بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد، فينتشر في كثير من المدن في بلاد الحرمين روضات أطفال أهلية يُجمع فيها بين البنين والبنات وهم دون سن التمييز، يقوم بالتدريس فيها النساء فقط، والأمر في ذلك سهل؛ لأن البنين والبنات في هذه السن ليس عندهم من الفهم والإدراك ما يقتضي وجوب الفصل بينهم وإن كان الأولى الفصل بينهم، ولم تأت الشريعة بأمرهم بالصلاة، ولا يُحضرون إلى المساجد من أجل الصلاة ولا يقامون في الصفوف لكونهم ليسوا من أهل الصلاة، ويجري الحديث بين حين وآخر من بعض الناس سواء كانوا مسئولين أو ليسوا في موقع المسئولية تمنياً وتفكيراً في نقل هذا العمل إلى ما بعد سن التمييز في الصفوف الأولية في المدارس الابتدائية.
وحصول الجمع بين البنين والبنات بعد سن التمييز ولو في الصفوف الأولية غير سائغ لما فيه من محاذير يدركها كل عاقل، ولما فيه من الفرق بين سن التمييز وما قبله، ومن ذلك:
(1): أن للبنين والبنات بعد سن التمييز من الفهم والإدراك ما يجعل الحكم فيهم مختلفاً عما قبل هذه السن، ولهذا جاءت السنة بأمرهم بالصلاة على سبيل الاستحباب ليتعودوا عليها ويأتوا بها على الوجه المشروع؛ فقال صلى الله عليه وسلم: ((مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع)) وهو حديث صحيح رواه أبو داود (495) وغيره من حديث عبد الله بن عمرو وسبرة بن معبد رضي الله عنهم، بل ذهب بعض أهل العلم إلى صحة إمامة المميز ولو كان في أول سن التمييز إذا كان أقرأ من غيره؛ لحديث عمرو بن سلمة الجرمي رضي الله عنهما في ذلك رواه البخاري (4302)، وليس في قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: ((وفرقوا بينهم في المضاجع)) دليل على أن ما دون العشر يجوز الجمع فيه بين البنين والبنات في الدراسة؛ لأن المراد منه أن الرجل يفرق بين أولاده في مضاجعهم لما يُخشَى أن يحصل منهم من أفعال غير سائغة ولأنه قد يحصل البلوغ للبنت بالحيض وهي بنت تسع كما سيأتي.
(2): أن الجمع بين البنين والبنات في الصفوف الأولية ــ مع كونه محذوراً ــ وسيلة وذريعة إلى الجمع بينهم في الصفوف الأخيرة، ثم في المرحلة المتوسطة وهكذا ما وراءها، فيكون بداية سيئة تجر إلى ما هو أسوأ منها، وقد قال ابن القيم رحمه الله في الطرق الحكمية (ص 281): (( ولا ريب أنَّ تمكين النساء من اختلاطهنَّ بالرجال أصلُ كلِّ بليَّة وشرٍّ، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنَّه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا، وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة ))، وقال: ((ولو علم أولياء الأمر ما في ذلك من فساد الدنيا والرعية ـ قبل الدين ـ لكانوا أشد شيء منعاً لذلك )).
(3): أن من البنين والبنات من يحصل لهم البلوغ وهم في مرحلة الدراسة الابتدائية لم يتجاوزوا الثانية عشرة، فقد ذكر البخاري في صحيحه قبل الحديث (2664) عن المغيرة بن مقسم الضبي أنه قال: ((احتلمت وأنا ابن ثنتي عشرة سنة)) قال الحافظ في شرحه: ((جاء مثله عن عمرو بن العاص، فإنهم ذكروا أنه لم يكن بينه وبين ابنه عبد الله بن عمرو في السن سوى اثنتي عشرة سنة))، ويُفهم من ذلك أن عمرو بن العاص رضي الله عنه بلغ قبل الثانية عشرة، ومن البنات من يحصل لهن البلوغ بالحيض وهن في الصفوف الأولية للدراسة الابتدائية، فقد ذكر البخاري أيضا عن الحسن بن صالح أنه قال: ((أدركت جارةً لنا جدةً بنت إحدى وعشرين سنة))، قال الحافظ في شرحه : ((وقد ذكر الشافعي أيضاً أنه رأى جدةً بنت إحدى وعشرين سنة وأنها حاضت لاستكمال تسع ووضعت بنتاً لاستكمال عشر ووقع لبنتها مثل ذلك))، فلا يجوز الجمع بين البنات اللاتي بلغن بالحيض أو قاربن البلوغ بعد سن التمييز وبين البنين الذين هم في هذه السن.
(4): أن الله ذكر في سورة النور من يجوز للنساء إبداء زينتهن لهم، ومنهم الأطفال الذين لم يظهروا على عورات النساء، ومن كان منهم بعد سن التمييز ولاسيما في سن الثامنة والتاسعة فقد يحصل لهم من الإدراك والفطنة في أمر النساء ما يكونون به من الأطفال الذين ظهروا على عورات النساء، فلا يجوز إبداء الزينة لهم، ولا أن يدرسهم مدرسات، ولا الجمع بينهم وبين البنات اللاتي هن مظنة للبلوغ في هذه السن كما مرت الإشارة إليه قريباً.
(5): أن قصر التدريس في الصفوف الأولية على النساء كما هو الشأن في مدارس روضات الأطفال يترتب عليه ضرر كبير وهو إفساح المجال لتوظيف النساء دون الرجال؛ لأن المدارس الابتدائية أكثر عدداً من غيرها، والدارسون فيها أكثر من الدارسين في غيرها، فوظائف التدريس فيها في غاية الكثرة، فتكثر البطالة ويتسكع الشباب في الشوارع أو يلزمون البيوت، والرجال أولى بالوظائف من النساء لكونهم قوامين عليهن والنساء مقوم عليهن وهن أولى بلزوم البيوت، ولا تكون حالهم وحالهن كما قال الشاعر:
ورأيتها يوماً تغادر بيتنا
|
|
وسألتها قالت: أريد إدارتي
|
لم يبق إلا أن أكون مكانها
|
|
وهي التي تسعى لتجلب لقمتي
|
وطعامها أطهو وأغسل ثوبها
|
|
وكذا أرضع طفلها يا بلوتي
|
(من كتاب محاضرات الجامعة الإسلامية بالمدينة في موسمها الثقافي في عام 1394ــ1395هـ ص 241 ضمن محاضرة بعنوان: المرأة بين من كرَّمها ومن أهانها، للشيخ: عبد الفتاح عشماوي رحمه الله).
وأقول بعد إيراد هذه المحاذير:
إن من حسن حظ أي مسئول في التعليم وزيراً أو غيره ــ ولا بد له من مفارقة هذه المسئولية بوفاة أو إعفاء ــ ألا يحصل في عهده وفترة ولايته ما يكون به ضرر على المسلمين في دينهم وأخلاقهم ويلحقه بعد موته و عزله تبعاته السيئة وآثاره الخطيرة، بل يجتهد في مدة ولايته المنتهية ولا بد في أن يكون فيها من مفاتيح الخير ومغاليق الشر، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً)) رواه مسلم (6804)، وقال صلى الله عليه وسلم: ((من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء)) رواه مسلم (2351).
وأسأل الله عز وجل أن يوفق المسئولين في التعليم وغيره لأداء ما وجب عليهم على الوجه الذي يرضيه، وأن يحفظهم من الوقوع في كل فعل يعود عليهم وعلى المسلمين ضرره في الدنيا والآخرة، إنه سميع مجيب.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه