To:
undisclosed-recipients
سليمان الحلبى
في الساعة الحادية عشرة والنصف من صباح يوم 28 حزيران العام /1800/ تم إعدام الشاب السوري سليمان الحلبي في تل العقارب بمصر، لإقدامه على قتل قائد الحملة الفرنسية في مصر الجنرال كليبر، ولكن من هو هذا الشاب البطل الذي استشهد في سبيل دينه ووطنه؟
تشير المصادر التاريخية إلى أنّ (سليمان الحلبي) هو لقب لـ (سليمان محمد أمين) ولد في العام /1777/م في قرية كوكان التابعة لمنطقة عفرين، كان والده محمد أمين تاجر سمون وزيوت في المنطقة، وكان سليمان يعمل معه. في العام /1797/ وعندما بلغ العشرين من العمر أرسله والده إلى مصر لدراسة العلوم الإسلامية في الأزهر، وفي مصر عاش بالرواق الشامي ووطّد علاقته الشخصية والدراسية مع أهم قادة الثورة المصرية حينها (أحمد الشرقاوي) ودخل التنظيم السرّي للمقاومة على يديه.
كان الأزهر مركزاً سياسياً ودينياً وجهادياً ومنها انطلقت شرارة ثورة القاهرة الأولى، وهذا ما دفع نابليون بونابرت إلى الردّ عليها بحرق وهدم جزء من الأزهر الشريف ودخول ساحة مصلاه بخيوله، والحكم على ستة من شيوخه بالإعدام وفي مقدمتهم (أحمد الشرقاوي) أستاذ سليمان الحلبي الدراسي والسياسي، حيث فُصلت رؤوسهم وعُلّقت على الأبواب للعبرة، ولاحق نابليون كل من شارك في الثورة فخرج الكثير من المناضلين من مصر فراراً، وكان من بينهم سليمان الحلبي الذي وصل إلى مسقط رأسه في عفرين وهناك بقي لمدة شهرين مصاباً من هول الصدمة التي رآها من حرق للأزهر وقتل للناس في أروقته وقطع رؤوس أستاذه وزملائه، عاش خلالها صراعاً داخلياً كبيراً، ثم ذهب إلى حلب حيث يسكن والده، وهناك شعر بمتاعب أبيه المالية بسبب الضرائب الباهظة على تجارة السمون والزيوت التي يعمل بها والده فحاور سليمان الحلبي الوالي العثماني لرفع الضرائب عن أبيه كونه عضوا في تنظيم جهادي عسكري يرعاه السلطان نفسه ضد الفرنسيين، وتم لوالده ذلك فأصبح من أشهر التجار في حلب يأتي بمواده من عفرين وريفها ويبيعها في المدينة.
بعد مدة قرّر سليمان الحلبي الانتقام لبني دينه وزملائه وأستاذه بقتل نابليون بونابرت حصراً، ولكن هزيمته المنكرة على أبواب عكا وعودته ذليلاً إلى مصر ومن ثم إلى فرنسا، جعلت الحملة بقيادة خليفته كليبر وهذا لم يغيّر مما خطط له سليمان الحلبي فالمهم هو قتل قائد الحملة كائناً من يكون
وعلى هذا الأساس بدأ رحلته الاستشهادية إلى مصر عبر فلسطين
جاء في كتاب تاريخ جودت ص84– 87 الجزء السابع– ترجمة الدكتور (مصطفى نوري) الطبعة الثانية – اسطنبول 1309هجرية مايلي:
'في 11 حزيران من العام /1800/ وبينما كان كليبر يتمشى في حديقة منزله برفقة مهندس معماري فرنسي ظهر شخصٌ مجهول يشبه أصحاب المصالح واقترب من كليبر متظاهراً بتقديم عريضة وبينما كان كليبر ينظر إليها طعنه ذلك الشخص عدة طعنات في صدره وحاول المهندس الدفاع فتلقى مثلها وهرب الشخص المجهول ومات كليبر في الحال وجُرح المهندس، وإثر الصياح حضر الجنود وانتشروا يبحثون عنه حتى قبضوا عليه مختبئاً بين الأشجار القريبة بعد أن دلّتهم عليه امرأة شاهدته من نافذتها'.
ويضيف المصدر السابق : 'إنّ هذا الشخص الشجاع المدعو سليمان هو ابن عثمان آغا في حي المستدمية بحلب قرب قلعتها وإن أجداده من عائلة قباد بك من قرية كوكان الواقعة في ناحية الجوم'.
ومن المعروف أنّ الجوم هو سهل واسع يقع إلى الشمال الغربي من مدينة حلب وتقع مدينة عفرين في وسطه.سليمان الحلبي سبق جول جمال بقرن ونصف حين عانق دمه رمال مصر مثلما عانق دم جول جمال مياهها في العام /1956/ وهو لدى أبناء الشعب المصري بطل كبير،لأنه الشخص الذي كان وراء طرد المحتل الفرنسي من بلدهم ومن بلاد الشام عموماً.
يقول الكاتب عبد الهادي بكار في العدد8122 ، 22/1/2001من صحيفة الشرق الأوسط : 'إن جمجمة (سليمان الحلبي) محفوظة في متحف (اينفالد) في فرنسا، وهناك سعي حثيث من جهات سورية تدعو الفرنسيين لإعادة الاعتبار له ورفع صفة المجرم المدونة على جمجمته ومن ثم إعادتها إلى سورية ليدفن في مسقط رأسه بصفته بطلاً من أبطال الحرية والاستقلال'.