

    [6] عدم حفظ الغيب باب من أبواب المشاكل الزوجية.

    تعالي معي عزيزتي الزوجة نفهم تفصيل ما أجملته في السطور السابقة:

    [1] قال تعالى: ((فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ)) [النساء:34]:

    في الآية يمدح الله تعالى الصالحات القانتات بأنهن حافظات للغيب؛ أي يحفظن أنفسهن عن الفاحشة، وأموال أزواجهن عن التبذير والإسراف، ويحفظن ما بينهن وبين أزواجهن من أسرار وخصوصيات.

    وكلنا يعرف أن المدح عكس الذم؛ معنى ذلك أن كشف هذا الغيب مذموم عند الله تعالى، وقد سبق شرح هذه الآية تفصيلًا في الجزء الأول من المقال.

    [2] قال تعالى: ((وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ... أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ)) [المعارج:23-35]:

    من الأمانة أن يحفظ المرء كلام من يحدثه حديثًا وهو يعتبره من الأسرار، وإن للفراش أسرارًا يجب أن تحاط بسياج من الكتمان، والله حيي ستير يحب الحياء والستر، والخيانة عكس الأمانة، وقد عدها الإمام الحافظ شمس الدين الذهبي في كتابه (الكبائر) من الكبائر وقال في شأن الخيانة:

    (قال الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)) [لأنفال:27].

    قال ابن عباس: الأمانات: الأعمال التي ائتمن الله عليها العباد، يعني الفرائض، يقول: لا تنقضوها.

    قال الكلبي: أما خيانة الله ورسوله فمعصيتها، وأما خيانة الأمانة، فكل واحد مؤتمن على ما افترضه الله عليه، إن شاء خانها وإن شاء آواها لا يطلع عليه أحد إلا الله تعالى.

              وقوله: ((وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)) أنها أمانة من غير شبهة، ثم قال: الصلاة أمانة، والوضوء أمانة، والغسل أمانة، والوزن أمانة، والكيل أمانة، وأعظم من ذلك  الودائع) [كتاب الكبائر، الإمام الحافظ شمس الدين الذهبي].

              وقد ذكر الإمام الذهبي أن الغسل أمانة، وأنا أقول أن ما يحدث قبل الغسل بين الزوجين من أقوال وأفعال توجب الغسل أمانة أعظم، فلا تخوني الأمانة عزيزتي الزوجة واجعلي حفظ هذه الأمانة بابًا من أبواب الجنة ((أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ)).

    [3] مثلهما كمثل شيطان وشيطانة:

              انظري إلى هذا التشبيه العجيب من الرسول صلى الله عليه وسلم عمن يحكي للناس عما فعله مع أهله، ومن تحكي ما تفعل مع زوجها من أسرار الفراش لقد شبهها النبي صلى الله عليه وسلم بأنهما مثل شيطان لقي شيطانة في الطريق فقضى حاجته منها والناس ينظرون.

    فعن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم والرجال والنساء قعود عنده فقال: ((لعل رجلًا يقول ما يفعله بأهله، ولعل امرأة تخبر ما فعلت مع زوجها))، فأرَمَّ القوم ـ يعني سكتوا ولم يجيبوا ـ فقلت: (أي والله يا رسول الله، إنهن ليقلن وإنهم ليفعلون)، قال: ((فلا تفعلوا؛ فإنما مثل ذلك مثل الشيطان لقي شيطانة في طريق فغشيها والناس ينظرون)) [صححه الألباني].

              فهذا الحديث نهي صريح عن كشف أسرار الفراش، وكأن هذا الكشف والإفشاء صورة جنسية معروضة في الطريق، وفي هذا نوع من المجاهرة وسبب لتجريء السفهاء، والله تعالى لا يحب الفاحش البذيء.

    [4] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

    ((إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها)) [رواه مسلم]، (لقد عد رسول الله صلى الله عليه وسلم من أفشى أسرار الفراش، وما يفعل الرجل مع زوجته من أشر الناس، و(الإفضاء) هو مباشرة البشرة وهو كناية عن الجماع، وقوله صلى الله عليه وسلم ((ثم ينشر سرها)) أي يذكر تفاصيل ما يقع حال الجماع وقبله من مقومات الجماع وهو من الكبائر) [رياض الصالحين للنووي، باب حفظ السر].

              قال النووي رحمه الله في تعليقه على هذا الحديث: (وفي هذا الحديث تحريم إفشاء الرجل ما يجري بينه وبين امرأته من أمور الاستمتاع، ووصف تفاصيل ذلك، وما يجري من المرأة فيه من قول أو فعل أو نحوه، فأما مجرد ذكر الجماع فإن لم تكن فيه فائدة ولا إليه حاجة فمكروه لأنه خلاف المروءة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت)) [متفق عليه]، وإن كان إليه حاجة أو ترتب عليه فائدة بأنه ينكر عليه إعراض عنها، أو تدعي عليه العجز عند الجماع أو نحو ذلك فلا كراهة في ذكره، كما قال صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة: ((وأعرستم الليلة))) [صحيح مسلم بشرح النووي].

    [5] قال تعالى: ((هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ)) [البقرة:187]:

    (قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير والحسن وقتادة يعني: هن سكن لكم وأنتم سكن لهن، وقال الربيع بن أنس: هن لحاف لكم وأنتم لحاف لهن) [تفسير القرآن العظيم لابن كثير].

    (القرآن الكريم له لمسة حانية رفافة تمنح العلاقة الزوجية شفافية ورفقًا ونداوة، وتنأى بها من غلظ المعنى الحيواني، وتوقظ معنى الستر في تيسير هذه العلاقة، واللباس ساتر وواق، وكذلك هذه الصلة بين الزوجين تستر كلًا منهما وتقيه) [في ظلال القرآن  سيد قطب].

    ونفهم من الآية أن الزوج عليه أن يكون لباسًا وسترًا لزوجته، وأن تكون الزوجة كذلك له، وقد ذكر الله المرأة قبل الرجل في ذلك في قوله: ((هن)) فيحصل بذلك السكن والرحمة، وكشف هذا الستر وهذا الغيب يتعارض مع الآية وما تضفيه من معانٍ وظلال.

    [6] عدم حفظ الغيب باب من أبواب المشاكل الزوجية:

    إن جلسات الأخوات والجارات والصديقات، وما يكشف فيها من أسرار، وما تقضي فيها من حكايات وتخيلات، تكشف أسرار البيوت وتجعلها على ألسنة العامة، يعرفون عنها أكثر مما يعرفه ساكنوها، فتتلطخ حرمات البيوت، ويرتفع عنها الأمن والسكينة، وتتآزر على المجتمع عوامل الهدم والتصدع.

    وهذه الأسرار موضع حسد بين النساء والرجال أيضًا، وهي كذلك موضع مقارنات بين النساء، وإذا حدثت بها الزوجة ربما حرمت منها بسبب عيون الأخريات، ثم ينتهي الحال بالزوجين إلى الطبيب النفسي إن كانا من العقلاء، أو إلى طريق السحرة والدجالين لفك العقدة وحل المشكلة من وجهة نظرهما إن كانا من غير العقلاء.

    وأخيرًا للزوج الفاضل أقول: احفظ السر ولا تكشف الغيب؛ لأنك مأمور بذلك مثل المرأة تمامًا، ولا تغب عن زوجتك أكثر من ستة أشهر، فقد روى الإمام مالك بن أنس رحمه الله في الموطأ عن عبد الله بن دينار قال:

    (خرج عمر بن الخطاب من الليل فسمع امرأة تقول:

    تطاول هذا الليل وأسود جانبه       وأرقني ألا خليل ألاعبه

        فوالله لولا الله أني أراقبه                   لحرك من هذا السرير جوانبه

    فسأل عمر ابنته حفصة رضي الله عنها: كم أكثر ما تصبر المرأة عن زوجها؟

    فقالت: ستة أشهر أو أربعة أشهر.

    فقال عمر: لا أحبس أحدًا من الجيش أكثر من ذلك).

    وصية:

    وأحب أن أختم حديثي بهذه الوصية لامرأة عوف الشيباني، توصي ابنتها ليلة زفافها، ومن هذه الوصايا:

    (أما التاسعة والعاشرة فلا تعصي له أمرًا ولا تفشي له سرًا،

    فإنك إن عصيت أمره أوغرت صدره،

    وإن أفشيت سره لم تأمني غدره)

    أسأل الله أن يصلح حال النساء، ويكن صالحات قانتات، حافظات للغيب، وأن يصلح أحوال البيوت المسلمة..

     

    كلمات مفتاحية  :
    رجل امراة المتزوجين

    تعليقات الزوار ()