أهل العلم والمال بين الحق والباطل
ما سمي الإنسان الإ لكثرة نسيانه، وليس له ما يعصمه من هذ الأمر، (وكل يؤخذ من قوله ويترك الا صاحب هذا القبر) كما قال امام دار الهجرة، فالآراء هي فرضيات تحتاج لإثبات أو نفي، (رأي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب) قاله الشافعي، هذا أدب الإسلام في الإختلاف والتباين، بل وأكثر من ذلك هو نبراس الحرية الذاتية، وهو دليل تحرير العقل الإنساني من كل ما يقيده ويعطل عمله ويرجع له مناط التكليف وانسانيته.
( بلعم بن باعوراء) من أفقه وأعلم الرهبان، ولكنه عندما خرج من المعقول والمطلوب انسلخ منه آيات الله {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ }الأعراف175 وتفسير الآية هي واقصص -أيها الرسول-على أمتك خبر رجل من بني إسرائيل أعطيناه حججنا وأدلتنا, فتعلَّمها, ثم كفر بها, ونبذها وراء ظهره, فاستحوذ عليه الشيطان, فصار من الضالين الهالكين; بسبب مخالفته أمر ربه وطاعته الشيطان.
فمن جحد الحق وكفر به بعد أن كان معلوماً عنده فهو بلعم جديد، غوى نفسه ويغوي الآخرين مهما كان اسمه أو رسمه، ومهما ادعى بأنه منور أومثقف، فلا التنوير والتثقيف هو مخالفة كل الأمة، والإستهزاء بالآخرين، فنعمة التفكير من أكبر النعم ولا يجوز لأحد أن يحصره على نفسه ويحرم الآخرين منه بمجرد أن أفكارهم يخالف هواهم.
وقارون كان ابن عم موسى وابن خالته ولكنه انحاز الى السلطة والدنيا فحصل له ما حصل{إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ }القصص76، وقصص أصحاب المليارات لها وجه تشابه بقارون.
نموذجان لصاحب العلم وصاحب المال اذا طغيا وخرجا عن الحدود المعقولة والممكنة، وقيس عليها كل من اشترك معهما في العلة، هذا بالنسبة لمن له النفوذ (المنطقي والمالي)، فكيف بشخص يدعي هذا وليس نصيبه شيء من ذلك ولكن مجرد دعاوى يطلقها ليرضي بها أقواماَ أو ليكشف عن ما يحيك بصدره وعجز عنه لسانه لفترة من الفترات، وينصب لنفسه ولغيره عداءاً، وينحاز الى طرف لا يؤمن بكثير من قيمهم ولكنه يحتمي بهم ليوم كريهة وشداد عسر، فأي رجل هذا الذي لا يستطيع أن يصارح نفسه، وينقاد لما يملي عليه عقله ومعتقده.
هناك حشرة تقال اذا شمت ريح الزهرة تموت في الحال، والذباب لا تراه يقع على المطهرات، ولكنه يمضي باحثاً عن الجروح والأورام لكي يقع عليه، وقيل بأن (الطير على أشكالها تقع)، وهناك ممن لا يفرق بينه وبين الذباب والحشرة السالفة ذكرها في العمل الإ الإسم والتكوين الخلقي، أما خُلقاً فيتحدان لأن أهدافهما واحدة.
فالحق أحق أن يقال، وليس فوق الحق شيء، والحق يعلو ولا يعلى عليه، فلنتحرى الحق فيما نريد تثقيف المجتمع به، وتحليل القضايا البالغة التعقيد، وليكن ديدننا هو أننا حليف الحق من أي وعاء سكب ومن أي شخص نطق، اعرفوا الحق بالحق ولا تعرفوه بالرجال.
رغم كل ما تنشر وتكتب وتنطق من شبهات وأقاويل عن الإسلام، وعن التجربة الإسلامية على مر القرون، فأنا متفائل جداً أنبذ التشاؤوم ومن يحمي خلفه، ومؤمن بحرية التعبير عن الآراء شريطة الإلتزام بالمعقول والمتعارف عليه، ولا أستهزيء بأي فكرة مها كانت، رغم أن الآخرين يزرعون التشاؤوم والفكر السقيم ويقدسون آرائهم ويتسترون خلف دعاوى الفكر الحر والتجديد، وليسوا بأكثر من بلعم وقارون، والحق فوق كل هؤلاء.
عليه فإني أعيش على الأمل والتفاؤل، وأدعوا كل من يسوغ له نفسه تحريف الكلم عن مواضعه، ويشوش أفكار الآخرين تحت أي اسم كان، أن ينصت لصوت العقل والوجدان والفطرة ثم يقيس ما يعمله بالمعيار الإلهي.
وأخيرأ فأنا متفائل جداً