بتـــــاريخ : 11/20/2008 9:39:02 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1672 0


    الزوجة والبحر

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : ماري رشو | المصدر : www.awu-dam.org

    كلمات مفتاحية  :

    كان الجو حاراً، رغم بعض النسمات الصافية.. تمتم زاهي: (هذا يوم جميل) البحر، الشمس، الرمال. هكذا أحب نهاره، وهو يستلقي إلى جانب زوجته التي تحرّرت من قيود الملابس، وراحت تستمتع بالشمس.

    ثمّة موسيقى تتسرّب من هنا وهناك.. فكّر (إنه البحر.. فسحة للفرح، وحالة للتغيير) لقد اعتاد بين حين وآخر على هذه الأجواء. حيث الأولاد يمرحون، والصبايا ينطلقن بلا قيود، أو يبتهجن حين يلامس الماء أجسادهن، وحيث يتحوّل الكبار إلى أطفال، يتراشقون كرات الرمل، أو رذاذ الموج.‏

    أغمض زاهي عينيه. نسمات دافئة تلامس جسده، وشعور بالانتعاش يسري في جنباته. خيّل له بأنه يركض، يلعب. باستطاعته رمي نفسه إلى أعمق نقطة في البحر. هنا يتذكّر سنوات المراهقة، والحب. يحلم بالحبيبة، يناديها، يركض وراءها، يسقطان في الماء، يغوصان، يكرّران اللعبة. تصبح الأشياء أجمل، تختلط الابتسامات بدفء الشمس، ورذاذ الماء. دائماً يشتاق للحب، لحضن الحبيبة، سيرمي في سمعها كلمة غزل، وربما اقتنص لمسة، أو كلمة، أو كليهما.‏

    هكذا ينقله البحر إلى حالات من الصفاء، يجدّده، يحييه، فيتدفّق شوقاً، البحر عالم من حياة، من فرح وبهجة، له خصوصياته، وأحلامه، بعيداً عن اليابسة. هنا تتقاعد المدينة، تصبح نائية، بهمومها ووجعها، يشعر في كل مرّة بالتفاؤل، والولادة من جديد.‏

    تحرّكت زوجته. رفعت نظّارتها. ضمّت أجفانها. اختطفت نظرة من المحيط، من الشمس، من الشاطئ. بدت وكأنها تلتقط الصور، ثم عادت للإغماضة من جديد.‏

    مرت الساعة الأولى. كل شيء هادئ، عدا صوت الأمواج، والموسيقى الهادئة. راح يتأمّل ما حوله، الأطفال، الصبايا، الشبّان. لفت انتباهه شاب، لوّحت الشمس جسده، يبدو مغروراً بمشيته، فيذرو الرمال مع كل خطوة، يتلفّت ذات اليمين، وذات اليسار، وحين يتوقف، يثبت في الأرض كجذع صلب، ويمسح البحر والشاطئ بنظرات طويلة وغامضة. لاحظ زاهي أن الشاب مفتون بنفسه، بعضلات جسده، وربما بلون بشرته. أشاح مبتسماً. فكّر بعذوبة الموسيقى والبحر. أغمض عينيه، وعاد للاستلقاء.‏

    جميل كل شيء. فكّر زاهي وهو يستمع إلى حركة البحر، وخطوات الشاطئ، نسمات ووشوشات تعبر سمعه، فينتشي. كانت الحرارة تتصاعد، وثمة وجوه وأجساد تتدفق. كان الشاطئ والبحر يغصانّ بالبشر، كل يبحث عن الهدوء، والاستمتاع بالدفء، إلى أن تحوّل المكان إلى لوحة تغصّ بالحياة.‏

    في غمرة ما هو به، كان زاهي يستمع إلى خطوات العابرين جيئة وذهاباً، ويروق له تآلفها وتداخلها مع أنغام الموسيقى العذبة، فتأتيه كالهمس، كان يعدّ الخطوات ريثما تبتعد، خطوة.. اثنتين. ثلاثاً. أربعاً. ويعود للعد من جديد، هذه المرّة أتت الخطوات أكثر جرأة، فقد صفعته النسمة مع الرمل المتطاير، حاول متابعة العد، توقف، أصغى السمع، كان صوت الخطوات قد توقف، حسب مسافة آخر خطوة، أجفل، فأحد ما على مقربة، فتح عينيه على عجل، طالعه الشاب الذي كان مفتوناً بعضلات جسده، وهيِّئ له، أنه أكثر ضخامة، كان زاهي يراقبه، وكان هو منشغلاً عنه بأمور أهم.‏

    مازالت الزوجة مستسلمة للإغماضة، نظر زاهي إليها، وعاد للشاب الذي على ما يبدو قد فتن بها. لم يصدّق زاهي في البداية، تابع مواقع نظراته، كانت عيناه على الخصر، ثم الردفين، فالساقين، وحين هبّ واقفاً، كان هذا يغادرهما، وكأن شيئاً لم يحدث.‏

    مشى زاهي بضعة أمتار. توقف. شعر بأن الشمس ترسل نارها. جسده ينضح عرقاً، ويشتعل مع كل خطوة. أكثر من الحركة، وقد عجز عن التفكير. زوجته في إغفاءتها الهادئة، والشاب قد غاب بين الأجساد، وهو الذي حلم بالهدوء. شعر بأنه حبة رمل تذروه الرياح.‏

    عاد إلى مكانه. جلس قرب زوجته وقد عقد ذراعيه. تفرّس فجأة في جسدها. كررّ ذلك عشرات المرات. شعر صعوبة في التفكير. بدا كل شيء تافه. الوقت. الاستمرار. مرّت أمامه إحدى الصبايا، لاحظ تناسق جسدها، جمال خصرها، غادرها ببساطة. كان يراقب تفاصيل زوجته. هاجمته الذكريات، اللقاء الأول، الثاني. هاجمته نظرات الشاب. شعر بالغضب.‏

    تململ. نفض الرمل عن جسده. تأفّف. ضرب كفّاً بكف. حاول إصدار أكثر من صوت، ونظر إلى زوجته التي لم تحرّك ساكناً. شغل نفسه بعقد المقارنات، قبل مجيء الشاب وبعد مجيئه، تأفّف بعصبية، وراح يرسم فوق الرمال أشكالاً، ويمحوها ثانية، حاول الانسجام مع صوت الموسيقى، مع النسمات الدافئة، تلك اللحظة لاحت منه التفاتة، وجد الشاب عن بعد، يتنقّل أو يقف، راح يراقبه بلونه الداكن الجميل، بمشيته الواثقة، إنه يطيل النظر إليهما، وربما يتّجه نحوهما. شعر بالغضب. نظر إلى زوجته، فكّر. هي ملك له، يحارب من أجلها، يقاتل من أجلها. ألقى نظرة عليها، كم هي رائعة؟ وأجمل نساء الشاطئ.‏

    اقترب منها هامساً:‏

    - هل أنت نائمة؟‏

    - لا.‏

    - الشمس محرقة. انتبهي.‏

    - ....‏

    - بشرتك بيضاء. قد تحرقها الشمس.‏

    - ....‏

    هل تسمعين؟‏

    - يا إلهي.. ما بك؟‏

    - اعتقدت أنك ضجرة.‏

    -لا.. إن كنت ضجراً، اذهب إلى الماء.‏

    - وأنت؟‏

    تأففت. غيّرت من وضعها. سقطت حبّات رمل من أماكن متفرّقة. أحكمت وضع نظارة الشمس، وعمّ الهدوء.‏

    أحسّ زاهي بالقلق، الثواني طويلة، والوقت بطيء. راح ينقّل نظراته هنا وهناك.‏

    لأول مرة يكتشف تفاهة قتل الساعات، إن كان ذلك تحت الشمس، أو في الماء، أو فوق الرمال.‏

    استفاقت المدينة بجمالها. أصبح بيته أهم أماكن الراحة والهدوء، لكن! كيف سيبرّر لزوجته قراره المفاجئ؟ ماذا سيقول لها؟ أطال النظر إليها، وعاد يراقب الشاب الذي غيّر مساره، وانخرط بين الأجساد المنتشرة في كل مكان.‏

    في غمرة ما هو به، سحبته جلبة وأصوات. رفع رأسه. كان بعض الشباب يتجمّعون تباعاً. لاحظ وجود الشاب بينهم، ولاحظ أنه يغيب بين الأجساد ويظهر. ويرفع ذراعه أو يسقطها. يحني رأسه ثم يعود للظهور. خفق قلب زاهي. نهض. أسرع لمعاينة ما يحدث. وعن كثب وجد الشاب يتلقّى الصفعات، بين تهديد وتوعيد، إذ لم تنج امرأة أو صبيّة هذا الصباح من معاكساته، وغسْل جسدها بنظراته الدنيئة.‏

    همّ زاهي بالمشاركة، وصفْع الشاب كان قلبه يخفق بقوّة، وقدماه تتقافزان بجرأة. إنه معني كغيره. سيلقنه درساً لا ينساه. إنه يشتاق لشتمه، وصفعه، وكان يهجم ليحقق رغبته. حين تعالت فجأة أصوات، وموسيقى، وخرج من الصالة القريبة رجال ليسوا بلباس البحر، أسرعوا نحو الجلبة، وبهدوء فرّقوا الناس، فالشاب مريض، وضعيف الإدراك كما تثبت تقاريره الطبّية.‏

    ابتسم الشاب للجميع، وبين لحظات الغضب والتحفّز والذهول. انتابت زاهي موجة من الضحك. ضرب كفاً بكف وقد تهدّلت ذراعاه. عاد أدراجه نحو زوجته التي كانت تجلس متصالبة الذراعين. ترقب المشهد بابتسامة عذبة، فبدت بعينيها الصافيتين المندهشتين أقرب للطفلة، أما وجنتاها الملوّحتان بدفء الشمس فكانتا أكثر نضارة. تذكّر يوم التعارف الأول. تمتم في سرّه: (مازالت جميلة). ابتسم للملاحظة. أدار وجهه للشمس. تمتم ثانية (فسحة للراحة.. وحالة للتغيير). ألقى نظرة أخيرة على الزوجة المستسلمة باطمئنان. كرّر الملاحظة (مازالت جميلة) هزّ رأسه، واستسلم للإغماضة من جديد.‏

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()