الكون وما فيه، الحياة وما تحويها، والإنسان مبدؤه ومنتهاه وكل ما يتصل به منظم حسب قواعد قانونية معروفة وان لم يعرفها الإنسان، فهو يسير عليها، ويلون بها حياته، وهذه القوانين متدرجة واحداً تلو الآخر ولكل وظيفته إلى أن يصل الأمر غايته، ويبين السبب الرئيسي وراء تغيير الناس والأمم والشعوب من قبل الله، بعد أن يغير هؤلاء الناس أنفسهم وعقولهم وطرق تفكيرهم، (...إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ...)، فكل تغير لا يبدأ من داخل الإنسان ولا يكون متدرجاً فهو تغيير سطحي ثانوي لا يكتب له البقاء والديمومة والإستمرارية.
وهذه القوانين تساعد على خلق العادات والإعتقادات والتوقعات، بل هي التي تكونها، فأول هذه القوانين هو قانون النشاط العقل اللاوعي، وهو تفكير داخلى من العقل الباطن إزاء الأشياء والأحداث، يجمع خيوط الموضوع بدقة ويفحصها ثم على ضوء ما توصل اليه يصدر توجيهاته اللاوعية الى المكونات المرتبطة به كي يحدثوا أمرا، وهذه هي بداية العملية التعقلية والتغيرية لكل شيء.
لذلك فلا عجب أن لايثبت على حاله كل من حصل له التغيير ولكن كان صورياً، ولم يكن من الأعماق ومن نشاطات العقل اللاوعي والذي بدوره يتكفل بتغيير كل ما يرتبط به، ولعل من هذه النقطة نستطيع تفسير أمور كثيرة في الحياة السياسية والدينية والإجتماعية، والتغييرات التي تحصل مع اللذين يحملون هذه الأفكار، فرضياً نقول إن كان التغيير حصل من الداخل بدون وعي صاحبه في بداية الأمر ثم تطور لكي يعلن عن تغيير تفكيره وتصوره لكل ما يمت للإنسان بصلة فهذا يبقى متماسكاً بتفكيره الجديد ومعتقده مهما واجهت من مشاكل ومصاعب.
نضرب لهذه النقطة بمثالين أولهما إيجابي وهو إيمان من آمن بالإسلام من الأعماق –العقل اللاوعي- مثل الصحابة والصالحيين فمواقفهم أمام ما واجهوه من التعذيب والتنكيل نابعة من هذا الإيمان العمقي الذي جعل الجسم كله مسايراً لمعتقده، فاستعذبوا العذاب في سبيل معتقداتهم، أما من لم يرسخ الإيمان في قلبه ولم يكن يقيناً في عقله اللاوعي فان العالم الخارجي يؤثر كثيراً على العالم الداخلي فيبدأ بالتغيير من النقطة الأولى الى أن يظهر التغيير على كل تصرفاته.
فمن هذا القانون ينبثق القانون الذي يليه وهو قانون التفكير المتساوي، لأن قانون العقل اللاوعي عندما يبدأ بالتفكير في موضوع يتسع ويتساوى هذا التفكير مع تفكير الذين يماثلونه في عقله اللاوعي أي في همه ونياته الداخلية، فمن هنا يظهر التوحد والتساوي بين الذين يؤمنون بفكرة واحدة، عليه فان قانون التفكير المتساوي هو القانون الثاني في مجموعة قوانين العقل الباطن.
ومن قانون التفكير المتساوي يظهر قانون الإنجذاب لأن أي شيءٍ تفكر فيه بعقلك اللاوعي يتسع ويخلق التفكير المتساوي ثم ينجذب إليك كل من يفكر مثلك وهذا هو قانون الإنجذاب، فإن عقل الإنسان مثل المغناطيس ينجذب إليه كل شيء من نفس النوع، لو فكرت في أحد ينجذب إليك، مثلاً تفكر في شخص رأساً يظهر أمامك فهذا هو قانون الإنجذاب، ونحن نقول على هذه الحالة بأنها من قبيل صفاء الروح بين المنجذبين وهذا الصفاء الروحي هو نفس قانون الإنجذاب، أو تقود سيارة ثم تريد أن تركنها في كراج فتفكر في وجود مكان في الكراج تدخل فاذا بسيارة تخرج ويفسح لك المجال فهذا هو قانون الإنجذاب الذي ينجذب إليك مثل ما تفكر فيه، فعلينا أن نفكر دائماً بما يسعدنا ويفرح قلوبنا ويملأها الإيمان والطمأنينة لأنه ينجذب اليك مثل ما تفكر فيه.
ومن قانون الإنجذاب يظهر قانون المراسلات كأن الفكرة مثل شعاعٍ غير مرئي ترسل بواسطة هذا القانون الى المتساويين والمنجذبين اليك من عالمك الداخلي الى العوالم الداخلية الأخرى للآخرين، لأن العالم الداخلي يؤثر على العالم الخارجي، والتغييرات التي تحصل في العالم المرئي والخارجي كلها تأتي من أثر الفكرة الداخلية ثم يترجم عملاً أو شكلاً في العالم الخارجي.
ومن هذا القانون المراسلات نستطيع تفسير الخطب والمحاضرات الإيمانية والحماسية وبالأخص التي تخرج من قلب المتحدث لا من لسانه وتأثيراتها على المستمعين، لأنه قيل بأن الكلام الذي يخرج من القلب رأساً يصل إلى القلب دون عائق، ولكن هناك حقيقة لابد أن نقولها وهي أن كل قلب ليست لها الإستعداد لإستقبال الأمر المرسل اليه، ومن هذا نستنتج بأن الكلام من \\\"المرسل والمستقبل\\\" يحتاج الى قانون المراسلات حتى يأخذ مكانه.
وأن قانون المراسلات هو ارسال الطاقات من العقل ويرجع اليك من نفس نوع الطاقة التي أرسلتها ومن هذا القانون ينبثق قانون الإنعكاس وهو عبارة عن انعكاس نفس الفكرة ونفس الشعور الذي أرسلته، فمثلاً يقول النبي  : (من لايرحم لايرحم) أي أن الرحم ارسال وانعكاس
ومن هذا القانون يأتي قانون التركيز وهو عبارة عن التركيز على ما يرجع اليك من الشعور الذي أرسلته بواسطة قانون المراسلات وانعكست اليك بواسطة قانون الإنعكاس، فانك تؤثر على مشاعرك وأحاسيسيك بواسطة هذا القانون قانون التركيز.
ومن هذا القانون ينبثق قانون التوقع، فمن نشاطات العقل اللاوعي الى التفكير المتساوي الى الإنجذاب الى المراسلات الى الإنعكاس الى التركيز يتولد التوقع، وهو عبارة عن صورة خيالية لحالة أو لحدث يتوقعها الإنسان، وهذا التوقع بالنسبة للأمور النفسية ترجع لتوقع الشخص فمثلاً أي شيءٍ في الدنيا تتوقعه وتضع معه مشاعر وأحاسيس قوية تحصل في حياتك، فليكن توقعك دائماً إيجابياً.
ويمكن أن نقرب الفهم بواسطة ذكر قانون الحسن الظن فانه يشابه قانون التوقع لأن ظنك الحسن بشيءٍ من الأشياء يرجع اليك في آخر المطاف بظن حسن مثله، وهذا ما وصى به النبي  بأن يحسن الإنسان الظن بالله لأنه جاء في الحديث القدسي بأن رب العزة يقول (أنا عند ظن العبد بي فليظن بي عبدي ما يشاء).
ومن قانون التوقع نصل الى قانون الإعتقاد فهو عبارة عن جملة من التوقعات المتكررة مرفقة بمشاعر وأحاسيس قوية فتتحول الى الإعتقاد ثم تبرمجه في عقلك اللاوعي، فيصبح هذا الإعتقاد الخط العريض لكل الحياة، ولا أستطيع تغيير هذا الإعتقاد إلا بعد أن أغير كل القوانين التي تسبقه، ومن هنا نستطيع أن نقيِّم عمل الأنبياء والصالحين والحكماء فانهم عملوا على تغيير هذه القوانين كلها الى أن يرسخوا قانون الإعتقاد.
وهذا القانون يوصلنا لقانون التراكم وهو عبارة عن أن أي شيءٍ تفكر فيه لأكثر من مرة تتراكم عندك، فمثلاً المشاعر والأحاسيس السلبية اذا فكرت فيها لأكثر من ثلاث مرات تتراكم عندك وتتأثر بها، وكذلك الحال في المشاعر والأحاسيس الإيجابية، وهذا التراكم يولد قانوناً آخراً يسمى بقانون العادات أي أن هذا الشعور والإحساس يغدو عادة عند الإنسان لا يستطيع تجاوزه، فيصبح سمة بارزة في حياته وميزاناً لكثير من الأشياء (بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ).
وقانون العادة يوصلنا لقانون السببية \\\"الفعل ورد الفعل\\\" أي أن العادة التي تستمر عليه لا تعطيك إلا النتيجة المعروفة عندك، ولكي أغير النتيجة لابد أن أغير السبب الذي وصلني الى هذه النتيجة وهذا الأمر لا يتأتى إلا بعد تغيير هذه القوانين التي ذكرت من قبل.
وهذا القانون يوصلنا الى آخر قوانين العقل الباطن وهو قانون الإستبدال وهو عبارة عن استبدال نظرة بنظرة أخرى أو فكرة بفكرة أخرى أو اعتقاد باعتقاد آخر ولا يأتي إلا بعد أن تغيير كل القوانين التي يسبقه.
هكذا استعرضنا قوانين العقل الباطن من أولها الى آخرها، والتغيير الحقيقي يأتي عن طريق تغيير هذه القوانين المتسلسلة، والتغيير الحقيقي يبدأ من الداخل والباطن فلنغير ما بدواخلنا كي يتغير عالمنا نحو الأحسن. ..............
Y* فكرة هذه المقالة مأخوذة من محاضرة للدكتور ابراهيم الفقي بعنوان (قوانين العقل الباطن).