مقدمة:
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، سبحانه وتعالى, خلق الإنسان علمه البيان، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد صاحب الخلق العظيم، وعلى آله الطيبين الطاهرين, وعلى صحابته الصادقين المجاهدين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
الإخوة والأخوات:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
بين أيديكم جولة علمية في بعض الإبداعات الإسلامية، قصدت منها تعريف أبناء المسلمين أهمية العلوم في بناء الحضارة الإسلامية.
فقد علم المسلمون أن من واجبهم تعمير الكون بنواميس الله في الخلق، فأسسوا حضارة علمية فريدة في تاريخ البشرية، إنها حضارة علمية مادية تقنية إيمانية، جمعت بين الإيمان بالله والعمل الصالح، والعلم النافع، والخلق العظيم وبين البناء والتعمير والإصلاح، إنها تركيبة حضارية فريدة لا توجد إلا في الحضارة الإسلامية.
ـ وقد جمعت لكم نماذج من عجائب الكائنات الحية في نفائس المخطوطات والكتب الإسلامية، بعد أن أعددت برنامجاً إذاعياً في إذاعة القرآن الكريم في مملكة البحرين في (96) حلقة في نفس الموضوع وبرنامج الثقافة العلمية في حياتنا اليومية في ( 70 ) حلقة، وبرنامج إبداعات إسلامية في ( 180 ) حلقة وطلب مني إعداد بعض هذه الحلقات للنشر فجاءت تلك المقالات التي بين أيديكم نماذج من هذه المقالات، التي أدعو الله أن تكون نافذة نطل منها على حركة التاريخ العلمي عند المسلمين، وأن تكون دافعاً لأبنائنا أن يعيدوا لأمتنا مجدها العلمي الذي وارته حقبة الحضارة الإسلامية التائهة في ديارنا العربية والإسلامية.
والله من وراء القصد وهو يهدي إلى سواء السبيل.
المنامة في: 17/4/1426هـ
الموافق: 25/5/2005م
من عجائب الكائنات الحية في نفائس المخطوطات الإسلامية
الإبل... فوائد في اليقظة والمنام ( ا من 2 )
جولتنا اليوم مع عجائب المخلوقات الحية في محمية المخطوطات الإسلامية , حيث نتعرف أعجب المخلوقات وأصبر الكائنات الحية والتي قال عنها العلامة زكريا بن محمد بن محمود القزويني ( 600 ـ 682هـ ) في مخطوطته الطريفة عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات: ( الإبل من الحيوانات العجيبة وإن كان عجبها سقط من أعين الناس لكثرة رؤيتهم إياها، وهو أنه حيوان عظيم الجسم، شديد الانقياد ينهض , بالحمل الثقيل ويبرك به، وتأخذ بزمامه فأرة وتقوده إلى حيث شاءت، ويتخذ على ظهره بيت يقعد الإنسان فيه مع مأكوله ومشروبه وملبوسه والوسادة والملحفة والنمرقة كما في بيته، ويتخذ للبيت سقف وهو يمشي بكل هذه. وبهذا قال ( الله ) تعالى: )أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت؟ (. وربما تصبر على الماء عشرة أيام، وإنما طولت رقبته ليستعين بها على النهوض بالحمل الثقيل ( وكأن القزويني هنا يقصد تطبيق قانون القوة في ذراعها تساوي المقاومة في ذراعها فإذا كان محور الارتكاز عند التقاء أقدامه بجسده، فإن حاصل ضرب وزن الرأس في طول الرقبة يُعادل الحمل في المسافة القصيرة بينه وبين محور الارتكاز عند أقدامه الأمامية، وتضاف إلى ذلك معاونة الأقدام الخلفية للجمل ورفعه إلى أعلى ). وهذا ذكاء للقزويني في فهم الشكل الظاهري للجمل ( Camelus dromedarius)لم أر مثله من قبل في علماء الشكل الظاهري للحيوان المتخصصين.
ـ ثم يستطرد القزويني الذكي في وصف أهمية طول رقبة الجمل فيقول:
ـ وينال الأرض ( أي: بطول رقبته ) يرعى منها حالة قيامه لتكون الرقبة مناسبة للقوائم، وليبلغ مشفره سائر جسده يحكه به. يهيج ( أي: جنسياً ) في شباط وعند ذلك لا خبر له بالحمل يحمل ما يحمله بعيران أو ثلاثة، عندئذٍ تؤخذ عصارة النورنج وتقطر في منخريه يذهب عنه ذلك.
ـ وإذا مرض أكل من شجرة البلوط يزول عنه.
ـ والشقشقة التي يخرجها لم تعرف أي شيء هي وقد يجتر والشقشقة خارجه، وإذا نهشته حية يأكل السرطان ( القبقب ـ الكابوريا ) تزول عنه غائلة السم. قال: قال ابن سينا: بهذا عرف أن السرطان نافع لنهش الحية.
فوائد طبية:
قال القزويني: قالوا: ليس للبعير مرارة وإنما على كبده شيء يشبهها، وهي جلدة فيها لعاب يكتحل به ينفع من الغشاء العتيق، وتطلى به الرقبة ينفع من الخوانيق، ووزن قيراط مع مثله من المسك يسقط به ينفع من الصرع.
ـ وكبده: من يداوم على أكله يدفع نزول الماء.
ـ وشحمه: لم يوضع في موضع إلا هربت منه الحيات.
ـ وسنامه: يذاب ويطلى به البواسير يسكن وجعها.
ـ وكرشه: فيه غدة إذا خرجت منه استحجرت وإذا سحقت بالخل ابيضت وهي من أنفع الأشياء للسموم القتالة.
ـ ووبره: يذار محرقاً على الأنف يحبس الرعاف ( أي: نزيف الأنف )، والدم السائل من الجراحات إذا ذر عليها.
ـ ولبنها: ينفع من السمومات كلها.
ـ وبعره: قال ابن سينا: يقطع الرعاف، ويمنع الجدري أن يبقى اثره، ويزيل الثآليل.
ـ والثابت علمياً: أن هناك مجموعة من الفطريات تعيش على بعرات الإبل تنتج كميات كبيرة من مضادات الحيوية، والمواد المثبطة لنمو الميكروبات والأنزيمات المحللة للسليلوز.
البعير لغة:
قال الدميري: سمي بعيراً لأنه يبعر، يقال: بعر البعير يبعر ( بفتح العين ) فيهما بعراً ( بتسكين العين ) كذبح يذبح ذبحاً. قاله ابن السكيت وهو اسم يقع على الذكر والأنثى وهو بمنزلة الإنسان من الناس. فالجمل بمنزلة الرجل، والناقة بمنزلة المرأة، والقعود بمنزلة الفتى، والقلومي بمنزلة الجارية.
وقال وحكي عن بعض العرب: صرعتني بعيري أي: ناقتي، وشربت من لبن بعيري، وإنما يقال لها: بعير إذا أجدع والجمع أبعرة وأباعر وبعران.
قال مجاهد في قوله تعالى: )ولمن جاء به حمل بعير (أراد بالبعير الحمار لأن بعض العرب يقول للحمار بعير وهو شاذ.
وعن الجمل قال الدميري: الجمل: الذكر من الإبل قال: قال الفراء: هو زوج الناقة، وجمع الجمل جمال وأجمال وجمائل وجمالات. قال تعالى: )كأنهم جمالات صفر (.
ـ ومن الطرائف قال الدميري: رأيت بخط بعض العلماء المتقدمين المبرزين أنه كان بخراسان رجل عائن ( يعني: حسود العين )، فجلس يوماً إلى جماعة فمر بهم قطار جمال ( أي: قافلة جمال )، فقال العائن: ( أي: الحسود بالعين ) من أي جمل تريدون أن أطعمكم من لحمه، فأشاروا إلى جمل من أحسنها, فنظر إليه العائن فوقع الجمل لساعته، وكان صاحب الجمل حكيماً فقال: من ربط جملي فليحله وليقل بسم الله عظيم الشأن شديد البرهان ما شاء الله كان حبس حابس من حجر يابس وشهاب قابس. اللهم إني رددت عين العائن عليه وفي أحب الناس إليه وفي كبده وكليتيه لحم رقيق وعظم دقيق فيما له يليق )فأرجع البصر هل ترى من فطور ثم أرجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير (. فوقف الجمل لساعته كأن لم يكن به بأس وندرت عين العائن.
الجمل في المنام:
قال الدميري: الجمل في المنام حج، ومن رأى جملاً يصول عليه فإنه يخاصم سفيهاً، ومن قاد جملاً بخطامه فإنه يهدي رجلاً ضالاً، ومن أكل رأس جمل في المنام اغتاب رجلاً رئيساً ومن رأى أنه يجر جملاً فإنه يقهر عدواً.
وعن الناقة قال: الناقة: الأنثى من الإبل وتجمع على نوق مثل بَدَنة وبَدُن وخشبة وخشب.
ـ وكنية الناقة: أم بّو، أم حائل، وأم حوار، وأم مسعود، ويقال لها: بنت الفحل، وبنت الفلاة، وبنت النجائب.
ـ والناقة في الرؤيا، كما قال الدميري، امرأة، فإن كانت من البخت فهي أعجمية، وإن كانت غير بختية فهي امرأة عربية، فمن رأى كأنه حلب ناقة تزوج امرأة صالحة، ومن كان متزوجاً وحلب ناقة، رزق ولداً ذكراً وربما رزق بنتاً، ومن رأى ناقة ومعها فصيلها، فإنه يدل على ظهور آية وفتنة عامة.
ـ أطرف ما قيل في الجمل:
ـ من أطرف ما قرأت عن الجمل في الكتب والمخطوطات الإسلامية ما قاله سعيد سليمان عاذرة في كتابه الإبل على لسان الجمل قال: قال الجمل: أنا الجمل أحمل الأحمال الثقال، وأقطع بها المراحل الطوال، وأكابد الكلال، وأصبر على مر النكال، ولا يعتريني من ذلك ملال, ولا أصول صولة الإدلال، بل أنقاد للطفل الصغير، ولو شاء الله لاستصعبت على الأمير الكبير، فأنا الذلول، وللأثقال حمول، لست بالخائن ولا الغلول، ولا الصائل عند الوصول، أقطع في الوصول ما يعجز عن الفحول، وأصابر الظلماء في الهواجر، ولا أحول، فإذا قضيت حق صاحبي، وبلغت مآربي، ألقيتُ حبلي على غاربي، وذهبت في البوادي أكتسب الحلال زادي، فإن سمعت صوت حادٍ سلمت إليه قيادي، وأوصلت فيه شهادي، وطلقت طيب رقادي، ومددت إليه عنقي لبلوغ مرادي، فأنا، إن ضللت فالدليل هاد، وإن زكلت آخذ بيدي من غليه انقيادي، وإن ظمئت فذكر الحبيب زادي، وأنا المسخر لكم يا شارة )وتحمل أثقالكم (فلم أزل بين رحلة ومقام حتى أصل إلى ذلك المقام. أ.هـ.
ـ وعن الإبل قال الجاحظ ( المتوفى سنة 255هـ ) في كتاب الحيوان: وفيها من خصال الشرف، والمنافع، والغناء في السفر والحضر، وفي الحرب والسلم، وفي الزينة والبهاء، وفي العُدّة والعتاد، ما ليس عند الكركدن ( وحيد القرن )، ولا عند الفيل ولا عند الجاموس.
ـ وقال خالد بن صفوان الخيل للقتال، والإبل للأحمال، والبراذين للجمال، والبغال للأثقال، والحمير للإمهال ( أي: النزهة على مهل ).
وقال رجل من بني تغلب شهد حرب البسوس: لم تصبر معنا في الحرب من الخيل إلا الكميت ومن الإبل إلا الحمر، ومن النساء إلا بنات العم