بتـــــاريخ : 11/20/2008 8:53:53 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 545 0


    الشـــــاعــر

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : . مســعود بوبو | المصدر : www.awu-dam.org

    كلمات مفتاحية  :
    الشـــــاعــر مســعود بوبو

    قال الشاعر في ارتياح عميق: هذا متنهد للتواصل الحميم.. طوال النهار وأقدامنا تغوص في الرمال، وأرواحنا تتصدع بالعطب، ونصبر تحناناً لليل.. فيالوداعة ليل السلوان..أَذِّنْ بالناس إلى الليل...‏

    تتعلق بوجهه العيون وتبحر: يهيم بالانطلاق والقلب متعب، وفي نفسه ينتصب ليل من الهجير محتشداً بالرمال والفلوات.. تأتلق عيناه وشفتاه بالأغاني، وأصابعه تنفرد فوق المائدة حزمة من سنابل القمح.. ينهض من قرارة الجلسة زنبقةً تفيض طيباً وشذى، وكالنورس المرتحل يلامس المرافئ ويمضي..يسراه فوق قلبه وعيناه مخضلتان بلؤلؤة الحزن النبيل... تقلق الكلمات على فمه كعصافير مترددة مذعورة، يفر بعضها وبعضها ينكفئ إلى الداخل مكسور الأجنحة ليدخل في عش الضلوع وينتظم حبة في سخاب الحسرات الكظيمة.. تقاطعه كأس عاشقة تعبر مسافة الصدر إلى شفتيه، تخطف قبلة تعود مكانها فتومئ مِنْ حوله فرقة الصحب بنشيد قدسي "هللوليا"... وتتشرب، القاعة الصدى... وكالمظلة الهابطة من السماء تستقر الايدي على المائدة.. بأصابع رشيقة وخجولة يمسح ندى العينين، وتسقسق في مضيق الصدر غدران الوجع.‏

    "وطن يمتد من رؤوس الأصابع إلى سفوح الرؤوس.. ينبض في مسار الأوردة ويخضر في الحلم.. تشهق راياته كالشُّهب ويعتلي المدى أمنية لا تطال.. وطن لا تدري كيف يبتدئ ولا أين تنتهي أمواجه.. الضفاف أبعد من مرامي البصر.. وتسأل نفسك: أمنفي فيك أم أنت منفي فيه؟! أمن الزمان يرحل كل منا إلى الآخر أم من المكان؟! آه ياوطن الحيرة والعشق والاغتراب.. لو أن يدي تطولان هذا الوطن، تضمِّدان جرحه المعطر بدم الشهداء.. تخفق فيه الريح ولهى وبرءا للوجع.. لو أن هذا القلب الصغير يتسع له ولكم.. وللأطفال يلعبون في استراحة الحقائب المدرسية، ومع كل لفتة يتفتح في الوجنات الورد.. وعلى الأرصفة تخضر الأغاني وتورق ظلالاً وأيادي تتشابك وتمضي.. لو أن الوطن يدخل في قيامة الشعر لكان كل واحدة منكن.. كل واحد منكم... منهم.. يصير الوطن الملاذ.. الوطن الحب، القدوس، الديمومة.. ولكن، واقلباه! أحس الوطن هجرني.. ألتمسه موزعاً بين شقاء الطفولة التي اغتصبتها الأمراض وبين الخيبات وصوتها، وصداها، ونزعات الامتلاك.. يغادرني الوطن في باخرة حملت عينيها الأنيستين وارتحلت... يخلفني في شرفة الليل ويذهب لحضور الولائم واعداً بالرجوع... ينقضي الليل، زوجتي في الداخل تقرأ القرآن وأنا منتظر حتى الفجر، ولا يرجع الوطن أبحث عن اسمه في الدفاتر والذواكر والكتب فأجدني قلقاً منهوباً بين الحقيقة والوهم.. أتقرى جبهتي وقلبي وأرنو فتتصعَّدني رعدة الفرح الكلي، أكاد أقول: ها أنا ذا يغمرني الوطن.. وبغتة تبترد جبهتي، ويخنقني ضيق لا أدري مأتاه، ويصير التنفس صعباً، والمداخل مغلقة، وكذا المخارج، فأناديكم... أبحث في وجوهكم عن الوطن.. كيف باللّه تطاوعكم قلوبكم ألا نلتقي سوى مرة في العام أو مرتين؟! أحياناً يغتلي في نفسي شوق إلى الصلاة، أخرج ملثَّما بالهموم والجراح أطوف في الشوارع أتعمد بالنسيم البليل وأتيمم بالصعيد الطيب مضمخاً بشميم التربة بعد المطر.‏

    تمر بي الأشجار وتنسحب إلى الخلف، أبارك العشاق المتمهلين وألقي عليهم تحية المساء فيبتعدون وجلين كطيور القطا.. تصير الصلاة على شفتي تصفيرةً، أغنيةَ ترجيعِ ذكريات.. فأسرع أحث الخطا وقدماي تغوصان في الرمال.. أتشهى قصائد يغسلني تسكابها ويغسل الأرصفة والنفوس.. أتحرق لأصير شهقة أغنية، سحبة وتر وأنكسر، خفقة جناح وأهوي، جرح غيمة صعقها البرق، سهماً يثقب هذا الحصار ويبتعد.. صوتاً يستبيح كل هذه الشرفات العالية.. ويبقى..‏

    أحبائي.. نحن حباحب هذا الليل.. كل منا يضيء بحسبان.. لو تقاربت أضواؤنا لانجلى هذا الليل ألاّقا بهيّاً.. ينبغي لوجعنا أن يؤرّق هذا الليل العربي.. فالصحراء بغير الأصوات تموت..‏

    أتعبتكم؟.. حسناً أنا ربيعة بن مكدم، أموت ورمحي في خاصرتي.. وأنا ابن تيمية، جنتي في صدري.. فظلوا صامتين.. سأبحث في الحلم عن وطن آخر... وعن ندامى أكثر أنساً، وأعمق حزناً.. أنا رماد العنقاء وكمد الحبارى... فضعوني في أصيص عتيق وانتظروا.. من الطين والتراب والرماد سأخرج بعد حين، زهرة كالأفق المدمى تتزاحمون على قطفها فوداعاً الآن.‏

    ببهاء لا يُرْوَى وعلى ريث وتمهل يمضي الشاعرنحو كنبة في طرف القاعة.. يستلقي بأناة، يفرش ذراعيه كقطبين ثم يضمهما إلى صدره، يورق وجهه بأغنية لا تُسْتَجلَى، ومن شفتيه تخرج سنونوة صغيرة تقول: زملوني.. ويغفو...‏

    كلمات مفتاحية  :
    الشـــــاعــر مســعود بوبو

    تعليقات الزوار ()