على منحدر صخري يقع على الجانب الشرقي لجبال زاجروس الإيرانية المحاذية من الشمال والجنوب لمجرى نهر " زايندة " تبدو عروس فارسية جميلة تتباهى بوشاح الطبيعة الخضراء الفاتنة حيث تجذب بحسن بهائها الزائرين لدولة إيران وتأسر قلوبهم ببساتينها الساحرة وأنهارها الجارية وغاباتها الرائعة بطقس معتدل الحرارة في الصيف وشتاء بارد مصحوب بتساقط الثلوج.
أصفهان " نصف جهان" كما يسميها الإيرانيون وتعني نصف العالم وذلك لجمال طبيعتها وكثرة بساتينها وغاباتها الكثيفة التي تغطي جوانب شوارعها بأغصانها الكثيفة المتشابكة والتي تتخللها أصابع الشمس الذهبية اللامعة أوقات الظهيرة وبداية الصباح المشرق.
مساحتها وعدد سكانها
وكما ذكرت صحيفة " الشرق الاوسط " ، تبلغ مساحة أصفهان 250 كيلومتراً مربعاً وبارتفاع 1575 متراً فوق سطح البحر فيما يبلغ عدد السكان فيها حوالي 3100000 نسمة، وهي من المدن الإيرانية العريقة بتاريخها وماضيها، فهي توازي في قدمها قدم دولة إيران إذ تعد من المناطق الأولى التي استوطنها الإيرانيون كما شكلت من العصور الماضية أكبر مدن إيران، وهي ذات معالم تاريخية عديدة حملت آثاراً من كل تلك العصور التي مرت عليها بحيث تبدو بمثابة متحف حي بمساحة المدينة.
ويـتـوسـط مـديـنـة أصـفـهـان نـهـر «زاينده» المفعم بالحيوية والحركة والذي تغصّ ضفافه بالناس من سكان المدينة ومن السياح العرب والأجانب ومن مناطق إيران المختلفة، حيث تنساب مياهه من مرتفعات جبل بختياري الأصفر عبر مسافات طويلة وهو نهر رائع وكريم ومعطاء تكثر فيه القوارب العوّامة وهي إحدى وسائل التسلية الموجودة هناك، وتضفي عليها جمالاً بالحدائق والمتنزهات الخلابة الواقعة على ضفتيه مثل متنزه ملت وحديقة بوستان وآئينه خانه التي تعد جميعها مواقع سياحية جذابة لقضاء أوقات طيبة وسعيدة.
ويبقى جسر "سي وسه بل" أحد أبرز المعالم السياحية الأثرية في مدينة أصفهان حيث اعتاد الأصفهانيون اصطحاب ضيوفهم وزوار المدينة إليه في أول جولة سياحية لهم، وترجمته " ثلاثة وثلاثون قنطرة"، وهذا الأثر التاريخي هو عبارة عن جسر مؤلف من 33 قنطرة يبلغ طول الجسر 300 متر وعرضه 14 متراً شيد من الطابوق الإيراني المعروف بالآجر فوق نهر " زايندة " في أوائل القرن الحادي عشر الهجري أثناء حكم شاه عباس الأول، ويربط هذا الجسر بين نصفي مدينة أصفهان بين الحدائق الأربع وجلفا.
ويعد هذا الجسر من المعالم الأثرية والسياحية الجذابة في أصفهان، وكثيراً ما يعد ملتقى للعشاق والأحباب حيث ينتشر في جنباته عازفو المزامير الإيرانية القديمة والرسامون الماهرون في الرسم الفوري للأشخاص بالفحم والحرق وأقلام الرصاص والألوان الزيتية الباهرة وتتناثر محلات الأكشاك والعربات المتنقلة ببيع الذرة المشوية والفيشار والبوظة المتنوعة والمشروبات الباردة والمثلجات المعدة بطريقة مغرية وجاذبة.
وبعد أن يستأنس الزائر بروعة الـ " سى سه بل" لا بد أن يكمل نشوة استئناسه وسكونه النفسي بزيارة جسر خاجو " بل خاجو" وهو معلم سياحي شهير يتميز بطبيعة رائعة وفن عريق يقع على نهر " زاينده " الذي تتدفق فيه المياه من بين القناطر والأدراج تنبسط فوق الجسر ايونات شامخة برونق وجمال ساحرين يشعر الإنسان فيه بالصفاء والمتعة يعود تاريخ بناء هذا الجسر إلى النصف الثاني من القرن الحادي عشر الهجري في عهد شاه عباس الثاني.
وتكتمل لذة الاستئناس بالطبيعة الخلابة الفاتنة والاسترسال بعبق السكينة بزيارة " باغَ كُلها " حديقة الزهور والتي قد تناثرت فيها وبين جنباتها وفي كل زواياها كافة أنواع الزهور الطبيعية الجميلة بأشكال مختلفة وألوان زاهية رائعة تزيح الهم من على قلوب المهمومين وبروائح شذاها الذكية والتي تنعش المار بها وبأسماء متباينة بصفات معينة كتبت على قطعة خشبية صغيرة مع بيان موطن نموها، ويشدد الحارس الأعجمي الموكلة إليه مهمة حمايتها على عدم قطفها أو حتى لمسها، فما أن تمتد يد الطفل الصغير لغصن إحداها المتدلي وبلونها الجذاب لأعين الطفولة إلا ويعتلي فضاء الحديقة صفير الحارس القوي والمخيف للطفل فيفر مسرعاً يحتمي بوالديه، وجدير بالزوار العرب من السعودية والخليج أن يطلقوا على هذه الحديقة " مستشفى الأمراض النفسية" حيث يؤكدون على المرضى النفسانيين بزيارتها للاستشفاء الروحي بعبق ورودها وبأصوات تدفق المياه الجارية في أنهرٍ صغيرة تتخلل الحديقة حيث يستمتع الأطفال والأبناء اليوافع باللعب بتلك المياه الباردة العذبة وارتشافها.
ويحلو لسائق التاكسي المقل للزوار الخارجين من حديقة الزهور إقناعهم بزيارة حديقة الطيور" باغ برنداكان" التي تبعد عن حديقة الزهور بما يقارب النصف ساعة شريطة أن يدركوا موعد دخول حديقة الطيور قبل وقت غروب الشمس بساعة حيث يمنع منعا باتا دخولها ليتسنى لهم إطعام الطيور بكافة أنواعها وتهيئة المكان لها للنوم، نظراً لكبر مساحة الحديقة المخصصة للزوار حيث يصعب على المشرفين عليها إخراجهم منها إذا حلت الظلمة.
وتبدو الحديقة غابة كبيرة متداخلة الأشجار وتتوزع الطيور بكافة أنواعها على أجزاء الحديقة بحسب تشابهها وتقارب مواصفاتها، فمنها الأليفة والجارحة، وأكثر ما يجذب الزوار تنقل الطاووس بألوانه الزاهية المتناسقة بين يديه وبزهوٍ يشوبه الكبرياء يفر مسرعاً بمجرد أن يقف الزائر بجنبه كي يلتقط الصورة مع منظر وقوف الطائر الحزين على رجلٍ واحدة رفيعة وبرقبة طويلة ومنقار مثير للعجب، وحركة الدوران الرائعة والمثيرة للدهشة للبط والاوز والبجع في أحواض المياه والنوافير المتعددة الأشكال والتصاميم.
الآثار التاريخية والمناطق السياحية
وتشتهر مدينة أصفهان بالآثار التاريخية والمناطق السياحية الرائعة مثل المساجد القديمة ذات النمط المعماري الإسلامي والقصور التاريخية التي يقصدها السياح الأجانب من جميع دول العالم، حيث يمثل ميدان «نقش "جهان" ويعني " صورة العالم" والآثار التاريخية المحيطة بها، بما فيها مسجد الإمام وعمارة " عالي قابو» ومسجد الشيخ لطف الله، منظومة معمارية فنية متطورة كانت تعد فريدة في نوعها في القرن السادس عشر الميلادي.
وتقع عمارة "عالي قابو" وتعني " الباب العالي" في الضلع الغربي لميدان " نقش جهان" وقد تم التخطيط لبنائها بالتزامن مع أبنية الميدان الأخرى وذلك في عام 1006م والذي استغرق سبعين عاماً، ويتألف المبنى من ستة طوابق.
ويتجلى سحر "عالي قابو" وجماله الحقيقي في غرفة وصالات أكثر مما يتجلى في مظهرها الخارجي حيث توجد الزخارف والنقوش والرسوم المنحوتة على الجدران والسقوف وذلك في معظم صالات القصر وغرفه، وقد تم طلاء الجدران بماء الذهب والمنمنمات البارعة الأشكال والزهور والأغصان والرسوم.
وتوجد في الطابق السادس من القصر صالة تعتبر من أكبر صالات القصر حددت فيها أماكن معينة للعازفين والمغنين، وتمتاز الصالة باحتوائها على زخارف ونقوش في غاية الروعة والجمال وقد اشتهرت هذه الصالة باسم " صالة الموسيقى» وهي تمتاز بدقة وظرافة زخارفها وذلك لتوفير صدى طبيعي لأصوات العازفين.
ومن المناطق الأثرية التي تعج بها مدينة أصفهان وهي كثيرة ، " كاخ جهل ستون" وتعني قصر الأربعين عمودا حيث تبلغ مساحة القصر الأثري 67000 متر مربع وقد تم تشيده في العام 1057هـ ، أي في زمن الشاه عباس الثاني ويحتوي القصر على إيوان رفيع قائم على 20 عموداً وتقع على جانبيه قاعة ومجموعة من الغرف صممت وبنيت بأيدي أمهر الفنانين، كما يضم القصر آثاراً قديمة ورسومات قيمة ذات طابع فارسي أصيل.
" منار جنبان" وتعني المنائر المتحركة، يعود تاريخ هذه المنائر إلى عام 716 الهجري بهندسة العالم المعروف الشيخ البهائي وتمتاز بسر خاص كما يقول الأصفهانيون وهي مصممة بفن يثير الإعجاب حيث أنه بمجرد تحريك إحدى منائرها تهتز المنارة الثانية معها بشكل لافت للأنظار.
" بازار أصفهان" ويعني سوق أصفهان، وهو السوق القديم لأصفهان يشتمل عدة أقسام أثرية جذابة ذات قيمة تاريخية وسياحية منها الخانات والسرايا التي شيدت بأسلوب رائع أبرزها النقش والنحت على الحجر السيراميك والخشب الصلب بحيث أصبح السوق مركزاً لبيع وشراء البضائع والصناعات اليدوية الأصفهانية التي تمثل أشهر منتوجات الحرف اليدوية عالمياً والقيمة الفنية تبرز في مهارة التطعيم والرسم والنقش والحفر على الأخشاب والمعادن وصناعة الأواني والتحف الذهبية والفضية والنحاسية والصناعات الجلدية، مضافاً على هذا كله حياكة أجود أنواع السجاد اليدوي المعروف على المستوى العالمي من السجاد الفارسي الأصيل.
"مدرسة السلطان" وهى احدي المدارس التاريخية التي تم تأسيسها في زمن السلطان حسين الصفوى فى الفترة مابين 1118 _ 1126 هـــ .
" مسجد الامام " " يوصف مسجد الامام بأنه تجليات رائعة بمظاهر العمارة الايرانية الاسلامية " بنى المسجد الذى يتكون من اربعة أفنية قبل أكثر أربعمائة عام واستغرق بنائه عشرين عام ويضم قبتين متقابلتين تفصل بينهما مسافة تقدر بـــ 12 مترا وهى أعلة قبة فى المدينه ويضم المسجد أيضا أربع مأذن " اثنتين عند المدخل واثنين عند الفناء الجنوبى " وتوجد فى المسجد مدرستان للعلوم الدينية عدا { المدرسة السليمانية } و { المدرسة الناصرية } .
وتوجد فى كل فناء من أفنية المسجد فتحتان كبيرتان فى الصخر تسميان بــ " سنك آب " وتعنى " صخرة الماء" توفران مياه الشرب للمصلين ويقال وان الفتحتين كانتا تعملان عمل الساعه فى تحديد الوقت.
أنتهت زيارتنا لهذه المدينة التى تعد بمثابة رحلة أستجماما نفسى من ثقل الحياه بأتعابها المتباينة الاشكال ، فأصفهان حقا المشفى الروحى والمستقر النفسى حيثما يممت وجهى فيها وجدت الجمال يحاكى القلوب ويناجى الارواح ويستلهم عبق السعادة وسر الحياة ، وحيثما زرت القصور وعبرت الجسور وجدت التاريخ يحاكى المجد ويستلهم الذكريات من أسوار الحضارة والرفعة والسمو