بتـــــاريخ : 2/26/2009 5:03:10 PM
الفــــــــئة
  • الأســـــــــــرة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1061 0


    نظرية تغييرِ السلوك

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : د مصطفى السعدني | المصدر : www.maganin.com

    كلمات مفتاحية  :
    نظرية تغييرِ السلوك

    لتفهم أهمية دور "كَيفَ؟!" في تنمية "قوة الإرادة"، يجب عليك أَنْ تَفهمَ عملَ سكنر، فبينما بافلوف اهتم بالعملياتِ التي تحدث باستمرار داخل الشخصِ (مثل التغيرات التي تحدث في نظامنا العصبيِ)، يُشدد سكنر بأنّ العلاقةَ الحاسمةَ تحْدث بين الشخصِ وبيئته المحيطة. وأي شخص لديه سلوك ما (أيا كان)؛ فإن هذا السلوكِ يؤثر على البيئةِ المحيطة بنا (العالم من حولنا). وبمعنى آخر، فالسلوك لَهُ نتائجُ، وطبقاً لسكنر فإن السلوك "يتشكلُ ثم تبقي نتائجِه"، تلك النتائجِ اللاتي يقول عنها سكنر أنها تؤدي إلى "تعزيز" السلوك، ومن هنا يُقرّرُ الإنسان إذا كان من المحتمل أنه سَيُكرّرُ سلوكَه الذي قام به أم لا؛ إن النتائجَ التي تَحْدثُ فوراً بعد أن يُؤدّي الفعل أو السلوك المؤكد، والتي قد تحدث بإحدى ثلاث طرقِ:

    (1) حدوث التعزيز: إن نتائج سلوك ما قد تجعل لهذا السلوك مصداقية في إحداث تغيير ملائم بالشخص يجعله يكرر هذا السلوك بعد ذلك مرات ومرات؛ وتسمى الرغبة في تكرار مثل هذا السلوك "بالتعزيز"، وهناك نوعان من هذا التعزيز:
    (أ) التعزيز الإيجابي: يُمكنُ أَنْ يكونَ ذلك الشيءِ (من النتائج لسلوك ما)، والذي يُضافُ إلى الشخص بعد إنجازه لسلوك ما. لقد دأب سكنر على تسمية تلك النتائج لسلوك ما مرغوب فيه "جائزة"؛ ذلك اللفظ المرادف "للتعزيزِ الإيجابي". هذا التعزيز الإيجابي يُمْكِنُ أَنْ يَأْخذَ أشكالا مادية مثل: المالِ، أو الهدايا، أو الغذاء أو......، ولكن الجائزة يُمكنُ أَنْ تَكُونَ أيضا من المعززات الاجتماعية مثل المديح، والانتباه، والمودّة، والحب. كما يُمكنُ أَنْ تَكُونَ الجائزة هي مشاعرك الداخليةَ الخاصةَ مثل البهجة أَو الرضاءِ أو السرور.

    العديد مِن الناسِ يسيئوونَ فهم تعبير "التعزيز الإيجابي"، ويَعتقدونَ بأنّه يَجِبُ أَنْ يَكُونَ المُعزز الإيجابي شيئاً جيدا، في الحقيقة ليست كل المعززات الإيجابية "جوائز". فقد تكون مثلا نتيجة سلوك قَدْ قمت به (كأن تبدأ الزوجة في الإسراف، وشراء بعض الكماليات غير الضرورية للمنزل، وذلك من وجهة نظر الزوج) وتكون النتيجة هي أنّ الزوج يَصْرخُ فيها ويزداد انفعاله -وكما قيل: إذا سيطر الإسراف والسفه، ونحيت العواقب، وتلاشى الزمن، ولم تبق إلا الساعة الراهنة، فإن الدنيا تضيع في أثر الدين- فإذا كانت نتائج مثل ذلك السلوك هي تَقوية ودعم وتأكيد لذلك السلوك الذي سبق تلك النتائج فوراً (والزوجة كنوع من العناد والاستفزاز وإثارة لغيظ ذلك الزوج المغضوب عليه- تستمر هي في شراء أشياء مماثلة؛ كي تستمر في تحقيق ما تريده من رغبات، وكذلك لاستفزاز زوجها المغضوب عليه!!!) ، فتلك النتائج يجب أنْ تُؤخذ بعين الاعتبار على أنها من المعززات الإيجابية؛ وذلك لأن تلك النتائج أضافت إلى ذلك السلوك.

    وعندما نحاول تَغيير سلوك غير مرغوب كنوع من "ضبطِ النفس"، فالتعزيز الإيجابي يُصبحُ هنا نقطةَ هامة. فإذا كنت تُريدُ تَغيير عادة معيّنة غير مرغوبة، فعليك أن تبحث عن المعززات الإيجابية التي تجعلك تقلع عن تلك العادة غير المرغوبة لديك، وفي البَحْث عن تلك المعززات لا تقيد نفسك بأنواع معينة من المعززات لكن عليك أن تبحث عن أي معزز يدفعك دفعا إلى التخلص من تلك العادة غير المرغوبة، وأيّ نتيجة تُضاف إلى الشخص بعد قيامه بسلوك ما يدفعه إلى التخلص من تلك العادة غير المرغوبة قَدْ تُزوّد التعزيز. وذلك لأن ذلك المُعزز يدفع إلى إزالة أو إضعاف السلوك غير المرغوب فيه.

    فإذا كان الصراخ المتعاطف المتكرر من الأم على طفلها لجذب انتباهه إليها أثناء مراجعتها الدروس معه يجْعل سلوك طفلِها يأخذ شكلَ الانتباهِ لأمه فإن ذلك الصراخ المتعاطف المتكرر يُعتبر نوعا من التعزيز الإيجابي. وأحياناً يكون المعزز الإيجابي غير ملحوظَ بصورة جيدة؛ مثلا هناك مريض كان لديه عادة إلزاميةُ قهرية تتمثل في الإسراف عند دخوله المطاعم، فهو يطلب أغلى الأطباق التي يأكل القليل منها، وقد يطلب أطباقا غالية لا يأكل منها شيئا على الإطلاق. وكَانَ لدينا صعوبةُ في تَقْرير نوعية المعززات التي تدفعه إلى ذلك التبذير، حتى تَذكّر أن طليقته الثرية كانت تحب العشاء في الأماكن باهظة الثمن وكانت كثيرا ما تطلب أطباقا غالية أيضا لا تأكل إلا القليل منها في أغلب الأحيان- وبعد تلك السهرات باهظة التكاليف في تلك الأماكن الأرستقراطية كان يسود أجواء المنزل بعضا من الهدوء النسبي، والذي غالباً ما كان يفتقده هذا المريض في معظم أوقاته التي قضاها مع زوجته السابقة.

    وكان هذا الهدوء النسبي في المنزل بعد العشاء في هذه المطاعم الغالية هو المعزز الإيجابي لتلك العادة التي أمست تكلفه كثيراً فيما بعد، ولذلك تمنى لو تخلص من تلك العادة بعد أن طلق زوجته الأرستقراطية المتسلطة، وأصبح يعيش في جو هادئ معظم الأوقات.

    (ب) التعزيز السلبي: يُمكنُ أَنْ يكونَ ذلك الشيءِ (من النتائج لسلوك ما)، والذي يذهب أو ينقص من الشخص بعد إنجازه لسلوك ما، "فالنتيجة يُمكنُ أَنْ تَكُونَ ذلك الشيءِ المَطْرُوح مِن الحالةِ"؛ فهذا يُدْعَى تعزيز سلبي. والناس بشكل خاطئ يُعتبرونَ سلبيون عند حدوث الشيءِ السيئِ، والذي يتبعه العقاب غالبا.

    في شروطِ سكنر: سلوك سلبي و وسائلِ سلبية، يؤدي ذلك إلى إزالة شيء سلبي مِن الشخص ِ، وهكذا يقل السلوك السلبي لديك. على سبيل المثال، تتأخر في الذهاب إلى عملِكَ في المكتبِ، ومشرفكَ يَنتقدُك. ولذلك تأتي للعمل بعد ذلك في مواعيدك بصورة منتظمة، ويَتوقّفُ مديرك عن توجيه الانتِقاد لك. إنّ نتيجةَ انتقاد رئيسك لحضورك العمل متأخراً: "آيه حكايتك يا عم؟!، هو أنت دايما ناموسيتك كحلي؟! "هكذا يكون التعزيز السلبي، والذي يُحسِّن سلوكَك في عملِكَ نحو الأفضل، وذلك حتى لا يتهكم رئيسك على حضورك للعمل متأخراً، وفي نفس الوقت؛ فالنتيجة غير السارة قد أُزيلت وتخلصت منها.

    يَبقي التعزيزُ السلبي من الوسائل المستخدمة كثيرا في سلوك: "ضبطِ النفس"، دعنا نَأْخذُ حالةَ رجل يكره دَفْع الفواتير والديون قد تراكمت عليه. لقد بدأ يتحسس الكومة الضخمة من الإيصالات والفواتير واجبة الدفع، وذلك يتبعه إحساس وشعور غير سار وشديد المرارة لضخامة المبلغ الكلي المستحق عليه مع صعوبة السداد.

    هذا الرجل قَدْ يَذْهبُ إلى منضدتِه ويَجْلسُ ويَكْتبُ عملياتَ تقسيط وجدولة لتلك الديون، يصاحب هذا الفعلِ شعور قوي بالضغط العصبي على مثل هذا الشخص في المستقبل، بحيث يصبح أكثر تحفزاً لدَفْع فواتيرِه بانتظام ودون أن تتراكم مبالغ كبيرة عليه؛ نلاحظ هنا أن الشعور السيئ طُرِحَ عن مثل هذا الرجل، وفي نفس الوقت كسب هذا الشخص شعورا جيدا عندما شرع في دفع ما عليه من إيصالات و فواتير بصورة منتظمة، والذي سيقوّي تلك العادةَ الحميدة عنده (السداد في الوقت المحدد)، مع زيادة احترامه لذاته.

    ولكن قد يتصرف رجل آخر لنفس المشكلة بصورة مختلفة تماما؛ فيَبْدأُ في مُشَاهَدَة التليفزيونِ للابتِعاد عن إحساسه بضخامة المبالغ المستحقة عليه -وهي قيمة الإيصالات والفواتير المتراكمة فوق عاتقه- هذا الرجل أيضاً يشعر بضغوط عصبية عنيفة، لَكنَّه يبقي مستمراً في القيام بتلك العادةَ السيئة، ويستمر في التأجيلِ والتسويف، وعند تمتعه بمشاهدة البرامج التليفزيونية الشيقة والمثيرة هو في الحقيقة يمارس التسويف والتأجيل؛ ويلجأ إلى مثل هذا السلوكِ من التأجيل والتسويف لدرجة تجعله يشعر بالرضا عن وضعه المخزي كمدين؛ لَكنَّه سَيَحس -بعد ذلك- بعدم الراحة لهذا التأجيل والتسويف لأن المشكلة مازالت قائمة، واحترامه لذاته يقل بالتدريج إلى أن يتلاشى.

    (2) الانقراض أو الانطفاء لسلوك ما: عندما يقوم الشخص "بسلوك ما" لَيْسَ لهُ نتيجة؛ فإن ذلك السلوك يضعفُ ويَختفي في النهاية مِن الذخيرة الفنية السلوكيةِ لذلك الشخص، فمثلاً إذا قلت أمام بعض الناس نكتة ولم يضحك أحد أَو يَرد أو يعلق عليها، فستكون أنت أقل حماسا أو من المحتمل ألا تخبر بها أحدا في المستقبلِ.
    قاعدة : عندما لا يحدث تعزيز "لسلوك ما" بصورة متكررة؛ فهذا هو الطريقُ الوحيدُ لإطْفاء مثل ذلك السلوك.

    (3) العقاب الذي يؤدي إلى إخماد سلوك ما: هذا يَحْدثُ تحت الشروطِ المباشرة للفعل المعاكس للتعزيز الإيجابي. مثال على ذلك: عندما يقوم الوالد بحرمان ولده الأكبر من الذهاب للنادي يوم العطلة الأسبوعية من المدرسة؛ لأنه ضرب أخاه الأصغر ومنعه من اللعب معه.
    العقاب لا يَطفئ السلوكَ غير المرغوبِ، لكن العقاب يَقْمع ويحد من السلوك بصورة مؤقتة فقط. لذلك يجد الشخص نفسه يستخدم العقاب كثيرا لقمع سلوك ما، ولكن ذلك السلوك يعود مرة أخرى.

    ولكن تحت ظرف واحد، قد يثبت العقاب فاعلية كبيرة وتأثير جيد في إزالة سلوك ما، وهو إخماد العادةِ، مع السْماح بتطويرِ سلوك بديل يناقضُ السلوكَ غير المرغوب، مع اَستبدال السلوك غير المرغوب بالسلوك البديل، ثم العمل على تَقوية ذلك السلوك البديل. مثال على ذلك الوالد الذي اكتشف أن ابنه المراهق بدأ يدخن؛ فانتهره الوالد بشدة وبدأ يعيد على مسامع ابنه أضرار التدخين التي كثيراً ما سمع عنها الابن، ولكنه تحت ضغط رفقاء السوء في فترة المراهقة جرفه التيار إلى تقليدهم في عادة التدخين السيئة- ثم اتفق معه الوالد على تقليل مصروفه إلى النصف كعقاب له في فترة إجازته الصيفية هذا العام، وقرر الوالد الاشتراك لنفسه ولابنه في صالة للألعاب الرياضية لمدة ساعتين خمس مرات أسبوعياً، وكي يبعده والده عن رفقاء السوء قرر هذا الأب أن يصطحب ولده في أوقات الفراغ الأخرى لهذا الابن للعمل معه في معرض لبيع قطع غيار السيارات، والذي يمتلكه الوالد ويعمل مديراً له.

    ونجد الوالد في هذه الحالة قد عاقب ولده عقاباً يمنع هذا الابن من حرق الفائض من مصروفه مع دخان السجائر المتصاعد، وقام بعملية إصلاح مسار كامل لنفسه ولابنه بحيث يقترب أكثر من ولده، والذي يمر بمرحلة مراهقة مزعجة، فقام بمشاركة ولده في بعض التدريبات الرياضية؛ مما يعود بالفوائد الجليلة على كل منهما، وبالذات شغل وقت فراغ الابن المراهق فيما يفيد، مع إبعاده قدر المستطاع عن رفقاء السوء من شِلل المراهقين المنفلتين وغير الملتزمين، ولم يكتف الأب بذلك بل شغل باقي وقت الفراغ لدى ولده بالعمل معه في معرض قطع الغيار الذي يمتلكه هذا الوالد، وهذا التصرف بدوره يجعل من هذا الابن أكثر تحملاً للمسئولية وتفهماً لمشاكل وصعوبات الحياة، وخصوصاً أن ولاء المراهقين يكون لرفقائهم وشللهم أكثر من ولائهم لأسرهم وأوطانهم!!!.

    كلمات مفتاحية  :
    نظرية تغييرِ السلوك

    تعليقات الزوار ()