المقصود بالتواكل النفسي هو أن يختار لك الآخرون الطرق التي تتصرف بها، وأحيانا الحاجات التي تستعملها، وفي نفس الوقت تحصل على مكافآت لذلك الإذعان مثل الإعانات المالية أو تسهيل بعض العلاقات الاجتماعية لك، ولو أنك في هذا الموقف تعتبر شخصية تابعة تتمتع باحترام مشروط باحترام الشخصية الأم، التخلص من التوكل لا يعني أن يغادر الشاب بيت أهله بعد الثامنة عشرة، ولكنه يعني تكوين شخصية قادرة على تحمل أعباء الحياة في المستقبل، وهذا قد يحصل حتى لو عاش الفرد مع والديه طيلة حياته.
في بعض الأوقات تعمل أشياء أنت في الواقع لا تريدها، وفي نفس الوقت تشعر بالمضايقة لإحساسك بأنك مرغم على القيام بهذه الأشياء، هذه النقاط تمثل أهم مشاكل التواكل، وهي بالطبع مرتبطة بمشكلة طلب استحسان الغير لك.
إن تكوين العلاقات الاجتماعية شيء طبيعي جداً، ولكن إذا أحسست أنك مُرغماً عليها وبالتالي تشعر بالألم من جراء ذلك فأنت تمارس سلوكاً مُحبِطا لذاتِكَ لأن المشكلة ترتبط بشعورك بأنك ملزم بممارسة أعمال لا تريدها وليس بالعلاقات الاجتماعية نفسها، والشعور بأنك ملزم يؤدي إلى الشعور بالذنب بينما إضافة شيء من المرونة تعني الاعتماد على النفس.
الاستقلال النفسي يعني عدم الحاجة النفسية للآخرين، وهذا لا يعني عدم الرغبة في الاحتكاك بالآخرين، إن هناك فرقاً كبيراً بين الحاجة والرغبة في الحصول على شيء ما، واللحظة التي تحتاج فيها للغير تصبح حالتك فيها مزرية وأحيانا أشد من ذلك؛ فإذا فرَ ذلك الشخص الذي تحتاجه إلى خارج البلاد أو شيء من هذا القبيل، بالطبع هناك من الناس من يشجع على التواكل وربما كانوا من الأهل: كالزوج أو الزوجة أو غيرهما، وهنا علينا أن نتذكر المقولة المأثورة: "من أبطأ به عمله لم يسعفه نسبه"، ويقول ابن الرومي:
فلا تتكل إلا على ما فعلته ** ولا تحسبن المجد يورث النسب.
فليس يسود المرء إلا بنفسه ** وإن عد آباء كراما ذوي حسب.
هناك فيلما رائعا كرتونيا تحت عنوان "دُب الريف"، والقصة تدور حول دبة وطفليها خلال شهور من حياتهم معا، في هذه الفترة علمتهما الأم أشياء كثيرة كالصيد وتسلق الأشجار وكيف يحميان نفسيهما من مواجهة الخطر، في يوم ما أُوحي للدبة بفطرتها التي فطرها الله عليها، بأن الوقت الذي يجب أن يعتمد فيه صغيراها على نفسيهما قد حان، فطلبت منهما أن يتسلقا إحدى الأشجار ثم غادرت دون أن تلتفت إليهما، لقد مضت في طريقها، حيث أدركت أن مسئوليتها تجاه صغيريها قد انتهت.
لم تطلب منهما رد الجميل الذي قدمته لهما في الماضي!، إن في مملكة الحيوان واجب الوالدين هو تعليم أطفالهم على الاعتماد على النفس، ومن ثم تحمل مسئولية أنفسهم، أما بالنسبة للبشر، فبالرغم من وجود تلك الغريزة فإن ميولنا العصابية، [من أمثال القلق والاكتئاب والوسواس والمخاوف والرُهاب والهلع وتوهم المرض (المراقية)]، تدفع بعضنا إلى الشعور بأن أولادنا ملك لنا وأن من الطبيعي أن نعيش حياة جديدة من خلال حياتهم، ولا يقف الوضع عند هذا الحد لدى البعض بل يتعدى ذلك إلى الإصرار بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على جعل الطفل يبقى طفلا طيلة حياته بدلا من تعليمه الاعتماد على نفسه.
هناك عائلات تنمي الاعتماد على النفس و تحاول جعل الفرد فيها يحس بأنه ملك خاص بنفسه أولا؛ وذلك بدلا من تحديه عندما يحاول استغلال طاقاته الجسمية والنفسية بطريقة سليمة.
وعلى العكس من هذا النوع من العائلات، أعرف سيدة قد رزقها الله ولداً وحيداً بعد حرمان من الإنجاب دام لسنوات، فكانت هذه السيدة تردد إنني لن أسمح لأي امرأة من أن تتزوج ولدي فهو ملكي، ولن أسمح لسيدة غيري أن يكون ولدى متعلقاً بها، وإن حدث فسأكون في غاية الصرامة والشدة مع زوجة ابني الوحيد، بل سأنام مع ولدي في غرفة نومه بعد أن يتزوج!!!، قامت تلك السيدة بتبرير أقوالها تلك بأنها ذاقت الأمرين حتى حملت به، وبعد ذلك خرج من بطنها بعملية قيصرية، فكيف تقبل أن تشاركها فيه امـــرأة أخرى!!!!!!، لن أعلق على موقف هذه السيدة شديدة الأنانية، ولكن أُنوِِّه إلى قصة الدبة (الأم) التي تركت ولديها على الشجرة ورحلت عندما أحست بقدرتهما على الاعتماد الكلي على نفسيهما؛ إن في قصة هذه الدبة ما يكفي للرد على أمثال هؤلاء السيدات المريضات نفسيا!!!.
بعض التصرفات التي تصدر من الأشخاص المتواكلين
• الاستمرار في الاعتماد على الآخرين بعد الكبر في السن خصوصا من الناحية المعنوية.
• استعمال بعض الجمل الدالة على عدم الثقة بالنفس مثل: "لا أستطيع أن أبوح لفلان بشعوري لأنني أخاف ألا يعجبه ذلك".
• توقع كل ما سيتصرف به الأهل والزوج والزوجة أو الطفل.
• الارتباك بعد تصرف يقوم به الطفل من الزوجة والزوج على اعتبار أنهم جزء لا يتجـــزأ من هذا الطفل ومسئولين عنه وعن تصرفاته غير المسئولة تمام.
• الاستمرار في عمل لا تحبه خوفا من أن تعتمد على نفسك في البحث عن عمل آخر وتفشل فيـــه.
• سؤال كل من تعرف عن مدى صحة أي قرار تنوي الإقدام عليه.
• جملة "أنا مدين لك" مرتبطة بالاعتماد على الغير.
• التأكد من كل كلمة تنطق بها، خشية من عدم استحسان الغير لما تقوله.
• الإكثار من الكذب وإخفاء الحقيقة خشية من عدم رضا الطرف الآخر في المحادثة