إن الله عز وجل أنعم على هذه الأمة بدين لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه, تنزيل من حكيم حميد, أتمه لهم ومنَّ به عليهم فقال: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا). المائدة 3. وقال: (لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ). آل عمران 164.
لقد عاش المسلمون هذا الإسلام دهوراً بعز ووئام, وقطفوا ثمار هذا الالتزام عزة وانسجاماً, وتقدما واحتراماً, ووجدوا النعمة في أحضان مثل قوله تعالى: (إنما المؤمنون إخوة). الحجرات: 10 وقوله: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ) آل عمران: 103. وقوله: ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ). النحل: 90 وقوله: ( وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ) الحج: 77 وقوله: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) النور: 55
لقد أثمر هذا الالتزام بالإسلام والعمل بأحكام هذا الشرع ثماراً زاهية, وحقق لهم منافع جمة نذكر منها:
1 ـ تحقيق إيمانهم بالله عز وجل:
فالإيمان ليس بالتمني ولا بالتحلي, ولكن ما وقر في الصدر وصدقه العمل, فليس بالتمني ولا بالتحلي, ولكن ما وقر في الصدر وصدقه العمل, فليس هناك ما يعبر عن مضمون هذا الإيمان, ويرسخ مبناه ومعناه, مثل العمل بمقتضاه والالتزام بمحتواه, فلما عمل المسلمون بمستلزمات إيمانهم, شعروا بقيمة هذا الإيمان, وحققوا في حياتهم معاني هذا الولاء والانتماء إلى ربهم عز وجل, فإن الله عز وجل قال لهم: (كونوا ربانيين بما كنتم تعملون الكتاب وبما كنتم تدرسون) آل عمران: 79
2 ـ تحقيق عبوديتهم لله تعالى: إن العبودية لله تعالى هي وظيفة هذا الإنسان في هذه الحياة الدنيا, وهى ليست ادعاءً ولكنها عمل والتزام قال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) الذاريات: 56 والعبادة تعنى الخضوع لأمر الله, والطاعة له, وبترك شريعة الله عز وجل لا يبقى للإنسان من معالم هذه العبودية التي أنيطت بعنقه باقية, قال تعالى: ( واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ) الحجر: 99
3 ـ إقامة دين الله تعالى في أرضه: إن الله تعالى استخلف هذا الإنسان في هذه الأرض, وأمره أن يقيم فيها حكم الله تعالى على أساس من العدل والرحمة, قال تعالى: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) ص: 26 وأي عدل وحق ورحمة يمكن أن تتحقق في هذه الدنيا عند غياب دين الله تعالى عن أرضه وإعلاء لواء شرعه؟
4 ـ تحقيق عزة الأمة: فالعزة لله ولرسوله وللمؤمنين, وعزة الأمة مرهونة بالتزام شرع الله تعالى, وإقامة أحكام هديه, ولقد صدق ابن الخطاب رضي الله عنه حين قال: نحن قوم أعزنا الله بالإسلام, ومهما ابتغينا العز بغير ما أعزنا الله أذلنا الله وهذا روح قوله تعالى: ( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ) آل عمران: 139.
5 ـ تكوين الأمة الفاضلة: فإن هذا لن يكون إلا بالتزام شرع الله عز وجل, فكيف يكون الفضل, ويتحقق الخير على أنقاض المعاصي والمخالفات, وهجر شرائع الله عز وجل والعبث بأحكامه؟ فخيرية هذه الأمة وفضيلتها نابعة من التزام شرعها, قال تعالى: ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) آل عمران: 110, وقال: ( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ) الحج: 41 فهذه هي معالم الأمة الفاضلة, وبغيرها لا يكون فضل ولا خير.
6 ـ المحافظة على هوية هذه الأمة واستقلالها: فإن الدين جمعها على شرعه, وحقق وحدتها بتراث هاد, وميزها عن غيرها بهوية خاصة, ولن يصون هذه الهوية, ويحمى هذا الاستقلال إلا اجتماع الجميع على التمسك بمبدأ رصين وشرع مستقيم. قال تعالى: ( إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون ) الأنبياء: 92
وخلاصة القول: قال صلى الله عليه وسلم: ( أوصيكم بتقوى الله, والسمع والطاعة, وعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين, عضوا عليها بالنواجذ, وإياكم ومحدثات الأمور, فإن كل بدعة ضلالة " رواه أبو داود والترمذي.
|