الكتاب الذي بين أيدينا المسمى بحديقة الأزهار في ماهية العشب والعقار، كتاب جامع في تصنيف النبات على أساس المعاينة والمشاهدة كلما أمكن ذلك ألفه المؤلف المغربي المسلم أبو القاسم محمد بن إبراهيم الغساني الشهير بالوزير في شهر المحرم عام 994 هجرية وحققه الأستاذ محمد العربي الخطابي.
قال المقري عنه: كتاب عجيب في بابه لم يؤلف مثله، يذكر سائر الأعشاب والعقاقير بما سميت به في الكتب ثم يذكر اسمها بلسان عامة الوقت ثم يذكر خواصها على وجه عجيب.
الوصف العام للكتاب:
ـ رتب الغساني كتابه على الحروف الأبجدية باصطلاح المغاربة مبتدئاً بحرف الألف ومنهياً بحرف الشين، يذكر الاسم العلمي للمادة الطبية المفردة ثم يشرح ماهيتها ويصف شكلها وأجزاءها وما قد يكون لها من زهر وثمر.
وكثيراً ما يذكر أسماءها المتعددة والبيئة التي تنبت فيها، إن كانت من الأعشاب، وهو يذكر اسمها الشائع على لسان العامة في المغرب بالعربية، أو باللسان الأمازيغي، وبعد أن يوضح ماهية المادة النباتية أو الحيوانية أو المعدنية ينتقل إلى بيان طبيعتها وأخيراً يذكر خواصها ومنافعها الطبية أو مضارها أن اقتضى الحال من غير دخول في التفاضيل المتعلقة بالمقادير وطريقة التحضير إلا نادراً، ثم يختم بذكر بدلها إذا تعذر وجودها.
وكما قال المحقق أيضاً: فقد تناول الغساني في كتابه هذا بالشرح نحو 380 مادة مفردة معظمها من جنس النبات ـ وعدد المفردات الحيوانية والمعدنية سبع.
المميزات العلمية للكتاب:
انفرد كتاب حديقة الأزهار في ماهية العشب والعقار بميزة فريدة حيث اصطنع المؤلف منهجاً خاصاً لتنصيف النبات ـ تصنيفاً علمياً ـ وهو ما يسمى اليوم بالنظام التصنيفي فهو يعمد إلى تعيين جنس العشبة ونوعها.
وقد اقتدى الغساني ببعض من سبقه من علماء النبات المسلمين الذين اهتدوا إلى ابتكار أسماء علمية لبعض الفصائل والأجناس أهملها المتتأخرون من واضعي المصطلحات العلمية، من ذلك مثلاً أن هؤلاء قد اقتصروا أحياناً على تعريب المصطلحات العلمية دون إيجاد مقابل عربي له أو الرجوع إلى المعرب القديم ونذكر على سبيل المثال فصيلة ـ Eu Phorbiaceae ـ قد عربوها الفصيلة: الغربيونية، وسماها الغساني وبعض من سبق جنس التيوع أو اليتوع وهو كل نبات له لبن يسيل إذا قطع.
وقد استغل الغساني الشكل الظاهري في التنصنيف مثل الكفوف، والسيوف، والهدبات، والأحباق، والبقل، واللبلاب.
آراء بعض الغربيين في المؤلف:
قال المحقق لاحظ بعض الدارسين الغربيين أصالة الغساني في معالجته لأفراد المملكة النباتية ومن هؤلاء الطبيب والمستشرق الفرنسي هنري رونو الذي خصه ببحث قال فيه:
«يعد الغساني ذهناً متميزاً إذا قيس بعصره وبينته، والحكم على أثاره لا يتأتى دون مقارنتها بالعديد من مصنفات المادة الطبية لمؤلفين عرب آخرين، نعم، إنه إن لم يصل إلى حد يجعله يتبين بوضوح تام ما للزهرة من أهمية راجحة، ولا سيما أعضاء الإخصاب التي تكمن في أحشائها، حتى يتمكن من وضع قاعدة صحيحة لنظام التصنيف النباتي فهو يطلق اسم الخيوط على المدقات (المياسم) والأسدية ويخلط بينهما إلا أنه قد استخلص بوضوح فكرة التسلسل في خصائص النبات من جهة ـ كما أدرك من جهة أخرى مفهوم القرابة القائمة بين أنواع النبات بحيث يضمها تحت تسمية واحدة بواسطة تلك الجموع الطريقة التي صنعها.
أما المستشرق الإيطالي ألدو ميلي فإنه نقل النص السابق عن رونو وصدره بقوله:
«امتاز أبو القاسم الغساني الوزير بتصنيفه للنبات، فجاء كتابه فريداً من نوعه بين المصنفات العربية، وهو قد انتفع غاية الانتفاع بعمل سلفه العشاب المالقي حينما ألف كتابه حديقة الأزهار وأتمه عام 1586 ميلادية، إلا أنه في إمكاننا أن نتسائل عما إذا كان هذا المؤلف العربي قد تأثر بأندريا سيسالبينو الذي ألف كتابه النبات De Piantis عام 1583م على أن هذا احتمال ضعيف.
ونحن نقول:
هذا القول دليل على أن الغساني قد توصل إلى نفس ما توصل إليه سيسالبينو أهم مؤسسي علم تصنيف النبات الحديث.
وقد عقب المحفف محمد العربي الخطابي على القول السابق بقوله:
أولاً: إن الغساني كما يظهر من قراءة كتابه، لم يرجع إلى ابن البيطار وحده بل إنه لم يعول عليه إلا قليلاً... ثم قال: أما الغساني فإنه عول كثيراً على مرجع بالغ القيمة في علم النبات ـ كما سنبين فيما بعد ـ فضلاً عن معرفته بكثير من الأعشاب التي وصفها بعد أن وقف عليها بنفسه في المغرب، إذا كانت العشبة من غرائب نبات الأقطار البعيدة فإنه يكتفي بنقل أقوال غيره على ما قد يكون فيها من تعارض ولذلك يكثر عنده ورود مثل هذه العبارة قيل... اختلف الأطباء في ماهية كذا، فمنهم من قال كذا، ومنهم من قال كذا، وهو يرجح القول الذي يراه سديداً.
ثانياً: أن ألدو ميلي قد تكلف التسؤل عن حقيقة تأثر الغساني بسيسالبينو الإيطالي إلا أنه سرعان ما استبعد هذا الاحتمال وما كان له أن يفعل غير ذلك فالغساني قد انتهى من تأليف كتابه في العشرين من محرم عام 994 هجرية الموافق لعام 1585 ميلادية أي بعد سنتين من صدور كتاب De Piantis في إيطاليا.
وتأليف كتاب في أهمية حديقة الأزهار عمل لا يتم بين عشية وضحاها فهو لا بد من أن يكون ثمرة حهد سنين من العمل والبحث والتنفيح والتهذيب هذا من ناحية الشكل، إما من ناحية الموضوع فإن المقارنة بين التأليفين من حيث المنهج والأسلوب والمادة هي وحدها التي يمكن أن تثبت أو تنفي تأثير هذا المؤلف في ذاك.
وأول ما يظهر لنا من ذلك هو أن الغساني لم يدرس الأعشاب على أنها مستقلة عن علم الطب أما سيسالبينو فإنه يدرس الأعشاب في حد ذاتها، لا كفرع من فروع الطب والصيدلة.
ثم إن النباتي الإيطالي قد نهج طريقة التحليل الظاهري لأعضاء النبات أما الغساني فإنه قد تبين الخصائص التشكيلية للأعشاب وعين على أساس ذلك طائفة من الأجناس.
وامتاز الغساني بالوضوح في الوصف والاقتصاد في التعبير وسلك مسلكاً جعله يهتم يالزهور والثمار والبذور والجذور والأوراق ويلاحظ وجود نباتات طفيلية، ولا يخوض فيما لم يشاهده ولم يعرفه، ثم إنه اهتم بالبيئة الطبيعية التي تعيش فيها بعض النباتات.
ثالثاً: إن الغساني لم يكن هو السابق إلى محاولة تصنيف النبات من بين العلماء العرب فهو إنما عني باقتفاء منهج سار عليه غيره وأستاذه في ذلك ابن عبدون وذكر الغساني اسمه إحدى عشرة مرة في كتابه حديقة الأزهار.
انموذج من محتوى الكتاب:
ذكر الغساني في الكتاب 385 جنساً نباتياً نذكر منها الأترج خيث قال فيه:
أترج:
شرح الماهية: من جنس الشجر، ومن نوع الشجر الشائك، وهو مشهور معروف يسمى عند العامة الترنج (بضم التاء والراء) وبالبربرية بفتحها وبالعربية الفصحى أترج، ومنك وقرئ.
وثمره له أنواع: دقيق، وجليل، ومدحرج، وطويل.
طبيعته: حار في الأولى رطب في الثانية، وقيل بارد.
منافعه وخواصه: بالنظر إلى ثمر الشجرة وةورقها وكثرة جوهرها واختلاف أجزائها، فخاصية قشر ثمره تقوية القلب، والأمعاء والمعدة ويسكن الغشى والخفقان، ويذهب برائحة الفم، وإذا جعل في الثياب منع التسوس فيها وإذا حرق وعولج به البرص طلاء نفعه، وخاصية لحمه تطفيه الصفراء والتهاب المعدة، وخاصية بذره النفع من السموم وخصوصاً من سم العقرب إذا شرب منه مثقالان بماء فاتر وضمد به موضع النهشة.
وخاصية ورق شجره: بفتح السدود ويوسع الأنفاس وينفع من الخفقان ويضر بالكبد، إصلاحه بالعسل.
ومن نوع الأترج: النارنج: وهو من جنس الشجر وأنواعه كثيرة: سكري ومائي وورقه يشبه ورق الأترج إلا أن ورق الأترج أعظم، وورق النارنج أشد ملامسة وأعسر فركاً، وفي طرف كل ورقة منه من ناحية الغصن وريقة صغيرة منفصلة عن الكبيرة ويسمى عندنا بفاس النرنج ـ بغير ألف ـ وله زهر عطر الرائحة تقطر منه المياه كمياه الورد يسمى بماء زهر وثمره مدحرج الشكل كثمر الحنظلة ولونه قانئ قليل اللحم كثير الشحم شديد الحموضة فما كان منه كثير الماء قيل فيه مائي وما كان قليله قيل فيه سكري ثم يشرح بعد ذلك نوع الزنبوغ والليمون والليم