هل اتخاذ زوجة ثانية يضاد الوفاء للأولى؟
نستطيع أن نجيب على هذا السؤال بأكثر من إجابة، ولكن قبل الإجابة على هذا السؤال دعوني أنقل لكم انطباعات النساء والرجال عن هذه المسألة، لأنني في أكثر من دورة تدريبية كنت أطرح هذا السؤال على النساء وكانت اجابتهن دائما (نعم) انه ضد الوفاء للأولى، وأما الرجال فإجاباتهم دائما (لا)، انه ليس ضد الوفاء للأولى، و يبدو أن كل جماعة تجيب بما في هواها ونفسها وأعتقد أن الإجابة الصحيحة هي (نعم) و (لا).
فأما لا فهي الأصل، وإلا لما شرع نظام تعدد الزوجات في الإسلام، والإسلام لا يشرع ما فيه مخالفة للأخلاق الإنسانية الكريمة، والوفاء من أرقى الأخلاق، ثم أن سيرة النبي عليه الصلاة والسلام تشهد لنا بأنه عدد بين النساء، وهل يعقل أن يخالف الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام مقتضيات الوفاء وهو الذي أسس لنا هذا الخلق الكريم، ووجهنا إليه، وكذلك فعل الصحابة والتابعون في التعدد... فهل نتهمهم بعدم الوفاء وهم من خير القرون؟.
وان كان البعض يحتج بقصة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، عندما أراد أن يتزوج على فاطمة الزهراء رضي الله عنها، فمنعه النبي عليه الصلاة والسلام، فنقول أن هذا التحليل غير صحيح، ومن قرأ السيرة ودقق في القصة وأسبابها وخلفياتها علم أن القضية ليس لها علاقة بالوفاء، وإنما منع النبي عليه الصلاة والسلام وقال: (((لا تجتمع بنت رسول الله، وبنت عدو الله في بيت واحد)))...
لسببين:
الأول: لأن هذا الزواج كان بتدبير تفكيك بيت علي وفاطمة رضي الله عنهما من ابنة عدو الله أبي جهل، فهو زواج في ظاهره الرحمة وباطنه العذاب، فقد كان وراء هذا الزواج نساء يخططن له.
الثاني: أن النبي عليه الصلاة والسلام قد قال: (((إن فاطمة بضعة مني فمن أغضبها فقد أغضبني)))، ولهذا منع النبي عليه الصلاة والسلام من وجود امرأة أخرى في حياتها حتى لا تغضب وبغضبها يغضب النبي عليه الصلاة والسلام.
فالموضوع إذن ليس له علاقة بالوفاء وإنما هو تقدير وموازنة بين المصالح والمفاسد.
ولهذا فان القارئ يستغرب إذا علم أن وصية فاطمة رضي الله عنها قبل وفاتها لزوجها علي رضي الله عنه أن يتزوج (أمامة) ابنة أختها زينب رضي الله عنها، وقد تزوجها علي بعد سبع ليال من وفاة فاطمة رضي الله عنها.
وأما الإجابة (نعم) فذلك يكون عندما يستغل الزوج مال زوجته الخاص، أو مسكنها التي ساهمت في تأسيسه وتأثيثه بمالها الخاص، فيتزوج الثانية من مال الأولى ويسكنها في منزلها والذي تملكه الأولى، فهذا اعتداء وظلم واقع على الزوجة الأولى كما أن هذا ليس من الوفاء، وإني أعرف قضية قد عرضت علي بهذا التصرف، فقد تزوج الزوج مستغلاً راتب زوجته وأسكن الثانية في المنزل الخاص للأولى، والذي ساهمت بمالها في تأسيسه.
فالوفاء من أخلاق الكرام والكرام نوادر في هذا الزمان، وان من علامات الوفاء الزوجي: أن يدافع كل من الزوجين عن عرض الآخر، أو أن يدافع عنه عندما ينتقده الآخرون، وأما العلامة الثانية فهي عدم التطليق أو طلب الطلاق من غير سبب، وأما الثالثة فامتداد الحب والتقدير بين الزوجين، والرابعة إكرام أصدقاء الزوجين وأهلهم وصلة أرحامهم، والخامسة الثناء بينهم والدعاء والاستغفار كذلك، والأخيرة تنفيذ وصية أحدهما للآخر بعد وفاته.