بتـــــاريخ : 2/8/2009 1:13:26 PM
الفــــــــئة
  • الأســـــــــــرة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1276 0


    ~ أمي .. كوني بقــربـي ~ رحم الله خالي و سقى قبره المطر ~

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : قلب الأمة | المصدر : forum.wahati.com

    كلمات مفتاحية  :
    امي كوني بقربي


    كم نسمع و نقرأ عن تضحية الأمهات ..

    لكن ..

    نادرًا ما أرى ..

    و قد عشت لحظات الوفاء و الحب و أسمى معاني التضحية و لمستها

    من " أم ّ " هدها التعب و كبر السن و آفات الأيام ..

    أم .. هي في الحقيقة من تحتاج لمن يرعاها و يأخذ بيدها و يدير شئونها ..


    لكنها ...

    بما وهبها الله من عطف و حنان .. فقد وهبها كذلك .. قوة في رعاية

    مريض لسنتين بلا كلل و لا ملل ..

    رغم أن مرضه أمرضها و أعياها ..

    هدها بكل ما تعني الكلمة من معنى ..


    مع ذلك .. كانت له الأم .. و الطبيبة .. و الممرضة ..

    لا تنام .. و لا يهدأ لها بال إلا إذا رأته قد ارتاح و نام ..

    و نادرًا ما ينام ... رحمه الله رحمة واسعة



    :


    جدتـــي


    أعرفك .. تحبين الكلمات الراقية عن الأمهات


    فاستمعي معي لإهدائي لك ِ ... يا أمي ..



    [real]http://www.emanway.com/multimedia/anasheed/953-ommah.rm[/real]

    :


    جدتي .. هي أمي الأولى ..

    بحكم أني " توأم " أختي ..

    فقد آثرتني جدتي في سنوات عمري الأولى لأكون لها ابنة لتخفف عن والدتي الأعباء !!


    أيُّ أم هذه و أي جدة حباها ربي حنانا لو وزع على الكون لفاض على الأرض ..


    :


    :



    رحمه الله رحمة واسعة خالي الأصغر

    الذي عمره في عمر أخي الأكبر ..


    عشنا سنوات طفولتنا كأجمل الأيام معًا

    لعبنا ، و تشاجرنا ، و كبرنا معًا


    غير أنه في بداية مراحل حياته الصعبة توفي جدي رحمه الله .. فعاش يتيمًا

    فتلبسته ملامح الحزن طيلة حياته رحمه الله ,,

    خالي كان كتومًا .. يحترم إخوته الكبار " خوالي " لا يبوح لهم بشيء


    و كانت جدتي له هي الصديقة و الأم و الأب و كل شيء ..

    كنا نرى علاقته بها رغم ما فيها من التعب إذ أنها تجاهد لترعى فتىً في أكثر مراحل عمره حرجًا

    فقد كان لا يبوح إلا لها ...


    فهمناه ... فهو لنا الأخ و ليس الخال ..

    بل لا نناديه إلا باسمه دون ألقاب .. خالد .. تعال .. خالد .. ما أحوالك ..


    مرت الأيام .. و حياة خالي رحمه الله يكسوها شيء غامض لا نعلمه ..

    كل ما أراه منه .. أنه كان يحب الانطواء لوحده ..

    كم من المرات مررنا على غرفته و أسمع صوته الندي .. يهتف بالأذان !


    كان يحب أن يكون مؤذنًا ...

    و فعلا ً ..


    أصبح لبعض الوقت مؤذنًا لجامع جدي رحمه الله


    كان يحب تقليد أئمة الحرم في التلاوات

    كان يسجل صوته بالقراءة ..


    كان يكره الشكوى لأحد .. حتى المستشفى لم يدخله قط في حياته إلا ما ندر

    و لم يدخله قهرًا إلا بعد أن رأى نفسه يفقد توازنه و يسقط رحمه الله !



    أمه .. جدتي .. متعها ربي بالصحة و العافية و ربط على قلبها

    كانت تشفق عليه و تلح عليه ليذهب للمستشفى لكنه .. كعادته يهمل الذهاب

    و كل شيء مقدر و مكتوب ..


    دخل المستشفى .. بعد عيد الفطر قبل سنتين .. و كان لم يكمل الثلاثين من عمره بعد

    و بعد إجراء الفحوصات .. قالوا له :


    ورم في الرأس ... ينتشر على امتداد العمود الفقري إلى أسفل الظهر

    و يمسك ببعض أجزاء أخرى من جسده النحيل .. !


    قرر الأطباء استئصال الورم الأكبر في الرأس .. و لا يستطيعون المغامرة إلى باقي الأجزاء


    قرر الأطباء استئصال ورم الرأس لأنه بدأ يضغط على الأعصاب و يؤثر على توازنه و نظره

    و الحمد لله على كل حال ...


    قرروا إجراء العملية بعد عيد الأضحى ..


    و إلى حين وقت العملية ... خرج خالي إلى البيت و كأنه كان ينتظر ساعات الأحزان !


    اجتاحت معالم وجهه الحزينة حزنًا آخر و همًا ثقيلا ً شعرت أنه أكبر من حجمه

    كنا نداعبه و نلاعبه و نمازحه و نطمئن قلبه .. أن العملية سهلة و ستعود للأفضل ..


    و فعلا ً ... هذا ما كان يخبرنا به أخوالي و أخي الطبيب .. !


    و أجريت له العملية ..

    و الحمد لله ..

    نجحت العملية ..

    و فاق منها كـ خالد الذي عرفناه .. بمرحه و مزاحه و هدوئه ..

    بقي فترة أسبوعين في المستشفى بعد العملية و كان في أحسن حال و استبشرنا خيرا


    و لأنه لا يحب ذاك المكان .. فقد ألحّ علينا أن نخرجه ..

    و الأطباء لم يقرروا بعد له الخروج ..

    " جدتي " تحاول تهدئته ليبقى و يستكمل العلاج رحمه الله ...

    لكنه كان يشعر بالملل .. كان يحب غرفته و البيت لا يبرحهما ..

    و إن خرج فما أسرع أن يعود ..


    كان قد بقي له بعض العلاج الطبيعي فقط
    ليخرج ... لكن تقدير الحكيم ..


    قبل موعد خروجه بيومين ...


    يحدث له نزيف داخلي في الرأس .......... ليدخل بعدها غرفة العناية المركزة

    لشهرين متتالين ...


    ومن هنا بدأت سلسلة الانتكاسات ......

    يخرج و يعود ... و عودته للمستشفى أكثر ..


    " جدتي " كانت في كل تلك الفترات أشبه بالممرضة له ..


    نحن نزوره مرة ..

    و هي تذهب عنده منذ أول النهار إلى آخر الليل ..

    تطعمه ، و تسقيه ، و تغير له ما يحتاج ، قد تتعب و تغفي قليلا ً

    لكنها لا تترك الكرسي حتى تطمئن أن ممرضًا بجواره ..

    حتى عندما يكون في العناية و هو لا يتكلم ، و في فترات الغيبوية

    لا تبرحه ، تقول لعله يفتح عينيه و يراني و يطمئن !


    الدمعة لا تفارقها

    تقرأ عليه الأيات و تمسح عليه بزيت الزيتون و تسقيه العسل


    و هي ... بعصاها ... تتكئ عليها و تتمسك بالجدار إذا مشيت !!

    سنتين ..

    و هي التي ترفعه و تضعه و تجره بكرسيه


    حين تكون معه لوحدها لا يدعها و الله ترتاح و لا تنام ..

    فقط .. يناديها " أمي .. أمي "

    و كأنه يريد أن يطمئن أنها بجواره ..

    و حين يسمع صوتها يسكت ..


    حين نكون عنده في غرفته في أيام خروجه في البيت و هو في تعبه

    نراه يغمض عينيه و يسكت و كأنه يتظاهر بالنوم لا يريد أن يتكلم و لا يسمع

    لكنه في الحقيقة غير ذلك ..

    كنت أشعر أنها عزة نفس منه .. رحمه الله رحمة واسعة ..


    في اللحظة التي تخرج فيها جدتي من الغرفة لتصلي و حين يناديها

    و نجيبه و نذهب له نمازحه .. لا يطلب منا أي شيء .. أبدًا


    خالد ماذا تريد ؟ جدتي تصلي آمر ؟

    يرد بقوله : لا شيء ... أريد أمي .. أين أمي ؟


    لا يطلب إلا منها ..


    فقدت جدتي بريق ابتسامتها ..

    أعيادنا كانت مختلفة ..

    لا فرح .. لا أنس ..

    دخلنا عليه في أول عيد و هو طريح الفراش و قد ألسته جدتي ثوبه الجديد

    و الأضاحي تذبح بالخارج ..


    الله يا خالد ... ثوبك جميـــل .. " ابتسم "

    خالد هل رأيت الأضاحي يذبحوها في الحديقة ؟ هل تريد أن تراها ؟

    قال : رأيتها ..


    قدمت له حلوى العيد قال : شكرًا لا أريد .. !


    كنت عنده لوحدي فالكل انشغل بالعيد يومها ..

    شعرت به .. و بحزنه ... لململت أحزاني و عبراتي و خرجت من عنده ..


    و بقينا نذهب و نجيء عنده ..


    :


    قبل عدة شهور و حين قرر الأطباء أن خالي سيبقى طريح الفراش و لن يمشي


    جهزت له جدتي غرفة خاصة في البيت و اشترت له السرير الطبي و كل شيء ..


    قال أخوالي : حتى ترتاحي يا أمي من تعب رعايته سنأتي له بممرض من المستشفى !


    فلم توافق جدتي أبدًا ... قالت : لن أدخل بيتي رجل غريب و أنا سأرعاه !


    رغم أن رعايته لم تكن سهلة فهو لا ينام ، و لا يدعها تنام ..

    و كأنه يخاف أن نام أن تذهب عنه !!

    رحمه الله رحمة واسعه


    :


    الشهور الأخيرة ازداد وضعه سوءًا ..


    اقترحنا على الأطباء أن ننقله لمستشفى آخر و لو خارج المملكة

    لكن الأطباء يقولون : حالته لا تحتاج لسفر للخارج !!


    كنا نفهم أن حالته ورم ليس خبيث و بالعلاج يشفى


    لكننا لم نراه يتحسن أبدا !


    أصبحنا في حيرة ... لا نعرف لم الأطباء يصرون أن لا يخرج من عندهم

    و هو لا يزداد إلا سوء !


    و في الأسبوع الأخير قبل وفاته رحمه الله

    أدخل في غرفة العزل لوحده .. فقد أصابه فايروس في الدم معديا

    و كنا نذهب لنزوره و لا ندخل إلا بملابس خاصة معقمة ..


    و الحمد لله على كل حال ..


    هو في المستشفى في منطقة الخبر و جدتي تسكن في منطقة تبعد ساعة و نصف


    و تذهب و تجيء كل يوم و تأبى أن تبقى عندنا في البيت

    دائمًا تقول أريد أن أبقى في بيتي لأنظف غرفته لعله يخرج أي وقت !


    تأتيه .. تقرأ عليه الآيات .. و تنظفه و تذهب

    كم بكت بجواره و كم رفعت كفيها تدعو له ..

    كم بكينا حين نراه ..


    أصبح جسمه نحيل جدًا .. جدًا ... و الحمد لله على كل حال


    لكن مع ذلك ...


    كل ما سألناه : خـــــــالد ، كيف حالك ؟


    لا يزيد على قوله : الحمــــــــــــد لله ، الحمد لله ..


    خالد ، أنت طيب ؟ الحمد لله


    خالد عرفتني أنا مين ؟؟ أنت ِ فلانة ، و هذه فلانة .. فهو يعرفنا



    قبل وفاته بيومين رحمه الله ..

    و كأنه شعر بالموت ..


    أصرّ على الأطباء أن يخرج من المستشفى رغم أنه كان في غرفة العزل


    اتصل الأطباء بأخوالي ، خالد يريد بقوة أن يخرج و يرفض منا أي شيء

    يقول : يريد البيت ، يريد أمه !!


    أسرع أخوالي لإخراجه مساء يوم الثلاثاء من المستشفى ..


    في كل مرة يخرج فيها من المستشفى كان يودع الأطباء و الممرضين

    إلا هذه المرة ... كان في حال لم يأبه بأحد !


    وصل للبيت إلى سريره ، إلى أحضان جدتي


    و بقي طوال باقي يوم الثلاثاء و الأربعاء و هو متعب جدا

    لا يكاد يتنفس ،،


    أسرع أخوالي أحدهم للمستشفى يبحث عن ممرض

    و الآخر إلى الصيديلية ليشتري جهاز التنفس

    و الثالث على رأسه يقرأ عليه القرآن

    وجدتي تدعو له .. !


    أتوا له بجهاز التنفس .. و ضعوه عليه

    فأبعده عنه لا يريده و كانه كان يخنقه أكثر !!

    لا إله إلا الله ... بعد وفاته استوعبنا أنها سكرات الموت الأليمة


    و كأن جهاز التنفس كان يعيق خروج الروح من فمه رحمه الله لذا نزعه لا يريده !!


    جدتي ... من يراها يقول أنها ليست هي


    تغير حالها ، و تعبت صحتها أكثر و أكثر ، و مع ذلك فهي تأنس برعايته


    لا حرمها ربي الأجر و ربط على قلبها ..


    صباح يوم الخميس ... انتبهت جدتي و رأت خالي رحمه الله و قد تغير شكله

    تحسسته و رفعته و وضعت يدها على صدره لا زال فيه نبض ..

    اتصلت بأخوالي ..

    أتوا مسرعين ..

    حملوه للمستشفى ..

    يبدو أنه فارق الحياة في الطريق ..............!


    رحمه الله رحمة واسعة .. و أسكنه فسيح جناته


    جدتي !!

    ما حال جدتي ...؟


    الحمد لله على كل حال


    و الحمد لله أن بكاء العين و حزن القلب لا ينافي الرضــا ..


    الحمد لله حمدًا كثيرًا على قضائه و قدره ..


    :


    توفي صباح الخميس و دفن عصر نفس اليوم

    و في فترة وجيزة تجمهر الآلاف لجنازته وحده

    فقد كانت هي الجنازة الوحيدة في ذلك الوقت ..


    الحمد لله على كل حال ...

    و قد ظهرت بشائر الخير عليه و لله الفضل و المنة نسأل الله أن يكون من أهل الفردوس

    و يكتبه من الشهداء إذ أن من يموت بمرض في بطنه فأجره أجر الشهيد ..


    نسأل ربنا أن يكون الآن في خير حال من الدنيا ..


    :


    بعد وفاته ... فهمنا لماذا لم يذهبوا به إلى مكان آخر لعلاجه !!


    قال أخوالي ما لم يقولوه لنا سابقًا إذ جعلونا نحيا و الأمل بالله أكبر في شفائه ..


    كان مرض خالي مرضا وراثيا ليس له علاج ..

    و كل شيء بيد الله سبحانه و تعالى ... لكن كان مقصد الأطباء أن حالته من أكثر الحالات ندرة

    و يعرفون أن علاجها غير متوفر في أي مكان من العالم ...



    :


    و والله ... كنا على ما نراه من تدهور حاله .. كنا نتفاءل بشفائه

    فالله قادر أن يقول " كن فيكون " ...

    لكن لكل قدر حكمة من العلي ّ الأعلى ..




    وجدتي


    تلك الأم العظيمة .. أسأل الله أن يرزقها صبرًا و نورًا في قلبها

    و قوة في بدنها لتعبد الله حق عبادته ...


    :


    خالي خالد رحمه الله

    أصغر أخوالي ، و هو الأكثر شعورًا بفقد جدي رحمه الله

    وهو الأول لحوقًـا به من أبنائه ..


    و العجيب ............... أصبح قبره بجوار قبر جدي رحمه الله لا يفصل بينهما سوى قبرين !!


    :


    يا رب .. ألحقهما بالفردوس

    و ارحمهما فرحمتك وسعت كل شيء ..





    يارب ... فلتجزِ جدتي أجرًا عظيمًا على صبرها معه

    و تسبغ عليها من فضائلك يا لطيف ..

    :

    --------------------


    كلمات مفتاحية  :
    امي كوني بقربي

    تعليقات الزوار ()