كتبت في مقال سابق أن الديمقراطية فكر وثقافة قبل أن تكون آليات و وسائل, فالدولة التي تسعى إلى تطبيق الديمقراطية يجب أن تهيئ النفوس أولاً لتقبل ما تفرزه التطبيق العملي لهذا الفكر من نتائج قد تكون في بعض الأحيان مفاجئة وغير متوقعة فقد يصبح الحاكم محكوما والمحكوم حاكما بين ليلة وضحاها وهذا ما لم نألفه في حياتنا فمن الصعب تقبله والرضوخ إليه فالذي تعلمناه وتربينا عليه أن الذي يحكم لا ينتهي ولايته إلا بموته وطبعا بعد أن هيئ احد أبنائه ليشغل منصبه ويحمل الأمانة على عاتقه...... وهكذا دواليك.
هذا هو السيناريو الذي يتبعه أكثر الدول وخاصة في عالمنا – العالم الثالث – وفي حال تحول البلد إلى دولة مدنية والى نظام تعددي- كما نراه في بعض الدول - فيكون ذلك بالمظهر فقط أي لا يتم ذلك عن دراسة وتخطيط وتهيئة النفوس وتربيتها وتثقيفها في هذا المجال وبالنتيجة تنشا جبهات داخلية وصراعات حزبية تشل قدرات البلد وتمتص الإمكانيات لتسخرها في هدم أسس الدولة وإزالة معالمها, والكل يحسب انه يحسن صنعاً ويخدم بلداً.
فالأحزاب الحاكمة تتهم المعارضة بالعمالة للأجنبي وتهديد الأمن القومي أو الوطني..... الخ في حين أن المعارضة ترى أن الأحزاب الحاكمة تستغل السلطة من اجل ترسيخ وجودها في كل الميادين واحتكار مؤسسات الدولة لخدمة مصالحها وفي يوم التصويت والذي يعتبر المنفذ الوحيد لبلوغ كرسي الحكم -بالنسبة للمعارضة - فان كل مؤسسات الدولة تكون في حالة استنفار لخدمة الحزب الحاكم وإذا احتاج الأمر إلى التزوير في النتائج فلا باس ما دام ذلك يخدم المصلحة العليا للبلد.
فكل حزب بما لديهم فرحون, وكل حزب ترى نفسها أحق بالملك عن من سواها لأنها هي التي تخدم البلد و تضحي من اجل البلد وتقدم مصالح البلد على مصالحها.
إذن ما المعيار الذي نستطيع الاعتماد عليه من اجل التمحيص و التصفية ومعرفة الغث من السمين والصالح من الطالح؟.
هنا لابد من اللجوء إلى معيار لا يختلف عليه اثنين إذا أردنا أن يكون التقييم موضوعيا و واقعيا وبعيدا عن الأهواء وحظوظ النفس, وبرأيي ليس هناك معيار أدق من دراسة وملاحظة السيرة الذاتية لكل الأحزاب والجماعات ومراقبة نشاطاتها وعملها عن قرب لمعرفة مدى التزامها بالمبادئ التي نادت وتنادي بها على مر الزمان, فالواقع والتطبيق هي المرآة التي لا تكذب ولا تخون ولا تستر عيبا ولا تخفي جميلا بل تعكس الصورة كما هي دون إضافة أو نقص.
فلندع جانبا جميع الشعارات البراقة والأقنعة المستترة ولنركز فقط على الواقع الذي نراه فليس هناك اصدق قولا منه ولا ابلغ معنا.
من هم الذين يرفضون التغيير بالقوة ويتمنون الاحتكام إلى صناديق الاقتراع ويرضون بحكمها ويسلمون لها تسليما بالرغم من كل الانتهاكات والعيوب التي ترافق العملية من يوم البدء بالدعاية الانتخابية إلى اليوم الذي ينتهي فيه فرز الأصوات وإعلان النتائج؟ من هم الذين يغضون الطرف عن كل الانتهاكات التي تمارس بحقهم من اجل الحفاظ على المكتسبات وعدم جر البلد إلى صراعات داخلية يحرق الأخضر واليابس.
وبالمقابل من هم الذين يفرضون فكرهم وتوجههم بغض النظر عن الحيز الذي يشغلونه بين الجماهير, ويتبعون شتى الوسائل من اجل الوصول إلى غاياتهم حتى لو أدى ذلك في بعض الأحيان إلى تعديل بعض فقرات الدستور الذي يعتبر بمثابة المرجع الأول و الأخير للدولة وله القول الفصل في حسم الخلافات.
ففي ميدان العمل فقط تظهر الحقيقة وينقشع الضباب وترفع الستائر وتزول الأقنعة ويبرز للعيان الجوهر ضاربا المظاهر عرض الحائط