كتبت كثيرا عن خطوات عملية يستطيع بها الشباب تحويل حياتهم من حياة مملة ليس لها قيمة، إلى حياة تستحق أن يحياها الإنسان يحدث بها فارقا ويستمتع بها في رضا من الله، وجهودي لم تكن فقط في الكتابة فأينما سنحت الفرصة تحدثت في الموضوعات التي أكتبها كوسيلة أخرى لنشر هذه الثقافة، لكن المشترك بين ردود الأفعال: "الكلام ده صح لكن بتكلمي مين ومين يسمع" "مافيش فايدة"، هذه النبرة السلبية التي تأخذنا إلى القاع وإلى الإحباط والتسليم بالحال المائل وتركه يزداد ويتفاقم بحجة أن لا أحد يسمع.
ومن قال أن لا أحد يسمع؟ أنا تحدثت مع الكثير وكلهم متفقين معي وكلهم محبطين ولو تركوا الإحباط ودعوا إلى الإصلاح بحسن خلقهم فتعلم منهم القليل من أقاربهم أو أصدقائهم أو زملائهم لأصبح العدد كبيرا جدا.
والتزام الإنسان بحسن الخلق والدعوة له لا يمنعه قلة التزام الآخرين لأن الإنسان محاسب على عمله ولا يحاسب على عمل الآخرين وجزاءه يأتيه مقابل هذا العمل وزيادة المشقة فيه تزيد الأجر لذا فليس هناك مجهود أو مشقة ضائعة الأجر (كله بحسابه).
لو بدأنا بأنفسنا عن قناعة وإيجابية ومنطق قوي وثبات لفعلنا الأفاعيل وذلك بدلا من كلمة "مافيش فايدة" أو "مين حيسمع".
من أين تأتي القناعة والمنطق القوي والثبات؟
إن كنت تظن أنك تقنع أحدا بمجهودك الشخصي فأنت واهم لأن وصول كلماتك إلى قلوب الآخرين بيد الله سبحانه ومعنى ذلك أن تحكمك في وصول كلماتك للآخرين تحدث بمدى إخلاصك فيه لوجه الله واستخدامك للمعايير والأهداف التي ترضيه سبحانه.
أنت محاسب على واجبك الذي أمرك به الله وهو بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وان تكون قدوة بخلقك وبمعاملتك للناس جميعهم بما يتفق مع شرع الله، وهنا أنت محاسب أيضا على طريقتك في توصيل المعلومة فإن أجدت وقدمتها على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أي برحمة وحب للناس وحب لهدايتهم أصبت أجرك والله يضاعف لمن يشاء وإن أسأت فقد كُتِبَت عليك إساءتك بقدر تعمدك فيها.
كثيرا ما نشرت موضوعات فيأتيني رد من أشخاص لا أعرفهم يقولون أنني كتبت الموضوع وكأنني أعرفهم وكأنني أخاطبهم لأعطيهم حل ما، أو أُقَويِّ داخلهم فكرة ما كانوا يبحثون عنها. وهل لي دخل بذلك؟ أبدا! ولا أملك ذلك مهما فعلت، ولو تعمدته ولو سعيت وراءه ما استطعت لكن الله هو الذي يُري الكلمات لمن يريدها في وقتها ويفتح بينه وبينها حتى يصل محتوى هذه الكلمة إلى الشخص فيستوعبها، وكم من المرات مرت بي لحظات ضيق فأفتح الميل الخاص بي لأجد موضوعات تحدثني عن ما يراودني يؤنسني الله بها حتى أصبر وأحتسب.
واذكر هنا ما ذكرته في "كلمة الموقع" وهو أن الله أمر سيدنا إبراهيم بأن يقف على جبل ينادي في الناس بالحج ثم اَسمَع الله صوته في أرجاء الكرة الأرضية، تلك هو المؤمن يؤدي ما أمره الله به ويترك ما تكفل له به توكلا ويقينا في قدرة الله فيصل صوته إلى من لم يتصور يوما أن يسمعوه.
إذا راودتك أفكارا كبيرة للأمة ولكنك تعاملت معها بشكل إيجابي وبدأت بنفسك بدون إلتفات لأحد يساندك الله بآخرين في بقاع العالم لا تعرفهم ولا يعرفونك يخرجون ليعملون بنفس الأفكار ولكن بأساليب أخرى تتكامل معك لتكتشف في النهاية أنك لست وحدك.
أن تتمنى أن يصل صوتك إلى شخص ذو منصب لا يمكنك الوصول إليه بأي طريقة وكنت تود أن تحدثه في تنفيذ بقية أفكارك فتجده أو من على غراره قد قام بها وتفاجأ به أمامك.
وطبعا الجميع سيقول عن ذلك خزعبلات، لكن في الحقيقة أنها الحقيقة المحضة، تلك هي الحياة مع الله تملك فيها كل ما في الأرض لصالح فكرتك طالما كانت أفكارا تبني مجتمعا يحبه سبحانه مخلصا صادقا لوجهه عز وجل.
وماذا كنت تتوقع؟ إذا كان الإنسان الذي يعرف شخصا ذو منصب يمكنه أن يقوم بأشياء لا يستطيعها الإنسان العادي فما بالكم من كان الله وليه ونصيره وحبيبه ماذا تتوقعون أن يفعل معه، والفارق شاسع، وواحد من أهم الفروق هو أنك مع إنسان آخر غالبا ما تأخذ حق غيرك أحق به أو أنك تجور على أحد لتأخذ حق لك أما مع الله فإنك تعطي البشرية كلها حقوقها ويعطيك الله بمثل ما أعطيتهم عشرة أضعاف ويزيد.
مع الله الكل فائز إلا من استكبر ونظر تحت رجليه ليؤمن نفسه بتأمين ما تحتها ولم ينظر أمامه ليرى الأهوال التي تنتظره وأولى به أن يؤمن نفسه منها
وفي النهاية كلماتك الطيبة وحسن خلقك لن تضر ولكنها تنفع .. بإذن الله