بتـــــاريخ : 2/20/2009 1:10:41 PM
الفــــــــئة
  • طرائف وعجائب
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 389 0


    عشاق متيّمون

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : فتح الله كولن | المصدر : www.qudwa1.com

    كلمات مفتاحية  :
    عشاق متيّمون

    لا يستطيع تحقيق الأفكار السامية والغايات العُلى والمشاريع العالمية إلاَّ من يستطيع التحليق عالياً، ويملك نفَساً طويلاً... الذي لا يبطئ من سرعة مسيره..

    الذي يقف بثبات ورباطة جأش.. المملوء بتطلعات الآخرة وأذواقها ممن وهبوا قلوبهم لمبادئهم وأصبحوا عشاقاً ولهانين لها. لا نحتاج اليوم إلى هذا أو ذاك.

    بل نحتاج إلى هذا النمط من الأفراد الذين نذروا أرواحهم للحقيقة ويسعون لتطبيق أفكارهم التي يعتقيدون بها في الواقع وإلى الأخذ بيد أمتهم أولاً، ثم بيد الإنسانية

    ليخرجوها من الظلمات إلى النور ويؤمِّنون رسم طريق لها نحو الحق تعالى. كل فرد من هؤلاء يفكر بما يجب عليه أن يفكر ويعرف ما يجب معرفته.. فينفذ ما

    يعرفه إلى واقع.. يتجول وكأن على فمه صور إسرافيل تمهيداً لبعث جديد بعد الموت.. ينفخ الحياة في كل مكان ولكل شيء.. بقوة البيان إن كان يملك

    قابلية البيان وفنه.. وبقلمه إن كان من أصحاب القلم.. وبفنه ورسمه وخطوطه إن كان من أرباب الإبداع.. وبسحر الشعر إن كان شاعرا.. وبعذوبة

    نغمات ألحانه إن كان موسيقيا.. يهتف على الدوام بإلهامات روحه.. ويُظهر في كل فرصة أحاسيس أعماقه.. لسانه مرتبط بأعماق فؤاده.. وفؤاده

    مرتبط بكل إخلاص بذوي الأرواح النابضة بالحقيقة.

    إن قمنا بتقييم هؤلاء الأبطال بالنماذج الموجودة على مسرح الحياة نرى أنهم يسيحون في أرجاء الأرض وكأنهم ذاهبون إلى الحج، ويُتوِّجون سياحتهم هذه بروح

    الهجرة، ويهمسون أشياء لكل من يقابلونه بلسان الحال والوجدان.. لا يتحدثون إلا بالحب.. ينبّهون كل من يصادفونه بالحب.. ويقيمون مقعداً للحب في

    كل قلب... بهم تحيا الأرواح الظامئة للحب، وتستمع إليهم جميع القلوب التي بُعثت من جديد. ترى سمة الإخلاص وبصْمته عند الذين هاجروا بهذه المشاعر

    ورحلوا، وكذلك عند الذين قبلوهم واحتضنوهم.. لن تجد مصلحة أو منفعة شخصية بين من يتحدث ومن يصيخ إليه بسمعه.. بين من يعرض ما في ذاته من

    معنى وروح ومن يتطلع إليه.. بين من يمسك بقدح شراب الحياة ومن أفاق ورجع إلى نفسه.. بين من يقدم التأييد والنصرة ومن يؤيَّد ويبصَر، كما ليس مدار

    بحث عما هو خارج رضا الله تعالى. فهذه العلاقات العميقة والنابعة من القلوب تستند كليا إلى قيم إنسانية عالمية، وتنبع من التوقير والاحترام المشترك لهذه القيم.

    لقد بدأنا -بعهدنا القريب- نظهر كأننا قد نسينا تماماً أننا أمة لها جذور روحية سليمة قوية، وأننا أنشأنا على مدار التاريخ حضارات متعددة ورفيعة المستوى، وبدأنا

    نتصرف كأمة لا تملك ماضياً. والأنكى من هذا أننا نتيجة عقدة من الشعور بالنقص بدأنا ننكر أنفسنا وننكر ماضينا. بل أصبح بعضنا يخجل حتى من هويتنا كأمة

    لها شخصيتها. وهكذا أصبحنا يوماً بعد يوم مبتعدين عن أنفسنا مدمنين بالقيم الأجنبية. وكم هو حزين أن أُمتنا التي كانت في ماضيها المجيد أمة تفكر وتتحدث

    معبرة عن نفسها، فشيدت معابد في كل مكان تعكس عقيدتها ومعايير الحسن والجمال، وغدت ذكرى طيبة للتاريخ. فما أفجع أن تهبط هذه الأمة من علياء المجد

    والشهامة والشهرة إلى حضيض النسيان فلا صيت لها ولا شهرة ولا توقير.

    فلا تستحق هذه الأمة المصير الحزين وما كان له أن يستمر إلى الأبد، فقد استطاعت مرات ومرات أن تحول حفر الموت ووهداته بإذن الله إلى مسالك واسعة للحياة،

    وحولت الأوضاع التي كانت تبدو كعلامات انقراض وهلاك إلى وسائل تجديد وتطوير، مبدية كفاءة عالية ومطورة في كل مرة أساليب جديدة للسير نحو مستقبل زاهر

    رغم أنف بعض أصحاب المصالح الشخصية الذين لا يعرفون سوى منافعهم الذاتية، ورغم أنف المتعصبين من الملاحدة الذين ينكرون القيم الدينية وقيم الأمة، وهي

    على الدوام تجمع شتات نفسها في كل مرة تتعرض فيها للهزات وتقف على رجليها من جديد، منطلقة إلى العالم أجمع حاملة معها مشاعرها وأفكارها ورسالتها.

    أصحاب الحمية هؤلاء بعيدون كل البعد عن أي رغبة في الشهرة والصيت، لا يهتمون بالمظاهر الكاذبة، اتخذوا التواضع خلة، والإخلاص خصلة، والوفاء شيمة..

    أقوياء أمام إغراءات النفس وشهواتها.. انقلبوا -بحس التاريخ الذي ورثوه عن أجدادهم– إلى حواريين مبشرين بقيمنا الملّية والدينية للدنيا كلها.. اختاروا

    ركوب الصعاب على الدعة والراحة قائلين "فقد ولجنا طريق الحب فنحن والهون"، فحققوا أجل حادثة لهذا العصر.

    الورود في أرجاء العالم اليوم استمدت نضرتها وحمرتها ورونقها من جهود هؤلاء ذوي الوجوه النيرة ومن المعاني التي تحملها أرواحهم، والجغرافية الاجتماعية بدأت

    تُنسج على جمال أفكارهم مثل قماش مطرز، وبدأت الإنسانية تترنم بأنغامهم القديمة التي لا تشيخ ولا تبلى. ومع أن مشاعرهم وأفكارهم النقية تبدو في بدايتها

    كقطرات صغيرة، فإن الذين يدركون روح الموضوع ومعناه يعلمون بأنها تحمل ماهية بحار واسعة تتماوج بأمواج مختلفة من الهبات الإلهية.

    وبسبب طبيعة هذا الأمر فإن أبطال النور هؤلاء وفرسانه اضطروا في بداية الأمر إلى تنوير محيطهم القريب منهم، أما الآن فقد ظهروا بمظهرهم الحقيقي من العمق

    وقوة الروح وانقلبوا إلى سحابة غيث، وإلى أنشودة فرح، وإلى بسمة أمل انهمرت على كل طرف وجانب لتشفي غليل الأرواح الظامئة للمحبة والقلوب المشتاقة للود

    والمسامحة وتحيلها إلى جنان ضاحكة مزهرة. يصح القول بأن الأرض اليوم تتهيأ من أقصاها لأقصاها لربيع جديد ولولادة جديدة نتيجة للبذور التي بذرها هؤلاء

    في كل مكان، وأن الإنسانية بكاملها -بشعور من حدس مسبق- مقبلة على فرحة تلقي نسائم بشارات هذه الولادة وهذا التحول الجديد. ومهما اختلفت الأصوات

    والأنغام فإن المعنى الذي ينعكس في القلوب ويستقر في الصدور هو المعنى نفسه... أما النسائم التي تهب في أوقات السحر فصوت رقراق من جدول ماء الحياة

    الموهوب إلى أيوب عليه السلام، وعطر إبراهيمي من عطر يوسف ليعقوب عليهم السلام.

    وكما أن هذا عودة منا إلى موقعنا الحقيقي مرة أخرى، فهو أيضا رسالة إحياء بديلة للإنسانية جمعاء. والحقيقة أن الأمم المختلفة التي تعيش أزمات حادة وتتلوى من

    آلامها في حاجة إلى مثل هذا النسيم. فطوبى للروّاد السعداء الذين حركوا هذه النسائم! وطوبى لمن فتحوا قلوبهم لها!.

    إننا نؤمن بأن الصورة الحالية للدنيا ستتغير في يوم من الأيام بفضل هؤلاء الأبطال الذين نذروا أنفسهم لإقامة صرح القيم الإنسانية وفتحوا قلوبهم للمحبة، وستتنفس

    الإنسانية الصعداء. ولعل الفكر الإنساني في عالم المستقبل سيسطع نورا بهم للمرة الأخيرة، وستتحقق بهم الآمال الإنسانية وأحلام المدن الفاضلة والعديد من آمالنا

    وأمانينا. أجل!.. لابد أن يأتي ذلك اليوم الذي يتحقق فيه كل هذا، وعنده سيجثوا أصحاب القلوب الفارغة والحظوظ النكدة أمام هؤلاء الربانيين طالبين الصفح

    والغفران ساكبين دموع الندم. ولكنهم لا يستطيعون أبداً تلافي ما أضاعوا من فرص. وكم يتمنى المرء لو أن هؤلاء من أصحاب القلوب الفجة والمشاعر الدنيئة

    والأفكار المتمردة والمظلمة والتصرفات الرعناء والخشنة أن يرجعوا في مستقبل قريب إلى أنفسهم ويتبعوا طريق الحق والإنصاف ولا يلوّثوا غدهم قبل أن يأتي يوم

    يتلوون فيه من عذاب الضمير.

    إن هؤلاء الأبطال الأسطوريين المضحين تضحية الصحابة الكرام، الساعين للوصول إلى أرجاء الأرض كافة.. الذين يهمهم إيصال ماء الحياة إلى الآخرين..

    الذين لم يلتفتوا إلى مغريات حياتهم الشخصية... النابذين كل مظاهر التباهي والفخر والعجب.. الذين يظهر التواضع ونكران الذات في كل حال من

    أحوالهم.. لا يهدأ حماسهم وشوقهم حتى في أحلك الظروف والأوقات على الرغم من جميع السلبيات والعوائق.. أصبحوا بهذا الحماس الذي لا يفتر ولا يهمد

    وبإقبالهم على خدمة الإنسانية بهذه الهمة العالية أنموذجاً نادراً في التاريخ من ناحية الشهامة والإخلاص والتضحية.. تراهم يهمسون لكل من يلقونه بشيءٍٍ من

    أعماق قلوبهم، ويزرعون في كل مكان شتلة ليحولوا كل جانب إلى بساتين خضراء زاهرة... تراهم على الدوام في حيوية ونشاط، وفي حركة دائبة ويعبرون

    عن أنفسهم بكفاءة عالية يدعون الناس إلى الحياة الأبدية بعزم وإيمان وثبات وبأمل كبير في المستقبل.. قد يبدو الطريق الذي يمشون عليه طريقاً متعذر السلوك،

    علما أنهم أدرى به مسبقا. أجل!.. يعلمون أن الطريق سيتحول في يوم من الأيام إلى طريق وعر وشائك، ويعلمون أن جميع الجسور ستتهدم. لقد أخذوا

    هذا في حسبانهم منذ البداية، وأدركوا منذ اليوم الأول بأن العفاريت والأبالسة ستظهر أمامهم ليقطعوا الطريق عليهم، وأن أعاصيراً من العداء والكراهية والحقد ستثار

    من حولهم. أجل!.. هم على يقين بأن طريقهم طريق الحق، ولكنهم لم يسقطوا من حسابهم أن عراقيل كبيرة لا تخطر على البال ستظهر أمامهم، وتراهم

    يعدون كل ما ظهر وكل ما سيظهر من مشقات ضريبة طريق الحق تعالى. لذا لا يفقدون من حماسهم شيئاً ويستمرون في طريقهم مسرعين لا يلوون على شيء.

    ويلوذون بالله تعالى مما يقلقهم من المخاطر ويلتجئون إلى الحصن الحصين للإيمان، ويحاولون قراءة العصر الذي يعيشون فيه وحوادثه قراءة جيدة وصائبة، ويسعون

    اليوم وغداً للحصول على رضا الله تعالى واثقين بنصره.

    وكما أنه ليس بمقدور أحدٍ أن يحرف هؤلاء الدعاة –الذين يعيشون في وحدة العقل والقلب– المستقيمي السلوك عن قيمهم التي آمنوا بها حتى الآن، فليس بمقدور

    أحدٍ كذلك أن يحول طريقهم الذي جعلوا محوره الحصول على رضا الله تعالى، وتعريف العالم كله بالخالق تقدست أسماؤه. لقد نذروا كل حياتهم في سبيل هذه

    القضية ولأداء هذه المهمة وصمدوا كالجبال الشُّمِّ لا يزحزحهم عن هذا الأمر شيء، ويَتَحَدَّونَ الأعاصير والزلازل، والرعود والبروق، واكتشفوا سر استثمار كل

    موسم من المواسم، فسقوا وأنبتوا الورود والأزهار وعلى شفاههم أناشيد أفراحها وحبورها.

    تراهم في حركاتهم وسكناتهم كالساعة نظاما ودِقة، وتستشف في أحاديثهم وكلامهم استقامة وعواطف جياشة ونضرة. لا تجد اضطراباً في حركاتهم، ولا مرارة في

    أقوالهم. قلوبهم طاهرة كقلوب الملائكة ونقية، وألسنتهم ترجمان صادق لأعماق قلوبهم. لذا غدوا بسلوكهم وتصرفاتهم محط غبطة وبكلامهم وأحاديثهم مثار

    عواطف جياشة، لا تجد في عوالم قلوبهم سوى رغبة الحصول على رضا الله تعالى، وفي كلامهم سوى عشقا عميقا لله تعالى، وحبا للوجود، ومحبة للإنسان إشفاقا

    عليه وأخذه بالمسامحة والعفو. الحصول على رضا الله تعالى هدفهم الوحيد الذي صوّبوا له أنظارهم، والتفسير الصحيح للأشياء وللحوادث وتحليلها وتقييمها

    بصواب هوايتهم التي لا يستطيعون التخلي عنها، وحب الناس وفتح صدورهم لهم جزء لا يتجزأ من طبيعتهم ومزاجهم.

    وعندما يعبِّر هؤلاء بعشقهم العميق عن موقفهم من الله تعالى يستطيعون بسر مفتاح المحبة أن يلينوا الطبائع القاسية حتى تغدو كالشمع ليونة ويفتحوا القلوب الصدئة

    والعفنة وبذلك يؤدون حق ما حظو به من تكرم رباني. فيُحَبّون ويُحِبُّون، لا يهتزون تجاه أقسى الهجمات ولا يتزلزلون، بل يثبتون في أماكنهم كالجبال الشم بعزم

    يقارب عزم الأنبياء، وعندما ينظرون إلى ما حواليهم ينظرون بنظرة سماوية، لا يسقطون ولا يتهاوون أمام العواصف الهوجاء، ولا يهتزون أمام الزلازل الشديدة.

    ويفتحون صدورهم للأمواج العاتية وللرياح العاصفة، ولا يبخلون عليها بقبضة من تراب هذه الشواطيء عندما ترتد هذه الأمواج عن شواطيء قلوبهم.

    هؤلاء الرجال الشهمون مدركون بأن قلوبهم متعلقة بأجَلِّ مهمة وأنبلها تلك هي رضا الله تعالى، وهم عازمون على التصدي لأي شيء للوصول إلى غايتهم. عندما

    تنظر إليهم كأشخاص تراهم في منتهى التواضع، يحترقون كالشموع لينيروا ما حواليهم، ومع أنهم يظهرون عدم المباهاة مستعدون في كل آن للتحليق كالطيور في

    السماء والتسابق مع الربانيين. وحتى عندما يبدون دون حراك في الظاهر، إلا أنهم بفعاليتهم الداخلية في حيوية مستمرة، وعزم راسخ وفي حمى من الحركة

    الدائبة. هم كالبحار تسقي سواحلها بأمواجها، وأحيانا تخفف بأمطارها حرارة أماكن بعيدة عنها. ومهم يقدمون ماء الحياة للجميع.. إلى القريب والبعيد،

    وينفخون روح الحياة في الأجساد التي فقدت معنى الحياة وأصبحت ميتة قبل سنين وأعوام. يقصون لمن حولهم على الدوام بلسان الروح قصص القلب، ولا

    يشاركون في أي إشاعة أو نقاش يؤدي إلى زرع أي نوع من أنواع الكره والحقد في المجتمع.

    يعيشون على الدوام على أمل أن يكونوا نافعين للناس جميعاً، ويحسون في أعماق أرواحهم بآلام الإنسانية جراء مشاكلها المختلفة وأزماتها المعنوية. يفتحون

    صدورهم لكل من يقترب منهم.. يستمعون للشكاوى.. ويئنون لها.. ويبحثون عن أصحاب القلوب المكلومة ويضعون أيديهم بأيديهم لكي يعالجوا آلام

    البائسين، ويمسحوا الدموع عن أعينهم. وعندما يأتي الوقت المناسب يتصدون لإخماد نيران الفتن وشرارات الفساد، ولا يزرعون غير الأزهار والورود حتى بين

    الأشواك وعلى شفاهم أناشيدها وبهجتها.

    تتحول أحياناً قسماتهم الوردية - التي تشبه البراعم المتفتحة- إلى حمرة قانية نتيجة ما يجابهونه من آلام وأشجان، وتصل بهم الحال أحياناً إلى درجة يحسون معها

    أن قلوبهم ستتفطر كمداً وحزناً، وتتحول النغمات التي يترنمون بها إلى ما يشبه الصراخ، ولكنهم على الرغم من كل هذا يسيرون نحو أهدافهم راضين يشيعون لمن

    حولهم الإبتسامات وإن كانت صدورهم تحترق ناراً، فتخضر الأماكن التي يمرون بها، وتنقلب إلى بساتين وحدائق خضراء كجنان الجنة، والذين يمسكون بأيديهم

    ويعاونونهم يُبعثون كمن شرب من ماء الحياة... الخدمات التي يقدمونها تكون كاليد البيضاء لموسى ? تبهر العيون... جهودهم ونشاطهم تفضح حيل جميع

    السحرة، وتتهاوى الأفكار الفرعونية عند كل بلد يحلّون فيه وتفلس.

    يملك هؤلاء غنى في الإفضال والهبات الإلهية النابعة من الإيمان، بحيث أن ما كان يملكه قارون من خزائن وأموال تعد بجانب هذا الغنى وهذه الثروة فُتاتاً ومن سقط

    المتاع. بل يستطيعون بهذه الثروة الإلهية وبهذا الغنى أن يشتروا العوالم. كفة أعمارهم ربحاً ومواهب، مملوءة على الدوام. أما كفة الخسارة عندهم فهي

    فارغة إلى درجة تدفع الشياطين إلى غضب مجنون.

    يعرف هؤلاء جيداً أين يستثمرون رأسمال حياتهم وكيف يشرون بكل مهارة الحقائق الباقية والخالدة بالأشياء الفانية والزائلة. لا يصرفون أوقاتهم هباءً وفي أمور لا

    تنفع، ولا يستسيغون أبداً التأخر عن أداء الخدمات الإيمانية. همتهم عالية، إرادتهم صلبة، عزمهم مستمر. الإيمان والحركة والنشاط من أهم مميزات قلوبهم

    ومزايا سلوكهم. لا يخافون أحداً إلا الله، ولا يخشون غيره، يقفون أبداً منتصبي القامة، مرفوعي الرأس، ويمضون مرفوعي الهامة لتنوير العالم بكل تواضع.

    تراهم على الدوام متواضعين قد خفضوا أنظارهم إلى الأرض. يهبون أحياناً كالريح بأفكارهم السماوية لينثروا بذور الخير في كل مكان، وأحياناً ليهطلوا كالغيث

    على كل موضع ليكونوا رسل حياة على سطح الأرض... لا يزلزلهم سوء أحوالهم المعيشية، ولا كساد تجارتهم، ولا الأزمات والمشاكل الحادة المتتابعة التي

    تعصف بآمالهم. كثيراً ما يجددون عهدهم وموثقهم.. يستخدمون كل نعمة من نعم الله المعنوية والمادية الموهوبة لهم في إقامة صروح أرواحهم لإحياء شعائر

    الإسلام. فأينما كان الدين ورضا الله كانوا هناك ويسعون لتحقيق أوامره تعالى. وعندما يقومون بكل هذا يبذلون عناية خاصة في أن يكونوا ناجحين في أعمالهم

    الدنيوية إلى درجة أن الذين يرون هذا النجاح ولا يعرفون هؤلاء الرجال الشهمين بهذا الجانب لا يتصورون أن لهم أي علاقة مع الدين والحياة الآخرة. وعندما

    يشاهدون ارتباطهم الوثيق برضا الله تعالى ينذهلون من عشقهم هؤلاء ويهتزون ويحسبون كأنهم بين صفوف الرعيل الأول.

    لا يحب هؤلاء أبداً البقاء دون عمل جاد، ولا صرف أعمارهم فيما لا ينفع ولا يجدي، بل هم في حركة دائبة يسعون لإعمار دينهم ودنياهم: فإن كانوا يعرفون

    القراءة والكتابة حاولوا كتابة بعض الصفحات، وإلاّ أهدوا قلماً لمن يعرفها باذليه ما بوسعهم لإدامة مشاركتهم في قافلة الخدمة. يحبون العلم على الدوام، ويوقرون

    العلماء، ويجالسون أصحاب القلوب اليقظة والعقول النيرة فيتنفسون بذكر المحبوب تعالى ومعرفته.

    لو لم يبق فوق سطح هذه الأرض إنسان حقيقي، ولو غطت السحب والدخان الآفاق من جهاتها الأربعة، ولو غرقت الطرق والأزقة بسيول من الأوحال، ولو

    حاصرت الأشواك كل مكان، واستولت أشجار الزقوم على أماكن الورود والزهور، ولو استولت الغربان ونعيقها على الميادين والساحات، وطغت على تغريد البلابل،

    وتزاحمت الزنابير حول أقداح العسل، وسادَتْ وحشة الغابات المرعبة طرقنا وأزقتنا، ولم تبق للعلم حرمة ولا توقير، وطردت المعرفة من كل الديار، وأصبحت

    الإنسانية ضحية للغدر وقلة الوفاء، وزالت الصداقات وانقلب الأصدقاء إلى أعداء... لو حدث كل هذا لثبت هؤلاء في مكانهم بكل رسوخ دون أن تزل أقدامهم

    وكل منهم يقول: "يجوز أن ينقلب كل شيء رأساً على عقب، ولكن المهم أنني واقف على قدمي بثبات... قد تتحول كل ناحية إلى صحراء جرداء، ولكن

    المهم أنني أملك نبعاً من الدموع... لقد وهبني الله زوجاً من الأقدام لكي أمشي، وقبضتين لكي أعمل، وأملك إيماناً هو رأسمالى وقلباً حصيناً لا يخترقه العدوّ..

    هناك فرص تكفي لإعمار العوالم تنتظر استثمارها، وأنا أستطيع –استناداً إلى عون من ربي- أن أقلب العالم بهذه الملكات إلى جنان وارفة الظلال... وما

    دامت كل بذرة تنبت سنابل عدة فلِمَ اليأس من المستقبل، ولِمَ هذا الغم والهم؟!. ولا سيما إن كان الله تعالى يعد بمضاعفة كل خير آلاف الأضعاف في العالم

    الآخر.." يقولون هذا وهم يسيرون في طريقهم نحو أهدافهم على الرغم من الطرق الخربة والجسور المتهدمة. يسيرون وهم ينشرون الحياة لحواليهم كالنهر

    المتدفق، ويطفئون حرقة وغليل وظمأ كل واحد.. وهم كالنار تضطرم للحفاظ على الآخرين من البرد والقر، وكالشمعة تحترق وتذوب بعد أن يسيل النور إلى

    آلاف العيون.. أحياناً يترصدون في الكمائن كأرباب الليل ويفتحون صدورهم لاستقبال نسائم الرحمة... وأحياناً يئنون في الأوقات والساعات المباركة

    ويتأوهون ويتوجهون لنيل عناية إلهية فائقة. هذا الطريق الذي يمشون عليه هو الطريق الذي سلكه ويسلكه أرباب القلوب، لذا لا تجد أحداً يضيع فيه، أو لا يصل

    إلى هدفه.

    ترى هؤلاء على الدوام مترعين بالإيمان والأمل والحماسة، كرماء إلى درجة التضحية بما يملكون في سبيل الحق تعالى، يقضون أعمارهم في حمى البذل رجاء نيلهم

    عمّا فعلوه هنا أضعاف مضاعفة من الثواب. فقد وقر في أنفسهم أنه لا توجد هناك مرتبة أرفع ولا أسمى من مرتبة من ينذر حياته في صيانة الدين ورعايته وتمثيله

    في أرجاء المعمورة بمستوى لائق ورفيع. وهم يعدون الوصول إلى هذه المرتبة الغاية الوحيدة لحياتهم، وأن حكمة وجودهم في هذه الحياة هي تحقيق هذا الهدف

    ليس إلا. يتنفسون على الدوام هذه المشاعر والأحاسيس، ويجتمعون لتخطيط أفكارهم. ويعمقون اجتماعاتهم بربطها في سبيل الله، حتى أن سكّان الملأ الأعلى

    يباركونها ويهنئون أصحابها ويدعون لهم بالنجاح والتوفيق.

    لا يفكر هؤلاء في راحة أنفسهم. فألسنتهم رطبة بكلمة "الله" و "الفضيلة" على شفاههم على الدوام. يهرعون إلى القيم الإنسانية. ويفتحون صدورهم

    للجميع متبعين سنة الأنبياء في هذا، ويعيشون على الدوام من أجل الآخرين. وبسبب مدى إخلاصهم يمد الله تعالى يد العون والمساعدة لرجال القلب والمشاعر

    هؤلاء أجنحة كأجنحة الملائكة في وقت عصيب شديد لا تنفع فيه الإيدي والأرجل، فيشرفهم في الدنيا بتوفيقٍ مفاجئ ونجاح غير متوقع، وفي الآخرة يسعدهم بظلال

    الوصال والقرب، ويجعلهم ضمن الربانيين ويغدق عليهم النعم الخاصة بضيوفه المميزين، ثم يتوّج هذه كلها برضوانه سبحانه وتعالى

    كلمات مفتاحية  :
    عشاق متيّمون

    تعليقات الزوار ()