تعرف المراهقة على أنها عملية تحول وانتقال الطفل من نمط علائقي يتميز كاملة للأسرة وانحصار علاقاته إلى حد كبير ضمن نطاقها أو تحت رقابتها ومسئوليتها المباشرة، إلى نمط مختلف يتميز بتوسع نطاق العلاقات والمرجعيات وبتخفيف متدرج لعلاقة التبعية في مرحلة انتقالية نحو الاستقلال عنها في مرحلة الرشد.
في تقرير تنمية المرأة العربية، والذي يحمل عنوان ''الفتاة العربية المراهقة، الواقع والآفاق حصرت لكم لب مضمون التقرير في هذه الجزئية والتي تضمنت 450 صفحة والتي وجدت إنها قضية ملحة يشتكي منها الكثير من الآباء والأمهات وأيضاً الأبناء خاصة المراهقين منهم فلندخل: إلى لب الموضوع والذي نبدئة بالعائلة عند المراهقين فالعائلة لا تزال تؤدي دوراً بالغ الأهمية في حياة المراهقات والمراهقين، بما في ذلك في المجتمعات الصناعية المتقدمة في أوروبا الغربية خلافاً للاعتقاد السائد فحسب تصور شائع يتكرر في كل مكان، إننا محاطون بمخلوقات برية ولكن الواقع هو غير ذلك، لقد نشرت جريدة لوموند نتائج دراسة عن قيم الشباب وتوقعاتهم في لفئة العمرية 15-24 سنة ظهرت الأهمية الكبيرة التي تحتلها العائلة عند هذه الفئة، فقد ذكر 82٪ من الشباب في العينة أن العائلة مهمة جداً بالنسبة إليهم، و15٪ آخرون ذكروا أن العائلة أهمية كبيرة نوعاً ما، وفي الفئة العمرية 15-17 سنة بلغت نسبة من يعدون العائلة مهمة جداً 85٪ إن الاعتراف بأهمية العائلة يشكل إحدى نقاط الانطلاقة الأساسية لهذا التقرير، ولا يمكن تفسير درجة التوافق أو الامتثال ولا درجة الاعتراض والتصادم بين المراهقات والمراهقين والعائلة، ألا باعتبارها تجليات لدورها الكبير في حياتهم خصوصاً في المجتمعات العربية.
وفي محيط العائلة يواجه المراهقات والمراهقين عناصر ثقافيين، الأولى حديثة تمجد تحقيق الذات مسئولية الفرد عن نفسه، والثانية تقليدية يكون الفرد فيها مظهرا في الجماعة الأسرية خصوصاً أو أي جماعات انتماء أخرى، وتؤدي العائلة في ذلك أحد الدورين فإما أ،تكون فضاء لتجديد وبالتالي تساعد المراهقات والمراهقين في الحصول على المزيد من الاستقلالية والحرية، وينطبق ذلك بصورة أشد على المراهقات.
ما المقصود بالرقابة الأسرية؟
تعد الرقابة مجموع الوسائل التي تستخدمها الأسرة لضمان التطابق بين سلوك الأبناء والبنات وبين المعايير والقيم السائدة في المجتمع والتي يرى الأهل إنهم مؤتمنون عليها وساهرون على استمرارها.
يمارس الأهل رقابة على تصرفات أبنائهم عندما يطالبونهم بالقيام بأعمال مرغوب فيها اجتماعيا أو يمنعوهم من ممارسة أخطاء أخرى يرون إنها غير مقبولة.
وتأخذ هذه الرقابة أشكالاً عدة فتكون محدودة وظرفية أو شاملة ودائمة، وذلك حسب أهداف الأهل وغاياتهم التربوية وكفاياتهم الذهنية، وحسب التمثلات والتصورات التي يحملونها عن منزلة الأبناء والبنات ودورهم في الأسرة والمجتمع. أما مضمونها فقد يقتصر على إملاء جملة من الواجبات والممنوعات،وقد يتخذ صيغاً أخرى أكثر ليناً وأساليب أكثر تأثيراُ للتوصل إلى قبول المراهقات والمراهقين السلوك المرغوب به وإستبطانة.
إن ''الدروس الأخلاقية'' والنصائح والترغيب تحل بعض الأحيان محل الضغط والرقابة المباشرة، إذ يفضل بعض الأهل إتباع أساليب الحوار والتواصل كالنقاش المتواتر وإفساح المجال لأبنائهم كي يدافعوا عن وجهه نظرهم ومواقفهم، والتفاوض من أجل تقبل التعليمات الأبوية والاقتناع بها أو من أجل رسم معايير جديدة يتفوقون عليها بشكل مشترك.
بينت أبحاث مركز الدراسات والأبحاث الديمغرافية في المغرب أن أدنى نسبة للخلافات المستمرة بين الأهل والأبناء هي مجال الدراسة، في حين سجلت أقصاها في مجالات العمل المنزلي ''للفتيات خصوصاً مع الأم-9,39٪'' ثم بخصوص الخروج ليلاً، الأصدقاء والأماكن المرتادة بنسب متقاربة وهي مجالات مترابطة أصلا، ويلفت الإنتباة هنا الأرجحية في نسبة الخلافات على المنزلي مقارنة بالخلاف على الخروج والأصدقاء، فهي تدل من جهة أولى أن التنشئة الاجتماعية للأبناء والبنات قد جعلتهم بهذه الطريقة أو تلك، عن اقتناع أو مسايرة للواقع، يتكيفون مع قواعد الخروج والمخالطة والأنشطة الخارجية، بحيث تنخفض تشبه الخلافات بصددها كما إن الإمكانيات الواقعية المتاحة لممارسة بعض الأنشطة غير متوفرة غالباً في الأوساط الريفية أو كلفتها عالية بالنسبة إلى قسم كبير من الأسر. لذلك فهي ملغاة بشكل تلقائي من قائمة النشاطات وغير مشمولة في الخلافات الدائمة، مما يجعل النسبة المستخلصة من الإحصاءات بالنسبة إلى هذه المسائل معبرة بدرجة أعلى عن البيئات المدينية والفئات التي يتوفر فيها دخل يتجاوز تلبية الحاجات الأساسية للأسرة. وقد بينت المقابلات هذه الخاصية، حيث أن المراهقات والمراهقين من الفئات المدينية والوسطى كانوا أكثر إحساساً بالرقابة ومجالات خلافاهم مع الوالدين تتجاوز نطاق المنزل إلى الأنشطة الخارجية.
في حين تتقارب مستويات الخلاف مع الأب والأم بالنسبة إلى الاستجمام وأنشطة أوقات الفراغ أما ما يتصل بدائرة المنزل والقضايا الحميمية فالأم هي المعينة بالمتابعة والرقابة وقد بينت النتائج أيضاً أن الخلاف المستمر على الخروج ليلاً بين أبناء الذكور والآباء هو الأعلى 9,29٪ وكذلك مع الأمهات 9,33٪ وهي أعلى النسب المحلية لدى الفتيات بحكم عدم طرح مسألة الخرج ليلاً بالنسبة إلى الفتاة أصلاً في بعض الفئات.
أما استطلاعاً الرأي اللذان نفذا في لبنان والبحرين في إطار إعداد هذا التقرير فقد بينا تعاوناً في مجالات الخلاف ''وبالتالي الرقابة'' التي يمارسها الأهل على الأبناء. فالنسبة الأعلى في البلدين تعلقت بالخروج من المنزل، حيث تصل نسبة الخلافات ''غالبا أو دائما'' إلى 63٪ في البحرين و 45٪ في لبنان، كما أن الأهل في لبنان أكثر مرونة في مجال الرقابة على المظهر إذ تصل نسبة الخلافات إلى 26٪ مقابل 43٪ في البحرين.
أما فيا يتعلق بالأصدقاء، فإن الخصائص السكانية والجغرافية للبحرين ''عدد السكان المحدود والامتداد الجغرافي الضيف بالإضافة إلى استقطاب القيم السائدة'' جعل المراهقات والمراهقين البحرينيين يرون الخلافات مع أهاليهم في مجال اختيار الأصدقاء أقل أهمية، فلم تتجاوز نسبة 4٪ منهم في حين إنها كانت موضوع خلاف أساسي بالنسبة إلى لبنان 44٪ وكذلك بينت المقابلات في البلدان الأخرى انها تشكل أساسياً لرقابة الأهل، بما يوحي بأن المثال البحريني هو تعبير عن حالة خاصة.
وعلى الرغم من أن لبنان يعتبر من البلدان الأكثر انفتاحا والأقل تميزاً في العلاقات بين النساء والرجال في حقل الممارسات الثقافية والاجتماعية فقد تبين وجود تفاوت كبير جداً في مجالات الخلاف بين المراهقات والمراهقين، ويجب النظر إلى مفهوم الخلاف بإعتبارة معبراً عن ممارسة الرقابة من الأهل ورفضها من قبل الأبناء في الوقت نفسه وتحديداً المراهقات.