عقل الإنسان ليس وعاءا يملأ ولكن نارا يستنفع بها
هل حلمت يوما بأن تكون مؤلفا؟ ولكنك بالفعل مؤلفا لحياتك. من المثير أن تدرك كم القوة التي تملكها ولكن هناك ثمن لهذه القوة، هذا الثمن يسمى المسئولية. هذا ما أقصده: إذا كنت غير سعيد بوضعك الآن فلا تلوم إلا نفسك. كيف أتعجب مما وصلت إليه وأنا الذي كتبت السيناريو بنفسي؟ ليس كافيا أن أكتب سيناريو لأن السيناريو كتب ليُقرأ، فإذا لم أقرأ السيناريو فلا معنى لما كتبته، وإذا كنت لا تحب خط السير الذي تمشي فيه الأحداث فعليك تغيير السكريبت للوصول إلى النهاية الجديدة المرغوبة.
سكريبت السيناريو الذي أتحدث عنه هو مجموع الأفكار التي لدينا، تلك الأفكار التي تمكننا من كتابة السكريبت. في البداية يكون لدينا أفكارا ثم نحولها إلى أفعال وفي النهاية حياتنا مكونة من سلسلة الأفعال التي نقوم بها، لذا فإن أفكارنا لها أهمية كبيرة وبسبب هذه الأهمية يجب أن أكون متابعا جيدا وواعيا بدقة لكل الأفكار التي بداخلي حتى أغيرها في الوقت المناسب لأظل مسيطرا على حياتي، لأنني إذا جلست مشاهدا لها فقط دون أخذ أي رد فعل إذا انجرفت بي فسأترك مقاليد السيطرة على حياتي إلى أهوائي ونواقصي وضعفي لتتحكم في كيفما شاءت.
إن عقلنا ليس وعاءا نملأه بالأفكار ولكن نار تشكل وتصقل هذه الأفكار وذلك بتشكيل الأفكار السلبية على مطرقة الوعي إلى أفكار إيجابية.
يقول البيولوجي الفرنسي أليكسيس كاريل "الإنسان لا يستطيع أن يصنع نفسه دون معاناة فهو التمثال والمثَّال في آن واحد". النحت يحتاج لوقت وجهد ولكن القطعة الفنية التي تنتج تستحق هذا المجهود. تشير كاثي بتر إلى أن أهم مسئوليتنا:"الحياة هي المادة الخام، ونحن العمال الذين يشكلونها، يمكننا نحت وجودنا إلى شئ جميل أو إفساد وجودنا إلى شئ قبيح وكله في أيدينا.
إذن كيف نبدأ في نحت إبداعنا في الحياة؟ يمكننا أن نبدأ بالإلتفات إلى ما يضايقنا ويعيق إنجازنا ويحول دون سعادتنا. ما هي المشاعر المؤلمة التي تضايقنا؟ ما هي الأفكار السلبية التي تعيقنا؟ لا تهرب منها، لا تكبتها، لا تتعثر بها، لا تختبئ منها، لا تهدئ منها أو تستسلم لها. يجب عليك أن تواجهها وترحب بها وتتبناها وتستخدمها لخلق إنسان أفضل مما انت عليه.
ما هي أفضل طريقة لأخلق إنسانا أفضل من نفسي؟ يتم ذلك بنحت الصخرة في مكان واحد في ذات الوقت لعدم التشتيت. إنها خطوات صغيرة عملية مستمرة تشكلني في النهاية. لننظر إلى المثال: ولنفترض أنني خجول ولست سعيدا بذلك، إن تكرار جملة "أنا واثق من نفسي" لا يمكن أن تغير شيئا إذا كانت فعليا غير صحيحة. لا شئ ينجح مثل النجاح. ما احتاجه فعلا لأنجز هو أن أقوم بممارسة الإنجاز، ويمكننا استخدام الجمل المشجعة كبداية أو للاستدلال على الطريق كخريطة نضعها نصب أعيننا لنعلم محطة الوصول المرغوب فيها، ولكن ما يحدث فرقا هو التجربة الإيجابية التي لا تتأتى إلا بأخذ إجراء عملي.
إذن ماذا سأفعل؟ أول ما سأفعله هو دراسة رد الفعل ووضع بعض التساؤلات حول المشكلة. بعد تجربة ألم الخجل سأستخدمه في إعطاء رد فعل مناسب بمعنى: "أنا لست واثقا من نفسي ولكني أريد ذلك"، ثم أطلق القوة الهائلة بداخلي بأن أسأل نفسي بعض الأسئلة، على سبيل المثال، ماذا يمكنني أن أفعل لأكون واثقا بنفسي؟ هذا السؤال يحول تركيزي من مشكلة الخجل إلى الحل المحتمل. بعد أن أسأل نفسي السؤال سيتبادر إلى ذهني عدة خطوات عملية، على سبيل المثال، يمكنني الإنضمام إلى مجموعات المساندة، أو الحديث مع أصدقاء مقربين لنصحي، أو الذهاب إلى مكتبة لقراءة الكتب التي تتحدث عن كيفية مواجهة مشكلة الخجل، أو البحث على شبكة الإنترنت، أو أخذ دورة في الخطابة أو دورة في الثقة بالنفس. بعد ذلك يجب أن أسأل نفسي ما هو الحل الملائم لي لأبدأ به، أو بمعنى آخر أبدأ بخطة نحت الحجارة لأخرج من داخل نفسي قطعة فنية رائعة.
إن كتابة سيناريو حياتك كما ترى يتعلق بتحمل المسئولية. عكس تحمل المسئولية هو إلقاء اللوم على شئ آخر أو شخص آخر. احذر ! أحيانا يكون الشخص بارعا في إلقاء اللوم إلى حد أنه هو ذاته لا يكون واعيا بذلك. "إذا كان فقط معي المال الكافي لذلك"، " إذا كنت أكثر شبابا"، "إذا كنت أفضل صحة"، "إذا كان لدي الوقت الكافي"، "إذا كنت حاصلا على تعليم مناسب"، "إذا كانت مساندا من قبل آخرين". هل جاءتك أفكارا مثيلة؟ هذه الأفكار غير منتجة، ولا تأخذنا إلى أي مكان، كل ما تفعله هو أنها تبقينا ثابتين في مكاننا أو حتى في تراجع، والشفاء من تلك الأفكار لا يكون إلا بإلقاء الضوء على هذه الأفكار الغير منطقية بوضع بعض الأسئلة التحققية. على سبيل المثال:"أليس صحيحا أن الكثير من الناس مقارنة بي حققوا النجاح وهم أفقر وأكبر وأقل صحة ومشغولون وأقل تعليما وبأقل مساندة مني؟ حين أسأل نفسي هذه الأسئلة يصبح واضحا لي أن المشكلة ليست في قدراتي ولكن في تواكلي عن العمل.
هناك شئ آخر سيساعدني على إدارة حياتي وهو تغيير الأفكار عن الإحتمالات السلبية إلى أفكار عن الإحتمالات الإيجابية. لماذا نقول "قد أفشل" حين نستطيع أن نقول "قد أنجح"؟ أليس لكلاهما نفس المعنى؟ إن كلاهما نتائجهما محتملة ولكن نقطة التركيز هي التي تختلف فالأول يركز على الفشل والثاني يركز على النجاح، وإذا كنت تريد النجاح فيجب أن يكون محل تركيزك.
الطبيب النفسي توماس زاز يلخص محور هذا المقال في جملة صغيرة "بعض الناس يقول أنه لم يجد نفسه بعد، ولكن النفس ليست شيئا تجده ولكن شيئا تصنعه".
وفي النهاية أحب أن أختم بكلمة وجدتها على صفحات الإنترنت أنت لست حقيبة من الجينات، ولست مجموعة من الطباع المشروطة، ولست حيوانا متطورا عقليا يسير على رجلتين. أنت لست سيارة ولا وظيفة ولا ملابس ولا دخل ولا بيت ولا ساعة ولا حساب في البنك. لست قطرات كبيرة من الهرمونات أو أسير لكيماويات عقلية أو مجموعة من الصفات الفطرية. ولست دمية لجهاز التليفزيون أو الموسيقى أو ألعاب الفيديو أو ثقافة البوب أو لضغوط زملاءك. لست إنسانا في حاجة ماسة لتقدير الآخرين، ولست ضحية الظروف. أنت لا تقاس بحجم مرتبك أو حسابك في البنك أو اختياراتك في البرصة.