بتـــــاريخ : 11/19/2008 8:33:47 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1046 0


    حريق

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : مصطفى فاسي | المصدر : www.awu-dam.org

    كلمات مفتاحية  :
    قصة حريق مصطفى فاسي

    على الرغم من أن الجو خريفي في هذا اليوم فإن السماء كانت صافية وجميلة، كما أن الطقس كان أقرب إلى الحرارة.‏

    كان هدوء مابعد الظهيرة يسود الحي الكبير، بعماراته المتناثرة هنا وهناك عدا طفلين يحدثان بعض الحركة، وهما يتبادلان قذف كرة تبدو أكبر من الحجم الضروري لسنهما، كما كانت تصدر منهما من حين لآخر عبارات وصيحات لا تلبث أن تذوب قبل أن تقطع عشرات من الأمتار.‏

    وفي انهج الحي الصغيرة، وساحاته كانت تقف متفرقة مجموعة من السيارات ذات الأحجام والألوان المختلفة، كان من بينها عربة صغيرة، يبدو من خلال مظهرها أنها أقدم تلك السيارات جميعاً، كان قسم كبير منها مصنوعاً من الخشب، بينما بقية أجزائها تتكون من حديد متآكل، وعلى هيكل جانبيها، وفي مساحة اختيرت بشكل جيد ودقيق بسبب سلامتها من الصدأ كتب بخط أسود متواضع ومشوش أيضاً العبارة التالية: (أجمل الأسماك، بائع متجول).‏

    كان الطفلان مايزالان يتقاذفان الكرة عندما لفت انتباه أحدهما دخان متصاعد من العربة الصغيرة، فتوقف اللعب عندما أمسك الكرة بإحدى يديه وهو يشير باليد الأخرى إلى مصدر الدخان: انظر...‏

    نظر الطفل الثاني إلى السيارة، ثم طاف الطفلان بنظريهما على جهات الحي الأخرى، وجريا بعد ذلك ليقفا على بعد أمتار من السيارة التي بدا أن الدخان المتصاعد منها قد ازداد كثافة عن ذي قبل.‏

    بعد قليل كان يقف بجانب الطفلين أطفال آخرون ينظرون في صمت، كما بدأت تفتح النوافذ، ثم الأبواب ليخرج منها كثير من الرجال الذين قطعت النار المشتعلة نومهم لما بعد الظهيرة، كانوا بمجرد خروجهم من بيوتهم يتجهون مباشرة، وفي هرولة نحو الدخان الذي يزداد كثافة في كل لحظة، ثم مايكادون يقتربون منه حتى يقفوا مبهوتين فاغري الأفواه، مفتوحي الأعين عن آخرها.‏

    عندما انتقلت النار بعد عدة دقائق من الكراسي الأمامية للعربة والتي يبدو أنها كانت أول ماتعرض للاشتعال إلى جزء من صندوق العربة الخلفي، وقسم من المحرك، كان أطفال الحي ورجاله قد ألفوا دائرة قوية متكاتفة حول العربة المحترقة عند ذلك كان لهيب النار قد طغى أكثر من ذي قبل، بدأ يبعث لسانه الأحمر المتجه إلى أعلى من نوافذ السيارة، وجوانبها الأخرى، وفي ذلك الوقت أيضاً كانت سحابة الدخان القوية قد نبهت جميع نساء العمارات المقابلة لموقع السيارة المحترقة فوقفن في الشرفات يتابعن المنظر المهيب...‏

    ظل الواقفون متجمدين، وظلت النار وحدها متحركة نشطة، ولم ينتبهوا إلا عندما هبت من جهة الشمال نسمة باردة خففت كثيراً من حرارة اللهيب، كما شعر الجميع وبصفة تبدو مفاجئة بظل قوي، أقوى من ظل الدخان يسود الحي، والمناطق المجاورة ومع ذلك فإن الأمر لم يتضح في أذهانهم بشكل أفضل إلا عندما نزلت على وجوه بعضهم، ورؤوسهم قطرات قوية باردة من الماء، ما لبثت أن تحولت إلى زخة مفاجئة من المطر دفعت بالجميع للفرار إلى منازلهم...‏

    في تلك اللحظات القليلة بدأت تخمد قوة النار، وتحول اللهيب إلى دخان أسود مثل القطران، ثم مالبث أن خمد كل شيء في الحي...

    كلمات مفتاحية  :
    قصة حريق مصطفى فاسي

    تعليقات الزوار ()