بتـــــاريخ : 11/18/2008 5:15:58 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1249 2


    هـــــروب

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : سجيع قرقماز | المصدر : www.awu-dam.org

    كلمات مفتاحية  :
    قصة هـــــروب سجيع قرقماز

    الساعة تقترب من الخامسة صباحاً، الضوء الصباحي ينتشر ليلملم آخر لحظات اللذة المتبادلة بينهما، ويغطي على ماحدث، بانتظار ليلٍ آخر للذة المحرمة. تنسل بهدوء من غرفة نوم سيدتها التي تغط في نوم عميق بل في استرخاء شبيه بالموت، تخرج من "الفيلا" البحرية، نبيل مايزال بانتظارها في "الفيلا" المقابلة، تبعثرت نظراتها إلى البيوت الأخرى، لم تر أحداً- كما كانت تتوقع كل ليلة، فالناس في هذه المدينة لايفيقون باكراً.‏

    ذهبت بسرعة إلى نبيل، وهي تداري ارتباكاً كبيراً، وتحاول إخفاء آثار عطى ماتزال ساخنة.‏

    - حبي لك كبير‏

    - الحب بصغر عندما نعلنه‏

    - لن أستطيع الإفلات.‏

    - لنهرب سوية‏

    - إلى أين؟ لقد مللت الهروب.‏

    - لنهرب وكفى.‏

    كان قد صمم على الفكرة ورأى أنها الحل الوحيد، وغاب عن باله ماتفكر فيه:‏

    - وجدت لخدمة الآخرين، لن أستطيع خدمتك.‏

    - أنا من سيخدمك.‏

    - نبيل، كن واقعياً. أنت لاتعرف شيئاً عني، وعما يحصل لي أيضاً، إلى اللقاء، مكاني ليس هنا.‏

    - إلى أين؟‏

    لم تجب، غادرته بسرعة، تقدم خطوة أو خطوتين باتجاهها، فكر قليلاً، لم يحاول منعها، فهي عنيدة كما يلقبها دائماً.‏

    فكرت أن تعود للنوم، أدركت أن عليها أن تنجز أعمالاً كثيرة قبل ذلك، تجولت في المطبخ الواسع تلملم بقايا سهرة الأمس العامرة بالضيوف، عادت بذاكرتها قليلاً إلى الوراء.. والدها، والدتها، أخوتها، رأت صورة مشوشة لبيت متهالك، غرفة رطبة باردة، خوان خشبي- فراش عتيق، كراسي خشبية تالفة، بعض الأواني التي:‏

    رتبت الأواني الخزفية، أعادت الكؤوس الشفافة إلى الأماكن الخاصة بها، اهتمت بتلميع رخام المجلى، أخرجت بقايا سهرة الأمس إلى الكلاب التي كانت تنتظر بفرح..‏

    - انظر اليها.. لم تعد انساناً.‏

    - انها تستحق أكثر من ذلك، جاء رد نبيل على صديقه بطريقة قاسية، مقاوماً دموعاً تترقرق في عينيه، أدار ظهره للشارع الذي كانت تقطعه، فكر كيف تُستغل من قبل سيدها وسيدتها، أشفق عليها، حاول بطرف عينه أن ينظر إليها، كانت تدير ظهرها له.‏

    هو ليس من سكان هذه المدينة السياحية ذات المائة بيت، بل كان يتردد إلى صديقه بين الحين والآخر، كثرت لقاءاته بها، وخاصة في نهاية ليالي السهر الطويلة، اعتقد أنه يحبها، وهو يريد أن يخلصها من آلامها، لازمه الإخفاق في كل شيء، هي لاتريد أن تنهي آلامها.‏

    - ترى ماذا تخفي عني؟‏

    كان يكرر أمام صديقه، وصديقه يحار الإجابة، فهو لايعرف عنها شيئاً، في الجهة المقابلة أغلقت الباب بصوت قوي/ انتبه لنفسه، أحس بضرورة الذهاب إلى السرير.‏

    الحركة نشطة في المدينة السياحية/ بعض الفتيات يزرعن الطريق جيئة وذهاباً/ مجموعة من الشبان يقود كلاً منهم كلبٌ مختلف عن الآخر/ فتى يافع يركب دراجة/ فتاة لم تبلغ الاثني عشر ربيعاً تلاحقه دون أن يدري/ بائع يانصيب ثيابه وسخة يعترف بأن أحداً لم يربح جائزة هامة بشرائه ورقة من الأوراق التي يبيعها/ طفلٌ صغير يحمل سلة مليئة بالتوت الأحمر/ عجوز يجلس وراء صندوق خشبي تكومت عليه حبات الصبارة/ عينا سمسار المنطقة تبحث في كل الاتجاهات/والكلاب ماتزال تتسلى ببقايا سهرة الأمس.‏

    - أسرعي أيتها الغبية، قالها سيد البيت بصوت وقح دون أن يلتفت اليها.‏

    - ماذا تفعلين في المطبخ حتى الآن، وبختها سيدتها بصوت خشن مثير.‏

    أخذت جرعة ماء لتساعدها في ابتلاع اللقمة التي كانت في فمها، انحنت أمام سيدتها، فكرت أن تقبل يد سيدها لتخفف من غضبه، لم تسمح لها نظراته الباردة بذلك، قرقع السيد بنرجيلته، أشار إليها أن تلم زجاج الكأس الذي كُسر للتو.‏

    - حاضر/ بينما كان كل من السيد والسيدة ينظر في اتجاه مختلف من الآخر.‏

    الساعة تقارب الثالثة صباحاً/ إنهم يستعدون كلٌ للعودة إلى ركنه المحبب/ بعضهم يتابع برامج التلفزيون/ آخرون يلعبون الورق/ والبعض الآخر من حانوت إلى آخر/ هو وصديقه يجرعان القطرات الأخيرة من كأسيهما/ وهي زهرة برية وسط هذه المجموعة/ نظرت إلى كرش السيد يهتز مع كل شهيق وزفير/ شفتا السيدة المكتنزتان تنتظران أن ينام الجميع/ بدأ شجارهما اليومي/ ألقت نظرة إلى الشرفة المقابلة، لاأحد.‏

    شعرت بارتياح أن نبيل لن يقف في طريقها، رمت الفيلا خلفها، غير مكترثة، فالسيد والسيدة مايزالان في شجارهما، وصوتهما المرتفع، ولاأحد يسمع الآخر، أغلب سكان المدينة بدؤوا نومهم اليومي.‏

    - "في زمن مايفيقون" رددت العبارة تاركة خلفها المدينة ذات المائة بيت، بينما كانت الشمس المسافرة خلف البحر تجهد لتصل الجهة المقابلة. جرجرت أقدامها، فسارت بها الدرب طويلاً، أخذتها إلى الشرق باتجاه قرية لاتحفظ منها إلا طريقها، وصلت التلال المؤدية إلى الجبال البعيدة، لم تكن الشمس قد وصلت بعد، لم تكن هناك سيارات، عواء قادم من الشرق فقط، لكنها لاتخشاه، بل تشعر بالإطمئنان له. لم تنتظر، استمرت برحلتها باتجاه الشمس التي مدت رأسها في هذه اللحظات من خلف الجبال البعيدة مرحبةً، وهي تنير الجبال الهادئة وتوقظها...

    كلمات مفتاحية  :
    قصة هـــــروب سجيع قرقماز

    تعليقات الزوار ()