بتـــــاريخ : 11/26/2008 3:39:31 PM
الفــــــــئة
  • التربيــــــــــة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 851 0


    تعلم كيف تمسك بالقلم

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : ابن الفائق | المصدر : forum.al-wlid.com

    كلمات مفتاحية  :
    تعلم كيف تمسك القلم
     

    تعلم كيف تمسك بالقلم





    عندما يكون هناك أب حنون وفى نظر المجتمع أنه يستحق هذا الوصف ويحسن تربية أبنائه تكون مؤهلات هذا الرأى فى الغالب عبارة عن رعاية الأب لطفله وعنايته به صحيا وتعليمه آداب المائدة وحمايته من نفسه .. إلى غير ذلك من أمور ..
    ولو فرضنا أن هذا الأب شاهد ابنه يتلاعب بنصل سكين فسيكون ردة الفعل الطبيعية أن يهرع إليه مانعا إياه ثم يعلمه كيف يستخدمها ويمسكها ويحسن العناية بها حتى لا تصيبه بأذى ..
    ولكن مع الأسف الشديد ..
    وعندما يكبر الطفل قليلا ويأتى موعده مع القلم لأول مرة .. لا نشاهد لأغلبية الآباء فزعة ولا حرصا .. بل يترك الغالبية منهم تلك المهمة للمدرسة التى يلتحق بها الطفل ولأمه غالبا ..
    ويكتفي هو بالمتابعة من بعيد فرحا بطفله الذى عرف كيف اسمه واسم أبيه بالانجليزية !

    بالرغم من أن الإمساك بالقلم أشد خطورة وتأثيرا على طفله الذى سيصبح شابا فيما بعد وربما كاتبا .. تأثيره يعادل مائة ضعف خطورة وتأثير نصل السكين لو لم يحسن الإمساك به ويحسن استخدامه بحقه ..
    فعدم الاهتمام بهذا الجانب قد يؤدى إلى ضياع موهبة فذة فى الطفل الذى يفتقد أهمية ومقدار القلم وبهذا تذبح موهبته فى مهدها .. ومن الممكن أن تنطلق الموهبة فنيا دون إدراك لمعنى وأهمية القلم فيكتسب المجتمع كاتبا موهوبا نعم .. لكنه أخطأ الطريق فاستخدم أسلوبه فى الهدم لا البناء كمثال عشرات الكتاب الذين أعطاهم الله تعالى حرفية الإمساك بالقلم ومنعهم التوفيق فيها فجلبوا بأقلامهم عشرات القراء ضحايا فكر مهترئ أو فكر عدوانى أو أعمال أدبية تتجاوز حدود الأخلاق والقي والعقيدة فتصبح وبالا وكان لها أن تصبح فى الأصل عنوان رحمة وفضل ..
    ويحق لنا أن نسأل الأب الذى علم ولده كيف يمسك بنصل السكين وأهمل تعليمه حرفة القلم ..
    هل جرح إصبع طفلك أعمق خطرا من شرخ موهبته أو قتلها .. وهل قطع أحد أصابع كفي طفلك أشد وبالا من قطع وتر الإيمان فى شباب قد تقرأ له فكرا منحرفا فتتبعه ...

    الإجابة يمثلها موقف لأحد كبار الأئمة والفقهاء عندما مر ذات يوم بصبي صغير على شاطئ بحر يحاول أن يملأ مسقاته فهتف به الإمام
    " حاذر الزلل يا إمام .. "
    وكان الصبي حصيفا ذكيا .. فالتفت إليه قائلا
    " بل حاذر الزلل أنت يا إمام .. أنا إن زللت سقطت وحدى .. أما أنت فان زللت سقطت خلفك أمة بأكملها "

    والإمساك بالقلم للكتابة سواء فى موهبة إبداعية كالشعر والقصة مثلا .. أو فى موهبة فكرية كالمقال والدراسة هو أمر له ضوابطه التى سقطت بسقوط العهد الذهبي لأهل القلم بعد أن صارت المطالعة رجس من عمل الإنسان فى هذه الأيام ..
    فكل من أحب أن يكون كاتبا أمسك بقلم لا يدرى قيمة مداده وبأوراق لا يدرى أهمية صفحاتها وسودها إما بتافه الأفكار أو بزائل الكلمات .. فهانت قيمة الكاتب والكتابة ..
    وعوامل السقوط كثيرة أكبرها افتقاد المعلم .. وأهونها ترك المطالعة ..
    وأوسطها العجلة التى تحكم المواهب البازغة فتجعلهم سراعا إلى استنفاذ معين موهبتهم قبل اكتماله .. فيكتبون بأكثر مما يقرءون فتنفذ بضاعتهم المزجاة من اللغة وثروتها فيكون الضياع المؤكد
    أما زوال هيبة الكتابة فهو ملحق بزوال هيبة العلم .. وسيكون حديثي فى هذا الموضوع مركزا على جانب الكتابة الفكرية بشتى نواحيها لأن هذا اللون من الكتابة أصابه الضرر أكثر من غيره
    وأعنى بذلك المقالات الأدبية بأنواعها والنقد والتاريخ والتحليلات السياسية التراجم والسير وغيرها من القضايا التى ينظر المجتمع من كتابه أن يحملوا إليه عقدتها مع حلها فإذا بهم صاروا عبئا عليها تحت تأثير السطحية واستسهال أمر الإمساك بالقلم والإعجاب بالرأى فى أمور لا يقطعها الإعجاب بل تحسم أمرها الأسباب ..
    هذا خلاف ما بليت به المكتبة العربية من مؤلفات محشوة حشوا بكلمات وعدد صفحات ضخم لا يجنى من المعرفة شيئا .. والعكس أيضا متحقق فتمتلئ أرفف المكتبات بمقالات أو دراسات بحثية لا تتجاوز الخمس صفحات وتحمل من العناوين ما يعجز عن الوفاء بتفاصيل موضوعاتها مجلدات كاملة ..

    وكم صدق الإمام الشعراوى عندما قال أن عمره فى المطالعة انتهى عام 1940 إلا من القليل .. وعندما سؤل هل يكتب أجاب بأنه توقف فى العشرين سنة الأخيرة عن الكتابة وبرر السبب بقوله
    " أنا فى أخريات عمرى الآن لا أكتب بل يكتب غيري عنى لأنى أعرف شرائط الكتابة وهى تستلزم من المرء جهدا يفوق قدرة الشيوخ أمثالى وبالتالى عدلت الآن عن الكتابة إلا فيما ندر لأنى حينما أكتب .. أفي للكتابة شرائطها ".
    بالمثل كاتبنا العملاق محمد حسنين هيكل ..
    وهو الوحيد الآن تقريبا الذى ينفذ الشروط القاسية لمعنى الكتابة ولهذا استحق مكانته العالمية الأسطورية على النحو الذى رأينا فيه كلماته توزن بالذهب فى دور النشر القائمة خلف نشر أعماله فى مختلف دول العالم ..
    واستحق أيضا سمعته الغير عادية حين ينوى الدخول فى موضوع ما أو قضية فيناقشها .. ويكفي أن نعرف أنه بين أساطين الكتابة العربية مقولة شهيرة مؤداها أن من أراد أن يكتب فى الشأن السياسي يسأل أولا هل كتب به هيكل أو ينوى الكتابة فيه .. ؟!
    فان كان الجواب بنعم أحجم الكاتب عن التأليف ففي هيكل الكفاية التى لا تجعل لأى قلم بجواره مكانا .. وكل هذا صنيعة ضوابط الكتابة الفكرية الجادة أيا كان مجالها ومعينها الثقافة المذهلة التى يتمتع بها عمالقتنا وتقف خلف سر هذا النبوغ .

    وتعالوا نتعرف على ضوابط الإمساك بالقلم لنحاول أن نطبق بعضها على أنفسنا إن كانت فينا النية الصادقة لحمل صفة " كاتب "

    ضوابط وشروط الكتابة للمفكر المسلم
    " ملحوظة .. إن المفكر المسلم ليس معناه كما يظن السطحيون أنه الذى يتناول بالكتابة والتحليل شأنا إسلاميا فقهيا أو تاريخيا بل هو المفكر الشامل الإصلاحي فى شتى المجالات الفكرية "
    الأول ..
    أن تكون الكتابة ذات خلفية إسلامية أيا كانت نوعية الموضوعات وتصبح الشريعة الإسلامية والفكر الإسلامى النير هو المرجعية لكل قضية يثيرها الكاتب وينأى فى نفس الوقت عن أى انتماءات مذهبية تعطل قدرته الحيادية فى التحليل .. ومراعاته الدقة فى اختيار عنوانه لأن العنوان نصف الطريق إلى عقل وقلب القارئ
    فالعنوان يجب أن يكون موفيا لما يحتويه الموضوع أو يقل عنه أما أن يكون العنوان أكبر من الموضوع فهذا من مسببات اتهام الكاتب بالسطحية
    الثانى ..
    أن يتميز الموضوع بمقدمة ثرية تحمل معلومات دسمة تقدم للقراء تمهيدا محببا من الثقافة والمعلومات خارج إطار الموضوع الأصلي الذى يثيره الكاتب على أن تكون المقدمة مدخلا لتلك القضية
    الثالث ..
    غزارة المعلومات فى صلب الموضوع والإحاطة بجوانبه التفصيلية بحيث لا يترك الكاتب للقارئ شقا غامضا أو غير مفهوم أو حتى غير مطروق فى القضية التى يتناولها بالشرح بحيث يكون القارئ على موعد مع قضية مستوفاه لا تحيله مضطرا إلى التماس مراجع أخرى فى معلومات تمس صلب القضية لأن القراء ليسوا كلهم على مضمار واحد من حب المطالعة والبحث وهذا مقرون فقط بذوى الهمة العالية فى التقصي والقراءة
    الرابع ..
    سلامة اللغة ودقة العرض باستخدام أسلوب الأديب أو الروائي الرشيق العبارة بحيث مهما طال الموضوع وتعددت صفحاته لا يستطيع القارئ انتزاع فقرة أو أكثر من الموضوع والمرور عليها مرور الكرام بل يكون شعوره الدائم التمنى بأن يزيد الكاتب فى موضوعه فلا تنتهى صفحاته
    كما يجب للكاتب أن يوثق مصادره كتابة ـ إن كان الموضوع بحثا ـ وأن يكون واثقا من صحة معلومات مصادره فى غير ذلك
    الخامس ..
    ألا يتعرض الكاتب لقضية بالنقد والتحليل بالأسلوب البحثي ما لم يكن قد استوفاها من مصادرها قراءة أولا ثم أعطاها حقها فى التفكر والتفكير عن طريق مناقشة نفسه فى ذات القضية فيما يسمى بالنقد الذاتى .. وأيضا مناقشة المتخصصين ـ إن توافروا ـ
    بمعنى أن يحدد الكاتب موقفه من القضية سلبا وإيجابا وعندما يتخذ موقفه يحرص تمام الحرص على قراءة وجهة النظر المقابلة بكل دقة والإستماع إلى حجتها وتفنيدها تفنيدا كاملا لكى يتسنى له بعد ذلك عند طرح تحليله أن يواجه مناصري وجهة النظر المضادة والدفاع عن رؤيته وفق أساسيات الحوار القائم على استنباط الحق

    وكل تلك الضوابط التى تعد أساس إمساك القلم والتى غابت ـ مع الأسف ـ غيابا شبه تام عن أكثر الكتاب تعد هى الشروط اللازمة فى مجموعها ليخرج الكاتب قائلا أنه كتب ..
    هذه فى مجملها الضوابط الفنية للإمساك بالقلم ولم أتعرض لبقيتها لكون موضوعنا يتحدث عن القيم الغائبة أما الأمور الفنية فى الكتابة المتمثلة فى قواعد اللغة وعلامات الترقيم وتقسيم الفصول فكلها متوافرة لكنها أشبه بالأعمدة التى تنتظر ظهور البناء السليم

    ويتبع ذلك ضابط عام لا غنى عنها لأى مفكر أو مصلح إجتماعى يتمثل فى الاستقلال الفكرى

    استقلال المفكرين والكتاب

    المذهب الصحيح لأى كاتب منهجى جاد هو المذهب على استقلال المثقفين والمفكرين مهما كان تعاطفهم مع التيارات المختلفة إلا أنه يجب أن يظل تعاطفا وفقط لا يصل إلى حدود الإنتماء الحزبي أو الأيديولوجى اكتفاء بالمرجعية الإسلامية العامة
    لأن المفكر لا يحتمل قيدا أيا كانت بساطة حلقاته أو حباله ..
    والانتماء لحزب معين أو أيديولوجية معينة يقيده عن الإنطلاق حرا فى ميزان التوجيه العام عملا بحقيقة راسخة وهى أن المفكرين آباء الرأى العام ومبعث تفجره لدى عامة الناس .. وهذا يتطلب استقلالا سيكون عزيزا فى حالة الإلتزام بمجريات مذهبية معينة تفرضها الأجواء السياسية بطبيعتها من خلافات عنيفة وجارحة
    لأن الخلاف بين أصحاب القلم يجب أن يظل فى إطار الخلاف العلمى حول السبب لكن الغاية هنا يجب أن تكون متفقة وهى الإصلاح الإجتماعى وهو ما يعرف باسم الخلاف الايجابي
    ويعد الخلاف ايجابيا لا يخل بثوابت الغاية أو الحق لأن الحق ثابت .. أما الطرق إليه فتختلف طولا وعرضا
    وقديما كان سقراط أستاذ الفلاسفة الإغريق .. على موعد مع الإعدام من نظام الحكم الغاشم وتقرر إعدامه بالسم فجاءه تلامذته ومريدوه بخطة محكمة لتهريبه فتأمل فيهم مليا ثم قال
    " كيف تريدون منى أن أهرب ثم أتحدث بعد ذلك للناس عن فضيلة الشجاعة "
    وأصر على موقفه وجاءت كأس السم فى موعدها المضروب فتأملها قليلا ثم ابتسم قائلا " انه دواء مر المذاق لكنه شاف لكل العلل "
    ثم جاء بعد سقراط أفلاطون وأرسطو
    وتكرر مع أفلاطون نفس الموقف واضطهده نظام الحكم وكاد يكرر معه الاعتقال والقتل ..
    هنا اختلف أفلاطون عن طريق أستاذه ولجأ للفرار من البطش قائلا
    " لن أترك اليونان ترتكب جريمة أخرى ضد الفلسفة "

    والإثنان وجهة نظرهما صحيحة ..
    فسقراط نفذ تعاليمه ودروسه كى لا تسقط .. وكان قد استوفي تعليمها لتلامذته فلم يأبه بالموت لعلمه الوثيق أن هناك بعده من سيحمل المشعل وأنه أدرى رسالته
    أما أفلاطون فقد كان وقته لم يزل مبكرا لينشئ خلفه الجيل التالى له .. ومن ثم لجأ للفرار ـ وهو نقيصة ـ فى سبيل سد ذريعة أكثر ضرورة وهى فقد الفلسفة والمنهج الذى يحمله بفقده
    هذا هو حق القلم .. فكم منا وفاه هذا الحق ..؟!
    وصلي الله عليك وسلم نبي الله إدريس أنت ونبينا الكريم
    كنت أول من خط به وأول من عرفت قيمته وجاء الإسلام بعد آلاف السنين منبها فى أول آياته نزولا على القراءة والكتابة ..
    __________________

    كلمات مفتاحية  :
    تعلم كيف تمسك القلم

    تعليقات الزوار ()