كثيرة هي الآفات التي ابتلينا بها حتى أنهكت قوانا وأذاقتنا طعم التخلف لعقود وحجزت لنا المقعد الأخير في قطار التقدم والتمدن والى اجل غير مسمى.
ومن أهم واخطر هذه الآفات, الاهتمام بالشكل لا المضمون والالتفاف إلى المظهر وإهمال الجوهر, آفة أصيب بها جميع الشرائح تقريبا دون استثناء مع وجود فوراق نسبية لأنه قد لا يكون عند الجميع بنفس الدرجة أو القوة ولكن وبمرور الزمن قد يصرع المصاب أو على أحسن الأحوال يقل من إنتاجيته في البناء.
فعلى المستوى الشخصي نرى أن الفرد يبالغ في الاهتمام بلباسه وتسريحة شعره وتعطير جسمه والى اخره من أساليب إبراز شخصيته الخارجية والظاهرة للعيان, أما الجانب الآخر من شخصيته, علمه, ثقافته, والأخلاقيات التي تسمو به فيأتي بعد ذلك بعدة درجات ضمن سلم اهتماماته واولوياته.
وبالنسبة للمجتمع فان الاحتكام إلى المظهر يعتبر من أهم الموازين المعتمدة لديه فالدار الذي يسكنه الفرد, مساحته, طرازه, وتصميمه بالإضافة إلى كمية ونوعية المركبات التي يمتلكها وكذلك الكرسي أو المنصب الذي يشغله والدخل أو الوارد الشهري له… إلى اخره, كل هذا هو الأساس الذي يمد ويقوي أواصر العلاقة بينه وبين الآخرين فمن امتلك ما ذكرنا فقد اخذ بحظ وافر من احترام الآخرين له وتذللهم بين يديه ومزاحمة بعضهم البعض من اجل نيل رضاه.
وبما أن بناء الدولة وفاعلية مؤسساتها نابعة من الثقافة التي تسود المجتمع فمن الطبيعي جدا أن تراعى في بناءها المظهر والقشرة الخارجية وتهمل المضمون واللب لكي لا تشذ عن القاعدة أو تسبح عكس التيار العام.
فمن حيث الشكل نرى أن أعلى الهيئات تشكل عن طريق الانتخابات حيث يشترك الجميع في اختيار أعضائها وتشكل أحزاب وحكومات بقرارات هذه الهيئة. ونرى تشكيل نقابات ومنظمات مهنية, حتى يخيل للزائر الطارئ انه في إحدى الدول المتقدمة, وهذا هو المطلوب.
أما كيفية إجراء هذه الانتخابات أو الطريقة التي تشكل بها الحكومة وتوزع الوزارات, وكذلك المدى المسموح به للأحزاب أن تعارض قرارات الحكومة, وكيف تؤدي النقابات والمنظمات دورها وتخدم شرائحها فكل ذلك يعتبر من المضمون والجوهر الذي لا نهتم به ولا يستحق الوقوف عنده.
أخيرا أقول… إنني لا اقصد إهمال المظهر أو الشكل تماما وعدم الانشغال به وإنما القصد هو أن لا نبالغ بالاهتمام بجانب على حساب جانب أخر وان نرتب سلم أولواياتنا على أساس الأهم فالمهم وهكذا.