بتـــــاريخ : 11/20/2008 8:58:11 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1061 0


    هــذه الــهمـــوم

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : مســعود بوبو | المصدر : www.awu-dam.org

    كلمات مفتاحية  :

    تلك المضارب القبلية الموزعة على خارطة القلق العربي مشغولة اليوم بظاهرة جديدة تبدو للعاقل كأنها لون من التفريغ النفسي، وتبدو لمن لم يحتكم إلى العقل كأنها لون من الحلم يولد في ليل الوهم، وينمو ويتلون، ويمتد إلى الجغرافية فيعيد رسم الحدود ويعززها، ويمتد إلى التاريخ فيعيد روايته وصياغته ويلبسه حللاً من المهابة والعراقة ينفرد بها.. ثم يصبح الحلم عصياً وفوق مقدرة الحالم على الإحاطة بتفاصيله وأبعاده.. وتتجلى للمتأمل طبيعة هذا الحلم في النزوع المتنامي عند بعض المشتغلين بالثقافة العربية إلى تعزيز القطرية أو المحلية، والسعي إلى إبراز كل مايتصل بهذا القطر أو ذاك على أنه ملمح خاص متميز لا يشركه أو يدانيه فيه قطر عربي آخر. حَمَلةُ هذه الأفكار والمشاعر والأحلام ترسخت في ذواكرهم قيود الحدود فباتوا أسرى فكريين لها، مستعدين للجهاد في سبيل: "ترسيمها"، وهم ينشدون: "هدم اللّه مابنوا من حدود"، أمثال هؤلاء لا تنقصهم الحجة ولا يعوزهم التحليل المحكم السديد وهم يستخلصون العظة من التاريخ الذي كان ضحية فكرة "فرق تسد"، ثم ينصرفون إلى البحث عما يبدو صالحاً لتوظيفه - على أي وجه- لصالح تعزيز القطرية، وتصعد إلى راحتي أية صحيفة أو مجلة عربية عبارات تذكرك بدعوة "الفرعنة" التي نبذها العرب في وقت مبكر عبارات مثل: مصرنة القصص الأمريكية، أو لبننة القضية، أو يمننة التراث ولو أسعفتهم الصياغة لساقوا لك شيئاً من ذلك منسوباً إلى أقطار عربية أخرى.. ولعل العدوى هي التي جعلتك تسمع من بعض الإذاعات العربية ألفاظاً مثل: الإنسان العماني، والإنسان القطري، والإنسان التونسي أو العراقي!! وبمثل هذا "تزلَّف" واحد من العلماء لمسؤولي دولة عربية في محفل علمي مهيب فخطب يقول: "إن الحضارات تتميز بصفتين بارزتين، حضارة بحرية، وحضارة برية، وهذا البلد ينفرد في العالم بأنه يتميز بحضارة بحرية وبرية! فأي قطر عربي -إذا ماشينا هذا العالم العبقري- لا يطل على البحر؟؟ ثم تنسب إليه حضارة بحرية؟‏

    إن محاولة توسيع هذه البقع المعزولة وإضاءتها وحدها ستبقيها باهتة ولن تكون نقوشاً زاهية مالم ينتظمها ثوب الحضارة العربية كلها، ولن تبدو مقنعة إن لم نَعْزُها إلى "الإنسان العربي" بهذه الصفة المطلقة من بغداد إلى الأندلس، ومن دمشق إلى صنعاء، كما عرفها العالم كله وسماها.. ومثل تلك الهموم والاهتمامات الضيقة التي يطيب لبعضهم معاودة تصعيدها ستُلْجئ شعار الوحدة العربية الذي نشأنا على تقديسه إلى الذاكرة، وستنشئ جيلاً عربياً تتقوى في نفسه الأفكار التقسيمية التي خلفها لنا من خلفها في كيانات هزيلة على حدتها، كيانات تؤرق العقل العربي وتتركه نهباً للضعف والتمزق والتعصب القطري الذي يذكر بالعصبية القبلية وويلاتها في جاهلية العرب، وإذا لم نتنبه كيف نفكر ونعبر عن هذا بحذر فسنخطو الخطوة الأولى نحو التسليم بأن مفهوم العروبة مصطلح رمزي للشخصية العربية التي تقيل تحت ظلالها مجموعة من "الأناسين" واثنتان وعشرون من الدول، أو من "القارات" العربية.. وإذا لم نتنبه ونحذر قبل فوات الأوان قد نسمع أونقرأ مستقبلاً عبارات مثل الأمة الموريتانية أو الأردنية أو السورية...‏

    إن الترخص في الجزئيات أحياناً يفضي إلى الترخص في الكليات، وعدم استشراف معالم الطريق بدقة ويقينية قد يفضي إلى المتاهة والضياع

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()