بتـــــاريخ : 3/15/2009 1:36:42 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 920 0


    صفحات عن سقوط الخلافة (2من2)

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : ياسر عبد التواب | المصدر : www.salafvoice.com

    كلمات مفتاحية  :
    تاريخ صفحات سقوط الخلافة
    صفحات عن سقوط الخلافة (2من2)

    كتبه/ ياسر عبد التواب

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد، 

    وسقطت الخلافة الإسلامية...بعد كل هذا المكر والكيد والتربص من الخارج، والأزمات الداخلية والاقتصادية من الداخل.

    وكان لابد لها أن تسقط -مع الأسف الشديد-؛ فقد ترك المسلمون الأسباب جميعاً: أسباب الحفظ والتأييد، من الطاعة لله -تعالى- والاعتصام بدينه، وقد قال -تعالى-: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) (الشورى:30)،

    وقال -صلى الله عليه وسلم-: (احفظ الله يحفظك) رواه الترمذي، وصححه الألباني.

    وتركوا أسباب الاتحاد بما أذنبوه من الفرقة والاختلاف وصلت لذروتها  في التقاتل بينهم.

    سقطت الخلافة إذن، وكان السقوط مدوياً...

    ولكي نعرف فداحة الحدث الجلل يكفي أن نشير فقط إلى أن الصحابة -رضوان الله عليهم- اجتمعوا لإقرار أمر الخلافة قبل الانتهاء من دفن جثمان النبي -صلى الله عليه وسلم-!!

    فالخلافة معقود عليها حفظ دين الأمة ودنياها، وصيانتها من أن تكون شيعاً وأحزاباً. وظل أمر الخلافة جيلاً بعد جيل، لمدة تزيد على ألف عام، حتى كان التآمر عليها وإسقاطها، ويبدو أن التآمر كان قوياً لدرجة أنه استطاع أن يفعل ما لم يستطعه التتار ولا الحملات الصليبية، وكان التآمر الخارجي الذي نفذ جريمته بأيدي أعوانه في الداخل عملاً بوصية المؤتمرات التبشيرية "إن الشجرة لابد أن يقطعها أحد أفرادها"، ومن ثم كان اختيار مصطفى كمال أتاتورك الذي ينتمي إلى يهود الدونمة، وهم جماعة أظهروا الإسلام وأبطنوا اليهودية للكيد للمسلمين، وهذه الجماعة لا تصلي ولا تصوم ولا تغتسل من الجنابة، ويُحرِّمون مناكحة المسلمين، ويهاجمون الحجاب، ويدعون إلى السفور والتحلل؛ ليفسدوا على الأمة شبابها، ومن رحم تلك الجماعة خرج أتاتورك.

    غير أن التآمر اليهودي لإسقاط الخلافة كان أسبق من ذلك، ففي عام 1901 استطاع بعد جهد جهيد الزعيم الصهيوني الشهير تيودور هرتزل مقابلة السلطان عبد الحميد الثاني، وعرض عليه مساعدة أثرياء اليهود في العالم لخروج الدولة العثمانية -دولة الخلافة الإسلامية- من أزمتها الاقتصادية على أن يمنح السلطان قطعة أرض "صغيرة" لليهود في فلسطين. فكان الرد من خليفة المسلمين: "إن فلسطين أرض وقـْف إسلامية منذ عهد عمر بن الخطاب، ولا يجوز لأي حاكم أن يتصرف في أرضها ".

    وانتهى اللقاء بطرد هرتزل شر طردة من المجلس. هنا اقتنع زعيم الصهاينة بأن تحقق أطماع اليهود في فلسطين لن يتم مادام السلطان عبد الحميد في الحكم. فكان التخطيط والتدبير بإنشاء جمعية الاتحاد والترقي التي كان معظم أفرادها من يهود الدونمة أو من النصارى، أو من الصهاينة المتعصبين، عملت تلك الجمعية في صفوف الجيش، ومؤسسات دولة الخلافة، وكان من منظريها "نامق كمال" الذي دعا بقوة إلى العقيدة الطورانية؛ وهو مذهب قومي متعصب للجنس التركي الذي يعتبرونه أعظم الأجناس؛ ويدعون إلى إعلاء شأنه على حساب الأجناس، وهذا معناه القضاء على مفهوم الأخوة الإسلامية، وإلغاء مفهوم وحدة العقيدة، وهو خطوة في طريق التمهيد للقضاء على الخلافة حتى أنهم قالوا: "نحن أتراك وكعبتنا طوران" الجبل الذي تنسب له الطورانية.

    اضطرابات تسبق ليلة التنفيذ:

    وفى الليلة السابقة على تنفيذ المؤامرة نزل إلى شوارع عاصمة "استانبول " بعض العسكر التابعين لجمعية الاتحاد والترقي، وأحدثوا فيها أعمال عنف وقتل، وأشاعوا الفوضى في كل مكان، فما كان من شرطة السلطان عبد الحميد إلا أن استعملت الشدة في قمع تلك الاضطرابات، وقد قتل بعضهم جراء ذلك، وهذا ما كانت تريده الجمعية فعلى الفور تحركت بعض وحدات الجيش التابعة لهم وحاصرت قصر الخليفة، ولم يستطيع حرسه التعامل مع هذا العدد الكبير من الجنود، وتم بذلك عزل السلطان عبد الحميد عام 1909 واتهامه بالظلم وسفك الدماء، و كسبوا تعاطف الجماهير، ثم ولوا أخاه محمد رشاد الذي لم يكن يملك بالفعل شيئاً، وإنما كان مجرد واجهة، والذي يملك الحكم حقيقة جمعية الاتحاد.. وبزغ نجم مصطفى كمال أتاتورك الذي صنعته المخابرات البريطانية عن طريق رَجُلِها في فلسطين وسورية "آرمسترونج"؛ إذ تعززت الصلة بينهما وقت أن كان أتاتورك قائداً للجيش العثماني هناك، وقد أفاض "آرمسترونج" في كتابه "صحوة الرجل المريض" في وصف شخصية كمال أتاتورك، وتأثره بالماسونية والدونمة، ثم بالحضارة الغربية، وفساد سلوكه.

    المهم أن بريطانيا اتفقت مع الحلفاء واليونانيين على التظاهر بالهزيمة أمام قوات أتاتورك حتى يتم إخراج المسرحية على أكمل وجه، وبالفعل نادى أتاتورك بالجهاد ورفع القرآن "فانسحبت" قوات اليونان والحلفاء من "أزمير"، وتمت صناعة البطل الذي انخدع فيه بعض الشعراء، وشبهه بخالد بن الوليد فقال فيه أحمد شوقي :

    الله أكبر كم في الفتح عن عجب         يا خالد الترك جدد خالد العرب

    وقد اختارته جمعية الاتحاد والترقي رئيساً للبلاد عام 1923، وتظاهر في البداية بالاحتفاظ مؤقتاً بالخلافة، فاختير عبد المجيد بن السلطان عبد العزيز خليفة بدلاً من محمد السادس الذي غادر البلاد على بارجة بريطانية إلى مالطة، ولم يمارس السلطان الجديد أي سلطات للحكم، ومع ذلك كانت عاطفة الناس تتنامى تجاه الخليفة كرمز؛ فاستشاط كمال أتاتورك غضباً، ودعا إلى عقد اجتماع للجمعية التأسيسية للاتحاد والترقي في أوائل عام 1924م، وكان على ثقة من أن أحداً لن يجرؤ على معارضته، وطرح على الجمعية مشروع قرار بإلغاء الخلافة التي أسماها "هذا الورم من القرون الوسطى"، وقد أجيز القرار الذي شمل نفى الخليفة في اليوم التالي دون مناقشة.

    وانطفأت على يد مصطفى كمال شعلة الخلافة، التي كان المسلمون طيلة القرون يستمدون من بقائها رمز وحدتهم واستمرار كيانهم.

    وهكذا يفعل كل متسلط في الشعوب حين يتغافل فيها أصحاب القوة عن الأحداث العظام، ويتركون التصرف الحاسم الحكيم في مواجهة ما يسقط حقوقهم، وينتهك عقائدهم، ويطعن في ثوابتهم.

    وقد كان مصطفى كمال ينفذ مخططاً مرسوماً له في المعاهدات التي عقدت مع الدول الغربية. فقد فرضت معاهدة لوزان سنة 1923م على تركيا فقبلت شروط الصلح المعروفة بشروط كرزون الأربعة، وهو رئيس الوفد الإنجليزي في مؤتمر لوزان وهى:

    - قطع كل صلة لتركيا بالإسلام.

    - إلغاء الخلافة الإسلامية إلغاء تاماً.

    - إخراج الخليفة ومصادرة أمواله، وكذلك أنصار الخلافة، وأصحاب الحس الإسلامي من البلاد.

    - اتخاذ دستور مدني بدلاً من دستور تركيا القديم.

    وقد تحققت للأسف -في تركيا خلال هذا القرن الحزين البنود السابقة، وجرح العالم الإسلامي جرحاً لم يندمل حتى  الآن، وبكى الجميع على خلافتهم بكاءً مراً، أما أحمد شوقي فكتب هذه المرة يقول:

    وبكت عليــك مـمـالك  ونــواح

    ضجت عليك مآذن ومنابـــــر

    تبكــــــى عليك بدمع سحــــاح

    الهند وَالِهَةٌ ومصرُ حزينــــةٌ

    أمحا من الأرض الخـلافة مـاح

    الشام تسأل والعراق وفارس

    قتلت بغير جريــــرة وجنــــاح

    يا للرجـــال لحــرة مــوءودة

    وهكذا يستفحل أمر الطغاة مع عدم الإنكار عليهم، وتـَرْك البلاد لقمة سائغة في حلوقهم، ولم يكن يسيراً على الأمة الإسلامية أن تتقبل تلك الخيانة -إسقاط الخلافة- ولا بفرض الوصاية:

    يقول د. جمال عبد الحي النجار: "وكانت دعوة الصحافة الإسلامية إلى الخلافة الإسلامية في ذلك الوقت تهدف إلى أن يبقى العالم الإسلامي في عزة ومنعة، وأن يكون المسلمون يداً واحدة وقوة يعتد بها فلا يطمع الطامعون، وقد ساعد على تعلق الرأي المصري والإسلامي بفكرة الجامعة الإسلامية مهاجمة اللورد "كرومر" ممثل الاحتلال للمسلمين، واعتداء الغرب على بعض البلاد الإسلامية الواقعة تحت سيطرة الخلافة العثمانية، وتمرد دول البلقان العنصرية على الدولة العلية".

     وكلمة مصطفى كامل -الزعيم الكبير- هو أن التعلق الصادق بالخلافة هو ما يبنى عليه مجد المسلمين فيقول: "وقد رأينا من المصريين تعلقاً حقيقياً بهذه الراية السامية، وإخلاصاً لا ريب فيه لسيدنا ومولانا أمير المؤمنين".

    وظل رفض المصريين الانفصال منذ إعلان إنجلترا الحماية، على مصر 18/12/1914م، وخلع الخديوي عباس، وتولية حسين كامل عرض مصر مع منحه لقب سلطان، استكمالاً لمظاهر الانفصال، وقام بدوره بفرض الأحكام العرفية، ووضع الصحف تحت الرقابة الإنجليزية، وقد أطلق عليه النار -بالمنصورة- تاجر اسمه محمد خليل، عند مرور مركبه بشارع عابدين.

    وعندما خان أتاتورك خيانته، فـَرَّ كثير من أهل العلم والديانة إلى مصر، كالشيخ مصطفى صبري شيخ الإسلام في الدولة العثمانية، وصارت مساجلات ومداولات بين الدعاة من جهة كالشيخ محمد رشيد رضا، وبين المتفرنجين الذين لا يؤيدون إعادة الخلافة بحجة وجود بعض النصارى في مصر، وكان يستشهد لهم بقول الدكتور (برتكالوس) السوري حيث يقول: "إن حكم الشريعة الإسلامية خير لنا معشر النصارى من حكم الدستور الدولي الذي يسلبنا كثيراً مما أعطتنا الشريعة من الامتيازات؛ فالشريعة ليس فيها ظلم لغير المسلم، وهى تسوي بين أضعف ذمي أو معاهد والخليفة الأعظم في موقف القضاء وتقرير الحقوق...".

    وفى 19/3/1924 اجتمع عدد من علماء الأزهر وطلبته، وألَّفوا لجنة تدعو هيئة كبار العلماء وغيرهم من قادة الرأي؛ للبحث في أمر الخلافة، حيث أسندت رئاسة اللجنة إلى الشيخ يوسف نصر الدجوي، ثم اجتمعت في 25مارس اللجنة الإدارة العامة للمعاهد الدينية بالأزهر مع الهيئة العلمية الدينية برئاسة شيخ الأزهر أبى الفضل الجيزاوي، وعضوية علماء كثيرين منهم الشيخ محمد مصطفى المراغي، والشيخ محمد شاكر، والسيد رشيد رضا، ومدنيين كثير، حيث نشرت اللجنة بياناً دعت فيه لعقد مؤتمر إسلامي تحت رياسة شيخ الأزهر، يحضره ممثلون من جميع الأمم الإسلامية، ويختارون من تسند إليه الخلافة، وقد مكن الملك فؤاد للمؤتمر طمعاً منه أن يختار خليفة للمسلمين.

    ثم أجتمع المؤتمر بعد عام تقريباً وحضره مندوبون من البلاد الإسلامية، من تونس، ومراكش والمغرب، وطرابلس، وجزر الهند الشرقية، وفلسطين، وبغداد، والحجاز، وتهامة، واليمن، وبولونيا، ولكن الاجتماع لم يسفر عن شيء؛ لكثرة عدد الطامعين في الخلافة، كالملك فؤاد، والشريف حسين، والملك أمان الله خان ملك الأفغان.

    ويقول الله -تعالى-: (وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)(الأنفال:46).

    واستمر الخلاف والاحتلال كذلك...

    كلمات مفتاحية  :
    تاريخ صفحات سقوط الخلافة

    تعليقات الزوار ()