بتـــــاريخ : 2/10/2009 2:04:38 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1017 0


    عذرا أمي فمرآتي قد أنكسرت

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : نزف العيون | المصدر : forum.wahati.com

    كلمات مفتاحية  :
    عذرا امي مرآتي انكسرت

    /
    /
    /

    حادث مروري مؤلم أدى إلى وفاة الأب والإبن وأصيبت الأم على أثره بفقدان البصر
    أما سعاد فهي الوحيدة التي لم يلحقها أذى
    أصبحت سعاد وحيدة لوالدتها ونالت من الدلال الشيء الكثير
    فأوامرها مجابة قبل أن تهم بطلبها
    الأم تخاف أن تفقد سعاد بأي لحظة
    فهاجس الفراق ما زال مسيطر على الأم و لكنها امرأة مؤمنة بأن الآجال بيد الله تعالى
    تعبت الأم لتربيتها أفضل تربية
    كم سهرت ليال طوال تراقب حرارة الصغيرة وتتمنى وهي تضع يدها على جبين ابنتها أن تنتقل الحرارة إلى جسدها الهزيل
    وكم سعت وشقت لتعليمها وتنشئتها على مبادئ الإسلام
    عملت ما بوسعها لتراها جوهرة مصون
    وهاهي تمر الأيام والشهور
    سعاد الآن كبرت وأصبحت صبية بارعة الجمال
    كنت أقابلها بالمدرسة
    فهي أخت وصديقة وأتشرف بصداقتها لأنها كانت يضرب بها المثل بالأخلاق
    بدأت تتطور علاقتي بها لدرجة أصبحت كأنها توأم لي كنا روح واحدة في جسدان
    وبعد فترة ليست بالقصيرة
    سعاد بدأت تتدرج في سلم الفشل شيئا فشيء
    أصبحت إنسانة أخرى دائمة السرحان والتفكير
    حتى أنني بالأيام الأخيرة أصبحت أشعر بأن جسدها فقط الجالس معي أما روحها ..عقلها ..تفكيرها.. محلق في عالم آخر لا أعلمه
    حاولت استدراجها علها تنطق ولكن لا جدوى
    بدأت صداقتنا تبور وتتلاشى مع الأيام
    تركت الدراسة وانقطعت الأخبار
    لم أعد أراها إلا القليل
    سعاد تستغل فقدان والدتها للبصر
    وتنحرف لطريق آخر غير الذي تربت عليه
    تسوء أخلاقها
    تبدأ حياة أخرى غير التي عهدناها عليه
    حاولت تغييرها ولكن كيف ؟
    كنت أنادي ويرجع صدى صوتي كسيرا وحزين .. لا مجيب
    مرت شهور عديدة ولم أعرف عنها شيء
    ولكن في يوم من الأيام


    وفي لحظة هدوء غارقة مخيمة بالصمت
    جاء صوت الهاتف ليكسر لحظة الصمت ويبعثر أحاسيسي وتوقعاتي
    رقم غريب
    أتساءل من تكون وتموج الأفكار في ذهني ..
    صوت أنثوي ناعم
    ينطق السلام عليكم
    يااه الصوت أعرفه
    نعم سعاد
    مفاجئة بحق
    سكتت قليلا
    تردد الحرف أراد الخروج لكن الغصة منعته من ذلك أرادت الإعتذار فوجدت الكلمات مسجونة لا تقوى
    فنار الذنب مشتعلة في الأعماق
    ثم خاطبتني بلغة خافتة مليئة بالأسى والحزن
    أريد مقابلتك أرجوك
    بدأت الأفكار تموج في ذهني
    ما بها
    ما الذي تريده
    التقينا والصمت ثالثنا ..
    الإعتراف يزحف ببطء ليحتل المكان
    عيناها كانت كغيمتان تمطران بغزارة متتابعة دون توقف
    سألتها سعاد ماذا بك
    تجيب
    أتمنى لو أستطيع التعبير أو البوح بما في نفسي .
    أحس بضيق قاتل .. شئ ثقيل أحمله على صدري فكأنه الجبل
    فقلت لها
    عزيزتي نسيت ما فات وأنا مازلت صديقتك أنطقي ماذا بك
    شعور بالندم يملؤها
    تريد أن تصرخ بأعلى صوتها
    تتدافع الدموع من عينيها
    وتتسابق في النزول
    تغرز أظافرها بيدها ويزداد البكاء
    ولكن الفضول بدأ بالإزدياد عندي
    وبلهجة قاسية خاطبتها
    أنطقي ماذا بك

    ثم نطقت
    خ ..
    خ
    خفاش ظلام سلب شرفي

    لم أتمالك نفسي ودون شعور مني صفعتها بكل ما أوتيت من قوة
    ولكن سرعان ما شعرت بالخجل والندم أخذت أعتذر لها
    ثم أجابت
    سبقك الزمن
    لقد صفعني الزمن صفعة قاسية مؤلة
    سعاد تبدو نفسيتها متعبة جدا
    كنت أخشى عليها من الأنهيار
    فكنت أحاول تهدئتها
    وأحاول الصمود أمامها
    وفي داخلي بركان ثائر
    وسعاد تحاول أن تعاقب نفسها
    وبلغة أسى تقول
    أنا مخطئة
    نعم أنا مخطئة في حق نفسي وأمي .. أخطأت في حياتي عندما لم اعرف مضمون كلمة حرية
    كنت أرى أن الحب وطقوسه حرية لكل فرد ولا يجب ان تكون به قيود
    فرطت في أغلى شئ عندي
    شرفي
    وتصرخ بأعلى صوتها آآآآآآآآآآآآآه
    كم أتمنى أن أهرب خارج هذا الفضاء بكل ما أملك وبكل ما أحبس من دموع وبكل ما أكظم من غيظ
    كم أتمنى أن أصرخ داخل هذا الفضاء

    ثم في هذه الأثناء تسمع الأم صراخ أبنتها وتأتي بعصاتها التي تقودها وتتقدم
    سعاد ما بك يا حبيبتي أتصرخين لما يا حبيبتي؟
    ركضت سعاد نحو أمها وارتمت في حضنها
    وبصوت متشنج أمي حبيبتي أرجوك أعذريني لقد كسرت مرآتي
    تبتسم الأم وبكل طيبة وحنية تقول وهي تسمح على رأس سعاد لا بأس يا حبيبتي سأجلب لك غيرها
    هيا أبتسمي لا أريد أن أراك حزينة
    فأنت فلذة كبدي وريحانة فؤادي
    فما زلتي نبض قلبي ونور عيني

    هنا وفي هذه اللحظات تنهال سعاد بالبكاء وتنظر إلي وتشير إلي أن أتكلم وأوضح الأمر ولكن
    وجدت نفسي أقف أمام الموقف بيد مكتوفة دون حيلة
    أغمضت عيني لجبس دمعة كادت تتدحرج على وجنتي وابتسمت ابتسامة صفراء علها تحجر الدمعة الهاربة قبل أن تحرق خدي ولكن لا جدوى
    وضعتني في دوامة تفكير عميق
    لم أستطع التفوه ولو بكلمة واحدة
    وسعاد كذلك
    يا إلهي ياله من سكوت قاس كم وراءه من كلمات
    ذلك مما جعل والدتها تلح في معرفة ما يدور
    وهنا بدأت سعاد بسرد القصة لوالدتها
    وبدأت الأم تهذي مكلومة
    لم يا ابنتي أهدرتي كرامتي وأنا التي حفظتها لك
    سعاد يا حبيبتي منحتك أغلى ما لدي حياتي
    لم يابنتي سكبت ماء الوجه
    سعاد يابنتي .. ليتك لم تأتي
    ليتك لم تخبريني بشيء
    وتعطلت لغة الكلام فلا صوت سوى نبض القلبين
    وبعد أن أستنفذت سعاد ماء وجهها لم يبقى لها سوى دم قلبها
    تلملم سعاد أجزاءها المتناثرة .. كرامتها وبقايا قوة ساعدتها على النهوض
    نظرت إليها

    لم أجد سوى بقايا حطام
    شعرت وكأن هذه البقايا تطالب بإستعادة مكانها
    تطالب بمن يلملمها لتحيا ..

    كلمات مفتاحية  :
    عذرا امي مرآتي انكسرت

    تعليقات الزوار ()