المقدمة :
نهضة الأمة وتطورها تتوقف توقفاً تاماً على الفتاة وطريقة تربيتها وتعليمها ،فهي الضمان لإيجاد أسرة صالحة ولا بد أن تتوفر للفتاة أولاً الأسوة الحسنة والنموذجالصالح ومن ثم يجب الاهتمام بنوع التعليم الذي تتلقاه في المدرسة.
وبما أنمدارسنا في وقتنا الحاضر أصبحت لا تقوم إلا بعمل واحد ألا وهو حشو الذاكرة بمعلوماتشتى لا تروق للناشئة ولا تثير اهتمامهم ، وهي معلومات لا تلبث أن تنسى بعد حين ، كانلزاماً على رجال الفكر والتربية والتعليم إصلاح هذا الوضع الذي لا يتأتى إلا بمراجعةالمناهج الحالية وإصلاح يعتريها من خلل.
فالمطلوب تطوير المناهج لتخريج فتيات قادرات على مواجهة التحديات بحيث يتم التركيز على شؤون الفتيات ، كما تحتاج مناهجالمرحلة الابتدائية وهي مرحلة التأسيس لدى الناشئة أن تعكس صورة صحيحة عن المرأة لدىالطفل .
فسنحاول من خلال هذه الورقة استجلاء الصورة التي ترسمها مناهج التعليم بالمملكةالعربية السعودية للمرأة - من خلال منهج القراءة للصف الخامس الابتدائي - ، ومناقشة كفاءة تلك الصورة ، واقتراح ما يسهم في تكوين تصورسليم لدى الأجيال عن مكانة المرأة الرفيعة التي أكرمها الله تعالى بها في ظلالإسلام ، ودورها الفاعل في بناء حضارة المجتمع.
العرض :
تم تسليط الضوء في هذه الورقة على صورة المرأة وأدوارها من خلال منهج القراءة للصف الخامس الابتدائي ( بجزأيه ) الفصل الأول والثاني حيث كانت حصيلتها ( 23 ) درساً قرائياً موزعة على الفصلين بواقع ( 12 ) درساً في الفصل الدراسي الأول جاءت كالتالي :
1- مصايفنا .
2- احترام المعلم .
3- من المبشرين بالجنة .
4- اليد العاملة ثروة .
5- في ساعة النشاط .
6- الإمام أحمد بن حنبل .
7- الحمامة المطوقة .
8- جازان .
9- نهضتنا العمرانية .
10- ويل للقوي من الضعيف .
11- المياه العذبة .
12- المرافق العامة .
وبواقع ( 11 ) درساً في الفصل الدراسي الثاني جاءت كالتالي :
1- صناعتنا .
2- حول العالم على ظهر دراجة .
3- النخل والنفط .
4- إذا أردت أن تعيش سالماً .
5- الطبيعة في بلادنا .
6- الملك والحارس .
7- جلسة عائلية .
8- دول شقيقة .
9- الإنسان في عصر السرعة .
10- رياضة الجسم .
11- فدائي في سبيل الله .
ويتجلى من خلال العرض السابق للعناوين الرئيسة واستجلاء مضامينها خلوها تماماً من الأدوار المناطة بالمرأة أو حتى الإطار العام لصورة المرأة سوى في درس يتيم في الفصل الثاني ( ص45 ) بعنوان ( جلسة عائلية ) ورغم يتم الدرس بين أقرانه جاءت الإشارة إلى صورة المرأة بشكل غير مباشر وبصورة غير واضحة المعالم .
حيث تصدر النص القرائي صورة ملونة لعائلة مكونة من خمسة أفراد ، ثم تلاها النص الذي جاء في مقدمته وصف لمجيء الأب من العمل مساء بعد فراغه من عمله حيث جمعه مع أسرته جلسة هادئة كانت أطرافها الأم وماجد وسهل وليلى ، وكان دور ليلى مقتصراً على ذكر طرفة فكاهية فقط ! أما دور الأم كان إدارة دفة الحوار بين أبنائها فقط !!
ومن خلال العرض المحبط حقيقة لتوقعنا عن أدوار المرأة وظهورها في مناهجنا ، حيث بلغت هذه الأدوار نسبة ( 4, 34 % ) وهي نسبة ضئيلة جداً ، وليت الدرس المذكور كان يحمل بين ثناياه دوراً مباشراً وصورة واضحة للمرأة بل صورة رتقت من خلال إطار من الألوان غير المتناسقة .
وبدوري أتساءل : أين هي الصورة الحقيقية لشرح حقوق المرأة وواجباتها ، وما أكرمها الله به من مكانة رفيعة في أطوارحياتها المختلفة ، أين صورة البنت المصونة ؟! أين الأخت المحاطة بالرعاية ؟! أين صورةالأم المربية ؟! أين صورة الزوجة المعينة ؟! أين صورة المعلمةالمرشدة.؟!
لماذا لايتم ذكر فيهامساهمات المرأة المسلمة في الفقه والحديث والإفتاء كمادة مقروءة مثل: كريمة المرزوية التي انتهىإليها علو الإسلام في صحيح البخاري ، أو نفيسة بنت الحسن التي حضر الإمام الشافعيدروسها وسمع الحديث عنها أو حفصة بنت سيرين العالمة العابدة أو الشفاء بنت الحارثالمسماة بالمعلمة الأولى في الإسلام.
ومن يحتج اليوم بأن إدراج مثل هذه الأمثلة والموضوعات قديؤدي إلى الإسهاب في المنهج فإن الرد عليه يكون بالتقليل من الأمور العامة والتركيزعلى الفوائد الخاصة بالمرأة، وحذف موضوعات عفا عليها الزمن ولا مجال لذكرهاوتدريسها في الوقت الحاضر.
وعليه يجب الأخذ بالشمول والتكامل والتوازنفي تغيير المناهج، ومسايرة ذلك للاتجاهات العالمية وروح العصر مع الحفاظ علىخصوصيتنا كمسلمات.
نحن ننشد تطوير المناهج وتغييرها ، ولكن ماحدث من توحيد المناهج بين البنين والبنات الذي طبق فيبعض المراحل الدراسية قد أغفل جانبا مهماً يتمثل في اختلاف الوظائف بين المرأةوالرجل، فمهمة المرأة الأساسية ووظيفتها الأولى المتمثلة في الاهتمام بالأسرة ،ورعاية وتربية الأبناء ، ومهارات وفنون إدارة المنزل ، وواجبات الأمومة ، لم تحظَ بمايفي بمتطلبات هذه الوظيفة من معارف ومهارات تسهم في تأهيل التلميذات وإعدادهنللحياة الواقعية، وتهيئتهن للدور المنشود الذي تضطلع فيه المرأة بدور عظيم في بناءالجيل والارتقاء بواقع المجتمع.
وهذا يعد مخالفة صريحة لأبرز بنود السياسة التعليمية السعودية التي جاء فيها :
- التأكيد على تضمين المناهج الدراسية الحقوق والواجبات الشرعية للمرأة مما يساعد على إشاعة المفاهيم الصحيحة لموقعها في المجتمع، وصياغة المناهج الدراسية للبنات بما يناسب طبيعة المرأة ويهيئها لوظيفتها في الحياة.
ربما أتى ذلك تتويجاً لثمرة الجهود التي بذلتها المنظمات الدولية وعلى رأسها هيئةالأمم المتحدة وكذلكالمنظمات غير الحكومية ، والحركات النسائية في صدارتها ، عن إصدار عدد من المواثيقوالإعلانات والاتفاقيات الدولية التي تؤكد على حقوق المرأة وتحميها من مظاهرالتمييز ضدها ، وتدعم من مشاركتها السياسية والمدنية ، ومن أهم المواثيق والاتفاقيات مايلي :
1- اتفاقية بشأن الحقوق السياسية للمرأة وافقت عليهاالأمم المتحدة في ديسمبر1952 ودخلت حيز التنفيذ منذ يوليو 1954 .
2- إعلان القضاء على التمييز ضد المرأة والذي صدر عن الجمعية العامة للأممالمتحدة بالقرار رقم 2263 في نوفمبر 1967 .
3- اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة والتي اعتمدتها الجمعيةالعامة للأمم المتحدة بالقرار 34 /18 في 18 /12 /1979 ، ودخلت حيز التنفيذ في 3/9/1981.
4- المؤتمر العالمي الرابع للمرأة الذي عقد في بكين في عام 1995 الذي يعد حلقة هامة فيالجهود الدولية لتمكين المرأة سياسياً ، فقد أشارت الوثيقة الصادرة من مؤتمر بكين إلى ضرورة تضمين رؤية المرأة عند إعدادورسم مختلف السياسات ، والاهتمام بالمساواة بين الجنسين وخاصة في قطاع الإعلام عبرالتحرر من الصور النمطية عنهما وتضمين تصورات تراعى القضايا الخاصة بالنوع ، كماركزت على أهمية التوازن بين الجنسين في إطار تمثيل المرأة داخل الهيئات المختلفة .
حيث دعت اتفاقية مؤتمر بكين في المادة الخامسة ( إلى إلغاء التمييز لكي لا يكون أحد الجنسين أدنىأو أعلى، كما دعت إلى مكافحة جميع أشكال استغلال المرأة (
وكذلك في المادة التاسعة : ( تناولت الاتفاقية الحقوق الاجتماعية للمرأة فتحدثت عن التعليم والتربيةوالمناهج والمنح الدراسية وغيرها )
هذا بالإضافة إلى ما سبق أنه ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدينالدوليين للحقوق السياسية والمدنية من جهة والاقتصادية والاجتماعية والثقافية منجهة أخرى ، من بنود تصون حقوق المرأة المزعومة .
حيث تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة لكيتكفل لها حقوقا مساوية لحقوق الرجل في ميدان التربية ، وبوجه خاص لكي تكفل على أساسالمساواة بين الرجل والمرأة– منها إيجاد - :
أ ـ شروط متساوية من التوجيه الوظيفي والمهني ، والالتحاق بالدراسات والحصولعلى الدرجات العلمية في المؤسسات التعليمية على اختلاف فئاتها ، في المناطق الريفيةوالحضرية على السواء ، وتكون هذه المساواة مكفولة في مرحلة الحضانة وفى التعليمالعام والتقني والمهني والتعليم التقني العالي ، وكذلك في جميع أنواع التدريبالمهني .
ب ـ التساوي في المناهج الدراسية، وفى الامتحانات ، وفى مستويات مؤهلات المدرسين، وفى نوعية المرافق والمعدات الدراسية .
ج ـ القضاء على أي مفهوم نمطي عن دور الرجل ودور المرأة في جميع مراحل التعليمبجميع أشكاله ، عن طريق تشجيع التعليم المختلط وغيره من أنواع التعليم التي تساعدفي تحقيق هذا الهدف ، ولاسيما عن طريق تنقيح كتب الدراسة والبرامج المدرسية وتكييفأساليب التعليم .
د ـ التساوي في فرص الحصول على المنح والإعانات الدراسية الأخرى .
هـ ـ التساوي في فرص الإفادة من برامج مواصلة التعليم ، بما في ذلك برامجتعليم الكبار ومحو الأمية الوظيفي ، ولاسيما البرامج التي تهدف إلى التعجيل بقدرالإمكان بتضييق أي فجوة في التعليم قائمة بين الرجل والمرأة .
و ـ خفض معدلات ترك الطالبات الدراسة ، وتنظيم برامج للفتيات والنساء اللاتيتركن المدرسة قبل الأوان .
ز ـ التساوي في فرص المشاركة النشطة في الألعاب الرياضية والتربية البدنية .
ح ـ إمكانية الحصول على معلومات تربوية محددة تساعد على كفالة صحة الأسرةورفاهتها ، بما في ذلك المعلومات والإرشادات التي تتناول تنظيم الأسرة .
وكما هو غير خافٍ على أيّ مطلع على الوضع الراهن تلك التحديات التي تواجه مناهجنا ونظامنا التعليمي ،فنحن لا نخضع لما يُملى علينا ، نحن نقرر مصيرنا من خلال رؤيتنا ،و ما يحتاجه مجتمعنا الذي تحكم أطره الشريعة الإسلامية ، و لا ننظر للمرأة إلا كما ينظر لها الشرع ، وأول الأهداف المنشودة في مناهجنا : تخريج جيلٍ يتحلى بالقيم الإسلامية النبيلة .
توصيات ومقترحات :
· * مشاركة المرأة في وضع الخططوتغيير المناهج مشاركة فاعلة وفق دراسات وبرامج تعتمد على ما يستجد من تطورات معالأخذ بآخر ما توصلت إليه الدراسات العالمية لتكون نقطة بداية للتغيير الهادف.
· * اختيار وتفعيل الآيات والأحاديث المقررة للحفظ والدراسة التي تثبت دور المرأة فيالإسلام، بحيث يضمن نمو ثقة الفتاة بدينهاونفسها لتستطيع مواجهة موجات التحدي والمؤامرات التي تحاك ضدها.
· * شرح المفاهيموالمصطلحات التي تخص المرأة والتي تطرح عالمياً وعرضها عرضا مدعماً بما يدحضها إذاكانت خطأ أو بما يثبتها إذا كانت صحيحة مع التأكيد على الانتماء إلى الهوية.
وأخيراً : لعل أكبر رد على هذه المحاولات الغربية لتغيير مناهجنا عبر بوابة المرأة ما نجده من إحصائيات لمعدلات القيد للبنات في التعليمالعالي فاقت نظيرتها لتعليم البنين في عام 1423هـ. بحيث أصبح هناك 9 طلاب مسجلين فيالتعليم العالي مقابل 10 طالبات ، وذلك للتزايد الواضح في مخرجات التعليم الثانوي، والفجوة التي كان يتحدث عنها البعض في السابق أصبحت الآن فجوة لصالح الطالبات ، وبالتالي عليناأن نحقق التوازن لصالح الطلاب .!
والله ولي التوفيق