بتـــــاريخ : 2/26/2009 5:17:27 PM
الفــــــــئة
  • الأســـــــــــرة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1050 0


    التعامل مع الشخصيات الصعبة

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : د مصطفى السعدني | المصدر : www.maganin.com

    كلمات مفتاحية  :
    التعامل الشخصيات الصعبة

    أثناء تدريب أحد الأطباء، التقى مع طبيب أكبر منه كان يثير في نفسه الكثير من الضغط، حيث كان متغطرسا ومعتدا بنفسه ومتعجرفا ويحاول إظهار تفوقه على الآخرين بطريقة مستفذة؛ بحيث وصفه الآخرون بأنه شخص عدواني وشرس، وكان الأمر سيئا بشكل كاف حين يلتقي به هذا الطبيب الصغير في المناسبات فقط، ولكن الطبيب الصغير وقع في الشرك حين تم تعيينه للعمل معه مساعدا لمدة شهرين، فلم يتصور الطبيب الصغير نفسه في هذا الوضع، وكيف سيجتاز الطبيب الصغير هذه المحنة.

    ولكن ما إن بدأ العمل بينهما حتى وجد الطبيب الصغير أنه بصورة أقل فظاظة وشراسة مما توقع، ثم حصل أمر مدهش حيث طلب الطبيب الكبير منه العمل معه في إنجاز بحث طبي، ووجد المتدرب نفسه يشيد بهذا الطلب؛ نظرا لاستفادة الطبيب الصغير في ترقيته عند عمله في هذا البحث، وفي الساعات العديدة التي قضاياها معا وجد المتدرب نفسه مستنيراً ومستفيداً من توجيهات الطبيب الأكبر عمرا؛ بل شعر الطبيب الصغير أنه كان متطفلا أحيانا، ولكن الآخر تجاوب معه. وفي مرة من المرات، أثناء فترة من فترات بعد الظهيرة أخذا استراحة كانت هي نقطة التحول للأفضل في العلاقة بينهما. واكتشف أن هذا الطبيب الأكبر عمرا لم يكن متغطرسا أو شرسا، بل خجولا و قليل الكلام بشكل كبير (فيما ظنه المتدرب والآخرون تغطرسا وشراسة). وكان هذا درسا في أنه كم يسهل علينا أن نسيء تفسير تصرف الآخرين وأن نتفاعل مع ما ليسوا عليه، بل هي في الحقيقة تفسيراتنا وأحكامنا المسبقة عليهم.

    والآن تعالوا معي نعيش مع فنان ساخر متهكم على عيوب مجتمعه، أحب تقمص أدوار الشخصيات الأرستقراطية المستفزة والصعبة في مجتمعه، لدرجة جعلت مجتمعه الفرنسي بكل طبقاته يكره تلك الشخصيات السيئة ويهزأ منها، لقد كان موليير أبا للمسرح الكوميدي الفرنسي، لقد علا نجمه مع النهضة الأوروبية الحديثة لدرجة أن الملك لويس الرابع عشر كان من أشد المعجبين بمسرحياته والتي كانت تنتقد وبصورة لاذعة حاشية الملك من الأرستقراطيين!، بل إن موليير بإبداعه المسرحي وتأكيده لذاته بلا حدود، وتغييره للفكر النمطي المتخلف للأوروبيين في القرون الوسطى، لمن الدعائم التي قامت عليها الحضارة الغربية الحديثة.

    موليير"المسرحي الساخر" ينتقد عورات مجتمعه الفرنسي مؤكدا لذاته:
    يرى بعض الفلاسفة أن أفضل تعريف للإنسان هو أنه حيوان ضاحك. لأن الإنسان وحده هو الذي يضحك، فليس هناك حصان أو دجاجة تقهقه، وكل الكائنات على الأرض لا تعرف الضحك باستثناء الإنسان. ومن الخطأ أن نتصور أن الضاحكين من البشر هم أصحاب القلوب الجامدة والعقول الفارغة والبال الخالي من الهموم والمشاكل، وعلى العكس من ذلك تماما، فقد يكون الضاحكون من أكثر الناس تجربة للألم ومعرفة به. وقد كان الفنان الفرنسي موليير هو من ينطبق عليه ذلك تماما، فحينما تنظر إلى حياته لا تجد فيها إلا ما يبعث على الحزن والألم والإكبار. وأنه من الذين يسخرون من سخف الحياة وذلك بالضحك والسخرية واللذين يعتبران هما أفضل دواء يؤدي إلى الشفاء من كل أمراض الحياة.

    والضحك الحقيقي يعلم الناس الكبرياء، لأن الضحك لا بد أن يقوم على الصدق والملاحظة الدقيقة للأشياء، والاعتراض السريع على كل ما هو غلط، ولو حرص الإنسان على معاملة الحياة بهذه الطريقة فإنه لا يستطيع أن يكذب على نفسه أو غيره ولا يستطيع أن يرضى بما ترفضه نفسه وينكره ضميره.

    وكان موليير يعيش في زمن الملك الجبار الطاغية "لويس الرابع عشر"، والغريب أن هذا الملك الطاغية كان يسيل رقة وعذوبة أمام موليير وكان يحرص على حضور كل مسرحية من مسرحياته مرات عديدة، واستطاع الفنان عن طريق مسرحياته أن يقود الملك الطاغية إلى كثير من الإصلاحات التي تنفع الناس والمجتمع، حتى أن هذا الملك سأل ناقد في عصره وقال له: قل لي من هو أعظم أصحاب الأقلام في أيامنا هذه؟ فأجاب الناقد بلا تردد "موليير". وصدق الملك على ذلك تماما وأيد هذا الناقد.

    ولقد كان موليير شاعرا وكاتبا مسرحيا من الطراز الرفيع بالإضافة إلى كونه ممثلا ومخرجا ومديرا لفرقة مسرحية تضم خمسين فنانا على الأقل، حتى أنه يوم وفاته أصر على أن يقوم بالتمثيل كعادته كل ليلة، وتوسلت إليه زوجته أن يستريح فأجابها بحزم: هناك خمسون فردا في فرقتي يكسبون قوتهم بالعمل يوما بيوم، فماذا يمكن أن يفعل هؤلاء جميعا إذا توقفت عن التمثيل؟!.

    وقد توفي بالفعل على خشبة المسرح، وهكذا كانت نهاية هذا الفنان العظيم الذي أحب فنه وأعطاه كل حياته وجهده، فكانت نهايته أشبه بنهاية الجندي الشجاع في ساحة معركة حربية عنيفة، مات فيها ميتة الشرف والكرامة.

    وقد كانت حياة هذا الفنان الكبير والذي وصف بأنه مهرج، كانت حياته صراع دائم ضد أخطاء البشر والمجتمع، ولكنه لم يتوقف عن الضحك حيث أن تهريجه كان قائما على أساس من ثقافة فنية عالية حيث لم يتوقف عن القراءة والإطلاع، وكان قبل أن يبدأ أي خطوة جديدة من خطواته الفنية كان يستند إلى ثقافته العالية ولذلك اكتسب تهريجه معنى، وأصبح له قيمة عالية وأثر لا تمحوه الأيام، لأنه تهريج قائم على التفكير والمعرفة الواسعة والتأمل العميق في أمور الحياة والناس والرغبة في النقد القاسي والنافع للجميع. ليس الفن الجميل فوضى حتى لو كان هذا الفن تهريجا في مظهره أو كان مصدرا لإضحاك الناس وتسليتهم.

    استقال موليير من وظيفته الرفيعة واندهش رجال البلاط من هذا المجنون الأحمق الذي يضحي بمنصبه كرجل قريب من الملك منجد البلاط- ولكنه كان قد أحس بأنه في وظيفته الرفيعة إنما يهين نفسه ويهين نوازع الفن والتفكير في قلبه وعقله، وأن الاقتراب من أصحاب السلطان لم يكن بالنسبة له أكثر من إلغاء لشخصيته وأحلامه وأفكاره التي تملأ نفسه كأنها عاصفة أو إعصار، وكان يقول لنفسه لتذهب الوظيفة العالية إلى الجحيم، وأما الاقتراب من السلطة فإن في داخلي سلطة أخرى تناديني، وهي سلطة الفكر والعقل والثقافة، وفي داخلي سلطان ليس أعظم منه سلطانا في هذا الوجود هو سلطان الفن.

    عندما بدأ موليير في كتابة مسرحياته أضحك باريس على المنافقين المتظاهرين بالورع و التقوى في مسرحيته "طرطوف"، وألقى سهامه الساخرة القاتلة على النساء المتحذلقات في مسرحيته "المتحذلقات"، وكثير من مسرحياته تعرض لنماذج عدة من البشر كان ينتقدهم بالضحك والتندر عليهم.

    وسجل له التاريخ أنه كان مهرجا نبيلا لا يهرب من معركة ولا يخاف من مواجهة الأخطاء وقد أيدته الجماهير، وتخلى عنه وحاربه أصحاب المصالح، بينما أنصفه تاريخ الفن أعظم إنصاف.
    من مسرحيات موليير ذات الدرجة العالية جدا من الفن النبيل مسرحية "عدو البشر"، والتي تتكلم عن الصراحة وقول الحق ومواجهة أمور الدنيا كلها بمنتهى الصدق والوضوح، فلا تسكت على أي نوع من الخطأ وتتصدى للذين يبتعدون عن الصواب مهما كانت قوتهم ومكانتهم، وتنتقد الطراز الآخر من البشر الذي يتسامح ويجامل الناس ويغمض عينيه عن كل الأخطاء التي تقع حوله حتى يكسب مودة الجميع لأنه لا يتدخل فيما لا يعنيه، ويحاول إرضاء الآخرين مع الابتسام في وجوههم حتى لو كان في أعماق نفسه غاضبا منهم، شديد الرفض لهم ولكل مواقفهم في الحياة.

    فالأسلوب الأول هو أسلوب المقاتل الذي لا يرضى من الحياة إلا بكل ما هو جميل وفاضل، والأسلوب الثاني أسلوب يعتمد على التسامح والمرونة والرضا بالواقع ومحاولة التفاهم مع الناس والعطف عليهم حتى لو كانوا آثمين وخاطئين والتي تصل إلى حد النفاق.

    ويقول البطل الذي يمثل النموذج الأول من البشر أنه يريد أن يكون إنسانا صادقا مخلصا مع نفسه فلا ينطق إلا بما يؤمن به قلبه، ويقول أيضا يجب أن نهاجم ما استطعنا أي تظاهر باطل بصداقة لا نؤمن بها. يجب أن نكون رجالا في كل موقف، وألا نقول بألسنتنا وألفاظنا إلا ما يعبر عن حقيقة مشاعرنا الكامنة في نفوسنا، من الضروري ألا نخفي حقيقة مشاعرنا تحت أي بهرجة من المجاملات.

    وفي موقف من المواقف الشديدة الوضوح في المسرحية نجد أن بطل هذا النموذج حينما يعرض عليه أحد هواة الشعر من أصحاب الوجاهة والثراء قصيدة كتبها ويطلب رأي هذا البطل، يقول له رأيه بصراحة ووضوح؛ فيكون رد بطل المسرحية: هذا شعر رديء جدا ولعلك أن تذهب بقصيدتك إلى المرحاض وتلقيها هناك.

    قام هذا الوجيه برفع قضية على هذا البطل فقام يشرح للقضاة الذين يحاكمونه: "كلا أيها السادة فأنا لا أرجع عن قولي، وسأجاريكم في كل شيء ما عدا أن أقول كلمة طيبة في هذا الشعر الرديء، فأي شيء يضره رأيي هذا، قد يكون هذا الوجيه شريفا ولكنه لا يجيد كتابة الشعر، وهذه المسألة لا تمس الشرف من قريب أو بعيد، إنني أعتبره رجلا فاضلا في كل شيء، إنه رجل له مكانة وقلب وله ما شئتم من نبل وفضل، ولكنني ما زلت مصرا على أنه شاعر رديء.

    وكان هذا البطل ينصح صديقه (الذي هو من الطراز الآخر) فيقول له إن الصراحة فضيلة في كبريات الأمور، وحيث تميط هذه الفضيلة أذى أو تكشف عن حق فهذا جميل أما إذا كانت تؤدي إلى إيذاء النفوس وتعقيد الأمور بغير جدوى، فذلك نوع من الحماقة لا مبرر له ولا معنى فيه.

    ومن الطبيعي في المسرحية أن يتخاصم البطل صاحب النموذج الأول مع المجتمع والناس ويبحث لنفسه عن ملجأ يأوي إليه ويعتزل فيه الحياة اعتزالا نهائيا مما يعني انه قد انهزم وقرر أن يترك المعركة لأنه أصبح يائسا بصورة نهائية من إصلاح الحياة والنفوس، ولم يعد ينتظر من أحد أن يستمع إلى الحق ويصغي إليه ويعمل بما يمليه الواجب عليه من إصلاح أخطائه والسير في طريق مستقيم.

    ماذا كان موقف موليير من هاتين الشخصيتين في تلك المسرحية، بالطبع هو مع النموذج الأول حيث أن الصراع بين الصدق والصراحة من جانب وبين اللين والهوادة والمجاملة من جانب آخر كان هو النموذج الصادق المتصادم مع الحياة، والدليل على ذلك أنه أحسن تصوير البطل الصادق الصريح في تلك المسرحية وأنطقه بأصدق الكلمات وأجرى على لسانه أجمل العبارات حتى أن المشاهدين كانوا متعاطفين مع هذا النموذج بالرغم من علمهم بأنه لن ينال من الحياة إلا أسوأ الحظوظ!!

    ولكن تعاطف موليير مع تلك الشخصية ليس قائما على الموافقة على كل أسلوبه في الحياة، فقد كان من الواضح أن موليير أكثر ميلا إلى النموذج الآخر القائم على التسامح واللين والمرونة، ويرى أن المجاملة في أمور الحياة الصغيرة لا ضرر منها ولا خطر فيها، بل إن ذلك ضروري حتى لا تتحول حياة الناس إلى جحيم ومعارك متصلة، أما الصدق الكامل وقول الحق بلا تردد فهما ضروريان في القضايا الكبيرة والأساســـــية فقط. أما أن يتخذ موقف المقاتل في كل صغائر الحياة وتوافه الأمور فذلك نوع من التفكير أقرب إلى الخطأ بل إلى الحماقة منه إلى التفكير السليم، وهو تفكير يتجنى على الطبيعة الإنسانية ويعاملها بقسوة وخشونة.

    الاعتدال إذن هو ما يدعو إليه موليير وفلسفته تقوم على الهوادة واللين والمرونة في التعامل مع تفاصيل الحياة وأحداثها اليومية الكثيرة والصغيرة، ثم ادخار القوة والصلابة بعد ذلك للمواقف الكبيرة والأساسية، ومثل هذه المواقف لا تحدث كل يوم، ولا تتكرر في كل لحظة، وعلى الإنسان أن يكون قادرا على التفرقة بين ما هو جوهري وما هو عابر.

    إن الإنسان الصريح والجريء في قول الحق ومواجهة الأخطاء ليس عدوا للبشر بل هو صديق لهم، فليس عدوا للبشر من يفضح عيوبهم ويهاجم رذائلهم، فإنه لا يفعل ذلك إلا لعنايته بأمرهم، وإنما هو عدو للبشر ذلك الذي يجامل الجميع ويرضى عن كل ما يراه، فيكون في مواقفه من الناس ما يشجع الأشرار على شرورهم ويتملق فيهم تلك الرذائل التي تهد من كيان المجتمع ويعلن رضاه عن كل ما يراه ويعتبره حسنا.

    النية الحسنة والقلب الطيب والشخصية المستقيمة من الممكن أن تكون فريسة سهلة للأدعياء والذين يظهرون غير ما يبطنون. والحياة الناجحة تحتاج إلى قدر من الذكاء والحذر والتدقيق في الناس والأشياء حتى لا يقع الإنسان في مصيدة أصحاب الأقنعة الزائفة الذين يقولون ما لا يفعلون ويظهرون بمظهر يختلف تمام الاختلاف عن حقيقتهم ويخططون لتحقيق مصالحهم ومطامعهم غير المشروعة على حساب الآخرين.

    تلك هي حقائق الحياة بالنسبة للأفراد والذين لا ينتبهون عاطفيا وذهنيا إلى ما يدور حولهم ولا يستطيعون أن يفرقوا بين الكلام الزائف وبين المشاعر الصادقة، يدفعون ثمنا غاليا ويتعرضون لتجارب أليمة صعبة ويقضون نصف حياتهم في الندم على النصف الآخر، على أن محنة الإنسان الذي يقع في مصيدة الأدعياء تبدو سهلة وبسيطة إلى جانب محنة مجتمع يتعرض لخداع هؤلاء الأدعياء، ويعاني منهم ويقع فريسة لهم، وهذا ما يحدث في حالات كثيرة ومراحل تاريخية مختلفة، حيث يقع المجتمع كله أو أغلبه تحت تأثير هؤلاء الأدعياء ويتصور أنهم جماعة من أهل الصدق والخير والأمانة، وهم ليسوا كذلك على الإطلاق.

    وفيما يلي بعض الاستراتيجيات التي تساعد في التعامل مع الشخص صعب المراس:

    تقييم الموقف معه:
    اعلم من أين يأتي وما الذي يجعله يتصرف بهذه الطريقة.

    تجنب:
    تكمن طريقة واضحة للتعامل مع الناس المسببين للضغط في أن نبقى بعيدين عنهم، وحين ننجح في ذلك يسير عادة الأمر على ما عملت أو عشت معهم. فقد تجد نفسك تتطلع وراءك لتتأكد من أنهم بعيدين عنك. فهذا يثير الضغط بحد ذاته، وكذلك لا يمكنك أن تتعلم كيف تتعامل مع الشخص إذا تجنبت المشكلة، لأن هذا لن يفيدك في تنمية استراتيجيات تنفيس أفضل ويمكن أن ينتهي بك الأمر فعليا في رفع ضغطك كلما تراه.

    استرضاء:
    امنح الشخص الآخر ما يريده بغية تفادي الصراع. فقد استعملت إحدى المريضات هذه المقاربة مع أصدقائها العدائيين قائلة: يسهل إرضاء الآخرين، ومع ذلك راحت تتنبه إلى أن استرضاءها لم يكن حقا أسهل أبدا. لقد ولد ذلك شعورا بالضغط، ومنح أصدقاءها إذنا ضمنيا بمتابعة تحكمهن وسيطرتهم وترأسهن عليها. قد يكون الاسترضاء ضروريا في بعض الأوقات (كتفادي شخص) ولكنه لا يعتبر استراتيجية عظيمة تستند على أساس متقدم. إنها تشعرك بالضعف وبأنك الضحية. فمن المهم عند استرضائك لشخص ما أن يكون ذلك الاسترضاء عن قوة في موقفك مع تمام قدرتك على الانتقام، وأخذ حقك من هذا الشخص ولكنك تتنازل عن حقك هذا من باب العفو عند المقدرة، ومن باب دفع الأذى والإساءة بالتي هي أحسن. يقول تعالى: "ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم" سورة فصلت، من الآية 34، ولنستمع معا إلى ما كتبه الإمام السني الجليل صاحب المصنف الجميل في الفقه: "نيل الأوطار".

    الشوكاني والدفع بالتي هي أحسن:
    هو العلامة محمد بن الشوكاني، إمام مجتهد، له باع طويل في علوم الاجتهاد، وقد قضى عمره في التأليف والتدريس والدعوة، عاش باليمن، وتولى بها القضاء لأسرة من الحكام الشيعة، فنال من بعض الرافضة الكثير من الوشايا والأذى، ولكنه لغزارة علمه و تقواه ارتفع عن كل الدنايا والصغائر، يكفيه فضلاً كتابه الرائع "نيل الأوطار"، وانظر معي أخي العزيز إلى المنهج الذي اتبعه في توكيد ذاته، والقصاص منهم بمداومة الإحسان إليهم؛ فيقول الشوكاني عن الرافضة:

    "وقفت على رسالة لبعض أهل العلم ممن جمعني وإياه طلب العلم ونظمنا جميعا عقد المودة وسابق الألفة، فرأيته يقول في تلك الرسالة مخاطبا للحاكم أن الذي ينبغي له ويجب عليه أن يأمر جماعة يكبسون على منزلي ويهجمون عليه ويأخذون ما فيه من الكتب المتضمنة لما يوجب العقوبة من الاجتهادات المخالفة لمذهب البلاد. فلما وقفت على ذلك قضيت منه العجب، ولولا أن تلك الرسالة بخطه المعروف لدي لما صدقت، وفيها من هذا الزور والبهتان والكلمات الفظيعة شيء كثير، وهي في نحو ثلاثة كراريس، وعند تحرير هذه الأحرف قد انتقم الله منه، فشرده الحاكم إلى جزيرة من جزائر البحر مقرونا في السلاسل بجماعة من السوقة وأهل الحرف الدنيئة، وأهلكه الله في هذه الجزيرة.

    وكان حدوث هذه الحادثة عليه ونزول هذه الفاقرة به بمرأى ومسمع من الوزير الرافضي الذي ألًف له تلك الرسالة استجلابا لما عنده وطلبا للقرب إليه وتوددا له. ومن جملة ما وقفت عليه من الرسائل المؤلفة بعناية هذا الوزير رسالة إلى بعض مشايخي الذين أخذت عنهم بعض العلوم الإلهية، وفيها من الزور ومحض الكذب مالا يظن بمن هو دونه وما حمله على ذلك إلا الطمع فيما عند ذلك الوزير، فعاقبه الله بقطع ما كان يجري عليه من الحاكم، وأصيب بفقر مدقع وفاقة شديدة حتى صار عبرة من العبر.

    وكان يفد إليً يشكو حاله وما هو فيه من الجهد والبلاء فأبلغ جهدي في منفعته وما يسد فاقته، وهكذا جماعة من المؤذين لي المبالغين في إنزال الضرر بي أرجعهم الله إلي راغمين، وأحوجهم لمعونتي مضطرين، ولم أعاقب أحدا منهم بما أسلفه ولا انتقمت أبدا من أحد ممن آذوني".

    وكما ترى هنا أخي العزيز أن الإمام الشوكاني كان يمكنه التشفي من أعدائه ورد الصاع صاعين لهم، ولكنه وعن مقدرة تامة عليهم أحسن إليهم حين احتاجوا إلى معونته، وهذا من قمة المروءة والنخوة و العلو على الدنايا والصغائر، وفي هذا الخلق الكريم أيضا الكثير من التأكيد الإيجابي للذات.

    قبول:
    عليك أن تقبل الآخر كما هو، لا يتوجب عليك الإعجاب به كي تتعامل معه، ولكن تعرًف على ميزاته بطريقة حيادية وتفاعل معه بدل من أن تحكم عليه، وحاول أن تستفيد منه بقدر طاقته على العطاء، ولا تطلب منه أكثر من ذلك، فلا تكن كالمنبت الذي لا ظهراً أبقى ولا أرضا قطع. و إذا كنت قائدا أو مديرا على من هو دونك فعليك أن تعطيه قدرا من الحرية في التصرف تتناسب مع قدراته وإمكانياته، ولا تحاول أن تستأثر بكل السلطات في يديك، فلن تستطيع القيام وحدك بعمل كل شيء، ولا يعتبر التدخل في كل صغيرة وكبيرة من شئون مرؤسيك من المهارات الإدارية، بل براعة القائد في أن يستخرج كل الطاقات و القدرات الإبداعية من عقول وأيدي من يقودهم، وأن يجعلهم فريق عمل واحد منتج ومترابط لأقصى حد.

    تكيف:
    أقض بعض الوقت مع الآخر لتجد اهتمامات ووجهات نظر مشتركة معه، وحاول كذلك بناء علاقة طيبة معه. قد يبدو الأمر وكأنه تمدد للعلاقات ولكن قد تفاجأ لمعرفة إلى أي مدى قد يصل الأمر. وكلنا مررنا بتجربة أنك ترى شخصين لا يحبان بعضهما في اللقاء الأول، ولكن ينتهي الأمر بعد ذلك إلى نمو أشد أواصر الصداقة، بل و أحيانا الزواج في حالات الرجل والمرأة.

    توقعات تميل إلى التشاؤم:
    عندما قررنا تجديد مطبخنا، تساءلنا ماذا نفعل بالخزائن القديمة، وعلمنا بأمر سمسار يشتري الخزائن المستعملة وبأنه قد يدفع لنا مقابل شرائها ما يتراوح بين 500 إلى 600 جنيها، ولكن عندما عرض علينا 1000 جنيها ثمنا لها قبلنا فورا لأن النسبة كانت تفوق توقعاتنا، وما زلت أجهل حتى اليوم ما إذا كانت صفقة جيدة أم لا، ولكننا كنا سعداء بها لأنها كانت تفوق توقعاتنا.

    وعلى العكس، كانت هناك امرأة منفصلة عن زوجها منذ فترة قريبة ويزعجها عدم إنفاق زوجها أو زيارته لأولادها، فسألتها عن المدة التي قضاها مع أولاده قبل الانفصال وعما إذا كان ينفق عليهما قبل الطلاق، وأجابت ليست طويلة وهذا أمر آخر يغضبني. فسألتها لماذا تتوقع أن يبدي اهتماما أكبر بالأولاد؟ أو أن ينفق عليهم الآن أكثر من الوقت الذي كان يعيش فيه في المنزل؟!، فلم تجب!!.

    فقلت أظن بأن توقعك معقول تماما ولكنه ميل غير واقعي نظرا لسجله الحافل بعدم تحمله لمسئولياته الأسرية على مر السنين. لا أظن أنه سيزور أبناءه في المستقبل إلا على فترات متباعدة؛ وغالباً لمصلحة شخصية أنانية بحتة، ولا أظنه سيشارك في النفقة عليهم إلا تحت تهديد العدالة، وكلما زاد توقعك في عودته ومشاركته لك في النفقة على أبنائه سيزيد انزعاجك. فوافقتني الرأي، وهكذا تبدد غضبها شيئا فشيئا، وأحست بالراحة في انقطاع الرجاء في ذلك الشخص؛ إن هذا هو ما يُطلق عليه "راحة اليأس".

    كلنا لدينا توقعات بمواقف الآخرين وبأنفسنا، ولكن عندما تكون غير واقعية تصبح هذه التوقعات كفخ نصبناه لأنفسنا عن غير قصد.

    لا تتشاءم عند تعطل شبكة الانترنيت:
    هل تشعر بالانزعاج في كل مرة يصيب حاسوبك الخلل؟ هل تغضب عندما تجد شبكة الانترنيت معطلة لمدة نهار كامل؟ وماذا عن انقطاع الحرارة من خط الهاتف وتوقفه عن العمل؟، ماذا تشعر عندما تتأخر طائرتك في الإقلاع؟ هذه بعض الوقائع من الحياة في عصر التكنولوجيا. عندما كان يسبب لي الحاسوب الإحباط كان معلمي لكيفية استخدام برامج الحاسوب يتفهم الأمر أفضل مني ويقول لي: صديقي لا تغضب فهذه تكنولوجيا حديثة!، ولم يحلًوا كل العلل فيها بعد، كانت توقعاته واقعية، في حين لم تكن توقعاني كذلك؛ لذا كنت أشعر دائما بالإحباط من تكنولوجيا برامج الحاسوب، ولولا دعمه لي لتركت تعلمه، وما كنت أعرف ما أعرفه حاليا عن ذلك الجهاز الهام في حياتنا.

    أنظر للمستقبل بتفاؤل:
    يعيش الناس وقتا عصيبا إذا كانوا يتوقعون من أنفسهم ما لا يقدرون عليه ويبرز في أعلى القائمة محبي الكمال، فهؤلاء يظنون أنهم لن يخطئوا أبدا وأنهم دائما على حق، وأنه يجب ألا يصادفوا أبدا يوما عصيبا، وفي الحقيقة لا يمكننا القيام بكل شيء، ولن نربح الجولات كلها (حتى ولو كنا من الأنبياء) ولن يعجب بنا الجميع مهما فعلنا، وسيكون من السهل لنا لو توقفنا عن توقع المستحيل لأنفسنا.

    والقصة التالية، والتي عاشها شيخ الزجالين العرب في القرن العشرين، أثناء نفيه بفرنسا توضح هذا المعنى:

    بيرم التونسي والبرد القارس:
    يروي الأديب بيرم التونسي تجربته مع الألم والفقر حين كان منفيا في فرنسا ثم مجيء الفرج إليه حيث يقول:
    اعتدت وأنا في ليون بفرنسا أن أتناول كل أسبوع شيكا على البنك يرسله مدير الجريدة التي أحررها في القاهرة، ولكنه أخذ يرسل الشيك كل أسبوعين، ثم تقدم خطوة إلى الأمام فجعل يرسله كل ثلاثة أسابيع والمبلغ كما هو. سكنت بحجرة في الدور السابع بأحد المنازل العتيقة أجرتها ستون فرنكا فرنسيا في الشهر. وفي الأسبوع الأول من فبراير من عام 1921 اشتد البرد وغطت الثلوج الشوارع وسطوح البيوت في ليون ووقفت الأشجار مجردة من الأوراق، وقد تناولت الطعام في هذا الأسبوع مرتين أو ثلاثا قبل الليلة التي أكتب فيها هذه الكلمات رقدت بلا عشاء، وفي مثل تلك الحالة يشعر الإنسان أن النوم يُغني عن الطعام بعض غناء، فبقيت في الفراش أنظر من النافذة إلى السماء المكفهرة ولا أعرف إن كان الوقت ضحى أو مساء، وكلما سمعت وقع الأقدام على السلم حسبتها خطوات ساعي البريد جاء بالشيك المنتظر، ولكن هيهات.... وعندما سمعت نشيش المقلاة عند جيراني وصعدت رائحة البفتيك علمت أن الوقت ظهرا، وخيل إليً أنني لو نزلت لوجدت العشرات من الأصدقاء الشرقيين الذي يطلبون العلم ويعيشون في رفاهية، فنزلت فرأيت الشوارع خالية من المارة والمطاعم والمقاهي مقفلة على من فيها، وكم ترى من عابر سبيل يمشي مسرعا كأنه ذاهب إلى أمر مهم وهو في الحقيقة ليس لديه ما يقصده.

    وواصلت السير إلى ميدان البلدية، وكنت أتبسط لمنظر هذا الميدان الذي يجتمع فيه عشرات الألوف من الحمام الأبيض والأزرق وتذهب إليه الأمهات والمربيات ومعهن الأطفال وكميات من الحبوب ويلقوا بها إلى الحمام، ولكن الميدان في هذا الوقت كان خلوا من الأطفال والحمام، وبينما أتأهب للرجوع من شدة البرد قابلت خليطا من الطلبة فيهم المصري والتركي والتونسي، فصافحني بعضهم، ومن شدة البرد لم أستطع إلا بنطق كلمة رد التحية.

    كان منظر اللحم والجبن والخبز في الحوانيت أجمل وأشهى من منظر المجوهرات والفراء والمنسوجات الفاخرة، لقد وجدت نفسي أقف متفرجا على الفطائر المنقوشة، ثم أنتبه وأحسب أن الناس تراني فأذهب خجلا. وعدت إلى الحجرة كي لا أقع مغشيا عليً من الجوع.

    ثم عدت إلى البيت وبحثت في كل مكان عن أي شيء أكله، ولم أجد غير بصلة وحاولت شيها وذهبت إلى حجرة جاري وطلبت منه عود ثقاب وبعد عدة محاولات قمت بإحراق قاموس عربي فرنسي وديوان أبي العتاهية وعدة خطابات من الأصدقاء والعائلة حتى أقوم بشي البصلة، ولكن كل ذلك لم يشفع لشيها فقد وجدت جزءا قد تم طهيه والأخر ما زال كما هو!!.

    ثم منً الله عليً بالعودة إلى الديار والوطن بعد الغربة والكربة والنفي وجاء الخير والفرج بمشيئة الله وحده. لقد ذكرتني هذه القصة المؤثرة من شيخ الزجالين العرب بالمقولة الشهيرة
    "الأديب في الشرق يموت حيا ويحيا ميتا"

    ولكن بعد أن عاد هذا الفنان العظيم إلى مصر كتب أروع القصائد و الدواوين من زجله الجميل المميز، ويذكره الآن كل العرب بإبداعه وفنه وعروبته بعد أن توفاه الله بأكثر من أربعين عاما!، ولكن تشاء سنة الله في خلقه أن الخالدين في ضمير البشرية لابد وأن يعانوا الأمرين في حياتهم كي يصلوا للمجد وللخلود بعد وفاتهم. ولو تشاءم هؤلاء العظماء عند محنهم لمات بعضهم كمدا وحزنا، و البعض الآخر مات منتحرا!!، ولانتهى هؤلاء وماتوا قبل أن يثروا البشرية كلها بإبداعاتهم الخالدة، ولكنه التفاؤل والأمل الذي يراه المبدع العظيم في بصيص ضوء دقيق من الأمل وسط بحار ومحيطات من دجى الظلمات الحالكة، وهذا هو الفرق بين الشخص العظيم المبدع والشخص العادي

    كلمات مفتاحية  :
    التعامل الشخصيات الصعبة

    تعليقات الزوار ()