كيف تتقبل العائلة الزواج الثاني..؟؟
إن بعض المجتمعات تنظر إلى إقدام الرجل على الزواج بثانية على أنه جريمة أو كارثة، ويساهم في ذلك أشياء كثيرة، مثل : التغريب، ودور أجهزة الإعلام، وغير ذلك من عوامل متشابكة، تؤدي في النهاية إلى أن أفراد الأسرة التي تتعرض لهذه التجربة يتحدثون عن الزلزال والانهيار والصدمة والذهول.. ومفردات كثيرة من هذا القبيل تجعل هناك حالة من التخفي أو التواري؛ سواء من العائل، أو الزوج الذي يقوم بذلك، أو من أسرته سواء الزوجة أو الأولاد الذين يشعرون بالخجل مما حدث، ويحاولون أيضًا ستره أو إخفاءه أو إنكاره أمام الآخرين، فضلاً عن مشاعرهم المأسوية داخل الأسرة تجاه ما حدث.
والأمر في حقيقته على غير ذلك، ولن نتحدث عن موقف الشرع من الأمر.. وهل تشريعه رخصة يأخذ بها المضطر، أم مندوب يحق للفرد أن يأخذ به أو يتركه، أم واجب كما ذكر البعض أن الأصل التعدد؟
فهذه قضية ليست هي محل النقاش؛ لأن في النهاية الزواج الثاني مشروع وموجود، ولكن الظروف الاجتماعية التي حوله هي التي تثير كل هذا الجدل واللغط. لنفرض إن أباك كانت له سكرتيرة، أحبها لظروف قد نعلمها أو لا نعلمها، وأحس بشيء نحوها..
وسيكون السؤال الأول: هل من حقه أن يفعل ذلك ؟ ولماذا يفعل ذلك ؟ وهل الاختلاط وغياب القيم هو الذي أدى إلى ذلك ؟ هل كل ما دعاه للارتباط بسكرتيرته هو وجودها أمامه ؟ هل وجد عندها شيئًا لم يجده عند أمك ؟ ما هذا الشيء ؟ ولماذا قصرت الأم ؟ هل شعرت بالأمان والاطمئنان فأفاقت على الحقيقة ؟ سلسلة من الأسئلة قد تفيد الإجابة عليها.. وإن قصر الأمر على مجرد وجود السكرتيرة أمام الرجل حتى يفعل ذلك نوع من التبسيط الذي لا يريد أن يرى حقيقة الأمر كما هي.. ثم ماذا كانت خطوته التالية ؟ إنه قرر الزواج منها.. لماذا ؟ لأنه يرفض أن تكون هناك علاقة بصورة غير شرعية.
إنه كان يمكن أن يختار طريق الحرام وما أسهله ! وما أسهل أن يجد من تستجيب له! إذًا فهو عندما يصل إلى خيار الزواج فهذا دلالة على التزام أخلاقي وفهم صحيح للشرع، يقول فيه الشرع لأمثاله: لا علاقة بين رجل وامرأة إلا في إطار شرعي، إنك يجب أن تكون حذرًا من أول الأمر حتى لا تقع في هذه الشباك، ولكن إذا سمحت لنفسك أن تقع فيجب أن يكون لهذا الأمر صيغة شرعية.. قد تحسم اختيارك من أول الأمر، وقد ترفض وجود سكرتيرة، وقد لا تسمح بوجود علاقات تتطور إلى ارتباط عاطفي جامح، ولكن إذا حدث ما حدث فالشرع يقول: قف! ما هو الإطار؟ هنا يتحرك الرجل ليعلم المجتمع أنه قد اختار الإطار الشرعي ليعلن علاقته بهذه الفتاة.. كيف وصل إلى هذه النقطة ؟ قد نحاسبه على ذلك، ولكن لا علاقة لذلك بضرورة وضع الأمر في إطاره الشرعي.. إنه إذا وصل إلى هذه النقطة يكون واضحًا أنه قد اختار.. اختار هذه الفتاة وهو واثق من عاطفته نحوها ومن رغبته في الارتباط بها،
وهنا قد نعود ونسأله مرة أخرى: هل أنت واثق مما تشعر به، وما أنت مقدم عليه؟ وقد نغضب كأبناء وبنات وزوجة : لِمَ حدث ؟ وكيف حدث ؟ ولكنه حدث؛ لأن هذا الأب إنسان وبشر له مشاعر وأحاسيس تحركت في لحظة معينة تحت ظرف خاص قد تكون أسبابه ودوافعه معلومة له هو فقط، وقد نعلمها ونتغاضى عنها
ونقول: لماذا الآن ؟ وهل تستحق أسرته الجميلة منه ذلك؟ ربما لا تكون تستحق، ولكن هذا الذي حدث، ربما يحتاج الموقف إلى تقييم، أو عتاب وحوار
وربما يحتاج إلى سؤال من الأبناء: لماذا فعلت هذا يا بابا ؟ أما نحن فننظر إليه نظرتنا إلى الإنسان العادي الذي قد يضعف أمام احتياجاته أو قد ينسى التزاماته، ولكنها ليست نظرة الانهيار وفقدان الثقة في كل شيء وفي كل الرجال؛ لأن الأمر في حقيقته ليس كذلك، ولأن أباك رجل محترم، اختار الطريق الصحيح عندما أحس بشيء يتحرك داخله، قد نعبر له عن رفضنا وغضبنا؛ لأنه أبانا الذي كنا نتمنى أن يظل لنا وحدنا، وألا يختم بأحد غيرنا؛ لأننا عهدناه كذلك.. أما ثورة الغضب من وقوع الكارثة والمصيبة والزلزال فهذا ناتج عن تقييم غير صحيح، ووضع للأمور في غير نصابها؛ لأن الرجل سيسأل نفسه: وماذا فعلت ؟ لقد احترمت نفسي وبيتي، ولم ألجأ إلى طرق تشين إلى الأسرة؟ ناقشوني، حدثوني وأحدثكم، سأخرج لكم ما في نفسي، وأخرجوا ما في أنفسكم، ولكن أن تشعروني أني قد ارتكبت جريمة، فهذا أمر سيسد الطرق ويغلق الحوار قبل أن يبدأ.. إنه أباك.. هو الذي تحبينه ويجب أن تظلي تحبينه، ربما تغضبين لتصرفه لأنك لا تفهمينه، وربما لو فهمته لعذرته.. أعط الفرصة لنفسك لتسمعي بدون موقف سابق أو انهيار يجعل حكمك على الأمور في غير محله، فربما إذا سمعت بأذن العقل استطعت أن تقنعيه بلسان العقل، ربما إذا شعر أنك تتعاطفين معه، ولكنك مع إحساسك به تقولين له: يا أبي، لا تفعل شفقة بأمنا وبيتنا ونفوسنا، ربما يكون لكَ العذر، ولكن ضحِّ من أجلنا، وسنقدر لك تضحيتك.. ربما لو سمع الحديث بهذه اللغة لعاد وعاد.. عاد من أجل بيته وأولاده، وداس على قلبه وعاطفته، ليس لأن ما فعله خطأ، ولكن لأن ما فعله ربما لم يكن في الوقت المناسب أو المكان المناسب.. عندها سيختار بهدوء.. وهذه هي الرسالة التي يجب أن تحمليها إلى أمك حتى يهدأ روعها، بدلاً من البكاء والانهيار، ولتقيّم الموقف، وتسأل نفسها: لماذا حدث هذا؟ وهل هناك ما يمكن تداركه؟ وتخاطبه، ليس بلغة التهديد بهدم البيت فوق رءوس الجميع وكأن الزلزال قد وقع، ولكن بلغة التفاهم الصادق والموضعية المثمرة.
إن الزواج الثاني ليس شرًا، بل ربما ساهم في بعض الأحيان في حل مشاكل تراكمت في البيوت، وربما كان المتنفس الذي قد يساعد الرجل على العودة إلى بيته الذي قد هجره فعلاً نفسيًا ومعنويًا من زمن، إنه علاج رباني لمشاكل اجتماعية تحتاج إلى نظرة أخرى حتى نتقبله كواقع نتعايش معه ولا نجزم من يقدم عليه، بل نبحث بموضوعية عن الأسباب التي ربما تكون معرفتها بداية حياة جديدة لكل الأطراف.
إننا عندما كنا نتحدث مع الرجال حول الزواج الثاني، كان لنا موقفًا يتلخص في أننا لسنا ضد الزواج الثاني بشرط أن يدرك صاحبه أنه مقدم على مسؤولية كبرى، وأنه ليس حلاً سحريًا لكل المشاكل؛ لأنه ربما تترتب عليه مشاكل، وأن من يقدم على هذه الخطوة لا بد أن يكون على وعي وإدراك لما يختاره ويقرره، حتى اعتقد البعض أننا ضد الزواج الثاني، أو أننا نحبط أو نثبط من يطلبه، ولكننا أظهرنا أننا مع الوعي بحقيقة دور الزواج الثاني في المجتمع، بل على العكس لم نكن مع من قال إن الزواج الثاني يحل مشكلة في الزواج الأول، وقلنا إنه ربما يحدث لمجرد أن الإنسان قد قابل من رأى أنها تناسبه، ولكن يجب أن يسأل نفسه قبل أن يقدم على هذه الخطوة: لماذا فتحت الباب؟ وهل أدرك ما أفعله ؟ وما أثر ذلك على حياتي ؟ وهل سأستطيع التعامل معه ؟ إننا نؤكد على هذه المعاني ثانية، ونحن نضع هذه الإجابة حتى لا يفهم البعض أيضًا ثانية أننا مع الزواج الثاني أو نشجعه.. إننا نريد أن يعود الإدراك الصحيح للقضية؛ سواء من جانب الأزواج، أو الزوجات، أو الأبناء والبنات، أو حتى من جانب المجتمع الذي سارت فيه أفكار، ربما تشقي وتفسد أكثر مما تصلح وتبني.. هذا ما نحاول أن نفعله من خلال هذه الإجابة، وليوضع الزواج الثاني في إطاره الطبيعي بدون إفراط أو تفريط.