الاستيطان الصهيوني
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فقد بدأ التسلل الصهيوني إلى فلسطين عام 1878م عن طريق ما يعرف في التاريخ الصهيوني باسم "الكيبيتوس" أو الاستيطان الزراعي حيث توجهت مجموعة من يهود القدس القدامى "المتواجدون منذ قرون في فلسطين" بعد حصولهم على دعم خارجي إلى السهل الساحلي، وأسسوا مستوطنة هي أولى المستوطنات اليهودية على أرض القدس.
ومع توالي موجات الهجرة تأسست عام 1882م مستوطنات ريشون لينون، وزخرون يعقوب، وروش بين، وفي عام 1883م أقيمت مستوطنات يود همعليه، واكرون، وفي عام 1884م أقيمت مستوطنة جديرا، وبلغ عدد المستوطنات المقامة حتى عام 1898م 22 مستوطنة يهودية مساحتها 200 ألف دونم يسكنها 900 نسمة.
استمرت السياسة التسللية مع توالي موجات الهجرة اليهودية على فلسطين، والعرب لا يزالون في غفلة تامة عما يحدث حولهم، ولا يدرون الأبعاد الحقيقية للمستوطنات الزراعية التي كانت النواة الأولى لدولة إسرائيل، وبحلول عام 1907م كان عدد المستوطنات قد بلغ 27 مستوطنة يقطنها 7000 نسمة.
وازداد النشاط الاستيطاني بين عامي 1908م و1914م ليصل عدد المستوطنات إلى 47 مستوطنة تسع 12 ألف نسمة.
ومع استئناف موجات الهجرة بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى تزايد عدد المستوطنات ليصل في عام 1922 إلى 71 مستوطنة تسع 14920 نسمة.
مع بداية الثلاثينات بدأ الفلسطينيون يعوا أن ما يحدث حولهم ليس مجرد شراء أراضي زراعية، ولكن هناك ما هو أكبر من ذلك بكثير، وكانت بداية المواجهة الحقيقية بين العرب واليهود مع اندلاع ثورة القدس عام 1936م.
وبدأت السياسة الاستيطانية الصهيونية تتخذ شكلا مختلفا عما كانت، ويبدو أنهم لم يقتنعوا بما يحققه الاستيطان الزراعي من تقدم، وبدأت المنظمات الإرهابية اليهودية في استخدام العنف ضد العرب بغرض تصفية أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين على أمل أن يدب الخوف في قلوب الباقين؛ فيفرون حرصا على حياتهم، وبذلك يصبح أهل فلسطين مابين ميت وهارب، وكانت العمليات تتم بشكل فردي وتستهدف الأماكن المزدحمة.
فقتلت منظمة الهاجاناه مواطنين عام 36 بجوار مستعمرة بتاح تكفا رميا بالرصاص، وأصدرت قرارا بإطلاق النار على العرب أينما كانوا، ودخلت منظمة اتسل سباق القتل بإلقائها لقنبلة على سوق الخضار المجاور لبوابة نابلس، ونتج عن هذا الحادث عشرات القتلى والجرحى، وفي 6 مارس 1937م لقي 18 عربيا مصرعهم، وأصيب 38 آخرون بعد إلقاء قنبلة في سوق حيفا وفي يوليو 1937م يتعرض نفس السوق لحادث أكثر ضخامة من سابقه بتفجير سيارة ملغومة نتج عنها مقتل 350 عربي و جرح 70. وفي اليوم التالي سقط 27 قتيلا، وأصيب 46 من جرَّاء إلقاء قنبلة يدوية على سوق مزدحم.
وفي 26 أغسطس 1938م تم تفجير سوق القدس بسيارة ملغومة أسفرت عن مقتل 34 عربيا، وجرح 35.
وفي 15 يوليو 1938م فجرت اتسل قنبلة أمام أحد المساجد أثناء خروج المصلين.
واستمرت الحوادث الإرهابية الفردية، واستمر معها بناء المستوطنات ليصل عدد المستوطنات عام 1944م إلى 259 مستوطنة ضمت 143 ألف نسمة.
مع حلول عام 1947م كان على أرض فلسطين حوالي 650 ألف يهودي، وكان عدد المستوطنات يكفي 163 ألف نسمة؛ أي أن هناك فائض بشري يقدر بـ487 ألف نسمة.
وأصبحت العمليات الإرهابية منذ ذلك الحين تتخذ شكل عمليات عسكرية واسعة النطاق لاقتحام القرى الفلسطينية؛ ففي 31 ديسمبر 1947م كانت مذبحة قريتي الشيخ وحواسه، وكان عدد الضحايا 30 قتيلا.
وفي 14-15 يناير 1948م كانت مذبحة قرية سعسع التي أدت إلى تدمير عشرين منزلا فوق رؤوس سكانها؛ مما أدى إلى مقتل 60 عربيا.
وفي 27 فبراير كانت مذبحة رحوفوت حيث تم نسف قطار القنطرة واستشهد 27، وجرح 36.
وفي 13 مارس استشهد 30 عربيا في مذبحة كفر الحسينية، وفي 27 مارس نسف قطار مما أدى إلى وفاة 24، وجرح 61.
وفي 31 مارس نسف قطار آخر مما أدى إلى وفاة أكثر من 40، وجرح 60 وهاتان العمليتان عرفتا باسم مذبحة بينياميناه.
وفي 14 إبريل كانت مذبحة ناصر الدين، ولا نعرف عدد القتلى لكثرتهم، ولكن نعرف عدد الناجين حيث نجا 40 عربيا من أهل هذه القرية. وتلاها بيومين مذبحة تل لتفنسكي التي أدت إلى استشهاد 90 عربيا.
وفي نفس الشهر كانت مذبحة حيفا التي نتج عنها 150 قتيلا و40 جريحا.
وفي 21 مايو كانت مذبحة بيت دارس حيث تم نسف جميع منازل القرية، وإحراق جميع حقولها وإقامة مستعمرتين مكانها.
أما المذبحة الأشهر في تاريخ الاحتلال الصهيوني فكانت في 9 ابريل 1948م؛ وهي مذبحة "دير ياسين" التي نفذتها جماعة الأرجون بقيادة "مناحم بيجن" رئيس وزراء إسرائيل فيما بعد -"الذي حصل على جائزة نوبل للسلام عام 77"- وشاركت معها جماعة ليحى بقيادة "إسحاق شامير" الذي خلـَّف بيجين في رئاسة الوزراء وراح ضحيتها 260 عربيا، وقد قال بيجن عن هذه المذبحة: إنها أسهمت مع المذابح الأخرى في تفريغ فلسطين من 650 ألف عربي".
وقال أيضا: "لولا دير ياسين ما قامت إسرائيل".
بقي أن نعرف أنه عند قيام إسرائيل كان عدد الفلسطينيين 156 ألف نسمة، وعدد اليهود 716.7 ألف نسمة.
(كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلا وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ . اشْتَرَوْا بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلا وَلا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ)(التوبة:8-10).