أنا المدعو (س)، وعملاً بمبدأ، كل مواطن خفير. أخبركم، أنه وبحكم عملي، كحارس لمؤسسة الحبوب. لفت انتباهي، وقوف أحد الأشخاص، أمام سور مركز البحوث الاجتماعية، المجاور. كل يوم. وفي وقت محدد. صباحاً، وعصراً.. تحديداً. قبل دوام الموظفين، وبعده. ورغم مراقبتي له، وبعناية. ومنذ أسبوع. إلا أنني لم ألمس منه، أي تصرف، مريب. سوى استغراقه، في وقفته، مدة قد تصل إلى.. نصف ساعة. وخوفاً من حدوث، أي شيء. ورفعاً للمسؤولية.. أتقدم بهذه الأخبار.. سيدي.
*الكمين
اتخذ رجال الدورية، الخمسة، أماكنهم. في الساعة السابعة صباحاً. اثنان فوق سطح المركز. واثنان، توزعا حفرة، وخلف كومة تراب، في الأرض الفضاء. والخامس كمن، في الشارع، الذي يمر منه، المواطن المشتبه، به.
قبل نصب الكمين، بساعة. قامت الدورية، بدراسة الموقع، بعناية. فالمركز. ببنائه المرتفع، السميك، الكابي اللون لم يكن له أي منفذ، على الأرض الفضاء، التي تقع خلفه، مباشرة. سوى باب حديدي، صغير. مغلق على الدوام. وقد شوهه الصدأ. أما الأرض الفضاء. فكانت شاسعة. يحيط بها، سور من القضبان الحديدية، العالية، السميكة. ولما كان الوقت. في بداية الربيع، فقد غطى العشب الكثيف الأرض. وكذلك الزهور البرية. وحسب الأخبار. فإن المواطن، المشتبه به. كان يقف دوماً، خلف السور، في الشارع المحاذي.
في السابعة والنصف. قدم المشتبه به. كانت مشيته طبيعية. وعندما توقف أمام السور. لم يقم، بأي تصرف، مريب.
أخذ رجال الكمين، بملاحظة تصرفات، المشتبه به، بدقة. ها هو ذا يقف، مرتكزاً على قضيبين، من قضبان السور. ثم يقوم بإدخال وجهه. بين قضيبين آخرين، في الوسط. ومن ثم أخذ يقوم بعملية تنفس، عميقة. تشبه تلك العملية. التي يقوم بها ممارسوا، رياضة الصباح. على سطح المركز. قال رجل الأمن، لزميله:
-هل تراه، يدخن (حشيشاً).
رد زميله، وهو يدقق النظر:
-لا أعتقد. فيداه، مرفوعتان، إلى الأعلى.. ولا دخان هناك.
وأعطيا الإشارة، إلى زميلهما، في الشارع، الذي هجم على المشتبه به، من الخلف.
* إفادة المشتبه به
أنا موظف. على أبواب التقاعد. اتخذ طريقي، إلى عملي، عبر الشارع الذي يجاور المركز. في أول الربيع. استوقفتني نسمة، هبت من تلك الحديقة الطبيعية، المنسية. خلف المركز. وجدت نفسي. فيما يشبه السحر. أعود، عشرات السنين، إلى الوراء. إلى قريتي، وسحر أرضها في الربيع. وتلك الرائحة، التي لا يمكن وضعها، في قارورة عطر. فهي مزيج من كل شيء. من التراب، حتى النسيم. عندما أقف في هذا المكان. خلف سور المركز. واتنسم عبير، تلك الأرض البكر. المحروسة، بتلك الأسوار العالية. والتي حمتها، من عبث الناس، والآلة.. حتى الحضارة. أعود إلى الماضي. وكل شيء جميل.. فيه. وإذا كنت بدوت، لرجال الدورية، مثل رجل (مسطول) فقد فتشوني. ولم يجدوا معي.. مخدرات. حتى إني لا أدخن التبغ. وهذا هو السبب، في أنني ما زلت احتفظ، حتى الآن، في ذاكرتي الحسية، برائحة الطبيعة، في قريتي.. بعد عشرات من السنين.
* معترضة
ذاع خبر الكمين. فقد تصادف وجود بعض المارة. عندما أطبقت الدورية، على المواطن المشتبه، به. وبالتالي ذاع سبب الكمين. فأخذ الناس يتوافدون، على مكان الحادث.. بدافع الفضول، أول الأمر. ثم أصبح المكان، مزاراً.. لكل الناس.
* المزايدة
رست المزايدة، على رجل الأعمال.. عامر الطباخ، وشركاته السياحية. ومثلما يحدث في تلك المشاريع، بالذات. فقد سد الشارع، بمواد البناء. وهدمت عدة مواضع، في السور، السميك، لتمر منها الآلات الضخمة. وأخذت خلية من المهندسين والعمال، في إشادة فندق يحمل (خمس نجوم) على أرض المركز البكر. وقد واكبت حملة الأعمار، حملة دعائية في (التلفزيون) شعارها.. العودة إلى الطبيعة..
***
بعد ألف يوم.. ذهب المواطن، المشتبه به، لحضور حفل افتتاح فندق (رائحة الطبيعة) بعد انجازه. فوجد بأن تكلفة الدخول إليه، تعادل راتب شهر.
دار حول الفندق، إلى حيث كان يقف سابقاً. فوجئ بوجود، سور عال، حول المكان. من الحجر الصلد، السميك، بارتفاع بناية.
غادر الشارع، والدموع، تجول في عينيه. فقد اكتشف أنهم سرقوا منه.. حتى الهواء.