بتـــــاريخ : 11/22/2008 8:29:43 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1214 0


    بانوراما

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : علي عبد الأمير صالح | المصدر : www.awu-dam.org

    كلمات مفتاحية  :

     

    حشر مع الناس عيد.‏

    ناولني حفنةً من الزبيب الأسود. وهبطنا معاً.‏

    التقيتهُ على درجات السلم، بالمصادفة. لم أكن أتوقع اللقاء به ثانيةً. سنوات طوال مرّت على لقائنا الأخير. لقاؤنا ذاك كان في حانةٍ ليلية اعتدنا ارتيادها، أنا وهو ومجموعة من الطلبة الجامعيين، ممن تضج رؤوسهم بالأفكار والأخيلة، إلا أنهم مايزالون على قدرٍ من الطيش والنزق شأنهم في ذلك شأن كل الشبان الحالمين في العالم قاطبةً.‏

    أما اليوم فقد شاءت الأقدار أن نلتقي على درجات النفق، كشّر عن أسنانه الكبيرة الصفر. جرّني من يدي قائلاً: "هيا بنا. حشرٌ مع الناس عيد."‏

    بقيتُ صامتاً. أنا رجل يحب الصمت. علمتني الأيام أن أختار من الكلام أفضله، وأن أُبقي شفتيّ مطبقتين حين أقبّل عشيقة عابرة، بائعة يانصيب مشرّدة أو فتاة متجر بائسة، ألفها بمعطفي وآخذها إلى شقتي فتمكث معي يوماً أو يومين. وقد علمتني الأيام، أيضاً، أن عليّ أن آخذ معي فتاةً إلى سريري. وعندما لاتكون معي عشيقة، ففي الأقل، أصطحب معي طيف عذراء سحرني عطرها، بينما أنا أنزل السلالم، أو أرتقيها، في خلال الأمسيات.. وأود أن أشير هنا، أن أماسي النفق لامثيل لها على الإطلاق. خاصةً، أن تلك العذارى، يتخاطفن هنا وهناك، صاعدات أو نازلات، لكنهن منفيات شأنهن شأننا، في هذا النفق.‏

    كان المساء في أوله. فدعاني صاحبي إلى كوب قهوة. جلستُ قبالته، وصرتُ أتأمل الشعيرات البيض في ناصيته وفوديه. مد يده اليسرى في جيب سترته ذات الخطوط المربعة. نثر ماتبقى من حبات الزبيب الأسود على الطاولة الخشبية. نظرتُ من خلاله إلى سيدة جميلة تمر أمام المقهى. الواقع، كان المقهى يحتل حيزاً من الرصيف، وكان على المارة أن يترجلوا عندما يصلون إلى هنا، لأن تخوت الخشب والطاولات والنارجيلات لاتسمح بمرور أحد؛ وعلى السابلة، رجالاً ونساءً، أن ينحرفوا في خلال مسيرهم، كي يتفادوا الاصطدام بأحد التخوت أو المناضد أو كسر إحدى النارجيلات. ولأني كنتُ شارد الذهن، ساهم النظرات وكزني في كتفي اليمنى وقال لي: "عدّ الحبات، من فضلك." لم أكن في مزاج رائق، طبعاً.. علاوةً على ذلك، صرتُ مثل آلاف الناس الذين يسكنون النفق أكره العدّ، خاصةً عد الأوراق النقدية. وكان يلزمني، مثلما يلزم آلاف المواطنين في النفق، أن أقضي نصف ساعة في الأقل يومياً في إحصاء الأوراق المالية.. وتوّجب عليّ أن أعدَّ يومياً كل تلك المجموعات المتتالية من السلالم، لكنني على أية حال كنتُ أُخطئ في العدّ، فتارةً يشاغلني أحد ما، وطوراً تأخذني فكرة أو خاطرة مابعيداً فأغفل عن العدّ. لكن أصدقائي العاطفيون دأبوا على عدّها، وكنتُ أراهم يجلسون على السلام كالجنود المخذولين في الحرب.. أما الحالمات من خليلاتي فلم يكترثن بعدد السلالم. أليس من الأفضل أن نعرف متى تفتح أبواب النفق، وهل ستفتح الأبواب كلها مرةً واحدة. وهل يصح ماتردد مؤخراً من شائعات تفيد بأن الأبواب الخمسة ستظل مغلقةً إلى الأبد؟ هذه الأسئلة شغلت بال نساء النفق وفتياته الحالمات. ولكنها، شأن معظم الأسئلة التي تجول في أذهان مواطنينا، ظلتْ بلا جواب. أسئلة ثقيلة كالرصاص، تجثم على صدور الناس الذين أتعبهم الانتظار والخوف، وصارت أمانيهم أوهاماً لاسبيل إلى تحقيقها.‏

    ولأني كنتُ لا أحبذ إحصاء حبات الزبيب، ارتشفتُ قهوتي على مهل، وقبل أن أسكب في جوفي ماتبقى من الكوب، قلتُ له: "وفّر عليك العدّ. أعرف ما تود قوله."‏

    الحقيقة، كنتُ أفّضل التأمل والاستغراق في التفكير على مبادلته الحديث في مواضيع عادية تلوكها الألسن عشرات المرات يومياً، فأنا رجل صموت، مثلما أسلفتُ، قادني الرعب واليأس إلى الصمت، ومع أنني كنتُ أجد دوماً من تشاركني ليلتي تحت ضوء الشمع المحترق، إلا أنني كنتُ أورث خليلاتي الحزن عندما لا أجد الكلمات الجميلة التي أستبقيهن بها. ومع أنني كنتُ أتشبث بأذرعهن. وأسفح الدمع تحت و طأة الألم الدامي، إلا أنهن يهجرنني ولايرجعن إليّ ثانيةً. معظمهن يحدوهن أمل كبير في سماع كلمات لطيفة تخرج من بين شفتي فيما نحن نجلس متقابلين في شقتي الأرضية الصغيرة عفواً..، اقصد شقتي الواقعة تحت الدرجات الاسمنتية.. الواقع، إن هذا الخطأ صار يرتكبه عشرات الأفراد، حيث خيّل لهم أنهم يعيشون على سطح الأرض، وقد ظنوا بمرور الأيام، إن هذا هو شكل حياتهم، وأن لاسبيل إلى تغييره، ولا جدوى من أن يحلم المرء بحياة ثانيةً خارج النفق. صامتاً ألوك لقمتي، أو سندويتشتي، إن شئت. غالباً أشتري سندويتشات الباذنجان من مطعم للأكلات السريعة لايبعد كثيراً عن الشقة التي اخترتُ السكن فيها منذ أن وجدتُ نفسي مرغماً على الإقامة هنا. ومايثير دهشتي، أن بعض الناس ظلوا يتزوجون وينجبون الأطفال رغم أن مآسي النفق تزداد يوماً إثر آخر.‏

    في اعتقادي، حان الوقت الآن، للحديث عن مطاعم البانجان. وقبل كل شيء، أود أن أذكر أن بعض تلك المطاعم حملت أسماء ميثولوجية تارةً وتاريخية تارةً أخرى. أما الفئة الثالثة فقد حملت أسماء شاعرية مثل: القلوب الكسيرة، الحضن البشري، دلتا الغرام. على أن المطاعم كلها كانت تقدّم نوعاً واحداً من الخبز المر، خبز أسمر يلوكه الجميع بوجوه تتقاطع عليها ظلال الشقاء والحرمانات العديدة؛ ظلال كثيفة حفرتْ أخاديداً عميقةً في سحناتهم التي باتت كسحنات الأشباح أو الخارجين من القبور.‏

    مطاعم الباذنجان ماهي إلا أكشاك صغيرة تشبه إلى حدٍ كبير أكشاك الهواتف العمومية، أو أكشاك الصحف القديمة (لم نعدْ نطالع صحفاً جديدة، للعلم).. مطاعم الباذنجان خالية من المناضد، طبعاً، ثمة ألواح خشبية مثبتة على الجدران، ألواح بعرض ثلاثين سنتيمتراً تقريباً، وضعتْ عليها عبوات الملح المغشوش، وقناني الصاص أو العنبة، فبعض مواطنينا يحبون تناول سندويتشاتهم مع هذه التوابل.‏

    في معظم الأحيان، كنتُ ألتقي فتاةً أو فتاتين، أمام مطعم الباذنجان.. وأنا لا أعني هنا مطعماً محدداً، فمطاعم الباذنجان رغم كثرتها تكاد تكون متشابهة، وربما لايختلف أحدها عن الآخر إلا بحجم رغيف الخبز أو نوع التوابل التي تتناولها مع أكلتك المفضلة.‏

    ما أن أتفوه بكلمةٍ أو كلمتين مع الفتيات الجائعات، حتى أرى الأمل يشرق في وجوههن الضامرة. نحشر أجسادنا بين الزحام، فالمطاعم صغيرة وإنك لاتستطيع أن تتحرك فيها كثيراً، فإما أن تجلس على واحدٍ من الكراسي المرتفعة أو تأخذ سندويتشاتك الحادة وتغادر المطعم.. نجلس دقائق قلائل، نلتهم شرائح الباذنجان المقلية، ونتبادل الابتسامات الفاترة.. وفي خلال تلك الرفقة القصيرة الأمد، العابرة، إن شئت، أقرر ما إذا يلزمني اصطحاب صديقتي إلى فراشي أم لا. والحق يقال، كنتُ أؤثر التنزه معهن، غالباً، في سوق الثياب المستعملة. فبينما نحن نتفرج على الباعة وهم يعرضون بضائعهم على الأرصفة، أكون قد نظمتُ أفكاري واتخذت قراري غالباً، أشعر بالضيق والحرج، عندما تحييني فتاتان عند باب المطعم.. بالطبع، هما تتصنعان وضعاً ما بحيث يتوقع الرجل أنهما التقتا به بالمصادفة.. وقد اعترفتْ لي إحداهن أنها ظلتْ تتعقبني منذ خروجي من صالون الحلاقة، وأنها جاءتْ راكضةً من الرصيف المقابل، وتصنعتْ الإعثار، كي أقرفص بجانبها، وأنهضها على قدميها، ومن ثم نبدأ علاقتنا.‏

    نجلس ثلاثتنا على (ستولات) متلاصقة؛ أنا سندويتشي بلا عنبة ولا صاص.. أما الفتاتان فتمدان أيديهما إلى القناني الموضوعة على اللوح. أنا لا أكترث بذوقهما.. لتأكلا ماتأكلان، مايهمني هو ما آكله أنا.. مع أنهما تأكلان ما أشتريه لهما. تأكلان الشرائح السود وتلعقان شفاهما الملطخة بالسمن النباتي. وإذا لم أكن قد قررتُ اختيار إحداهما، عندئذ أفضل التسكع معهما في شارع الغرام. ولا عجب، فلولا الغرام لكانت الحياة مستحيلة في النفق. وقد سمعتُ كثيرين من مواطني النفق، يعلنون صراحةً، أن في وسعهم العيش مع قليل من الخبز والباذنجان، إنما لايسعهم الحياة من غير حب ولا رومانس. وأنهم مع إنغلاق مستقبلهم يوماً بعد يوم، أو ربما بسببه، ظلوا يعشقون.. مع أن مناسبات العشق هذه تتخللها ألوان شتى من اللوعة والحرمان؛ وترافقها دوماً غلالات الدمع.. حين لاتجد ما تأكله مع عشيقتك فجراً، ناهيك عن قول الكلام الرقيق لها.. تجلس حبيبتك وتدير لك ظهرها، تطلب منك أن تزرر فستانها أو تحكم إغلاق مشابك حمالتي صدرها، ثم تودعها وداع الدمع الكبير.‏

    الواقع، يطيب لي الآن أن أتحدث بكلمات قلائل عن شارع الغرام. فأنا أزعم أنه يندر أن توجد مدينة في العالم بلا شارع غرام. وأنه إذا كانت ثمة شوارع في الجنة أو الجحيم، فلابد أن يكون ثمة شارع في كل منهما يحمل هذا الاسم. لأننا بسبب الحب ندخل الجنة تارةً، والجحيم طوراً. وإذا كانت هنالك آلهة للحب والجمال، فهنالك أيضاً شياطين للحب والرغبة أورثتنا الهمّ والعذاب واللوعة. وعلى أية حال، فشارع الغرام في نفقنا لاتقوم على جانبيه الأشجار، كما أنه لا وجود للظلال الكثيفة فيه.. هو شارع هادئ، مسفلتْ، تقصده بائعات الزهور، وتمر به صباحَ مساء الدراجات الهوائية.. دراجات يمتطيها عشاق مسرورون، يشترون الزهور، وحينما يصلون موقعاً معيناً، يسندون دراجاتهم على جدارٍ أو يطرحونها أرضاً، ثم يقتعدون مصطبةً حجرية.. كل عاشق يداعب ثغر حبيبته بغصن الورد. شكراً لبلدية النفق التي وفرت لنا مصاطب للعشق والتأمل. وإذا توجب عليّ أن أقول الحقيقة، فإن شارع الغرام كان الملاذ الوحيد لشبان النفق. وقد رأيتهم يتوافدون إلى هنالك اثنين اثنين، شبان كانوا فيما مضى ذوي مهن عديدة أو طلبة جامعيين؛ بعضهم عملوا في المسرح، لكنهم الآن باتوا بلا عمل؛ هجروا أقنعة الكوميديا والتراجيديا، يتأبطون مسرحيات بيكيت ويونسكو ومحيي الدين زنكنة.. وإذا كانت طقوس الإخصاب والزواج والولادة والختان قد شحتْ في النفق، فإن طقس القراءة هو الوحيد الذي بقي ملتصقاً بأرواحهم. وكنتُ أسمع بعضهم يردد عبارات معروفة من مسرحيات شهيرة، وأدركت صحة قول أحدهم بأن الممثلين يحيون في المسرح ويعيشون في الحياة.. كما أنني رأيتُ أحدهم يلوّح بمنديل ويركع على ركبتيه ويهز كتفيّ حبيبته بقسوةٍ مصحوبة بالدموع. ما أكثر ماجلستُ هناك مساءً، أفكر مع خليلةٍ حزينة تحت ضوء المصابيح الكابية في مغزى حياتنا، أو أداعب خصلة شعر شاردة من تسريحة ملاك جميل إنما ضائع، ملاك تقاسم معي ساعةً أو ساعتين من مساء خريفي رطب.. ملاك يلخص الشفافية كلها، والعذوبة كلها.‏

    ها أنذا أنجرف للحديث عن ملاكي، وزوجتي. ولا بأس الآن أن أحكي قصتي معها. اسمها ميلاد. شابة في الثامنة والعشرين. طالبة جامعية سابقة. كانت تدرس الإسبانية قبل تركها الدراسة. تعرّفت إليها من خلال لوح إعلانات للتعارف. الفتيات كن يعلّقن رسائل وردية مكتوبة بخط جميل. ميلاد كتبت رسالتها بالخط الكوفي "شابة في ربيعها الثاني والعشرين. تودّ التعرف إلى رجل ذكي ومثقف. شريطة أن يكون دون الأربعين وله وظيفة".‏

    ألواح الإعلانات تلك كانت وسائل فريدة للتعارف، والحق فقد عوّضت بعض الشيء عن النقص الفاضح في طرق التعارف بين الجنسين، بعد أن توقفت الصحف المحلية عن الصدور بسبب شح الورق.‏

    تأخرتُ عن موعدي معها. كانت تنتظرني في مقهى على رصيف جميل. ذلك المقهى كان ينيره مصباح واحد وضع فوق المنضدة. شيوخ وشبان يتناقشون بأصوات منخفضة في قضايا مختلفة؛ سياسية وغير سياسية. عرفتها فوراً. طويلة ورشيقة. فستان أخضر، إسباني الطراز. "خضراء، خضراء، أحبك خضراء".‏

    كانت جالسة في زاوية المقهى. تطالع ديوان شعر بالإسبانية، على ما أذكر. عرفتني. إحتسينا كوبين من الشاي المر. ودخنا سيجارتين. ثم خرجنا للتنزه.‏

    حدث ذلك في يوم إجازتها الأسبوعية. يوم سبت، على الأرجح، آنذاك كانت تعمل نادلة في مطعم للأكلات الشعبية. تلبي طلبات الزبائن بوجه باسم. تنحني بأدب جم وتسجل في ورقتها الصغيرة مايطلبه الزبون.. والحق، فإن نجاح ذلك المطعم يرجع إلى ميلاد ذاتها؛ خاصةً إذا عرفنا أنها النادلة الوحيدة هناك، يشاركها ثلاثة ندل نظيفون، يقفون كالحرس، تتدلى على أذرعهم قطع قماش ويمسكون بأيديهم عدداً من الملاعق والسكاكين الفضية. عبارات إسبانية جميلة كانت تفلت من بين شفتي ميلاد المقوستين على غير إرادة منها.. والواقع، كانت ميلاد تطالع كتباً بالإسبانية في أوقات فراغها، سواء في مقر عملها أو في غرفتها الوحيدة في نزل النساء. المطعم يخلو عادةً من الزبائن في ساعات العصر. تنزوي ميلاد في كرسي خيزران. تقرأ في كتابها وتدخن سيجارتها الأثيرة. ميلاد لم تكن تدخن كثيراً، حين تعرفت إليها. كما أنها لم تكن مغرورة أو كثيرة المطالب على العكس من معظم الجميلات اللاتي تعرفت إليهن. والحق، ميلاد كانت شابة واقعية، عاشت مصائب كثيرة، وأكسبتها الحياة جرأةً فريدةً.. ميلاد كانت تسمع عبارات الشكر والامتنان من الزبائن، لا بل إن بعضهم كان يترك لها بقشيشاً في صحن الخزف الصيني. وقد حكت لي وأنا أنطلق بها على دراجتي الهوائية إلى شارع الغرام أن أحدهم التهم عدة أطباق من الطعام لسبب وحيد ألا وهو أنه كان متيماً بها، وكان يريد البقاء في المطعم أطول فترة ممكنة.. ميلاد بالطبع أذهلها هذا الزبون الغريب، وأنها جعلتْ تكدس صحون الطعام على مائدته.. لم يكن الزبون شرهاً، إنما يبدو أنه قرر أن ينتحر، ولأنه لم يكن يتحمل تلك الكميات الهائلة من الأغذية فقد أُصيب بمغص معدي فهرع إليه واحد من أطباء الأرصفة، وساقه محلولاً أبيض سيء الطعم، فقذف مابجوفه من طعام. وبعد استراحة قصيرة، اعتذر عما حصل له. دفع ثمن الأطباق دون أن ينسى بقشيش ميلاد. ذلك الزبون الغريب الأطوار لم يعدْ إلى المطعم ثانيةً؛ لكنه على الأرجح ظل يحلم بها أعواماً طويلة. كان هو رجلاً دمث الأخلاق، خجولاً، وآثر على أن يعيش بعيداً عن نادلة المطعم التي ذهبتْ بعقله.‏

    أنا وميلاد استأجرنا دراجة هوائية من تلك الدراجات التي يستأجرها العشاق، قصدنا شارع الغرام.. ولما ضجرنا الجلوس على المصطبة، استلقينا على الرمل البارد جنب الحديقة اليابانية التي أبدعتها مخيلة خصبة برغم أن لامبالاة قاسية سادت جميع مواطني النفق نحو الأعمال الفنية. وأن أحداً لم يعد يكترث بما تتمتع به لوحة فنية أو نصب تذكاري من قيمة جمالية ناهيك عن صفة الخلود التي يمنحها الفنانون لكل أثر أصيل.‏

    ميلاد عملت موديلاً لرسام واقعي في سنتها الجامعية الأولى.. كانت تجلس قبالته على كرسي مرتفع ثلاث أو أربع ساعات يومياً.. لكنها مالبثتْ أن ألغت العقد معه بعد شهور خمسة.. الفنان الواقعي صار يطلب منها أن تعرض مفاتنها، "الجمهور لم يعدْ يفضل اللوحات المحتشمة". هكذا قال لها. كان يطلب منها مثلاً أن تكشف شيئاً من ساقها أو مفترق نهديها.. ميلاد تخاصمت مع الفنان، مزقت لوحته القماشية، رمتْ أرضاً علبتين من علب أصباغه، وخرجت من مرسمه.‏

    مرتْ هي بظروف مادية عسيرة في خلال السنتين الأوليتين في الجامعة.. فتاة لطالما، عاشت عشر سنوات من عمرها في دارٍ للأيتام؛ وعندما دخلتْ الجامعة شرعتْ تواجه واقعها الخشن. شابة طموحة، ذكية، قرأت كل كتب مكتبة دار الأيتام، حفظت أسماء كتاب عراقيين وعرب وعالميين. تخيلتْ البيئة البغدادية في خلال أحداث "النخلة والجيران". وذرفت الدمع حين طالعت بشغف "كوابيس بيروت". صفحات الرواية تبللتْ بدموع ميلاد، فتاة دار الأيتام، التي صارت فيما بعد حبيبتي وزوجتي. كانتْ تستقبلني خير استقبال عندما أعود من عملي، وتموسق عبارتها الإسبانية الجميلة: "ياروح قلبي!".. لم تستطعْ هي التخلي عن عملها في المطعم، خاصةً إذا عرفنا الاحتياجات المادية لزوجين شابين يعيشان في ظل ارتفاع أسعار المواد الأساسية، زوجين محكوم عليهما بأن يقضيا ماتبقى من عمرهما في نفق أُغلقتْ أبوابه الخمسة، وصارتْ الأحذية والملابس والكتب تنتقل من مواطن إلى مواطن. اليوم تشتري أنتَ قميصاً بثمن كتاب قديم، أما الآخر فيشتري عدة كيلوغرامات من البرغل بثمن القميص.. وهكذا دواليك.. إن عليك أن تعد كل تلك الأوراق النقدية الكثيرة، في خلال عمليات البيع والشراء.. ويتوّجب عليك أن تضيف، غالباً، عدة أوراق نقدية، على ثمن البضاعة المباعة.. أما إذا لم يكن بحوزتك شيء من المال، فما عليك سوى الذهاب إلى سوق المقايضات.. إذاً، سادتي، في نفقنا أسواق عديدة: سوق الجمعة، وسوق الثياب المستعملة، وسوق المشاهير.. أنا وميلاد ذهبنا ذات يوم إلى سوق المشاهير، أنا اشتريتُ حذاءً لـ إيف مونتان أما ميلاد فقد اشترتْ لوحة فنية صغيرة من مقتنيات أم كلثوم. كان وضعنا المادي جيداً، تقريباً، في خلال تلك الفترة، وصرنا نبذر نقودنا بعض الشيء.. لكننا مالبثنا أن بعنا كل ما اقتنيناه في خلال تلك الشهور القلائل التي تدّنتْ فيها الأسعار. فالنفق الذي نسكنه من سنوات عدة يشهد دوماً اضطراباً حاداً في الأسعار، لايمكننا أن نصفه كونه ارتفاعاً واقعياً أو طبيعياً مقارنةً بما يجري في العالم.. وإذا ما استخدمتُ الآن مصطلح ميلاد حين نعتته بكونه "ارتفاعاً تجريدياً"، فربما أكون بذلك قد اقتربت من الحقيقة فعلاً. كما شهد النفق أحداث كثيرة، وأمراض غريبة لم نشهدها قبلاً، وصرنا نرى مرضى يئنون في المنعطفات، ومجانين قذرين يجوبون الشوارع، يضحكون محمري الوجوه، ضحكات خرساء.. كما صرنا نرى شحاذين على درجات السلالم. كانوا فيما مضى شخصيات محترمة، شغلتْ في سابق الأيام مواقع وظيفية في مؤسسات ومكاتب ساهمت في ازدهار البلاد. عشرات من الشحاذين يموتون على الأرصفة، والسلالم، وفي الشوارع.. لابل حتى في شارع الغرام.. يبدو أن ذلك الشحاذ قرر أن يموت في هذا المكان الجميل، فدفع كل مايملكه لصاحب الدراجات. استأجر دراجةً، لم تكنْ تجلس وراءه عشيقة جميلة ولاقبيحة؛ حدبته هي التي جلستْ وراءه.. إلى شارع الغرام جاء الشحاذ.. التفتُ إليه، وكذلك فعلتْ ميلاد.. الواقع، ذلك المتسوّل الأحدب خطف انتباه العاشقين جميعاً. سمعتُ أحدهم يقول غاضباً: "اسمعوا ياناس، حتى شارع الغرام عمّه الخراب". الجميع جعدوا أنوفهم، وأشاحوا وجوههم عنه.. لكن المسكين مالبث أن هوى من على دراجته ميتاً.. الدراجة الهوائية اضطجعت فوق المسكين الأحدب على الرمل البارد.‏

    وأن أغرب حادثة جرتْ في النفق، في أثناء السنة المنصرمة، في الأقل.. هي أن طبيباً من أطباء الأرصفة، من يداوون المواطنين بأعشابهم الطبية، كان في طريقه لزيارة مريض قيل أنه مصاب بمغص كلوي. أعطوه العنوان مكتوباً بخربشة أشبه ماتكون بخربشات تلميذ ضعيف الكتابة.. الوقت ليل، النفق مظلم، أصحاب السلع والحوانيت أطفؤوا مصابيحهم، الشحاذون أطفؤوا ماتبقى من شموعهم وانزووا في جحورهم.. الطبيب اضطر لاستعمال بطاريته الكهربائية للوصول إلى مريضه، شيخ في الخمسين يعاني من يومين ألماً فاجعاً.. وماكاد الطبيب المسكين أن ينعطف في شارع فرعي صغير حتى هجم عليه كلب شرس ومزقه شر تمزيق. جثة الطبيب أمستْ وليمةً للكلاب السائبة في النفق.. بطارية الطبيب سرقها عابر سبيل، أما المريض فظل يعاني من الوجع اللعين طوال تلك الساعات القاتلة، دون أن يعلم أن الطبيب مات في الطريق إليه.‏

    أنا وميلاد أمضينا أجمل ساعتين من عمرنا، في ذلك اليوم الخريفي الرطيب.‏

    أنا وميلاد تقاسمنا سريراً وحيداً قبل أن نقرر الزواج. ومثلما أسلفتُ، لم تكن ميلاد كثيرة المطالب، لذا اشترينا أثاثاً قليلاً، وحوّلنا شقتنا الصغيرة إلى جنينة متواضعة ربما يحسدنا عليها كثير من أترابنا، أو أبناء جيلنا.‏

    أنا وميلاد عشنا سنتنا الأولى في وئام ومحبة نادرين. مع أنني كنتُ أغار عليها من عيون الزبائن الوقحة، وتلميحاتهم التي لاتخلو من المكر. الحق الحق كنتُ أخاف عليها أكثر من خوفي على مستقبلي أنا الذي بات معروفاً لديّ. موظف بسيط في بلدية النفق، عملي يقتصر على قياس مساحة المحلات العامة وتحرير إجازة ممارسة العمل، بعد أن يقوم صاحب المحل بدفع الرسوم التي تنص عليها القوانين السارية المفعول.‏

    ميلاد كانت تطمح بطفل جميل، تتفرغ لرعايته وتربيته وتترك ذلك المطعم الذي عملتْ فيه خمس سنوات أو ست.‏

    ولأن الله لم يرزقها بطفل، داهمتها نوبات قلق وحزن وكآبة.. غالباً، تكون النوبة في أشد حالاتها، بحيث تنهض من كرسيها الخيزران، وتمزق الجريدة القديمة المبسوطة بين يديّ. ميلاد تكره عادتي تلك.. هي تريدني أن أبعد عن وجهي الصحيفة الصفراء وأصغي إليها.. كنتُ أسمع، بطبيعة الحال، كل كلمة تقولها ميلاد.. لابل حتى الكلمات التي لاتقولها.. ولأني عاشرتُ نسوةً كثيرات فقد كنتُ أقرأ مافي عيونهن، وأتكهن بما يجول في خواطرهن.. ميلاد، واحدة من أعذب النساء اللاتي عشت معهن في خلال العقد الأخير من حياتي.. أحياناً، تعمد ميلاد إلى مشاكستي، فتثقب صحيفتي بنار سيجارتها المشتعلة، ثم تصيح بي: "دع الجريدة الآن، وإصغِ إليّ.." أنا أكتفي بالصمت، أجاريها، ابتسم بسمةً عريضةً، أقول مع نفسي: أي جميلة في العالم ترضى بزوجٍ صموت مثلي.. ألم تهجرني خليلاتي بسبب ضعف فصاحتي، واختناق الكلمات في حلقي.. ألستُ من حطم أفئدة العذارى بكلماته القلائل، ألستُ من سُفحتْ الدموع على ملاءات سريره، دموع العذارى اللواتي يثوي في أفئدتهن حب مخلص.‏

    الواقع بعض مواطنينا نفد صبرهم، ودفعهم حزنهم إلى أعمال يائسة. في خلال يوم شتائي بارد، شاهدتُ مئات الأشخاص، صبيان تركوا مدارسهم وعملوا ماسحي أحذية على درجات السلالم والأرصفة المغبرة، بائعات آيس كريم متبرجات تخالهن عارضات أزياء أو نجمات سينما أوفتيات إعلان، عاطلين عن العمل يستشعر فيهم المرء الرغبة في الحياة، مئات الأفراد ظلوا يقرعون الأبواب بقوة؛ حمى ضرب الأبواب هيمنتْ على الجميع.. أحدهم ضرب باب النفق الكونكريتي برأسه خلال نوبة هستيريا. الدم تدفق من رأسه مثلما يتدفق من نزف وريدي.‏

    في يوم خريفي آخر، بعد مرور عامين تقريباً، وقع حادث رهيب حطم صفاء حياتي. أنا وميلاد تسكعنا قبل وقوع الحادث في سوق الجمعة. اشترت هي قلم أحمر شفاه بلون الشمندر وفستاناً أخضر مائل إلى الاصفرار.. مازحتها قائلاً: "فستانك هذا يذكرني بأوراق الخس.. اللون نفسه والثنيات ذاتها". كما تبضعت هي قرطين صفراوين..‏

    كان يوماً هادئاً إنما حزيناً.. غادرنا شقتنا قبل الوقت المعتاد، أنا إلى بلدية النفق، وهي إلى مطعم الأكلات الشعبية.. أنا امتطيت دراجة هوائية، وهي قطعت المسافة إلى محل عملها، سيراً على الأقدام.. التفتتْ إليّ، وضعتْ أصابعها الطويلة البيضاء على شفتيها وقالت بالإسبانية‏

    (Hasta luego).. وقبل أن أضع قدمي اليسرى على دوّاسة الدراجة ألقيتُ نظرة عابرة على صورتها الجانبية.. في تلك اللحظة هبت نسمة باردة وحركت خصلة شعر سوداء منسدلة على أذنها اليمنى.. يومذاك كانت هي بفستان الخس الجميل والقرطين الصفراوين، أما شفتاها فكانتا بلون الشمندر (على فكرة كانت هي مولعة بعصير الشمندر).‏

    يوم عمل اعتيادي.. زبائن قليلون في المطعم. من أمام واجهة المطعم مرّ صبيان في العاشرة أو الثانية عشرة، يحملان صناديق تلميع الأحذية. كما مرتْ من هناك عربة آيس كريم تدفعها عجوز هرمة رثة الملابس وفتاة في ميعة الصبا تلبس سروالاً أسود اللون ضيقاً من الأسفل. بعدها بعشر دقائق تقريباً مر شحاذ قذر، ثم عاد ودخل المطعم. الشحاذ كان ظمآناً فسمح له صاحب المطعم الجالس خلف طاولته الصغيرة بالدخول.. الشحاذ جرع كوبين من الماء مع أن الطقس لم يكن حاراً، فالوقت خريف، ودرجة الحرارة لاتزيد على الثلاثين مئوي.. وبعد أن مسح شفتيه وشاربيه الكثين أزاح كرسياً وجلس حذراً خلف إحدى المناضد.. الواقع، جلس هو إلى إحدى الموائد التي كانت من مسؤولية ميلاد.. لم تشأ هي الحديث معه، لكنها طلبت من زميلٍ لها، نادل نشيط ولبق، أن يطلب منه الخروج فمظهره المزري يضر بسمعة المطعم، وإذا ما كان هو جائعاً فعليه أن يأتي بطبق فارغ كي يزوّد بالغذاء. النادل النشيط ربّت على كتفه ثم قاده إلى الخارج.. الشحاذ أذعن للأمر، مع أنه تمتم بكلمات تنم عن إحساسه بالإهانة والذل.‏

    ميلاد تغادر المطعم في الثالثة بعد الظهر، ثم تعود إلى المطعم وقت العشاء، سبع ساعات عمل صباحاً وثلاث ساعات مساءً. عمل مرهق، ستقولون حتماً.. نعم، ميلاد أنهكها الإعياء بحيث أنها كانت تحس بالضجر والتبرم؛ لكن مامن خيار آخر في النفق المغلق.‏

    خرجتْ ميلاد متعبة من مطعمها كعادتها في كل يوم، مخفضة الرأس، تحدّق في آجرات الرصيف التي تمر فوقها يومياً أمواج بشرية ضائعة، حزينة إنما لا تفارقها تلك الرغبة الغريزية في البقاء والعيش والتحمل برغم كل المعاناة التي تكابدها يومياً. وفي زاوية أحد الشوارع، اصطدمت بالشحاذ الذي جرع الماء في المطعم. بانتْ على ملامحها سيماء الاشمئزاز، وقبل أن تستطيع هي التنحي عنه، غرز سكينته الصدئة في قلبها.. تهاوتْ ميلاد أرضاً، وسال دمها على الرصيف، وبينما كنتُ أتأهب لمغادرة مبنى البلدية كان "قلبها المطعون يتأهب للموت".‏

    حكيتُ لصديق الدراسة كل ماجرى لي في السنوات الأخيرة. استرجعنا كل الأفعال الصبيانية التي قمنا بها خلال سنوات القسم الداخلي. قرأنا مقاطع ظلتْ ملتصقةً بذاكرتنا من "سيرة التفاحات الأربع".. تذكرنا معارض الفنون التشكيلية، وقناني البيرة المضببة في الحانات الخافتة الأضواء.‏

    "هوّن عليك.. حشر مع الناس عيد".‏

    كلام صديقي لم ينفعني فتيلاً. لا عزاء لرجل فجع بموت ملاكه. مواساته لم تستطعْ أن تمحو ذكرى أثيرة واحدة من ذكرياتي مع ميلاد.‏

    إني، الآن، جالس في شقتي، وحيداً، أكتب قصتي هذه على ضوء شمعة اشترتها ميلاد لعيد زواجنا الثاني.. اليوم يصادف الذكرى السابعة لرحيلها.. سبعة أيام، أو سبعة أسابيع، أو أشهر أو سنين.. هي ذي أشياء ميلاد من حولي. منشفة الحمام البرتقالية، صنارتا الحياكة رماديتا اللون، ديوان "أنطونيو ماتشادو".. حاجيات ميلاد ماتزال في مكانها.. لم أجرؤْ على مسها.. بعد قليل ستأتي هي.. المنشفة ماتزال رطبة. الصنارتان متصالبتان، إحداهما مغروزة في الكم الصوفي.. ريشة طائر وسط الديوان.. بعد رحيل ميلاد لم تدخل شقتي شابة أخرى. ميلاد آخر النساء في حياتي.. وهي، حتماً، أول النساء أيضاً.‏

    ولأني أريد أن أحتفي بغيابها الفاجع، فقد اشتريت زجاجة عصير الشمندر.. و ضعتُ الزجاجة على الطاولة التي أكتب عليها الآن.. ثم أتيتُ بكأسين من الزجاج. سكبتُ كأساً لي وأخرى لها.. ميلاد تجلس قبالتي الآن، تقرأ بالإسبانية قصيدةً لـ بابلو نيرودا. صوتها ينبعث حزيناً:‏

    "مانفع الأشعار إذا لم تكن للندى‏

    مانفع الأشعار إن لم تكن لهذه الليلة‏

    التي يخترقنا فيها خنجر مر‏

    لهذا النهار، لهذا الغسق‏

    لهذه الزاوية المحطمة‏

    حيث قلب الإنسان المطعون يتأهب للموت؟"‏

    أرفع كأس الشمندر إلى فمي، وقبل أن أقلبه في جوفي، تنسكب دمعتان كبيرتان في كأسي (هل جرب أحدكم أن يشرب دموعه، هل جرب أحدكم أن يلعق دمه)..‏

    ميلاد تجلس قبالتي الآن، شفتاها بلون الشمندر، فستانها الأخضر اتسخ قليلاً.. ميلاد تنفض الغبار عن فستانها، لم يكن هنالك أثر للدم القاني على ورق الخس.‏

    الدنيا ليل، الغرفة شبه معتمة. أنا وميلاد، الآن، نحتسي الشمندر.. كلانا صامتان.. ميلاد هي الأخرى أمستْ امرأةً صموتاً.. الصمت أمسى صفتنا المشتركة، هوايتنا المشتركة. أنا وميلاد صرنا لعبة الصمت.. ومع أنني مارستُ ألعاباً كثيرةً في حياتي، إلا أن لعبة الصمت هي اللعبة الوحيدة التي تناسبني الآن.. لعبة الصمت، أمارسها يومياً، كالصلاة، كالنيرفانا، كاليوجا.. كلما سكن الليل خلف الشبابيك الموصدة.. ففي الليل تنشط روحي، وتهيج في أعماق قلبي المدمى الذكريات.‏

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()