متعة النجاح (الشخصية الفعالة والطريق إلى السعادة)
*مقدمة:
المفترض أن النجاح هو قاعدة السعادة، فلماذا نرى إجابة الكثير من الناجحين: إننا لسنا سعداء بالقدر الكافي؟ إذا فنحن نحتاج إلى أن نعرف العلاقة بين السعادة والنجاح. وفي البداية: نريد أن نعرف ما النجاح؟وهل هناك علاقة بين السعادة والرضا؟ وهل الرضا ينافي الطموح؟ وما التوكل؟ وهل ينافي الإيجابية؟ وهل هناك فرق بين النجاح والتعبير القرآني عنه (الفلاح)؟ ثم ما موقع القيم والمبادىء والأخلاق من ذلك كله؟
هل السعادة تنبع من الارتباط بالقيم والمبادىء, أم أننا نستطيع أن نكون سعداء ونستمتع بالنجاح بغضّ النظر عن الوسيلة التي حصلنا بها على هذا النجاح؟ عندما ننتهي من هذه الحلقة من حلقات (إدارة الذات) سندرك بوعي أنه عندما نبدأ الإدارة من الداخل... عندما نتعامل مع الذات نكتشفها, نقودها, ننميها, عندها يكون النجاح مصدراً للسعادة, عندها سنتذوق-ولأول مرة- متعة النجاح.
ما الذات؟ وكيف تديرها؟
قالوا عن الذات: إنها اتجاهات الشخص ومشاعره عن نفسه. وقالوا: إنها العمليات النفسية التي تحكم السلوك. أما التعريف الأول: فخصّوا به (موضوع الذات). والتعريف الثاني: أرادوا به (عمل الذات).
وقد نقول عنها: "إن الذات هي معرفتك لقدراتك, واستخدامك الأمثل لهذه القدرات". وهذا هو ما نقصده بقولنا: إن الطريق الأمثل للنجاح هو إدارة الذات. والأفكار الأساسية لهذا الكتاب تجدها في صفحات قليلة من مقدمة كتاب الباحث الاجتماعي الأمريكي ستيفن كوفي Stephen R. Covey في كتابه (العادات السبع لأكثر الناس فاعلية).
نحن نحتاج لقراءتين.. قراءة لماضينا واعية مدركة للفرق بين قواعد الوحي وتطبيقات الرجال.. وقراءة للحضارات من حولنا لا ننبهر بوميضها عن رؤية حفرة عقدية أو منزلق أخلاقي.. ولا بد ان نملأ قلوبنا بأننا أمة الهداية وأمة الشهادة.. {وَكَذَلِكَ جعَلناكُم أُمةً وَسَطاً لِّتكونوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ ويَكونَ الرَّسولُ عليكم شَهِيداً} [البقرة: 143]
فعلينا أن نستكمل كل مقوِّمات هذه المهمة لنكون مؤهلين لأن نصبح خير أمة, ونصل إلى الذي يجعلنا أهلا ليخرجنا الله للناس مرة أخرى {كنتم خير أمَّة أخرجت للنَّاس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون باللهِ ولو آمن أهلُ الكتابِ لكانَ خيراً مِّنهمُ المؤمنونَ وأكثرُهمُ الفاسقونَ} [آل عمران: 110] فهذه مقومات الخروج إلى الناس, وهذا هو وعد الله به, وهذه ملامح العودة الحضارية, أن نكون –بحد أدنى- شهوداً لا غائبين أو مغيبين عن إسهامات الكون من حولنا.
مدخل السعادة أم النجاح؟!
ان الفكرة الأساسية لهذا الكتاب مقتبسة عن (ستيفن كوفي) في مؤلَّفه القيِّم (العادات السبع لأكثرالناس فاعلية), أعرضها هنا كمبادىء وليست كدين, كمهارات حياة وليست كطقوس عبادة, كفكر وليست كأيديولوجية, كدعم ومهارات وليست كبديل لديننا وقيمنا التي لا نرضى عنها بديلا. أعرضها كمنهج لقراءة الآخر والتعرف عليه, مثلي والذولكن هذا من خلال منهجية ديننا الإسلام.. أعرضها –كمؤمن بديني الحق- للمؤمنين مثلي والذين لا يرضون به بديلا.. وأعرضها لغير المؤمنين بالإسلام أو المتشككين من قدرته على إدارة الحياة كفكر يستحق ان يراجعوا أنفسهم أمامه ليضبطوا الفكر البشري على ميزان الوحي الإلهي حتى نضيق دوائر الخلل.
عشر خطوات أخرى
كانت العشر خطوات الأولى في المتاب الأول (إدارة الذات) في الطريق نحو النجاح كالآتي:
الخطوة الأولى: وضوح الهدف (كل الاضواء على هدفك).
الخطوة الثانية: التفكير الجاد في الهدف (هدفك حقيقة وليس خيالا).
الخطوة الثالثة: اتخاذ النموذج المناسب (أفضل التعب أن تحصل على قدوة).
الخطوة الرابعة: الثقة بالنفس (لا تفقد مصدر الطاقة).
الخطوة الخامسة: التفكير الإيجابي المنطقي (إبداع ومنطقية أم أحلام؟).
الخطوة السادسة: التخطيط (عليك بمفتاح العملية الإدارية).
الخطوة السابعة: التعلم (طريقك إلى الاحتراف).
الخطوة الثامنة: الصبر والثبات (السفينة).
الخطوة التاسعة: المثابرة (دقات القلب).
الخطوة العاشرة: القدرة على الاستمتاع بالوقت (اجعل حياتك متعة).
أما هذه العشر في هذا الكتاب (متعة النجاح) فهي في الطريق إلى السعادة, وكثيرا ما اشتكى الناجحون من عدم شعورهم بالسعادة, عندما كان النجاح يعتمد على المزايا الشخصية. ولكن عندما يكتشفوا أن النجاح لا بد أن ينبع من المزايا الأخلاقية, من الذات وليس من الشخصية.. عندما يصبح الانطلاق من الداخل, يومها يشعر الناجحون أنهم سعداء.
السعادة: وعندما نصيغ عنوان هذا الكتاب على هيئة سؤال.. ما متعة النجاح؟ أظن أن الإجابة تكون (السعادة), فالسعادة هي المحصلة النهائية لعمل الدنيا, فقد يكون هناك ناجح وسعيد ومصيره يوم القيامة في الجنة ينعم في عطاء غير مقطوع (مجذوذ), وقد يكون هناك في الدنيا ناجح وشقي ومصيره يوم القيامة أيضاً في النار. ومن معنى السعادة وموقعها في الدنيا ومصيرها في الآخرة يبدو لنا جيداً كيف يكون النجاح متعة. الإجابة ببساطة: عندما يكون مبني على أسس من اطمئنان النفس.. عندما يكون مبني على أعمدة من العدل مع الناس.
إن النجاح لا يكون متعة ولا يوصل إلى السعادة إلا إذا كان مصدره القيم..{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بالأخسرَينَ أعمالا, الذين ضَلَّ سعيُهُمْ في الحياةِ الدنيا وهم يَحسبونَ أنَّهُم يُحسِنونَ صُنْعاً} [الكهف: 103-104]
الفائزون: وأقرب الكلمات القرآنية لمعنى النجاح كلمة (الفوز)... وأكثر الآيات التي تدل على معنى الفوز الذي يقصده القرآن هو قوله تعالى: {كل نفس ذائِقةُ الموتِ وإنما توَفَّونَ أُجورَكم يومَ القيامةِ فمن زُحزِحَ عنِ النَّارِ وأُدخِلَ الجنَّةَ فقد فازَ وما الحياةُ الدنيل إلاَّ مَتاعُ الغرور} [آل عمران:185]. وواضح أن الفوز هو نتيجة أكبر من النجاح في الدنيا, مع أنه ناتج عن السعي فيها, بل هو الأجر المرتقب لذلك السعي, حيث أن هذا السعي له نهاية محتومة, وأن الحياة الدنيا بذلك ليست نهاية المطاف إنها هي مجرد {مَتَاعُ}, وهذا المتاع مشكوك في حقيقته, وقد يكون وهماً. وبناءً عليه فكل نجاح دنيوي لا صلة له بفوز يوم القيامة هو متاع ناقص واهم.ولم يذكر الفوز كنجاح دنيوي إلا على لسان المنافقين.
المفلحون: وهذه هي اللفظة الثانية المعبرة عن متعة النجاح في القرآن الكريم, وتَنْصَبُّ بالكلية على الإدارة من الداخل وتنمية الأخلاق والمبادىء الداخلية,فيقول تعالى {قد أفلحَ مَنْ تَزَكَّى, وذَكَرَ اسمَ رَبِهِ فَصَلَّى, بل تؤثِرون الحياةالدُّنْيا, والآخِرَةُ خَيْرٌ وأبقى} [الاعلى:14]. ويقول تعالى: {ونَفْسٍ وَما سَوَّاها, فَألهَمَها فُجُورَها وتَقْوَاهَا, قَد أفْلَحَ مَن زَكَّاها, وقَد خاب مَن دَسَّاها} [الشمس:7-10].
وهكذا فإن النجاح ليس هدفاً مجرداً, إنما تظهر قيمته وأثره على صاحبه عندما يستمتع به, والسبيل الوحيد للاستمتاع به أن يكون نجاحاً مربوطاَ بالآخرة متداخلا سلوكياته المؤدية إليه في الدنيا مع هدفه الأساسي في الآخرة.. فليس هناك نجاح مقطوع عن نظر الله إليه. ليس هناك نجاح لمجرد الالتزام بمجموعة مبادىء قد يتفق عليها الناس, ولكن من يصدق فيها؟!
اختبار (هل انت ناجح أم سعيد؟)
وابحث عن متعة النجاح في الاختبار التالي:هذا أكثر من اختبار.. فأرجو أن تقرأه بعناية كله قبل أن تبدأ في الإجابة. لقد رصدت لك 12 دوراً من أدوارك في الحياة, ورصدت لك 36 سلوكاً في هذه الأدوار, ورصدت لك 108 مستوى من مستويات السعادة في هذه السلوكيات, فابحث في وسط هذه الخريطة عن متعة النجاح. أرجو أن تكون أكثر صدقاً مع نفسك مما أتوقع.
الدور
سلوك النجاح
مستوى السعادة
دائما أحيانا لا
مع الله أ- أتذكره
ب- لا أنساه
ج- أشتاق إليه
مع النفس أ- بلا قلق
ب- تلاوم
ج- تفاهم
مع الوالدين أ- واجب
ب- بر
ج- إحسان
في الزواج أ- تعايش
ب- رحمة
ج- مودة
مع الأولاد أ- حماية
ب-توجيه
ج- تفويض
مع الأرحام أ- أذكرهم
ب- أشاركهم
ج- أبرُّهم
مع الأصدقاء أ- مصالح
ب- تعاون
ج- تناغم
في العمل أ- أودي دوري
ب- أنجز وأتعاون
ج- أستمتع
مع الموظفين أ- الحبل المشدود
ب- تحت الرقابة
ج- ولاء
مع الرؤساء أ- أؤدي دوري
ب- أنصح
ج- أشارك
مع المنافسين أ- شريف
ب- ناصح
ج- مساعد
مع الوقت أ- أحترق أو أهرب
ب- متوازن
ج- الأولويات
سجل الدرجات حسب الجدول الآتي:
سلوك النجاح
مستوى السعادة
دائما أحيانا لا
أ 2 1 صفر
ب 5 4 3
ج 8 7 6
والآن: هل علمت أين تكون السعادة؟ قد تتعرف عليها في النتيجة التالية:
أقل من36 والعجيب أنك تدعي أنك ناجح أو سعيد.
37-72 أفِقْ.. وإلا فاتك قطار السعادة والنجاح.
73-108 لا تعليق.
109- 144 أنت ناجح.. قد ينقصك بعض الشعور بالسعادة, ولكنك تحاول.
145- 180 استمر.
181- 216 لا تعليق.
217- 252 استطعت تحويل نجاحك إلى سعادة.
أكبر من 253 قد يرى بعض الناس أنك تفتقد بعض مقومات النجاح, إلا أنني أرى تلك الابتسامة العريضة على شفتيك كأنك تخبرهم أنك تستمتع بمتعة النجاح.
*لاحظ مناطق (اللا تعليق), فأنت فيها تتأرجح بين الحالتين: بين النجاح التعس, والنجاح البارد في المنطقة الأولى. وبين النجاح السعيد ومتعة النجاح في المنطقة الثانية.
عشر خطوات للسعادة
الخطوة الأولى: كيف ترى نفسك؟
{وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً}: ظلت هذه الآية القرآنية يفهمها العربي في الصحراء على أنها تشبه الجبال التي خلقها الله تعالى لتثبت الأرض بالأوتاد التي يثبت بها خيمته في الصحراء, ومع تطور علم الجيولوجيا كانت هناك رؤيا أخرى كشفت عنها الآية, ذلك عندما اكتشفوا أن الجبال ليست مجرد بروز عن سطح الأرض, إنما هي جسد واحد كالوتد مغروس في الأرض بعمق, مع ملاحظة أن الجزء الأكبر من الجبل هو المغروس في الأرض, وكلما كان هذا الجزء أكبر كلما كان الجبل ذا قمة شاهقة.
إن لكل إنسان شخصيتين الأولى: الشخصية الظاهرية وهي أنت كما يراك الآخرون, أو هي كما تريد أن تكون, وهي الجزء الظاهر من الجبل. والثانية: الشخصية الحقيقية, وهي أنت كما أنت, أو هي انت بفطرتك, وهي الجزء المدفون من الجبل.وبداية طريق السعادة أن يكون تعبيرك عن شخصيتك الظاهرية هو صورة صادقة لشخصيتك الحقيقية... ومن هنا سيحدث ما يسمى (المصالحة مع النفس). وعندما يكون الجزء الظاهر من الجبل أكبر من الجزء المدفون, عندما لا يكون ظاهرك له أصول عميقة عندك.. عندما تمثل شكلا ظاهرياً ليس هو حقيقة نفسك, فهذه النفس الأمارة بالسوء يلاحقها قول الله تعالى: {ياأَيُّهَا الَّذين آمَنُوا لِمَ تَقولونَ مَا لَا تَفْعَلونَ, كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللهِ أن تَقولوا ما لا تَفعَلُون}[ الصف: 2-3].
وكلما تعمق الجزء المدفون أكثر في الأرض كلما ارتفعت القمة حتى يطمئن الجبل راسخاً, ليكون لمظهرك العالي الذي يلامس السماء واقع عميق داخلك. ليكن سؤالك الأهم: كيف ترى نفسك؟ ليس كيف يراك الآخرون؟ إن ذاتك الحقيقية أبلغ في تأثير مما تقول أو تفعل.وأقول لك: إن البداية الحقيقية لمتعة النجاح عندما تدرك ذاتك الحقيقية, واعلم أن عمق الجذور يرفع القمم.
استبيان/ تعرف على نفسك:
الجزء الأول: كيف ترى نفسك؟
ضع علامة على العبارة أو الصفة التي تنطبق عليك بصورة أو بأخرى في (أ)و(ب).
1. أ- أتحرك ببطء وهدوء. ب- أتحرك بسرعة ونشاط واضح.
2. أ- أتحدث ببطء واتزان. ب- أتحدث بسرعة وبصوت مرتفع.
3. أ- في جلستي أميل قليلا للخلف. ب- في جلستي أميل قليلا للأمام.
4. أ- لا أميل للمواجهة والتحدي. ب- أميل للمواجهة والتحدي.
5. أ- لا أجيد فن توجيه الأسئلة. ب- أجيد فن توجيه الأسئلة.
6. أ- أتخذ قراري بهدوء وتروٍّ. ب- أتخذ قراري بسرعة.
7. أ- لا أميل إلى تحمل المخاطرة. ب- أميل إلى تحمل المخاطر.
8. أ- أترك للآخر فرصة المبادرة. ب- أميل إلى أخذ زمام المبادرة في يدي.
9. أ- أستخدم تعبيرات وجهي ونظراتي في التعبير عن أفكاري. ب- لا أميل إلى استخدام التعبيرات غير اللفظية.
10. أ- لا أميل إلى صياغة آرائي وأفكاري ومطالبي بصيغة قاطعة حاسمة. ب- أميل إلى التعبير عن أفكاري وآرائي بحكمة ووضوح قاطعين.
عدد علامات (أ) =( ). عدد علامات (ب) =( ).
ب
تخبر (+) Tels
10 9 8 7 6
5 4 3 2 1 1 2 3 4 5 أ
تسأل (_) Asks
6 7 8 9 10
التعليق: هناك نوعان من الشخصيات يبرزها هذا الاستبيان, ومن خلال رؤيتك لنفسك سترجح لديك إحداهما:
1- شخص يخبر وهي الشخصية الإيجابية في الحوار, التي تتحدث وتناقش, ومنفتحة, مرحة, فيها الصفة الإشعاعية.
2- شخص يسأل وهي الشخصية السالبة في الحوار.. مستمع أكثر, يجيب عن السؤال بسؤال, يحيطه شيء من الغموض, منغلق, إذا ضحك ابتسم, وإذا تحدث أشار وأومأ برأسه.
وبقدر اقترابك من أحد الجانبين تكون الشخصية الغالبة عليك من وجهة نظرك.
الجزء الثاني: كيف تستجيب للآخرين؟
ضع علامة على العبارة أو الصفة التي تنطبق عليك بصورة أو بأخرى في (أ) و (ب).
1. أ- لا أستخدم إشارات اليد أو حركات الجسم في التعبير. ب- أُكثِر من استخدام الإشارة.
2. أ- تحركاتي وحركتي أثناء المشي تتسم بالرسمية. ب- تحركاتي وحركتي أثناء المشي تتسم بالعَفَويَّة.
3. أ- تعبيرات وجهي متزنة ومحددة. ب- تعبيرات وجهي مُعَبِّرة وطبيعية.
4. أ- أبدو شخصاً جادًّا. ب- أبدو شخصية مرحة.
5. أ- ملابسي تتميز بالرسمية. ب- أرتدي ملابس بسيطة وأقل رسمية.
6. أ- أستطيع السيطرة على مشاعري. ب- أشعر بحرية في التعبير عن مشاعري.
7. أ- أميل إلى التركيز على الحقائق. ب- أميل إلى التركيز على المشاعر.
8. أ- قراراتي تستند إلى تحليل علمي للموقف. ب- قراراتي تستند إلى أحاسيسي ومشاعري.
9. أ- حياتي تتسم بالانضباط وأدير وقتي بنجاح. ب- أُظهِرُ قَدراً محدداً من السيطرة على وقتي.
10. أ- أركز على المهام المطلوب إنجازها. ب- أركز على مشاعر مَنْ يطلبون مني.
Emotions Controls
يسيطر على مشاعره (_) (أ)
10
9
8
7
6
5
4
3
2
1
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
(+)(ب) يعبر عن مشاعره Emotes
عدد علامات (أ) = ( ). عدد علامات (ب) = ( ).
التعليق: يوضح هذا الجزء من الاستبيان هل هذه الشخصية المسيطرة عليك, والتي بَيَّنها الاستبيان الأول هي التي تدير عملية التعامل مع الآخرين, أم تستطيع أن تضبط الإيقاع وتتعامل مع المواقف حسب احتياجها.
وأيضاً يوضح هذا الجزء من الاستبيان أن هناك نوعين من الشخصيات في التعامل مع الآخرين...
أ- شخصية تصيطر على مشاعرها, وهي قليلة الانفعال لا تُسْتَفَزُّ بسرعة, ولا تُظهِر مكنون صدرها.
ب- شخصية تعبر عن مشاعرها وهي عكس الأخرى.
وكما أقترب رقمك من الرقم (10) تكون هذه الشخصية هي المعبرة عنك.
الجزء الثالث: خريطة الشخصية:
هذه الخريطة تدلك على الشخصية ودروبها وهضابها وسهولها. ضع أرقامك الأربعة على الخريطة كما هو موضوح بالمثال, حيث نفترض أن الأرقام كالآتي:
كيف ترى نفسك؟ أ 2
ب 8
كيف تستجيب للآخرين؟
أ 6
ب 4
العقلاني تسيطر (أ) الغامض
1 2
10
9
8
7
6
5
4
3
2
1
10 9 8 7 6 5 4 3 2 1 1 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10
2
3
4
5
6
7
8
9
المنفتح 3 10 العاطفي4
فنضع الأرقام على الخريطة, والمربع الذي يمثل الشخصية النهائية هو الذي يشير إليه السهم, وفي المثال السابق شخصية العقلاني. ما سمات هذه الشخصية؟ وما أنماط الشخصيات الأخرى؟ هذا ما تجيب عنه صورة خريطة شخصيتك.
شخصيات الأربع: ينتج من هذا الاستبيان أربع شخصيات, أو فلنقل: خمس, فتعال نتعرف عليها:
1- الغامض: وهي شخصية (رجل المخابرات أو العميل السري) الذي يسمع أكثر مِمَّا يتكلم, وهو كما يقول المثل:(يشتري ولا يبيع), هاديء, من الصعب أن تجعله ينفعل, منغلق, يسيطر على مشاعره, لا تستطيع أن تقرأ ما بداخله عن طريق وجهه أو حركات جسمه.
2- المنفتح: وهو عكس الشخصية السابقة, ويمكن تسمية هذه الشخصية (عضو النادي الصيفي), فهو فاكهة الجلسات المسائية أو الشاطئية, متحدث, وعنده الكثير من الروايات والطرائف, غير متحفظ, ليس لديه ما يَخْجَل منه, متحدث أكثر منه مستمع, يعبر عن مشاعره, ويظهر على وجهه ما في نفسه, إذا مَزَح ضحك بصوت عالً, ويكاد أن ينقلب على ظهره.
3- العاطفي: وهو الشخصية الرومانسية الحالِمة, صامت, خجول, يستفسر قبل أن يتكلم, وإذا تحدث فهو حريص جداً في عباراته, مهذب ولكنه سريع التأثر بالموقف, ويظهر على وجهه وأطرافه كل الأثر, يعبر عن مشاعره ولا يستطيع السيطرة عليها.
4- العقلاني: واضح من تسميته أنه إنسان متحدث لبق, لا يتحرج في أكثر المواقف دقة, وبجانب ذلك لديه القدرة على السيطرة على مشاعره, فيؤجل رد الفعل بعد الدراسة, فهو عقلاني.. عكس الشخصية السابقة(العاطفي).
والآن: أي من هذه الشخصيات هي المؤهلة للنجاح المكلل بالمتعة؟ ستسارع بالإجابة: الشخصية الرابعة العقلاني, أقول لك : نعم.. ولكن هناك شخصية أكثر توازناً تجعل الأنماط عندنا خمسة:
المتوازن: وتتكون أرقامه الأربعة عند الرقم (5) غالباً. هذه الشخصية أكثر توازنا من كل الشخصيات الأربع, وهي التي يستطيع صاحبها أن يكون ناجحا فعالا.فالتوازن يتكلم إذا احتاج للكلام, ويسأل إذا احتاج للسؤال,ويستمع ويصمت إذا احتاج لذلك, ويعبر عن مشاعره كنوع من الضبط الإيقاعي أثناء التعامل, بل ويسيطر على مشاعره عندما يفاجأ بالموقف الحَرِج. يحتاج أن يكون -أحياناً- عاطفياً وأخرى عقلانياً.. يحتاج أن يكون غامضاً للحظات ومنفتحاً للحظات.
الخطوة الثانية: مداخل النجاح:
كيف تكسب الآخرين؟ تحت هذا العنوان سنجد آلاف الكتب في مراحل مختلفة من القرن الماضي, وكانت تشرح اللوحة الخارجية التي نعرضها على الناس لنكسبهم.. قالوا: عامل الناس كما تحب أن يعاملوك, وابتسم تفتح لك الأبواب, وصافح بحرارة تدفيء القلوب, وأنصت باهتمام يحترمك الآخرون... واستمرت هذه المدرسة تعلم الناس المزايا الشخصية للإنسان الجذاب, حتى رسخ في ضمير الكثيرين أنه يمكنك أن تتظاهر بما ليس فيك ليتبعك الناس, ونجحت هذه المدرسة, وتخرج منها فريق من البشر أدرك نجاحات ولكن لم يدرك علاقات وثيقة.لم تستطع تلك المدرسة أن تزرع متعة النجاح في القلوب, لأنها اعتمدت على النجاح من الخارج.فلا بد أن تنمي الشخصية القوية المتينة من الداخل, لا الشخصية البراقة المبهرة من الخارج.
حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسهم: عندما كنت أبحث عن الأمل وجدته في آية من القرآن, هي قوله تعالى: {لَهُ مُعَقِّباتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيهِ وَمِنْ خَلفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ ما بِقَومً حَتَّى يُغَيِّروا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإذا أَرادَ اللهُ بِقَومٍ سوءً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ
وَمَا لَهُم مِّن دُنِهِ مِن والٍ} [الرعد:11].
سألني صاحبي: أين شعاع الأمل البارق في هذه الآية؟
قلت له: إنه ذلك العطاء الرباني الذي وضعه بين أيدينا.. إن الله قادر على أن يغير بلا سبب, مجرد قوله كن.. ولكن أن يجعل الله تعالى في أيدينا إرادة التغير!! إنه مجرد أن نعمل على تغيير أنفسنا, مجرد أن نعلم أن ما أصابنا هو من عند أنفسنا فنسارع بالتغيير, فإن الله مستجيب لذلك.. كل ذلك يبعث فينا الأمل التغيير للإصلاح إذا بدأنا.
أقول لكم: إن النجاح لا بد أن يكون من الداخل. أقول لهؤلاء الذين يتعاملون مع الناس: أمامكم ثلاثة مصادرلنجاحكم, الناس مِن حولكم, والموارد, الذات. وحتى ننجح في إدارة الآخرين لا بد من إدارة أنفسنا أولا..
وتذكر أن هناك مدخلين للنجاح:
* المدخل الأول: مدخل النجاح من الخارج (الظاهري) أو مدخل بناء الشخصية, حيث يتوقف النجاح على المزايا الشخصية, والصورة الظاهرة للفرد, والاتجاهات, والسلوكيات, والمهارات. وقد اعتمد هذا المدخل على اتجاهين:
الاتجاه الأول: أساليب العلاقات الإنسانية والعلاقات العامة, مثل: الاتصال الفعال والحوار والتفاوض.
الاتجاه الثاني: أساليب بناء الاتجاهات الإيجابية للتفكير, مثل: النظر للناس أنهم جميعاً بخير (التغاضي عن العيوب).وتبلور عن هذا المدخل شعارات عدة. منها: "الابتسامة تكوِّن الأصدقاء, والعبوس يبعدهم. ابتسم, صافح, جامل تكسب"...
وقد حقق هذا المدخل نجاحاً قصير الأجل, لأنه اتجه إلى التركيز على الاساليب, ومحاولة برمجة سلوك الفرد تجاه الآخرين. وباختصار: اعتمد هذا المدخل على اختصار الطريق بإعطاء وصفات لتطوير وبناء الشخصية لتظهر للآخرين, أي التركيز على البناء (الخارجي), دون الاهتمام بالبناء (الداخلي) لنواة الشخصية من الداخل, وهي الذات, وبالرغم من أن هذا المدخل حقق نجاحاً قصير الأجل كما قلنا, إلا أنه لم يحقق السعادة.
* المدخل الثاني: بناء الذات CHARACTER: حيث يتركز الاهتمام أولا على البناء الداخلي للإنسان, وينبني كلٌّ من النجاح والسعادة على مبادىء أساسية وبدهية, مثل: النزاهة والتواضع والوفاء والشجاعة والعدل والصبر والبساطة والاعتدال. وعلى ذلك فإن هذا المدخل يقوم على أن: "هناك مبادىء أساسية للحياة الفعالة, وأن الإنسان لن يستمتع بالنجاح الحقيقي والسعادة المستمرة إلا عندما يتعلم أن يدمج هذه المبادىء في البناء الأساسي لذاته".
لا تكن ريحاناً: قدراتك التي يراها الناس تمتلىء برائحة شخصيتك الداخلية,مهما حاولت إخفاءها فسوف تكن كزهرة جميلة إذا اقترب منها الناس شموا لها رائحة كريهة.
عن أبي موسى, عن النبي (ص) قال: "المؤمن الذي يقرأ القرآن ويعمل به كالأُتْرُجَّةِ, طعمها طيِّب وريحها طيِّب, والمؤمن الذي لا يقرأ القرآن ويعمل به كالتمرة, طعمها طيِّب ولا ريح لها. ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كالريحانة, ريحها طيب وطعمها مرٌّ, ومَثَل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كالحنظلة, طعمها مرّ أو خبيث وريحها مرٌّ".
اتجاه البناء: واحذر فلسفات الحلول السريعة, فليس هناك طريق مختصر عندما تكون المبادىء هي الهدف.إذا عرفت كيف تحتال على قواعد العمل ستصل على المدى القصير, أو كما يقولون: كيف تلعبها صح؟ كيف تمررها؟ كيف تضع الكرة في ملعبه؟ قد تنجح في العلاقات الخاطفة أو قصيرة الأمد بالتذاكي, بسحر الحديث (الفهلوة, التظاهر باهتمامات الآخرين), كل هذه مزايا ثانوية. ولكن إذا لم يكن هناك استقامة ومزايا أساسية قوية فإن تحديات الحياة تجعل الدوافع الحقيقية تطفو على السطح, ويحل انهيار العلاقات محل النجاح قصير المدى.
فالعلاقات التي تحتاج سعادة مع النجاح: علاقات طويلة الأمد, مثل: الزواج, شراكة العمل, الصداقة (الحب في الله), التعامل مع الأبناء. وهؤلاء الذين يبالغون في التجميل والتلوين والتنميق نقول لهم: كلما صرخت في أذني بصوت عالٍ.. لن أستطيع أن أسمعك. اغتسل جيداً, فإن رائحة عطرك سوف تزول غالباً.
نقول لك: ادفع ثمن النجاح لتستمتع به. فلا بد أن تدفع ثمن النجاح حتى تحققه. إنك تحصد ما تزرع, هل
فكَّرت في مُزارِع ينسى أن يزرع في الربيع.. ثم يلعب طيلة الصيف.. ثم يستعجل ليجمع الحصاد في الخريف؟! إن للحقل نظاماً طبيعياً لا بُدَّ أن تتبعه ليعطي الحصاد.
الخطوة الثالثة: النموذج الإدراكي وقاعدة الانطلاق Paradigm
خداع الحواس: في كتابه القيم (آفاق بلا حدود) يقول الدكتور محمد التكريتي: "كل إنسان يدرك العالم من حوله بطريقته الخاصة,فيضع له خارطة في ذهنه ويرسم له حدوداً تختلف عن الحدود التي يرسمها غيره, هي عالمه الذي يدركه ويعيش فيه, وليس له عالم إلا هذه الخارطة.. قد تكون كبيرة أو صغيرة, وقد تكون مضيئة أو مظلمة, قد يجد الحصاة في الطريق يحسبها جبلا راسياً يسد عليه منافذ الأفق, وقد يعترضه الجبل فيراه حصاة في طريقه مؤمناً بشموخ عزمه أن الجبل دون قدمه".
عن عبدالله بن مسعود, عن رسول الله (ص) قال: "إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه في أصل جبل, يخاف أن يقع عليه, وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه فقال له هكذا فطار". إن العامل الذي أثر في الرؤيا هو الداخل, هو الاعتقاد الراسخ (إيمان وكفر).وكذلك يفهمها المتنبي عندما يقول:
وتعظم في عين الصغير صِغَارُها.
وتصغر في عين العظيم العظائمُ.
هنا تخنلف الرؤيا... فأشياء ععظيمة تكون في عين رجل حقيرة, وأخرى صغيرة تعظم في عين آخر, فما العامل المؤثر؟ إنه شيء في الداخل, إنه العظمة أو الصغر النفسي...
الصفائح المعدنية: لا زلت أسأل: ماذا نريد أن نقول في هذه الفقرة؟ هل نريد أن نقول: إن العالم داخلنا هو غير العالم الذي نعيش فيه؟ إن هناك مجموعة صفائح معدنية غليظة داخل النفوس تخفي كثيراً من العالم الحقيقي عنا, والمشكلة أننا مقتنعون تماماً بأن العالم هو ما نراه ونسمعه ونحسه وليس شيئاً آخر!!
ونعود إلى أستاذنا التكريتي لنرى ما يقول: "هناك ثلاثة عوامل تُحِدُّ من إدراكنا للعالم وتقيده:الحواس, اللغة, المعتقدات والقيم." إنها إذاً تلك الصفائح المعدنية التي تحجب عنا الكثير من العالم حولنا, فلا نستطيع أن نحكم إلا على ما نرى أو نسمع أو نعرف فقط.
النموذج Paradigm: نموذج نحكم به على الأشياء, نحن في النهاية نُكَوِّن من إدراكنا لِما تركته هذه الصفائح نموذجاً واضحاً ظاهراً لنا نحكم به على الأشياء!
والسؤال الآن: هل ما تتركه الصفائح لي من إدراكات هو نفس ما تتركه لك أو لغيرك؟ إذا كانت الإجابة نعم فإن نموذجنا واحد, وكلنا نحكم على الأشياء بنفس الحكم, أما وإن ذلك لا يحدث في الواقع فإن الإجابة هي: لا. سماه ستيفن كوفي paradigm (باراديم), وهي كلمة يونانية تعني (النمط), وترجمها الدكتور الدسوقي عمار إلى (النموذج) أو الانطباع.. وسماه هشام عبدالله (النمط السلوكي), ذلك في ترجماتهم لكتاب (العادات السبع). وأسميه أنا النموذج الإدراكي, وهو الكيفية التي نرى بها العالم من حولنا.
الرؤيا والبصر: وهناك فرق بين الرؤيا والبصر, فالبصر هو وظيفة العين.. يقول تعالى: {أَم لَهُمْ أَعيُنٌ يُبصِرُونَ بِهَا} [الأعراف:195].ويقول تعالى {وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرون بِهَا} [الأعراف: 179]. أما الرؤيا فهي من الرأي, أي وجهة النظر, وقد يستخدم كل منها مكان الآخر ولكن ما نقصده هنا بالرؤيا هي عمليات ثلاث, مبني كل منها على الآخر, ويقوم بها النموذج الإدراكي مع العالم من حولنا: الإدراك, والفهم, والتفسير. وبهذه الرؤيا الثلاثة تتبلور افتراضاتنا عن العالم من حولنا, ومن هذه الافتراضات ينمو السلوك نحو العالم وتتشكل اتجاهاتنا.
يضع الدكتور التكريتي قاعدة مبدئية فيقول: "لكل الإنسان طريقته الخاصة في التفكير, وإذا ما استطعت أن تعرف كيف يفكر هذا الشخص فإنك تستطيع أن تتعامل معه بسهولة". وكثيراَ ما قلنا من قبل: إن متعة النجاح قائمة على إدارة الذات وليست إدارة الآخر. فيكون معنى هذه القاعدة: "إن لكل إنسان النموذج الإدراكي الخاص به, فإذا استطاع تغيير النموذج الإدراكي وتوسيعه إلى الأفضل فإنه سوف يستمتع بالعلاقات والنجاح والحياة".
والآن.. هل تريد أن تتعرف على أنواع من هذه الصفائح التي سماها الدكتور التكريتي (العتبات)؟
الصفائح الأولى: عتبات الحواس: هي منفذ العقل إلى العالم ولكن قدراتها محدودة, ولها ثلاث عتبات تنغلق بعدها الأبواب:
1- عتبة الإحساس: وهي الحد الأقصى لإحساس الحواس بالأجسام, فالعين تبصر شمعة على بعد 10 أمتار, والحد الأقصى لها أن تبصرها على بعد 45 في الليلة المظلمة. ولولا عتبة الإحساس ما أصبحنا في حاجة إلى التلسكوبات والمجهر ومكبر الصوت... وغيرها.ولا يعني أن شيئا لا تراه أن تُكَذِّب من يقول لك أنه يراه, فقد تكون عتبات الإحساس عنده أوسع بشكل ما.
2- عتبة الفروق: وهي قدرة الحاسة الواحدة على إدراك الفرق بين المحسوسات كقدرة اليد كحاسة لمس أن تدرك الفرق بين الناعم والخشن, وكقدرة الأذن كحاسة سمع أن تدرك الفرق بين الصوت العالي والمنخفض.
3- عتبة الطيف: وهي قدرة الحاسة على إدراك الظاهرة في المستويات المختلفة, فالأذن لا تسمع الصوت إذا كان أقل من 20 ذبذبة في الثانية وأكثر من 20000 ذبذبة في الثانية. ولذلك فنحن لا نسمع الأمواج فوق الصوتية وإن كانت هناك مخلوقات أخرى تسمعها مثل الخفاش.
الصفائح الثانية: عتبات اللغة: وهي إحدى مرشحات المعلومات الداخلة إلى العقل, ولها ثلاثة ثقوب إدخال أساسية:
الثقب الأول: التعميم: وذلك أن البعض عندما يحكم على حادثة معينة يعمم نتيجتها, كأن يقول عندما يخونه صديقه: "لا يوجد أصدقاء مخلصون في هذا العالم", أو يقول عندما يجد سلعة ارتفع سعرها: "لقد ارتفعت الأسعار جداً".
ونقول لكل مندفع إلى التعميم: "التعميم يضر المتكلم". ويقول الدكتور التكريتي: "التعميم يقلل من الدقة التي تدرك بها العالم". وأقول: "التعميم يدل على النموذج الإدراكي المشوَّه داخلنا, والذي نحكم به على العالم من حولنا".
الثقب الثاني: الحذف: وأسوأ العبارات في اللغة والخطاب, والتي يَقِلُّ فَهمَ المقصود منها هي المبنية للمجهول: كأن تقول: ضُرِبَ عليُّ! فمن ضرب عليّا؟ ولماذا ضربه؟ وبأي أداة ضربه؟ وأين ضربه؟ إنها مجموعة أسئلة تحتاج كلها إلى الإجابة حتى نستطيع أن نحكم على أو لِمَن؟
الثقب الثالث: التشويه: بمعنى استخدام المصطلح دون معرفة حدوده وطرق قياسه, ولذلك أمر النبي (ص) مَنْ يريد أن يتزوج أن ينظر إلى مَن اختارها, ولا يكفي بوصف أحد قد يشوه الصورة, أو يعطي صورة غير حقيقية. عن المغيرة بن شعبة قال: خَطبت امرأة على عهد رسول الله (ص) فقال النبي (ص): "أنظرت إليها؟ قلت: لا, قال: فانظر إليها, فإنه أجدر أن يؤدم بينكما".
الصفائح الثالثة: المعتقدات والقيم: المعتقد عندما يطلق يعني المعتقد الديني نحو الله والغيب... والقيم عندما تطلق تعني الأخلاق التي يريدها الدين. إن المقصود بأن المعتقد أو الإيمان أو القيم تؤثر في نموذجنا الإدراكي الذي نحكم به على العالم من حولنا هو المعنى العام للكلمة الذي يدخل فيه مابَيَّنا من أثر المعتقد الديني, بالإضافة إلى كل ما يرسخ في الضمير من أثار البيئة والتربية والعادات والتقاليد والتجربة, فكل هذا يُكَوِّن لدينا معتقدا, ويعمم مصطلح الإيمان إلى أوسع من الإيمان الديني..فعندما نقول: إن فلانا يؤمن بأثر وسائل الإعلام في تربية الأبناء "أو" أن فلانا يعتقد بقدرة الحاسب الآلي على إنجاز الأعمال بدقة وسرعة, فهذا ما نعنيه بتأثير الإيمان والقيم على النموذج الإدراكي, لأننا نسعى هنا إلى تغيير النموذج الإدراكي كي نغير من منطلق الأمل الذي بعثه قوله تعالى: {إنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّروا مَا بأَنفُسِهِمْ}. وهذا لا يعني إهمال النظر الى الاعتقاد الديني, فكم من معتقدات ظهر مع البحث والتدقيق أنها تحتاج إلى إعادة هدم وبناء, بسبب ما تراكم عليها من أثار العادات والتقاليد بمرور الزمن.. وأقرب مثال إلى ذلك تلك الثنائيات المتضادة العجيبة الموجودة في قلوب كثير من المتدينين. ومنها: ثنائية الدنيا والآخرة, وثنائية الفقر والغنى, وثنائية التوكل والعمل..
وكذلك لا يعني النظر في الأخلاق والمبادىء إهمال أنه كم من أخلاق تحتاج منا إلى إعادة تعريف, ذلك لسوء استخدامها أو التطرف فيها مثل كلمة: طيب ومتساهل ومتشدد وغيرها. عموما فإن المعتقدات والقيم وخلفيات التطور, وما نؤمن به من كل هذا يؤثر في صياغة نموذجنا الإدراكي الذي نحكم به على الأشياء حولنا, فنرفض أمورا ونقبل أخرى بناءً على تلك المعتقدات, وقد يكون فيما نرفضه خير كبير, وفيما نقبله شرٌ كبير, ونحن في الحالين لا نعلم.. {وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم} [البقرة: 216].
الخريطة: إن النموذج الإدراكي هو الخريطة التي نستدل بها على الطريق الصحيح, فالخريطة الخاطئة لا تدلنا على الطريق الصحيح.. فإذا كان المطلوب هو تحقيق تغيرات جوهرية في حياتنا, فلا بد من مراجعة خريطة نموذجنا الإدراكي وتغييره وتعديله. وكلنا نعلم أن الخريطة ليست الأرض ذاتها, ولكنها شرح وتوضيح لبعض خصائص ومسالك الأرض, وكذلك النموذج الإدراكي ليس هو العالم من حولنا كما هو عليه, ولكنه إدراكنا وفهمنا وتفسيرنا لهذا العالم. ومتعة النجاح تأتي بالسعي إلى تغيير الاتجاهات بالتفكير الإيجابي, ومحاولة تصحيح النموذج الإدراكي فيكون نجاحا أثبت وأرسخ وأدق وبأقل تكلفة.. يكون نجاحا فعالا وتكون سعادة, وعندها يصبح السلوك بناءً على النموذج الجديد.
الخريطة الذهنية: في عقل كل منا خرائط كثيرة جدا يمكن تقسيمها إلى قسمين: خرائط نتصور بها الأشياء كما هي, (أي الواقع كما نراه). وخرائط نتصور بها الأشياء كما يجب أن تكون, (أي القيم والمبادىء التي نعتنقها). ونحن نقوم بتفسير ما نراه في هذه الحياة تبعا لتلك الخرائط الموجودة في عقولنا. والكثير منا يشك في وجود هذه الخرائط, ويفترض أن ما يراه هو الواقع فعلا, وليس هو (تصوره الشخصي) لهذا الواقع, أو تفسيره له.
الخطوة الرابعة: قوة تغيير النموذج Effect of Paradigm
خداع الحواس: في الخطوة السابقة كانت الحواس هي أول الصفائح الخارجية التي تحجز عنا الكثير من العالم حولنا,أو هي
عامل مهم من عوامل رسم الخريطة الذهنية أو النموذج الإدراكي الخاص بنا. وتعرفنا على عتبات الحواس الثلاث, ورأينا من خلفها كيف تنغلق كثير من الأبواب أمامنا لتحجب الكثير من العالم حولنا فلا ندركه بحواسنا.
اللعب الجاد: وفي هذه الخطوة أحب أن أبدأ ببعض الألعاب, ولا مانع من بعض المرح... هيا انظر إلى الأشكال التالية:
هل الخطوط الأفقي متوازيان؟
هل ترى البقع الداكنة عند تقاطع الأشرطة البيضاء؟
ستجد الخطوط متوازييون في الصورة الأولى, ولا توجد أي بقع سوداء في الثانية..ان ما نراه ليس هو الحقيقة الكاملة, فقد يرى آخرون جزءاً لا نراه. وهذه التجربة تعني:
1- مدى قدرة الظروف في التأثير على تصرفاتنا وتصوراتنا وأنماطنا السلوكية. فإذا كانت ثواني الرؤيا للصورة الفردية جعلتنا لا نرى إلا ما رأينا من قبل, فكيف بظروف تشمل العمر كله؟ إن المؤثرات التي مرت في حياتنا شاركت في تشكيل التصورات التي نتخذها كمرجع وكنمط سلوكي وخارطة.
2- إن تلك الأنماط السلوكية التي تشكلت من مؤثرات الماضي هي مصدر موقفنا وتصرفاتنا, ولا يمكننا أن نعمل بجدارة خارجها.
3- إن محاولة تغيير التصرفات الخارجية لا يفيد كثيراً على الأمد الطويل إذا ما فشلنا في تغيير مصدر هذه التصرفات, أي (النمط الأساسي).
4- نحن لا نرى العالم كما هو, بل كما نراه من خلال مواقعنا المختلفة عن مواقع الآخرين, وبالتالي فإن الآخر يرى من خلال موقعه, فإذا اختلفتما وأردتما أن تتفقا فتبادلا المقاعد.
5- عندما تبدأ في وصف ما تراه, فأنت لا تصف إلا نفسك وتصورك ونمطك, وحينما يختلف الآخرون معك فلا تتهمهم, فلا عيب فيهم إلا أنهم لا يرونك أنت بل يرون أيضا أنفسهم. ولا يخرج من هذا المأزق إلا أصحاب الخبرات الفذة.
الحق المجرد: ولكن ألا توجد حقيقة مجردة؟ هل كل الظواهر تُفَسَّر من خلال وجهة نظرنا؟
لا.. هناك حقيقة مجردة متسعة في هذا الوجود, والمشكلة أننا نعرض وجهة نظرنا حول المساحة المكشوفة لنا, ونقاتل على أنها الحقيقة كلها وغيرنا يقاتلنا على الجزء الذي يراه منها. والحل:
1- أن تتحد وجهة نظرنا, فنرى بنفس الخريطة, فنرى نفس المساحة ونتفق على أنها الحقيقة.
2- أن نتفق على أن الحقيقة أوسع من رؤيتنا فنتكامل.
3- وحتى تكون نظرتنا أكثر موضوعية يجب علينا:
أ- الفحص الدقيق لكل ما يقوله الآخر.
ب- الفحص الدقيق لوجهة نظرنا.
ج- إلغاء الأحكام المسبقة.
إن كلا منا يظن أنه يرى الأشياء بنظرة (موضوعية), بينما الواقع أننا نرى الأشياء بنظرة (شخصية) معظم الوقت, نراها من خلال تجاربنا التي مرت بنا نحن من قبل وليس من خلال تجارب غيرنا.
متى يتم تغير النموذج؟
1- التغير الاضطراري: يغير وجهة نظره للأمور عندما يواجه خطراً أو تحدث كارثة. أو عندما يتخذ دوراً جديدأً في الحياة (أب, زوج.. الخ). (تغيير السلوك).
2- التغيير الإرادي: يبدأ في تغيير النموذج بلا ضغط. (النموذج المستهدف).
ومثال التغيير الاضطراري: الوالد ذلك الذي يتنهي عن التدخين خوفاً على الولد.
ملحوظة: تغيير السلوك خدعة تصرف عن تغيير النموذج, وتؤدي إلى التغيير على المدى القصير.
الخطوة الخامسة: النموذج المستهدف
وثيقة المبادىء المستهدفة: يقول د.كوفي: "المبادىء ليست (ممارسة).. والتي هي نشاط محدد أو عمل, وهي تتغير وتحدد حسب الحال, أما المبادىء فهي حقائق عميقة وأساسية".
الفرق بين المبادىء والتصرفات:
المبادىء: ثابتة لا تتزعزع مهما تغيرت الظروف. أما التصرفات: يمكن أن تتغير مع تغير الظروف.كلما انطبقت تصرفاتنا مع مبادئنا كلما كان النموذج الذي نسير على هديه صحيحاً, أي بمعنى (الخريطة الصحيحة).
سمات النموذج المستهدف: نريد أن نضع إشارات للنموذج المستهدف الذي نبغي تغيير نموذجنا إليه, لنقول: إن نجاحنا قائم على المبادىء, ويمكن أن تحصل منه على السعادة التي هي متعة النجاح:
أولاً: مبادىء ربانية: مصدرها الله تعالى, خالق الكون والإنسان. فمهما اختلفنا في أي زمان أو مكان, في أي فلسفة أو تفكير, في أي سلوك بين البشر, فإن هناك نداء داخلنا لا نستطيع إسكاته يقول لنا: (إن للكون إله).
أ- ربانية المصدر: فإذا مسخت تلك السمة في النفوس _أن المبادىء لا بد أن تكون ربانية, أي مصدرها الله تعالى_ فإن أي مبدأ صادر عن بشر لا بد أن نَزِنَه بميزان الوثائق السماوية التي بين أيدينا... فلا يصح أن نقول: "إن المبادىء لا علاقة لها بأي دين أو عقيدة". ولا ىيصح أن نقول: "إن هذه المبادىء موجودة في كل الأديان وكل الفلسفات, وعند كل المصلحين". فقط نقول: إن المبادىء تقاس على المصادر الربانية, فما خالف المصادر الربانية فهو مبدأ مرفوض بغض النظر عمن صدر عنه أو ما هو أثره.
ب- ربانية الغاية: أي أن هذه المبادىء لا بد أن تكون قائمة بين البشر لهدف سامٍ, هو إرضاء الله لأن الله أمرنا بذلك, لا لمجرد الإنسانية... {قل إنِّي أُمرت أن أعبُد اللهَ مُخلِصاً لَّه الدِّين} [الزمر:11].
ثانياً: مبادىء إنسانية: ورغم أن هذه المبادىء ربانية المصدر إلا أنها إنسانية التوجيه, فيجب أن تتعامل مع البشر بكل ما فيهم, وكونها ربانية يطمئننا أنها إنسانية, لأن الله هو الذي خلق الإنسان ويعلم ما يصلحه وما يفسده {ألا يعلم من خلق وهو اللَّطيف الخبير}[الملك: 14].
ثالثاً: مبادىء واقعية: فهي مبادىء تراعي ظروف الإنسان وفطرته وطبيعته البشرية, فهي مبادىء لا تقول له: "مَنْ ضربك على خدك الأيمن, فأدِر له خدك الأيسر". فلا تُحَلِّق في السماء من التسامح لن يستطيع أن يصل إليها بشر, بل تُقِرُّ القصاص وتجعله ميزانا لقيام الحياة واستمرارها{ولكم في القِصاصِ حَيَاةٌ يَا أُلِي الألبابِ لعلَّكُم تتَّقونَ}[البقرة:179]
ولا تدعو إلى الذل, بل تُلِحُّ على المظلوم أن يسعى لرفع الظلم عن نفسه ولا يستكين.
رابعاً: مبادىء شاملة: فهي مبادىء لا بد أن تستوعب الزمن كله, فلا تأتي لزمن دون زمن, وتستوعب الحياة كلها فلا تختص بالجانب الاقتصادي مثلا وتترك الساسة يديرون مبادىء سياستهم حسب الحاجة وعلى مبدأ (الغاية تبرر الوسيلة).. وتستوعب الإنسان كله, جسده وروحه في كل مراحل حياته, فهذه المبادىء مثلا لا بد ألا تفرق بين إنسان وإنسان بسبب لونه أو جنسه أو دينه.
خامساً: مبادىء متوازنة: فهي تعطي العقل حقه والقلب حقه والجسم حقه, بل تعطي الإنسان حقه والكون حقه والبيئة من حوله حقها, كما تعطي الفرد حقه والمجتمع حقه, ولا يعطي واحد على الآخر.. شعارها: {ألاَّ تطغَوا في الميزان, وأقيموا الوزن بالقسط ولا تُخسِروا الميزان} [الرحمن: 8-9].
سادساً: مبادىء ثابتة: إنها مبادىء راسخة كالجبال, دائمة دوام السماوات والأرض, خالدة خلود مصدرها الرباني. فهي مبادىء لا تتغير - كما قلنا – بسبب مصلحة أو غضب أو رضا, لأن غايتها ربانية ثابتة, وأيضاً هي ثابتة لأنها إنسانية تتعامل مع الإنسان بكل ما فيه, فلا تُحَلِّق به إلى السماوات لا يستطيع الوصول إليها فيحتاج إلى أن يغيرها, فهي ثابتة لأنها واقعية لا تصادم العقول السليمة ولا الفطر المستقيمة, وهي ثابتة لأنها شاملة فلا تحتاج إلى ترقيع أو استبدال, وهي ثابتة لأنها متوازنة لا تجور على الطرف الآخر فتعطى كل ذي حق حقه.
سابعاً: مبادىء مرنة: ورغم أنها ثابتة فإنها تجمع مع ذلك الثبات مرونة تجعلها متوازنة, بل أن من أوضح مظاهر التوازن أن تلك المبادىء تجمع بين الثبات والمرونة بمعنى القابلية للتطور, وذلك في تناسق مبدع يمكن جمعه في قاعدة (الثبات فيما يجب أن يخلد ويبقى, والمرونة (التطور) فيما ينبغي أن يتغير أو يتطور).
الدستور: إن هذا الدستور الأخلاقي الذي يقدم النموذج المستهدف هو (القرآن). {الر كتابُ أُحكِمَتْ آياتهُ ثُمَّ فصِّلتْ مِن لَّدُنْ حَكيمٍ خَبيرٍ} [هود: 1]. إنه النموذج المستهدف القائم على المبادىء, أنه كتاب الحياة التي يستحق أن يكون منهاجاً لها.
الخطوة السادسة: الحل خارج المشكلة
صناديق الأزواج: جلست أمامي وهي تتنفس بصعوبة بسبب ذلك الحمل في بطنها الذي يجمع أشياءه ويهم بوضع أقدامه على أولى درجات سلم الحياة. كانت الابتسامة العاتبة ملء شفتيها, وعيناها ذائغتين تتلظى في نار الغيظ, وتلفح ذلك الجالس أمامها بلسان من اللهب بين الحين والآخر من خلال نظرة جانبية حارقة.. ولم تكن نظراته تختلف عنها كثيراً. كانا زوجين في أوائل حياتهما الزوجية, وحدث بينهما خلاف فارتضيا بي حَكَماً.. قلت: من يبدا؟ أشار هو إليها.. وبدأت في الحديث لم تترك نقيصة إلا وذكرتها, وأعطيتها الفرصة كاملة بحصاري لزوجها الذي كان يستجيب لي فلم يتكلم. ومع آخر أنفاسها المتلاحقة أنهت قائمة النقائص في زوجها. نظرت إليه بابتسامة باهتة وقلت: تكلم. قال: وماذا أقول؟ قلت: ما تجده فيها.. واعلم أنك سترها وغطاها كما يقولون.. وأن الله أمرنا بالمعروف إليهن, والرسول (ص) أوصانا بهن لضعفهن.. ابتسم بمرارة, وغالب نفسه.. فإذا بابتسامته تتسع ويبدو فيها بعض الإشراق والرضا, وهنا قال وهو يفرك كفيه: لا أستطيع أن أقول عنها شيئاً, والحمد لله أني سمعت إلى شكواها مني, وأسأل الله أن أتغير. وتحركت في وهن شديد وقفزت بظهرها الذي رمته إلى الخلف من ثقل ما تحمل وقالت وأنفاسها تتلاحق: الحقيقة هو فيه أشياء عظيمة, أنا لا أنكر له الكثير والكثير..
كانت ابتسامتي وكأنها جاذب لحديثها, فاندفعت تعدد مزاياه التي نزلت على صحيفة نقاصه كأنها مطر الربيع يغسل رمال الخماسين. {وأَشرَقَتِ الأرضُ بنُورِ رَبِّها} وانتهت المشكلة.
لأن هذه الزوجة خرجت من الصندوق وعبرت إطار مشكلتها.. خرجت عن أزمتها, عن نظرتها السيئة إلى زوجها, وشعورها بالضعف الشديد مع احتياجها الشديد للمزيد من حنانه ورحمته وعطفه, لأن هذا الزوج برجولته وكرمه وستره عليها قد أظهر لها جزءاً من الصورة التي عدل نموذجها الداخلي.
إن الاهتمام بإصلاح الداخل هو المدخل الأساسي للنجاح, حيث سيظهر ذلك كله سلوكيات وتصرفات على ظاهرنا. اعلم أنه "لا يجب أن نتوقف عن استكشاف ذاتنا, ونهاية كل استكشافاتنا هي العودة من حيث بدأنا, والتعرف على ذاتنا من جديد وكأننا نكتشفها لأول مرة". ت. س. إليوت
الخطوة السابعة: اجعل النجاح عادة
ما هي العادات؟ العادات: هي تراكم الأفعال, فعندما تفعل شيئًا وتكرر فعله يصير لك عادة. أو هي فعل متكرر تقوم به غالباً دون أن تشعر دوريًّا وبانتظام, حتى يعبر عن شخصيتنا, فينتج عنه أن نكون فاعلين أو غير فاعلين.
كيف تتكون العادات؟
حتى ننجح لا بد أن نبني في أنفسنا عادات النجاح على أساس المعادلة التالية: الأفكار أفعال عادات.
وقالوا في حكمة قديمة: إن تزرع فكرة تحصد فعلا. وإن تزرع فعلا تحصد عادة. وإن تزرع عادة تحصد شخصية. وإن تزرع شخصية تحصد مستقبلا, أو تحصد مصيراً.
للإنسان طبيعتان: 1- فطرة وُلِدَ عليها. 2- وعادة اكتسبها.
وحتى تكتسب العادات لا بد من السُّلَّم الثلاثي (المعرفة, والقدرة, والإرادة).
أولاً: المعرفة: عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله (ص) قال: "الناس مَعادِن, خِيارُهُم في الجاهليَّةِ خِيارهم في الإسلام إذا فَقُهُوا". فالخيرية مستمرة, ولكن ميزتها المعرفة المستمدة من الفقه. وحتى يرسخ الإيمان في القلب جعله الله يقوم على العلم والمعرفة, قال تعالى: {فاعلَمْ أنَهُ لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ واستَغْفِرْ لِذَنبكَ} [محمد: 19].
ثانياً: المهارة: ومن أهم المهارات المطلوبة للنجاح:
- مهارة التفكير السليم والخيال المبدع, فلابد أن نعلم أن حياتنا من صنع أفكارنا وكم من فكرة صنعت نجاحاً. والخطوة التالية للتفكير السليم: أن يكون مدعماً بمهارة الخيال المبدع. وفقد الإبداع في الخيال يحوله إلى الأحلام والذكريات. إن الخيال المبدع هو رؤية المستقبل على أضواء الماضي, وليس الدخول في كهف الأساطير.
ثالثاً: الرغبة (الإرادة): السعادة هي ثمرة الرغبة والقدرة على التضحية بما نريده الآن, من أجل ما نريده بعد ذلك. والانطلاق يحتاج إلى جهود هائلة, لكن ما إن نتخلص من الجاذبية حتى نأخذ حريتنا.
وحتى نحصل على السعادة: لابد أن نجعل النجاح عادة. ولابد أن نبذل الجهد لنتغلب على صعوبة البداية. ولابد أن تكون لنا غاية أسمى لاستمرار السير حتى النهاية. ولابد أن نضحي بما نحبه الآن لنحصل على ما نحبه في المستقبل. فالسعادة هي ثمرة أو نتاج تضحياتنا بجزء من الحاضر من أجل المستقبل.
الخطوة الثامنة: وموعدنا النضج, مراحل نمو الذات
نمو الذات: هذا هو التدرج في النمو على المستوى الإنساني, وكذلك نمو الذات يمر تقريباً بنفس المراحل المتدرجة.
التبعية dependence الاستقلال independence التفاعل interdependence.
وآخر هذه المراحل (التعاون): هي سمة المجتمعات الحديثة, حيث لا يستطيع ويستحيل فيها على الأطراف أو الجماعات أو المؤسسات التطور دون الاعتماد على بعضها البعض أو تضافر جهود عدة أطراف.
وهناك "ثلاثة أبعاد" لنمو الذات في كل مرحلة من هذه المراحل, وهي: النضج الجسماني, النضج العاطفي, النضج الذهني.
* النضج الجسماني Physical Maturity:
التابع (المعتمد): معاق بدنيا (مشلول). أنا بحاجة إليك لمساعدتي.
المستقل: قادر على القيام بعملي بنفسي وبمفردي.
المتفاعل: معتمد على نفسي وقادر, ولكني أميز أنَّ في استطاعتي أن نعمل أنا وأنت لننجز أكثر بكثير مما لو عملت وحدي وبأقصى طاقتي.
* النضج العاطفي Emotional Maturity:
التابع (المعتمد): إحساسي بكياني وأمني يأتي من أرآء الآخرين عني, فإن كرهتني فإن هذا تدمير لي.
المستقل: أقيِّم نفسي.. أوجه نفسي من داخلي ومن إحساسي بقيمتي. ولا أتأثر بحب الناس أو معاملتي بشكل جيد أو سىء. ولا أهتم كثيراً بآراء الآخرين عني طالما كنت راضياً عن أفعالي ومقتنعاً بها.
المتفاعل: أستشعر إحساساً عظيماً بالجدارة في داخلي, ولكني أميز الحاجة إلى الحب والعطاء, وتلقي الحب من الآخرين.
* النضج الذهني Mental Maturity:
التابع (المعتمد): أعتمد عليك كي تفكر لي وتفكر في كل ما يتعلق بحياتي. وأنتظر أن يحل الآخرون مشاكلي ويفكرون بدلا مني.
المستقل: أستخدم أفكاري الخاصة. وأنتقل من مستوى فكري إلى الآخر. وأفكر بشكل مبدع وتحليلي. وأنظم أفكاري وأعبر عنها بطريقة مفهومة. وأستطيع أن أحل مشاكلي بنفسي.
المتفاعل: أعرف أني بحاجة إلى خلاصة فكر الآخرين كي أضمه إلى فكري الخاص. وأنا بالناس والناس بي.
* طريق النضج أوله التبعية (الاعتماد), ثم الاستقلال التام والاعتماد على النفس, ثم التفاعل والنتصارات الخاصة.
* لابد من المرور على مبادىء إدارة الذات, حتى تنتقل من التبعية إلى الاستقلال, ثم على مبادىء الانتصار الاجتماعي والتواصل الفعال حتى نستقر ناضجين في مرحلة التعاون والتكامل. وتذكر هذه المبادىء حتى تصل إلى التفاعل:
- الاعتراف بالجهل أول مراحل التعلم.
- الناضج هو المنصت للآخرين.
- إدارة الذات بداية النجاح.
- إدارة الذات هي الإرادة من الداخل.
- هي الطريق إلى الشخصية الفعالة.
- هي المدخل إلى علاقات متوازنة وفعالة مع الآخرين.
الخطوة التاسعة: التوازن بين النجاح والفاعلية:
ماذا تعني الفاعلية؟ إنها محصلة الإنتاج والكفاءة. فالكفاءة: هي القدرة على الإنتاج, هي أدوات الإنتاج نفسها, أما الفاعلية فهي محصلة الاثنين. [الفاعلية = الإنتاج * أدوات الإنتاج].
قانون توازن (أ/أأ):وهو قانون الفاعلية التي تعني التوازن بين الإنتاج (أ), والقدرة على الإنتاج, أو رعاية أدوات الإنتاج (أأ). الفاعلية = (أ) الإنتاج * أأ (أدوات الإنتاج).
الفاعلية = الإنتاج * الكفاءة.
الفاعلية = نجاح (في العمل) سعادة (في الحياة).
إنه توازن بين ما هو مطلوب عاجلا, وما هو مرغوب آجلا.. بين فوائد المدى القصير, وما يمكن أن نحصل عليه على المدى الطويل. الفاعلية = التوازن بين الإنتاج والكفاءة, بين الإنتاج والقدرة عليه, بين الإنتاج وأدواته.
الخطوة العاشرة: افتح بوابة التغيير
أعود فأكرر: إن أكثر آيات القرآن إعطاءً للأمل المتجدد في الحياة هي قوله تعالى: {إنَ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ ماَ بِقَومٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ماَ بِأنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11].
أتدرون مَنِ الله؟ إنه القوي العظيم, الفعال لما يريد, وهو بجلاله وعظمته يسلمنا مفاتيح التغيير, ويعلق إرادته –سبحانه وتعالى- وفعله, بإرادتنا نحن الضعفاء وفعلنا.
* فما معنى التغيير؟ وهل المطلوب هو تغيير تصرفاتنا؟
إنني يمكن أن أغير معاملتي لزوجتي وأولادي, لكن هذا التغيير حتى يكون دائماً لا بد من تغيير يبدأ من داخلي, من مبادىء وأخلاق خاطئة إلى أخرى صحيحة. فتغيير الأشكال في التعامل ليس هو التغيير المطلوب, فممكن أن أصرخ في أولادي فتذكرني زوجتي وتقول لي: لا تصرخ, فأتذكر ولا أصرخ, فهذا التغيير تغيير في الموقف.. في التصرف, لكن هل هذا معناه فعلا أني غيرت طريقة تعاملي مع أطفالي؟ فالمهم ليس تغيير المواقف بل تغيير المبادىء.
هيا افتح بوابة التغيير:
" وكل منا يحرس بوابة التغيير داخله, ويملك مفاتيحها, فلا يمكن لأحد أن يفتح أبوابنا من الخارج لا بالإقناع العقلي ولا بالاستجداء العاطفي". هيا افتح بوابة التغيير من داخلك, حتى تدخل عادات النجاح, وتحصل على متعة النجاح, وتعرف معنى السعادة.
فعندما تفتح بوابة التغيير:
1- سيكون نموك تطوريًّا, وسيحدث تأثيراً ثوريًّا في شخصيتك وعلاقاتك.
2- ستكون هناك زيادة ملموسة في الثقة بالنفس, فسوف تتعرف على ذاتك بطريقة أعمق, طبيعتك, قيمك العميقة, طاقاتك الفذة.
3- سيأتي تقييمك لنفسك من داخلك, لأنك تعيش ذاتك وكيانك وقيمتك الخاصة, وهذا سيؤدي إلى السلام مع النفس والرضا عنها.
4- سيقل اهتمامك برأي الآخرين فيك, أو مقارنة نفسك بغيرك, وبالتالي يزيد اهتمامك برأيهم في أنفسهم, وبالعالم من حولهم.
5- ستتوقف عن بناء حياتك العاطفية على ضعف الآخرين.
6- تستطيع الآن أن تبني علاقات جديدة وتحسِّن علاقات قديمة.
7- ستدرك كيف تشحن بطارياتك وتقدر على ذلك.
8- ستستبدل عادات الانهزامية بعادات الفاعلية.
ذلك كله عن طريق عادات الانتقال من التبعية إلى الاستقلالية (عادات إدارة الذات). هيا افتح بوابة التغيير فأنت تملك المفاتيح, ليدخل الآخرون إلى عالمك, وتجول معهم في عالم لفاعلية والتعاون والتكامل.
- بقدرات التواصل مع الآخرين.
- وقدرات التأثر في الآخرين بلا ضغط أو إكراه.
- وبناء علاقات وثيقة وإيجابية معهم.
- وبناء ما انكسر من علاقات.
- وزيادة متانة العلاقات الموجودة.
- وتوسيع مداها وإمكانياتها.
وذلك كله عن طريق عادات الانتقال من الاستقلال المرضي الذي انتهى مفعوله إلى التعاون والتكامل.. (عادات الشخصية الفعالة). هيا افتح بوابة التغيير, وارفع الكثير من التراب الذي غطى على طريقها, وذلك عن طريق الضبط الذاتي, وتغيير السلوك السلبي الذي يقف أمام النجاح إلى سلوك إيجابي يعطيك متعة النجاح. بالصبر.. افتح البوابة, فإن ما تحصل عليه بسرعة وسهولة لا تحرص عليه, ولكن تحرص على ما تتعب في الحصول عليه.
وتذكر ولا تنسى أبداً: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعمَةً أَنعَمَها عَلَى قَومٍ حَتَّى يُغَيِّروا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأنَّ اللهَ سَميعٌ عَليمٌ} [الأنفال: 53].