توكيد الذات هو قدرة الشخص على التعبير الملائم "لفظاً وسلوكاً" عن مشاعره وأفكاره وآرائه ومواقفه تجاه الأشخاص والأحداث والمطالبة بحقوقه دون ظلم أو عدوان ويتركز توكيد الذات على تقدير الذات "أي: رؤية الفرد نفسه وما فيها من قدرات وكفاءات" وتقييم الفرد لتقدير الآخرين له "مدى احترامهم له ومكانته عندهم" فالمتزن يقدر نفسه حق قدرها دون غطرسة، بخلاف المتكبر والباخس لنفسه حقها.
فالمتكبر ينفخ ذاته ويعطيها منزلة أكبر مما تستحقه، وكما قيل: "مَن رفَع نفسَهُ وُضِع، ومَن وضَعَ نفسَهُ رُفِع، ومَن أَرادَ أن يكونَ الأوّلَ في الناس، فليكنْ لهم عبداً، و من ذل في نفسه رفع الله قدره، ومن عز في نفسه أذله الله في أعين عباده". وكما قيل: "إن شر ما يبتلى به الإنسان أن يتوهم أنه إله، وما أكثرهم، فعجبا لإنسان يحتقر شقيقه وكلنا يدري أننا من صلب آدم؛ قد خُلقنا جميعاً من ماءٍ مهين".
ومن المعروف أن الله يرُدُّ المتكبّرينَ ويُنعمُ على المتواضعين. وهكذا تسير دنيانا فكثيرٌ من الأَوَّلين يصيرونَ آخرين ومِنَ الآخرين يصبحون أَوّلين. وكما قيل: "الكبر والحب لا يجتمعان في قلب واحد". فمن أراد أن يملأ قلبه حبا لله فليحذر الكبر.
يقول الشاعر:
تواضع تكن كالبدر لاح لناظر على سطحات البحر وهو رفيــــع
ولا تكن كالدخان يعلو بنفسه على سطحات الجو وهو وضيع
قال أحد الفقهاء: من أراد أن يكسر العجب في نفسه فعليه بأربعة أشياء، أولها أن يرى التوفيق من الله تعالى، فإذا رأى التوفيق من الله تعالى فإنه يشتغل بالشكر ولا يعجب بنفسه، والثاني أن ينظر إلى النعماء التي أنعم الله بها عليه، فإذا نظر في نعمائه اشتغل بالشكر عليها واستقل عمله ولا يعجب به، والثالث أن يخاف أن لا يتقبل منه فإذا اشتغل بخوف القبول لا يعجب بنفسه، والرابع أن ينظر في ذنوبه التي أذنب قبل ذلك، فإذا خاف أن ترجح سيئاته على حسناته فقد قل عجبه، وكيف يعجب المرء بعمله ولا يدري ماذا يخرج من كتابه يوم القيامة، إنما يتبين عُجْبَه وسروره بعد قـــــراءة الكتاب.
وعن مسروق رحمه الله تعالى قال: كفى بالمرء علما أن يخشى الله، وكفى بالمرء جهلا أن يُعجِب بعمله. يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه: ما وجد أحد في نفسه كبرا إلا من مهانة يجدها في نفسه. يقول الأحنف بن قيس: عجبت لمن جرى في مجرى البول مرتين، كيف يتكبر؟!!.
ويقول الشاعر:
يامظهر الكبر إعجابا بصورته انظر خلاءك إن النتن تثريب
يقول الحسن البصري رحمه الله: إن المتكبٍر مثل رجل فوق جبل يرى الناس صغارا ويرونه صغيرا.
وعن مجاهد رحمه الله تعالى أنه قال: بعث سعيد بن العاص قوما يثنون عليه عند عثمان رضي الله فقام المقداد فحثا في وجوههم التراب وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "أحثوا التراب في وجوه المداحين". وهذا من الهدي النبوي العظيم في النهي عن المبالغة في مدح شخص ما؛ لأن هذا المدح قد يؤدي إلى العُجْب والتكبر في نفس ذلك الشخص، وهما سلوكان من السلوكيات المؤدية للنار وبئس المصير.
- إجعل صوتك ممتزجا بمشاعرك؛ فلايكون كلامك مع الآخرين على وتيرة واحدة، وعلى نفس النغمة؛ فلابد أن يختلف صوتك باختلاف مشاعرك، مثلا لا يمكن أن تكون وتيرة ونغمة صوتك عند نجاحك وتخرجك من الجامعة هي نفس وتيرة ونغمة صوتك عند وفاة شخص عزيز لديك!!!، عليك أن تكون أكثر تلقائية وعفوية عند التعبير عن عواطفك ومشاعرك، وبالذات مع والديك وزوجتك وأبنائك، إن هذا النمط الجديد للتواصل مع المحيطين بك سيصبح أكثرَ ألفة بالنسبة لك وبالنسبة للآخرين.
كيف عبر النبي -صلى الله عليه وسلم– بتلقائية عن مشاعره؟!:
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قبَّل الحسن رضي الله عنه، فقال له الأقرع بن حابس رضي الله عنه: لقد ولد لي عشر ما قبلت واحدا منهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يرحم الله من لا يرحم الناس". هنا نرى النبي صلى الله عليه وسلم يعبر عن مشاعره نحو حفيده رضي الله عنه بتقبيله إياه، أما البعض فيرون في إظهار مشاعر الغلظة والجفوة قوة وبأسا، بينما يرون في إظهار مشاعر المودة والعطف والرحمة ضعفا وخورا وعيبا في شخصية الذكور من أبنائهم، فجاء نبي الرحمة والذي خرج من حاضرة العرب (مكة المكرمة) -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- ليعلم البشر كافة أن إظهار مشاعر العطف والرحمة والود، وبالذات لمن يستحقها من والدين وزوجة وأبناء وأصدقاء، من مكارم الأخلاق، بل ومن صفات أهل الجنة، والموقف السابق مثال لتعبيره -صلى الله عليه وسلم- بتلقائية عن مشاعره.
أما عن تعبيره صلى الله عليه وسلم بالقول والفعل: فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يخطب الناس، فخرج الحسين بن علي رضي الله عنهما في عنقه خرقة يجرها، فعثر فيها فسقط على وجهه، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم عن المنبر يريد أن يقيله من عثرته، فلما رآه الناس أخذوا الصبي فأتوه به، فأخذه وحمله فقال: "قاتل الله الشيطان، إن الولد فتنة، والله ما علمت أني نزلت عن المنبر حتى أُتيت به"!!. فأي تعبير عن المشاعر البشرية أصدق وأو ضح من ذلك؟!، إن حبه الشديد صلى الله عليه وسلم لحفيده أنساه أنه يخطب المسلمين على المنبر؛ وذلك خوفا أن يُصاب الطفل بمكروه من تكرار تعثره على الأرض، ولم يجد حرجا صلى الله عليه وسلم في أن يعبر عن ذلك بصراحة فعلا وقولا!!.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم ومعه الحسن والحسين عليهما السلام هذا على عاتقه وهذا على عاتقه، يقبل هذا مرة وهذا مرة حتى انتهى إلينا، فقال رجل يا رسول الله إنك لتحبهما! قال: "من أحبهما فقد أحبني و من أبغضهما فقد أبغضني".
وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قيل يا رسول الله أي الناس أحب إليك؟ قال: "عائشة"، قال: ومن الرجال؟ قال "أبوبكر" قال ثم من قال: "ثم أبو عبيدة". نرى هنا أن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يصرح بحبه لزوجته عائشة ويذكرها بالإسم وليس بالإشارة أو التعريض، ولا يجد صلى الله عليه وسلم غضاضة أو حرجا في ذلك.
ويطلب منا صلى الله عليه وسلم أن نخبر من نحبه في الله بحبنا له وأن نصرح له بذلك؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رجلا كان عند النبي صلى الله عليه وسلم فمر رجل فقال: يا رسول الله إني لأحب هذا، فقال له صلى الله عليه وسلم: "أأعلمته؟!!" قال: لا، قال: "فأعلمه" فلحقه فقال: إني أحبك في الله، قال الصحابي: "أحبك الذي أحببتني له". فهل تجد تنطيقا للمشاعر أكثر من ذلك؟!!، أعتقد إنها دعوة صريحة لتنطيق المشاعر الإيجابية لدى أبناء الأمة.
تمرين بالعيادة النفسية عن تنطيق المشاعر:
الغرض: تعمدالتعبير عن المشاعر والعواطف باستعمالِ العباراتِ و الكلمات المشحونة بالمشاعر:
الخطوة الأولى: عليك باستعمال الأزواج الثلاث التاليةِ مِن العباراتِ في أحيان كثيرة وحسبما يُمْكِنك أَن تكررها:
1. "أنا أَحب ما قلته "...
2. ''أنا لا أَحب ما قلته..
3. "أنا أَحب ما قمت بعَملهَ"...
4. ''أنا لا أَحب ما قمت بعَمله" ....
5. "أنا أريدك بجانبي"...
6. " أنا لا أُريدُك بجانبي"....
هذا الأسلوب نستخدمه مع الأشخاص الذين لديهم مشكلة في توكيد ذواتهم؛ فنبدأ الجملة بضمير المتكلم أنا!!، وذلك على الرغم من أن العبارة تصلح أن تُنطق بدونه!!، ولكن من باب تأكيد الذات ومن أجل التواصل المباشر والواضح و الصريح مع الآخرين نبدأ الحديث باستعمال ضمير المتكلم "أنا" - هذه الجزئية تستخدم بوضوح في نوع آخر من العلاج النفسي يطلق عليه العلاج الوجودي -وهنا استدراك لابد منه؛ ألا وهو أن البعض سيقول: إن تكرار الشخص لاستخدام كلمة أنا في حديثه فيه شيء من الغرور والأنانية؟!؛ والإجابة هنا بسيطة، وهي أن الشخص الذي يبدأ هذا النوع من الحديث لن يستمر طوال حياته ومع كل الناس مستخدما هذه الطريقة في حديثه، بل سيستخدمها في حياته في مواقف معينة؛ وذلك عندما يشعر بأن تأكيده لذاته مهددا من الآخرين. من المهم إظهار الشخص لمشاعره؛ وذلك في كل ما يقوله، وبطريقة مختصرة، ومن خلال جمل قليلة، ومن أمثلة ذلك "أَحب الطريقة التي كُتِب بها هذا الفصل"، ''لقد استثارني هذا الكتاب".
الخطوة الثانية: في دفترِ الملاحظات، قم بعمل جدول تذكر فيه أيام الأسبوع، وذلك في الخانات السبع الرأسية واترك فراغا أمام كل خانة منها لتكتب فيه عدد المرات التي استعملتَ فيها أيا مِن العباراتِ الست المحملة بمشاعرك، ثم عليك أن تكرر عمل هذا الجدول ثلاث مرات "متعاقبة" على مدى ثلاثة أسابيع. ويجب أن يكون جدولكَ على الصورة التالية:
استعمال العبارات الست في تنطيق المشاعر: الأسبوع الأول الأسبوع الثاني الأسبوع الثالث؛
السّبت
الأحد
الاثنين
الثّلاثاء
الأربعاء
الخميس
الجمعة
مجموع الأسبوع
في أغلب الأحيان، نجد الأشخاص الذين لديهم صعوبة في إظْهار مشاعرهمِ لا يَستطيعونَ اسْتِعْمال العباراتِ بثبات أكثر مِنْ مرَّة أو مرَّتين في اليوم، أَو أحيانا مرة واحدة في الأسبوع، وبَعْض المرضى غير قادرين على قَولها حتى ولو مرّة في خلال الثلاثة أسابيع.
الخطوة الثالثة: يُراقبُ استعمالك للعبارات الست في أثناء الأسبوع الأول، وذلك منِ من خلال المعالج، ثمّ يَزِيدُ الشخص عددَ المرات التي يتعمد فيها قول أولئك العبارات في أثناء الأسبوع الثاني. يهدف التدريب إلى إنجاز عدد معقول من تكرار العبارات الست في نهاية الثلاثة أسابيع. إذا استعملت العبارات الست فقط مرَّة أو مرَّتين أثناء الأسبوع الأولِ فقد تحتاج إلى ثلاثة أسابيع أخرى لتنطيق مشاعرك، أما إذا استعملتَهم اثنتين أو ثلاث مراتِ باليوم في خلال الأسبوع الأول، فيُمكِنكُ أَنْ تُضاعفَ هذا العدد خلال الأسبوعين التاليين. أستمر بالمُحَاولة لزيَادة عدد المرات كل يوم حتى تَصِلَ لهدفَكَ.
ربما يبدو استخدام أولئك العبارات الست:
1. " أنا أَحب ما قلته"...
2. '' أنا لا أَحب ما قلته..
3. " أنا أَحب ما قمت بعمله"...
4. '' أنا لا أَحب ما قمت بعمله"....
5. " أنا أريدك بجانبي"...
6. " أنا لا أُريدُك بجانبي"....
من الصعب جداً بالنسبة لبعض الأشخاص؛ وفي تلك الحالةِ يمكن لهذا الشخص أن يَستبدل زوجاً آخر من العبارات مثل "أُوافق على هذا الرأي."... "أَختلف مع هذا الرأي"..."هذا الموضوع سهل جداً". وعندما يتمكنُ الشخص من أَن يقولَ تلك العبارات الخاصةَ بسهولة، يمكن اختيار عبارات أخرى محملة بالمشاعر.
عندما تتَقدّم خلال الأسبوع الثاني من هذا التمرينِ، على المعالج أن يدرس إذا كان كَانَ لديَكَ صعوبة في استعمال بعضاً من تلك العبارات، وفي أي ظروف تزداد تلك الصعوبة، ومع أي نوعية من الأشخاص تحدث تلك الصعوبة، قَدْ تَجِد نفسك تُصادفُ صعوبةً مَع "أنا أُريدُ..." ... "أنا لا أُريدُ..." فقد تَشْعرُ أنك بهذا تلح أو تُطالب أَو تَمارس ضغطا على الشخصِ الآخر، وبِأَنَّ هذا قَدْ يَجْعلُه مُستاءاً منك. على كل حال، هناك اختلاف بين مطلب ومطلب آخر؛ فإذا تَلْفظتُ العبارةَ "أنا أُريدُ كذا.." ويَقُولُ الشخص الآخر "لا.."، فقد تَحس إحباطاً، لكن ليس غضباَ أَو كآبةَ، إنه كَانَ مجرد طلب؛ وقد أعطيت للشخص الآخر حريةَ الرفضِ أو القبول. على كل حال، إذا ذكرت رغبتك في شيء ما، فقد يكون الرد على طلبك سلبيا، وعندئذ تَشْعرُ بأنك إما غاضب أَو مُكْتَئب، فلماذا؟!.
لقد أعطيت نفسك حق الطلب، فعليك أن تَعطي الشخص الأخر حق الرفض؛ وكلما أدركتَ أن هذا الاختلاف شيء متوقع؛ فعندئذ ستدرك أنه من حقّ الشخصِ الآخرِ أن يعبر عن مشاعرِه وحاجاتِه الخاصةِ؛ لذا سَتَجِدُ من السّهل عليك اسْتِعْمال عبارات "أُريدُ" أو "أرغب في". وقد نجد بَعْض الناسِ لَيْسَ لديهمْ مشكلة في قول "أنا لا أَحب" لكن هم لا يَستطيعونَ قَول"أَحب أن...."، "فالحب قد يكون في عرفهم عيب وعورة!!