هذا العنوان اسمٌ لبرنامج تلفزيوني أطلقته قناة دبي الفضائية مؤخرا ، تقوم فكرة البرنامج على معنى إنساني نبيل وراقي جدا ؛ يتم اختيار عدد من الحالات المشوهة جسديا من الشباب من كلا الجنسين ويتم اختيار المشتركين في البرنامج وفقاً لنسبة التشوه ومدى مأساوية القصة التي عانوا منها والتي حدت من قدرتهم على التعامل مع الآخرين بشكل طبيعي وأيضاً إلى تحسين حياة هؤلاء وتعزيز ثقتهم بأنفسهم، مما يمكنهم من العودة لممارسة حياتهم الشخصية والعملية بثقة عالية .
وهو برنامج أخذت فكرته من البرنامج الأمريكي extreme make offer الذي يستضيف سيدات يعشن على هامش الحياة تقدم بهن العمر ويرغبن بتجديد شبابهن ، غير أن برنامج قناة دبي تميز بأن كل الحالات حقيقية وتحتاج إلى مساعدة بالفعل .
وقد شاهدت بعض حلقات هذا البرنامج الإبداعي ، ولا يملك المرء حين يطالع مأساة ومعاناة الآخرين وهي تتحول إلى شيء آخر تماما ، لا يملك المرء إلا أن تذرف دموعه فرحا وبهجة ، يشارك فيها دموع ذوي المشاركين حين يأتون إليهم بشكلهم الجديد .
وحين كنت أتابع هذا البرامج ، وأدقق في مظاهر الإبداع في الإنتاج التلفزيوني ـ والذي تقوده السيدة فيروز سرحال المنتجة المشرفة على البرنامج ـ أتفكر في حال الدعاة والمدعوين في الوسط الإسلامي ، وأين نحن من مثل هذه المناشط المؤثرة فعلا في حياة الناس ، ليس لهذه الشريحة من الناس التي ابتلاها الله تعالى ببعض التشوهات ، وإنما والله لكل الناس قاطبة .
فحالات التشوه كثيرة من حولنا ، ليس بالضرورة أن يكون تشوها جسدياً ـ كما في البرنامج ـ ولكن التشوهات العقلية والفكرية والسلوكية والنفسية ، والتي هي العامل الرئيس في تردي جزء كبير من أوضاعنا اليوم .
يؤخذ الذي يختار في البرنامج إلى مستشفيات متخصصة في بيروت ، وينزل به في أحسن وأفضل الأماكن ، ويذهب به إلى صالات رياضية وتجميلية ، وأرقى محلات الملابس ، وتختار له خبيرة ملابس الملابس المناسبة له ، ولكل حالة تعامل مختلف بحسبها .
حين تُكلم اليوم داعية عن الاهتمام بالناس ، أول ما يتبادر إلى نفسه أن يلقي موعظة أو درسا ، أو يتحمس ويلقي محاضرة في جمع من الناس ـ وهذا خير ـ ويودعهم ، ويعود لحياته ، ظانا أنه بذلك كان راعيا لهم ومعينا .
هل يفكر الداعية ـ رجلا كان أو أنثى ـ أن يهتم بلباس المدعو ـ ظاهرا وباطناّ ! ـ ويسعى أن يوفر لها أجمل ما يقدر عليه ، هل فكر الداعية في أن يكون التوجيه خطوة تالية بعد كسب قلب المدعو بأشياء عملية تلمس واقعه وحياته ، هل يفكر الداعية في ابتكار طرق جديدة في تغيير حياة الناس . التفكير الإبداعي يلزمه بهذا قطعا .
فقه إدخال السرور
حين أتأمل الأثر المروي عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن أحب الأعمال إلى الله تعالى بعد الفرائض إدخال السرور على المسلم وفي رواية : ( أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللهِ أَنْفَعُهُمْ وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُؤْمِنٍ ) ـ أخرجه الطبراني بعدة طرق ـ أجد أن إدخال السرور وصف بأحب الأعمال إلى الله بعد الفريضة ، وأحب الناس هو النافع لغيره ، وأسأل نفسي : هل الدعاة اليوم يدركون فقه إدخال السرور ، هل يتعلمون فنونه ومهارتها ويبدعون في طرقه ، أم أننا لا نطور مطلقا وسائلنا الدعوية ! وهل الداعية نافع للناس ويلمس قلوبهم وحاجاتهم ؟
إن الداعية إلى الله ما لم يصل لمنزلة تغيير حياة الناس ـ ولو على مستوى تغيير الأفراد ـ عليه أن يراجع نفسه ، وأن يعيد النظر في طريقته وعلمه ودعوته وحركته ، وأن يسعى لاكتساب العلوم والفنون التي تجعله ماهرا في تغيير حياة الناس ، والتأثير فيهم .
إن العلوم الاجتماعية والنفسية والتربوية أمست اليوم علما عالميا ، فيه كم هائل من الكتب والدورات والبرامج والخطط ، ثم تجد الداعية معرضا عن ذلك كله ، ويزعم أنه يريد الإصلاح .
ألسنا نطلب من الناس أن يتغيروا ؟ فكيف لا نتغير في وسائلنا ومعارفنا؟
قال صلى الله عليه وسلم في كيفية إدخال السرور :
تَكْشِفُ عَنْهُ كَرْبًا
أَوْ تَقْضِيَ عَنْهُ دَيْنًا
أَوْ تَطْرُدَ عَنْهُ جُوعًا
ولِأْن أَمْشِي مَعَ أَخِي الْمُسْلِمِ فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِليّ مِنُ أَنْ أَعْتَكِفَ شَهْرًا فِي الْمَسْجِدِ
وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللهُ عَوْرَتَهُ
وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ مَلأَ اللهُ فِي قلبه رَجَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يُثْبِتَهَا لَهُ ثَبَّتَ اللهُ قَدَمَهُ يَوْمَ تَزَلُ الْأَقْدَامُ ) رواه الطبراني وابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج .
الفقه الدعوي النفسي
إن الداعية الذي يخالط الناس ويعيش بينهم ليجد أنهم في أمس الحاجة للحنان العاطفي ، والمشاركة الوجدانية ، وفي أمس الحاجة لعلاج الكثير من الآفات النفسية وبث الثقة في النفوس ، وإن الشباب ليحتاجون إلى من يبث فيهم الأمل ، ويتميز في معرفة قدراتهم وإمكانياتهم ، ووضعها في الإطار الصحيح ، وإن الكثير من البيوت اليوم لتعيش حالات كثيرة من التناقضات وتحتاج لمن يلمسها ويحلها بشيء من الفقه الدعوي النفسي .
قال لي أخي : كلفت من قبل إخواني مع بعض الشباب ، بتوزيع بعض الأضاحي على العائلات الفقيرة قبل عيد الأضحى بيومين ، وكان نصيبي العائلة الفلانية ، وحين أنزلت لهم الخروف ، خرجوا أولاد صاحب البيت وقالوا : هذا لنا يا عمو ؟ فقلت لهم : أيوا لكم ، ففرحوا وتحلقوا حول الخروف وهم يضحكون ، وطلت الأم برأسها وإذ بها تزغرد فرحا بالخروف ، فرجعت إلى سيارتي والدموع تفضح وجهي .
وجمعني حوار مع شاب مسلم ، وتجاذبنا أطراف الحديث وروى لي قصة لطيفة ، فقال : لم أكمل دراستي الثانوية بسبب الفقر ، والحاجة للمال ، وتركت الدراسة لأعمل ، ولكن عملي كان في مهن عادية ، والعائد منها جد ضعيف ، وتزوجت برغم هذا ، ولي 3 أولاد ، كان أكل أولادي كل يوم بطاطا فقط ، ودخلت يوما موقعا على الإنترنت تعرفت فيه بعد مدة على رجل شهم ، وبعد عدة حوارات ، طلب مني أن أرسل له حسابي البنكي ، واشترط علي أن أنفق هذا المال في وجه محدد ، وأخذت المال ودخلت في دورة للغة الإنجليزية ، ونجحت فيها ، وتحصلت بذلك على عمل أنسب بكثير ، وزاد مرتبي ، وتغيرت كل حياتي ، وأصبح المال في يدي ، وأمسى أطفالي في حال مبهجة أكلا ولباسا وتعلما ، والغريب أن ذلك الرجل قطع كل صلة بي بعد ذلك .
وروى لي أخي علي النووي حماه الرحمن قصة فقال : إن شابا داعية من أهل العراق أراد أن يقدم خدمة لعائلة من الأيتام ، فيهم شباب يرتادون المسجد ، ولكنهم صغار بعد ، فاتفق مع أحد الأخوة أن يشغل عنده أحد الشباب في العطلة ، مع أن هذا الأخ غير محتاج لعامل ، وذهب هذا الأخ ليعمل في عمله المعتاد ، وفي نهاية الأسبوع يعطي ما جمع من عمل لصاحب المحل ليعطيه للشاب اليتيم ، من أجل أن يدخل عليهم السرور ؛بأن فرداً منهم عمل عملا وجلب مبلغا من المال ، واستمر على هذا الحال لشهرين ، لا يستفاد من راتبه شيئا ، فقط يعطيه للأخ صاحب المحل ليعطيه للشاب اليتيم .
إن لمس نفوس الناس لهو من أبرز الأولويات في تعامل الداعية اليوم ؛ بخاصة أننا نعيش في عصر المادة والعولمة ، وقد عضت الدنيا كثير من الناس بنابها ، ويحتاجون لقلب الداعية الرقيق ويده البيضاء ، يلمس بهما شغاف القلوب العطشى ، والأفئدة المكلومة ،
ولك أن تتأمل الكثير من القضايا ـ كمثل خروف العيد ودورة التعلم تلك والتشغيل غير المذل ـ ويحتاجها الناس من حولك ، تُخرج بها ضحكات الأطفال ، ودعاء الآباء ، وزغاريد الأمهات ، وجريان الخيرات على بيت مسلم ، وبناء الثقة في جيل الرجال والبنات ، ولك في ذلك ما وعدك به الحبيب محمد ، الذي غيّر لك حياتك