نجاح الأمس هو فشل اليوم
كانت العائلة تلتقي مرة كل عام بحلول الإجازة الصيفية، وكالعادة يبدأ كبير العائلة بالاطمئنان على نتائج امتحانات الأطفال الثلاثة، كان اثنان منهم يحصلان دائماً على أعلى الدرجات، ما أثار انتباهي هو ثالثهم الذي كان يتعثر دائماً، رغم تمكنه من تحصيل الدرجة النهائية في مادة الرياضيات مرة واحدة فقط، وهو في الصف الأول الابتدائي.?هذا يقول : ترتيبي الأول هذا العام...وذاك يقول: ترتيبي الخامس هذا العام..أما ثالثهم يقول: طلعت الأول في مادة الرياضيات العام الماضي.?
يمر عام... يلتقي الأقارب في إجازة الصيف... يطمئن الجد على نتائج الامتحانات... هذا يقول حزيناً: ترتيبي الثاني هذا العام، والآخر يقول: ترتيبي الرابع ... أما الثالث فيقول: طلعت الأول في مادة الرياضيات في العام قبل الماضي.?مرت ثلاث سنوات، والتقت المجموعة...الأول: ترتيبي الأول هذا العام...الثاني: ترتيبي الأول هذا العام.. أما الثالث فقال: طلعت الأول في مادة الرياضيات وأنا في الصف الأول الابتدائي.?إن نجاح الأمس هو فشل اليوم،
فإن كنت الأول على منافسيك منذ خمس سنوات، وظللت تفتخر بهذا النجاح؛ فهذا يدل أنك فشلت في الأربع سنوات الماضية، لأنك عجزت عن صناعة نجاح جديد، وآثرت الانتساب إلى الماضي.?
ومن أسباب موت المجتمعات حضارياً أن تكثر قيادات مؤسساتها من استخدام صيغة الماضي في مفرداتها، وتصير كلمة كنا هي الفاصلة وعلامة الاستفهام والتعجب في خطاباتها وتقاريرها، وتكون أغنية زمان هي الأغنية المفضلة التي يتغنى بها طاقم العمل، إنها لا تقتات إلا على الماضي، وتعزف عن الاشتغال بصناعة المستقبل، وتكتفي بالإحالة إلى التاريخ كلما سئلت عن الحاضر والغد،
والذي يملك حاضراً لا يكثر الحديث عن بطولات الماضي
لأن الحاضر يأبى أن يتغول عليه الماضي، والأحياء لا يتبنون الأموات.?
لذلك تستطيع توقع إنجاز أي مؤسسة من خلال نظرة مبدئية لنوعية القصص التي تُحكى ويستشهد بها داخلها، هل تعلن إفلاسها عن مواكبة الواقع فتعيش مع الذكريات واستدعاء الإنجازات التاريخية؟
أم يغلب على قصصها إنجازات الحاضر؟
أم تتجاوز ذلك لتستشرف المستقبل؟
أنت تعيش حيث تتحدث.. فإن كنت تتحدث عن الماضي فحسب؛ فهذا يعني الهروب من مواجهة الواقع إلى الخلف، ووأد الحاضر بحقنه بمسكنات التاريخ، أما إن كنت تتحدث عن حاضرك فأنت مشغول بالحاضر، وإن كنت تتحدث عن أفكار من المستقبل، فأنت مُتَيَّم بزيارة المستقبل