واقتربت الامتحانات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
ها قد تقابلت معكِ ثانية يا أمل الأمة، يا فتاة الإسلام، يا حفيدة عائشة وخديجة وسمية.
ها قد تقابلت معك ثانية لأعيش معك هذه الفترة التي قد تكون مزعجة لك بعض الشيء، فهي فترة قلق واضطراب وخوف، وكل هذا طبعاً بسبب الامتحانات.
ولتسمحي لي حبيبتي أن أكون بجانبك هذه الفترة أمسك يديك، وأربت على كتفيك، ولساني يلهث بالدعاء لك، وفقك الله حبيبتي لما يحب ويرضى.
لن أستغرق من وقتك كثيراً، ولكن دعيني أتحدث إليك بمنتهى الصراحة، هات يدك، وأرعيني سمعك وبصرك وفؤادك.
حبيبتي، لماذا الامتحانات؟!
ولمَ كل هذا القلق والاضطراب، والخوف والسهر، والحفظ والمراجعة و... و...؟!
أعلم ما ستقولين لي:
لماذا؟!! ألا تعلمين أن هذه الامتحانات هي تقرير مصيري؟
ألا تريدينني أن أذاكر وأسهر وأراجع؟ أم ماذا أفعل إذن؟!
على رسلك حبيبتي:
فما قصدت هذا، ولكن ما قصدته، وأنت تذاكرين وتتعبين وتسهرين: ما نيتك؟ أما لك من نية؟
- نية؟! وأية نية هذه في الامتحانات؟! وهل لابد من نية لأذاكر وأنجح؟!
- مهلاً حبيبتي، بلى لا بد لك من نية ينعقد عليها قلبك وتتقربين إلى الله بها، لكي لا يكون جهدك وتعبك هكذا بلا أجر ولا ثواب.
ألم تسمعي قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) متفق عليه.
- بلى سمعته كثيراً، ولكن ما شأن هذا بالمذاكرة والامتحانات؟
- أليست المذاكرة هذه عمل؟
- بلى هي عمل!
إذن فلا بد من نية، حتى لو كان عمل دنيوي، فبنيتك لله -عز وجل- يمكن جعله عمل تعبدي لله -تعالى- تُثابين عليه، ستقولين لي: ما دليل كلامك ؟
- أقول لك: ما تعريف كلمة العبادة؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "العبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة".
فبإمكانك أن تجعلي عملك الدنيوي عملاً تعبدياً بنية يحبها الله ويرضاها.
- نعم، نعم... الآن فهمت ما تقولين، ولكن ما هذه النوايا في المذاكرة والنجاح؟
- حبيبتي، سلي نفسك، لماذا تتعلمين وتذهبين إلى المدرسة أو الجامعة؟
ألست تذهبين لرفع الجهل عنك وعن أمتك؟
ألست تذهبين للإعلاء من شأن المسلمين؟
ألست تذهبين لبر والديك؟
ألست تذهبين لتكوني أماً في المستقبل واعية رشيدة؟
ألست تذهبين ليسهل عليك طلب العلم الشرعي؟
ألست تذهبين لتكوني في المستقبل طبيبة ماهرة أو معلمة متميزة تنفعي نساء أمتك؟
ألست معي في أن هذه النوايا يحبها الله ويرضاها؟
إذن فلتعقدي قلبك على هذه النوايا، وتتقربي إلى الله بها، وعددي ما شئت من نيات تقربك إلى الله؛ فالنية تجارة العلماء.
هذه واحدة.
وهل بقي هناك أشياء أخرى؟! كفى أريد أن أذاكر.
- معذرةً حبيبتي، لن أطيل عليك، ولكن هذا لفرط حبي لك، وخوفي عليك وعلى جهدك وتعبك أن يذهب هباءاً منثورا.
ألم تسمعي قول الله -تعالى-: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً)(الفرقان:23)؟
إذن فلتسمعيني بعض الوقت.
- إن هذه النيات التي تحدثنا عنها لا بد لها من وسائل، أليس كذلك؟
- نعم بالطبع.
ـ ولكن أحذرك أن تجعلي مبدأك: "الغاية تسوغ الوسيلة".
ـ نعم هذه غايات ونيات يحبها الله -تعالى-، ولكن لا بد أن تكون الوسائل هي الأخرى مشروعة يحبها الله ويرضاها.
فمثلاً... ولا تغضبي مني، فأنا والله أحبك في الله.
لكي تتفوقي وتتميزي لا تجعلي هذا على حساب الدين، فلا تضيعي الصلوات وتخرجيها عن أوقاتها بحجة الدرس أو المحاضرة أو المذاكرة أو... أو ... فلا عذر لك في هذا. قال -تعالى-: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً)(النساء:103).
فلا تضيعي الصلوات وتؤخريها، وتقولي نيتي الإعلاء من شأن المسلمين.
كيف هذا حبيبتي؟!
- وأيضاً لا تفرطي في الأذكار وقيام الليل وأداء النوافل و... و... مع أنها ليست فروضاً عليك، ولكن الله يحب من العمل أدومه وإن قل.
ستقولين لي: وأين الوقت؟
تأكدي حبيبتي أن الله سيعوضك خيراً، وسيجعل لك بركة في وقتك بمحافظتك على هذه النوافل، ولكن هذا يحتاج إلى يقين بالله، وحسن التوكل عليه، فمن ترك شيئاً لله عوضه خيراً منه.
- وأيضاً لا تجعلك هذه الفترة من التوتر والقلق أن تكوني عاقة لوالديك، وإذا ما فعلتي أي شيء تكن حجتك أنا عندي امتحان.
- لا لست أنت من تفعل هذا، بل أنت أسمى، وأعز وأرفع.
أنت ابنة الإسلام، وتعلمين ما لك وما عليك، تعلمين حق أبيك، وحق أمك، وحق أخوتك، حتى في أيام الامتحانات.
فأدي ما عليك من حقوق الله -عز وجل- فلا يدعوك القلق والتوتر إلى عقوق الوالدين، ثم تقولين: نيتي في المذاكرة والتفوق بر الوالدين.
كيف هذا حبيبتي؟!
وأيضاً لا تجعلي نيتك ورغبتك في التفوق والمذاكرة، وجمع المحاضرات والأوراق أن يدفعك هذا إلى الاختلاط بالرجال، ومحادثة الزملاء، وأخذ محاضرة من هذا وكتاب من ذاك.
لا لا لست أنت من تفعلين هذا.
ألست معي في أنه كفى بزميلاتك في هذا الأمر عوناً؟
ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.
ولا تقولي هذا زميل، أو سنتكلم في حدود الدراسة... أو... أو... .
وتذكري ما قلت لك آنفا "لا تجعلي الغاية تسوغ الوسيلة".
غير أن هذا الأمر مخالطة الرجال بغير ريبة والحديث معهم لا ينبغي إلا للحاجة -، وأنا على يقين أنك متفقة معي في هذا الرأي، أليس كذلك؟
أعلم أنك تقولين الآن... كفى... كفى... أريد أن أذاكر.
ولكن بقي القليل حبيبتي... بقي أن أقول لك وأرشدك إلى بعض النصائح خلال هذه الفترة.
- توكلي على الله، واعلمي أن قَدَرَك مُقَدَّر عنده -سبحانه وتعالى- قبل أن تولدي، ولكن لا بد من العمل والأخذ بالأسباب، فليست المذاكرة والمراجعة إلا سبب، والله وحده مسبب الأسباب.
كوني هادئة، أكثري من ذكر الله -تعالى- وقراءة القرآن، وليكن لك ورد يومي من القرآن، ولو صفحة تقرئينها قبل المذاكرة.
- لا تضيعي أذكار الصباح والمساء والنوم وسائر الأذكار اليومية.
- حافظي على الصلوات في أوقاتها وختام الصلاة عقب كل صلاة.
- ابتعدي عن المحرمات والمعاصي، فإن العلم نور ونور الله لا يهدى لعاصي.
- رَوِّْحي عن نفسك بأنواع اللهو المباح، لا بمشاهدة فيلم أو مسلسل أو سماع أغنية، ولكن بالحديث العائلي الخالي من الغيبة والنميمة، أو المحادثة الهاتفية لبعض الأقارب، أو قراءة في كتاب غير كتب الدراسة.
- احفظي قلبك من أن يقع في حسد أو حقد على زميلاتك لتفوقهم عليك فإن هذا الأمر ممقوت.
- لا تذاكري مع صديقاتك عبر الهاتف فإن هذا مضيعة للوقت والمال.
- عليك ببشاشة الوجه دائماً فلا داعي لهذا العبوس حتى لو كنت في الامتحانات.
- ذاكري في مكان هادئ قدر الاستطاعة بعيداً عن التلفاز أو أي ضوضاء.
- ذاكري بالورقة والقلم ولا تكتفي بالحفظ الشفهي.
- راجعي المادة مرة واثنتين قبل موعد الامتحان.
- ابتعدي... ابتعدي عن الغش، فمن غشنا فليس منا.
- لا تبخلي بالخير لنفسك، وساعدي زميلاتك وأخواتك بإعطائهن المحاضرات والملخصات.
- عليك بالمشروبات الساخنة دائماً... وابتعدي عن المنبهات -"القهوة والشاي"-.
والآن لن أتركك وحيدة، ولكن ساهمت قليلاً إلى أن تنتهي امتحاناتك، وسأبقى بجانبك... أدعو لك... أن يوفقك الله إلى ما يحبه ويرضاه.
ولا تنسِ... (إنما الأعمال بالنيات).