حكمة الفصل: "الذين وصلوا إلى أهدافهم والذين لم يصلوا هم متفقون على القاعدة، ولكن مختلفون في النتيجة؛ فهم انطلقوا من قاعدة: اطلب وستجد، فأولئك طلبوا النجاح فوصلوا، وأولئك اختاروا المؤخرة فندموا".
من الصعب تحديد غايتك في الحياة كعنصر مستقل لأن حياتك تتكون من الأسرة و العمل والصحة وهكذا. فمعظم الناس يفهمون هذا المصطلح على إنه السبب الوحيد لوجودهم على هذا الكوكب. يقول أبو فراس الحمداني: عليَّ طِلابِ العِز من مستقره ولا ذنب لي إن حاربتني المطالب، وذلك معناه: من واجبي أن أطلب المعالي أينما كانت ولكن لا ذنب لي إن لم أستطع الوصول إليها. ويذكرني هذا البيت بالقول الجميل لابن قيم الجوزية: "عليَّ أن أسعى وليس عليَّ إدراك النجاح".
من الممكن أن ترى غايتك في الحياة على إنها القيام بأعمال اجتماعية وخيرية لمساعدة الفقراء والمحتاجين، أو قد تعتقد أن السبب في وجودك بالحياة هو إنجاب أطفال وتربيتهم تربية جيدة حتى يصبحوا أفراداً يُعتمَد عليهم ويمكن الاستفادة منهم. أو من الممكن أن تتركز غايتك في الحياة على مهنتك وإحراز النجاح فيها، أو إحراز التقدم الكبير في المجال العملي الذي اخترته.
إذاً لا توجد قاعدة للصواب أو الخطأ في هذا الموضوع فغايتك في الحياة هوما تقوم به بناء على شخصيتك وكيفية التواصل مع غايتك الحقيقية، ولا يمنع كل ذلك أبداً أن تكون مستحضراً نية طاعة الله تعالى وعبادته؛ وذلك تحقيقاً لقوله تعالى: "وما خَلقتُ الجِنَ والإنسَ إلا ليَعبُدون مَا أُريدُ مِنهُم من رِزقٍ وما أُريدُ أن يُطعِمون إنَّ اللهَ هُو الرّزاقُ ذُو القوةِ المتين" (الذاريات 56 - 58).
هل يمكنك تذكر آخر مره قمت فيها بقضاء وقت هادئ مع نفسك؟ وأنا لا أعنى الاستماع إلى الموسيقى أو مشاهدة التلفاز وإنما أعنى وقتاً حقيقيا هادئا، وكلما زادت مدة الوقت الهادئ الذي تقضيه مع نفسك كلما أصبحت أكثر وضوحا وتحديدا لغايتك في الحياة؛ فعندئذ وبمجرد أن تنغمس في مهنتك، وتبذل قصارى جهدك فإن حدسك سيوجهك حتماً نحو غايتك.
الشجاعة تساعد على التحرر
الشباب يجد صعوبة كبيرة في تحديد غايته؛ وقد نجد الكثير منهم لديهم آباء لم يكملوا دراساتهم الأكاديمية، ويجعل هؤلاء الآباء من أحلامهم الضائعة أحمالاً يضعونها على عاتق أبنائهم؛ عسى أن يحقق هؤلاء الأبناء ما فشل في تحقيقه الآباء من قبل، وخاصة الفقراء الذين يرغبون لأبنائهم أن يحققوا أفضل مما حققوا هم في حياتهم؛ لذا نجد أكثر أسماء الطلبة المتفوقين في امتحانات نهاية العام من بيئات فقيرة أو متوسطة الحال.
وبصورة عامة، فأنا أؤمن بأن أحسن مساندة يمنحها الآباء لأبنائهم هي التأكيد على أن أي اتجاه شريف للتكسب الحلال في الحياة -سيختاره الأبناء- سوف يشجعهم الآباء على المُضي فيه، وسوف يوافقونهم عليه، ولو تمنى الآباء في أنفسهم توجهات أخرى لعيش أبنائهم.
يعتقد معظم الآباء أنهم سيحددون لأطفالهم المجالات التي سوف يلتحقون بها، وهم لا يدركون أن ذلك سيُعيقُهم عن تحقيق أهدافهم وغاياتهم في الحياة. وينسى الآباء في خضم معاناة الحياة اليومية أن أبناءهم مختلفين عنهم، وأن هؤلاء الأبناء سيعيشون في زمن مختلف عن زمن الآباء؛ ويقول سيدنا علي بن أبي طالب في مثل هذا السياق: "لا تقسروا أبناءكم على آدابكم؛ فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم"، وهذه الحكمة الجليلة من بوابة العلم النبوي تتفق تمام الاتفاق مع ما يدعوا إليه علماء النفس والتربية والاجتماع اليوم، وكم رأينا من أشخاص أضاعوا سنوات طويلة من أعمارهم في دراسة مجالات لا يريد ون دراستها نزولاً على رغبة أهليهم؟!. وكانت النتيجة المُحقَقَة هي الفشل الذريع في دراساتهم أو في حياتهم العملية بعد تخرجهم رغم قدراتهم العقلية والمالية والجسدية المواتية!!.
والآن يجب عليك أن تتحلى بالشجاعة والقوة لتتمكن من تحقيق هدفك وهذا ما يدفعك بقوة إلى غايتك.
قصة ماجد وكيفية تغييره لمستقبله
كان ماجد محاسبا يبلغ من العمر 42 عاما، يعيش بالإسكندرية، له شقة جميلة تطل على البحر، وسيارة جميلة، متزوج وله طفلان، وقد ساعده والده ماليا حتى حصل على شقة الزوجية، واشترى سيارته، وتزوج، حيث كان والده من التجار المعروفين، أما زوجته فقد كانت تهوى صناعة أفخم أنواع الحلوى، وقد عملت كمحاسبة لبعض الوقت في أحد محلات الحلوى المشهورة بالإسكندرية، والذي كان يمتلكه والد إحدى صديقاتها، ولإشباع رغبتها في الاهتمام بالناس والطعام كان ماجد ماهراً في إعداد الطعام كزوجته. وبعد فترة انتقل هو وزوجته إلى غرب الإسكندرية، حيث قاما بشراء مطعم صغير يحتاج لبعض العمل والجهد، وقاما بتحويله إلى مطعم للأسماك، لقد كانا مفعمين بالحيوية والنشاط!!.
الثقة والشجاعة
لقد اكتشف ماجد ما يريده بعد سنوات من المعاناة والألم بعد قضائه سنوات في مهنه بعيدة كل البعد عن إمكانياته ليس لسبب إلا لإرضاء والديه، لقد كان هذا يعني أن التغيير وتحقيق ما يصبو إليه ممكناً في الوقت المناسب؛ ويُعد ذلك انتصاراً لثقته بنفسه وشجاعته وتقديره لذاته، وأن لا يكون هناك تأثيراً عليه من الأشخاص المحيطين به مرة أخرى، وذلك رغم اعترافه بأنها مخاطرة إلا أنه يؤمن بأنه سيصل إلى غايته في النهاية وبنجاح. ونذكر بمناسبة الشجاعة والثقة وتأكيد الذات القصة التالية:
شجاعة الصحابيات ومشاركتهن الرجال في الحرب:
حكي أن غزاة من العرب أغروا سعد بن أبي وقاص بعد فتح القادسية، فخرج جماعة من العرب بنسائهم، فلما رأوا عدوهم من العجم خلًفوا النساء والسواد ودلفوا إلى عدوهم فاشتدت الحرب بينهم، فلما رأى النساء ذلك عقدن خمرهن على العيدان وأقبلن نحو رجالهن، فلما رآهن العجم من بعيد ظنوا أن جيشا قد أتى مدداً للعرب فانهزم الفرس.
الوصول إلى غايتك يحقق لك السعادة
هل تتذكر الأسئلة التي سألها الناس لك في المراحل النهائية من الدراسة؟ مثل "ما الذي تتطلع إليه بعد تخرجك من الجامعة؟ أو هل تنوى القيام بعمل المزيد من الدراسات العليا؟"
من الملاحظ أن أغلب الأطفال عندهم إجابة لهذا السؤال مأخوذة من عروض التلفاز أو من تشجيع والديهم لهم رغبة منهم في تحقيق الأفضل لأطفالهم. هناك بعض الأسئلة تساعدك على تحقيق السعادة مثل:
ما القرارات التي اتخذتها منذ زمن بعيد ولم تعد مناسبة لك الآن؟
ما الذي تريد التحرر منه كي تكون سعيدا؟
ما الذي يجعلك تشعر بالسعادة؟
ما غايتك في الحياة؟
وهناك أسئلة أخرى كثيرة سوف تجدها عن غايتك في الحياة عندما تقضي وقتا هادئا مع نفسك وسوف تجد أنه من الشجاعة أن تتخلى عن قرارات اتخذتها وأنت في عمر الخامسة عشر ولكنها لا تناسبك الآن. وعليك قبل كل ما ذكرت أن تتذكر دائما الكلمات التالية: "وهب الله الإنسان العقل والإرادة والروح، فمن استخدمهم في الحق نجا، ومن حاد عن الطريق هلك".