بتـــــاريخ : 3/18/2009 1:02:44 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1268 0


    بين التاريخ والجغرافيا... مقدمة لابد منها

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : أحمد عبد الحميد | المصدر : www.salafvoice.com

    كلمات مفتاحية  :
    بين التاريخ والجغرافيا... مقدمة لابد منها

    كتبه/ أحمد عبد الحميد

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

    فقبل الشروع في بيان بعض أهم الجوانب التاريخية حول القدس لابد من بيان بعض المقدمات الهامة لفهم طبيعة التعامل مع مثل هذه الملفات وغيرها، لاسيما مع كثرة المعلومات المتوفرة التي تنطوي على أنواع من التناقضات التي تلقي ظلال الشك عليها جميعا إلا ما كان مصدره من وحي معصوم.

    وقد حظيت قضية القدس وفلسطين بقدر لا بأس به من ذلك كله بطبيعة الحال.

    وأول هذه المقدمات عن العلم الذي لا ينفع:

    فيولي الدارسون للتاريخ والجغرافيا أرض الشام عناية فائقة، إذ أن هذه الأرض منذ فجر التاريخ كانت ولا تزال محط رحال الكثيرين، وقامت حولها حضارات عدة على اختلاف أجناسها وألوانها، ولا عجب في ذلك فالأرض بها بقعة مباركة وخيرات، وهي ذات موقع يعتبر محوريا بالنسبة لبقاع الدنيا.

    وأكثر الدارسين للتاريخ والجغرافيا عموما يعتنون بنوعية من المعلومات تعتبر غير ذات قيمة كبيرة بالنسبة لنا نحن المسلمين، شأنهم كشأن كثير من الدارسين لأنواع من العلوم لا طائل تحتها، ولا تفيد في دنيا ولا أخرى؛ إلا نوعا من التباهي بمعلومات طريفة، والتظاهر بعلم عميق هو في حقيقة أمره أشبه بفضول الأطفال.

    فبينما العالم تأكله المجاعات والحروب تجد أعدادا كبيرة من أصحاب القبعات يطوفون الأرض بحثا عن إناء فخاري أو قطعة من الحجر، أو نوعا من الصخور ثم إذا بهم يهتفون بانتصار علمي جديد مفاده أن ديناصورا ما قد مر من هنا، أو أن على هذه الأرض قد عاش إنسان طويل القامة نوعا، أو أن صديقا مريخيا ترك بعض الآثار هنالك، أو أي شيء من هذه السخافات التي يفترض أن يقف العالم معها مشدوها متقطع الأنفاس حامدا الله على أن ساق له هذه المعجزات العلمية لتنقذه في الوقت المناسب بعد أن كاد يهلك.

    والإشكال أن تنحرف صورة العلم شيئا فشيئا وتصير هذه الأمور بمثابة المسلمات التي يلحق الذم بمن أنكرها أو تشكك فيها، بل وتسن القوانين الدولية وفق هذه التصورات الساذجة.

    ونموذج أرض الميعاد اليهودية والحق التاريخي في الأرض واحد من هذه النماذج، حيث تجد الحجج التي تساق في مثل هذه القضية هي مجموعة من الأحجار والأواني الفخارية والتراكيب الجيولوجية التي لا تدع مجالا للشك بأن هذه الأرض كانت ملك الجنس الفلاني أو العلاني، وهذا بالطبع مع بعض الحديث عن أنواع الأشعة المتطورة المستخدمة في الأبحاث، وكذلك الكربون المشع، مما يعطي الأمر طابعا علميا مهيبا يجعلك تسلم بلا جدال.

    وكأنه لو سلمنا مثلا بأن هذه الأرض سكنها بنو إسرائيل منذ آلاف السنين فينبغي علينا نحن المسلمين أن نترك لهم المسجد والأرض ليفعلوا بهما ما يشاءون، بينما نقف فخورين بروحنا العلمية المحايدة، أو لو سلم اليهود لنا بأن العرب الكنعانيين هم أول من سكن الأرض فسيعاملوننا بذات الطريقة.

    وهذا يقودنا إلى المقدمة الثانية؛ وهي أن الأرض لمن عبد الله عليها:

    إن الحق الذي لا مراء فيه أن بني آدم كلهم لآدم وحواء، رجل وامرأة وتفرق أبناؤهم في الأرض بعد ذلك، وقبل أن يوجدا لم يكن هناك بشري على الأرض، ولم يكن يحق لأحد الحديث عن ملكيته لهذه البقعة أو أحقيته في تلك.

    أهبط آدم وذريته لعبادة الله وإعمار الأرض بذلك، وجعل الله لهم الأرض متاعا إلى حين، ثم يعودون إلى ربهم وتبدل الأرض غير الأرض (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى . وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)(طه:123-124)، (وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ)(البقرة:36).

    فمن السخف إذاً الانشغال بمثل هذه التفاهات التي تجعل من الإنسان الضعيف العاجز سيدا للكون يتصرف فيه كما يشاء بالمنع والمنح.

    الحق الذي لا مراء فيه أن الأرض لمن عبد الله عليها، ومن غيـَّر أو بدل فالسنن لا تحابي أحدا (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآَخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا)(الإسراء:7).

    وكما هو واضح من الآيات فإن الوجه الرئيسي للصراع على ظهر الأرض هو الصراع بين الحق والباطل، والإيمان والكفر، بين الخير والشر كما يحلو للبعض التعبير. فلا مجال حينئذ للادعاء بأن الصراع بالأساس هو صراع اقتصادي أو اجتماعي أو جنسي وفقا للنظريات المتعددة التي صيغت بهذا الصدد.

    ولا شك أن البحث عن الموارد والرغبة في التملك كانا وقودا لكثير من الصراعات عبر التاريخ، ولكن المحرك الرئيسي للصراع هو الرغبة في الإفساد من قبل الشيطان وأعوانه، وما يقابل ذلك من الرغبة في الإصلاح من قبل أولياء الله.

    والمقدمة الثالثة هي عن منهجية التعامل مع التاريخ:

    يتعامل البعض مع التاريخ وكأنه رواية مسلية محبوكة متصلة الحلقات، بينما الواقع عكس ذلك، فتدوين التاريخ والاحتفاظ بالحقائق دون تشويه؛ يعد من أصعب الأمور، بل إن أغلب حلقات التاريخ غير مكتملة بالنسبة لنا، الأمر الذي يجعل طوائف كثيرة من المؤرخين تحاول سد هذه الثغرات بأنواع من الاستنتاجات يكون مردها إلى المكون الفكري للمؤرخ وطبيعة فهمه للأمور، وحتى على مستوى كل أمة بعينها فإن كتابة التاريخ تكون محكومة بالعديد من العوامل من بينها كون هذه الأمة مهزومة أو منتصرة مصونة الجوانب، وما يتبع ذلك من قدرتها على الاحتفاظ بمدوناتها دون أن تصل لها يد التحريف أو الإتلاف، وكذلك جوانب النهضة الفكرية والثقافية، ومدى أهلية من يتصدى لكتابة التاريخ، فضلا عن مدى حياديته وبعده عن لي أعناق الحقائق تحقيقا لأغراض معينة.

    وهذا الأمر الأخير يعد من أهم الاعتبارات التي يجب أن ينتبه لها كل دارس للتاريخ، وهو أن التاريخ في حقيقته هو سلسلة من الصراع، وإدراك طبيعة هذا الصراع يتوقف على رؤية الإنسان للحياة ومعتقداته فيها، الأمر الذي يتباين فيه الناس تباينا كبيرا. وكم من مؤلفات وبحوث صيغت وأقيمت حولها الندوات والمؤتمرات ليتضح في النهاية أن وراء هذه الأبحاث خلفية تسعى إلى تأكيد فكرة معينة بغض النظر عن مصداقيتها، أو أن هناك تمويلا ماليا يدفع نتائج هذه الأبحاث في اتجاه معين أو غير ذلك من الوسائل التي تؤثر في نتائج الأبحاث العلمية.

    وموضوع القدس بالذات حظي بقدر كبير جدا من التلاعب والدس في حقائق التاريخ، بل والجغرافيا كذلك، الأمر الذي يدعو الخائضين فيه من المسلمين إلى أن يتحسسوا مواطئ أقدامهم وألا ينزلقوا في التعاطي مع هذه الأمور وفق الرؤى الصهيونية التي صبغت العالم نتيجة للآلة الإعلامية اليهودية، والنفاق الأوروبي والأمريكي لليهود.

    فينبغي الانتباه إلى أن المنهجية الإسلامية في التعامل مع القضايا التاريخية تعتمد على قواعد وضوابط صارمة لا تتيح فرصة للأخبار المكذوبة أو الباطلة لاسيما في الأمور التي يترتب عليها أحكام شرعية، وإلا فأخبار التاريخ الغرض الأساسي منها هو الاتعاظ والاعتبار وقراءة السنن الكونية والشرعية قراءة سليمة.

    وبرغم ذلك فإنه لم يسلم حتى التاريخ الإسلامي من الكذب والتدليس والوضع لذا كان الواجب الانتباه لذلك حيث لم يتعامل كل المؤرخين مع التاريخ بنفس القواعد الصارمة التي وضعها علماء الحديث للحكم على المرويات، وبرغم هذا أيضا فإن التاريخ المدون لأمة الإسلام يعتبر أنقى وأفضل ما دون من تواريخ حتى على المستوى الفني للصنعة التاريخية؛ لأنه بقي في الأمة -بفضل الله- من يأتي على الأخبار فينخلها نخلا ولا يترك كذبة لتروج على الأمة فـتـُحرِف رؤيتها لأمر من الأمور.

    وأما عن أخبار الأمم السابقة التي اندرست معالمها فيستحيل تحصيلها بطريقة سالمة من الكذب والتضليل والدس؛ إلا إذا كانت من خلال وحي معصوم، أو نقل ثقة بطريقة منضبطة، والأمران لا يتحققان في غالب هذه الأخبار، حيث إن ما وردنا من طريق الوحي يقتصر على جوانب الاتعاظ والاعتبار، وهو العلم النافع في الدنيا والآخرة.

    قال -تعالى-: (وَكُلا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ)(هود:120)، وقال -تعالى-: (كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آَتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا . مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا . خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلا)(طه:99-101)، (الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ . إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ . نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآَنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ)(يوسف:1-3).

    فالغرض من قصص القرآن هو التنبيه من الغفلة، وهكذا ينبغي أن يكون كل قصص، وأما ما يروى من أخبار أهل الكتاب التي لا يـُعلم صدقها أو كذبها فإنها لا تصدق ولا تكذب، ويمكن الاستئناس بها، وكذا يمكن الاستئناس بنوع من الأخبار التي ترِد عن الأمم الأخرى بحيث لا يكون بها ما يخالف الثابت من الشرع أو ما يعارض الحس السليم.

    وعلى كل فلا ينبغي الانشغال بأمور تاريخية درست، ويمكن تجاوزها، بل لا نبالغ حين نقول إننا دوما نملك إمكانية البدء من جديد في التعامل مع الواقع دون النظر للخلفيات التاريخية والجغرافية.


    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()