بتـــــاريخ : 11/18/2008 5:01:21 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1315 0


    زملائي الشحاذون

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : فخري قعوار | المصدر : www.awu-dam.org

    كلمات مفتاحية  :
    قصة زملائي الشحاذون

    في أواسط الستينات، قام زميل مصري بجولة صحفية في مواقع الشحاذين وأماكن تجمعهم. وكان يقتضي أن يرتدي ثياباً رثة، وأن يمتنع عن حلاقة ذقنه، وأن يكف عن تلميع حذائه، وأن يتوقف عن تشذيب شواربه، وأن يرسم على وجهه علامات الفقر والانكسار والمذلة، وأن يجعل من قامته شيئاً شبيهاً بعرنوس الذرة المتهدل على أمه . لقد فعل كل هذا ، وربما أكثر منه، وشرع يتسول:

    -من مال الله يا محسنين!‏

    وإذ به محاط فجأة بمجموعة من الفتوات، أصحاب العضلات المفتولات، والعيون المفقوءة، والأرجل المقطوعة، والأذرع المبتورة، والأسنان المخلعة، وهب ثلاثة منهم إلى حمله وزجه في سيارة أجرة، إلى أن وصلوا به إلى بناية ترابية قديمة مجاورة لمقبرة مهجورة، ودفعوه إلى "مكتب "المعلم" ، الذي كان يعد أوراقاً نقدية ويضعها أمامه على هيأة رزم كبيرة.‏

    توقف المعلم عن عد النقود، وتململ داخل جلابيته، وقال للفتوات بصوت مثل زئير الضرغام:‏

    -ايه ؟ فيه أيه؟ مين الجدع ده؟‏

    فقال أحد الفتوات:‏

    -ده يا معلم ضبطناه في باب اللوق بيشحت!‏

    ففجع المعلم بما سمع ، ونهض عن مقعده، ودنا من الزميل الذي تقطعت أوصاله، وزأر في وجهه قائلاً:‏

    -إيه اللي سمعته ده؟ صحيح اللي بقولوه العيال؟‏

    فتأتأ وفأفأ وقال:‏

    - صحيح يا معلم! أنا واحد غلبان وعايز استرزق. ربنا يستر على ولاياك!‏

    فضحك المعلم ضحكة مثل زلزال ارمينيا، وقال:‏

    - ماشي. أنا ما أحبش أقطع رزق حد. إنما الشغل له أصول.‏

    فتساءل الزميل الصحفي، إن كان عليه أن يتعلم الأصول في معهد خاص تابع لنقابة الشحاذين، فجلجل المعلم بالضحك ونفى أن يكون هناك معهد أو نقابة للشحاذين ، وقال:‏

    - تحب نقطع لك ايه؟‏

    فقال الزميل بذعر:‏

    - ما احبش تقطعوا لي حاجة!‏

    - أمال حتشتغل ازاي؟ حتحنن قلوب الناس ازاي؟ إحنا لازم نقطع لك ايد ولا رجل!‏

    - أنا في عرضك يا معلم.‏

    - طيب نقلع لك عين!‏

    - لا يا معلم.‏

    - أمال تحب نعمل فيك ايه؟‏

    - سيبوني زي ما أنا.‏

    - وحتجيب لي اتنين جنيه كل يوم ازاي؟‏

    - انته جربني، وبعدين نبقى نقطع اللي انته عاوزه!‏

    وشرع يتسول، ويتعرف على أجواء الشحاذين، وأسرار عالمهم، وفي كل يوم، يدفع للمعلم جنيهين، يقتطعهما من مصروفاته التي أعطتها له الجريدة، وفي نهاية المطاف عاد بتحقيق واسع عن هذا العالم الغامض المثير.‏

    وفي أواخر السبعينات، قامت زميلة أردنية (تريز حداد) بجولة في مواقع الشحاذين وأماكن تجمعهم في عمان، ولبست غلالة سوداء غطت بها رأسها ووجهها، ومكثت نهاراً كاملاً في طلوع الشابسوغ وعلى درج الكلحة ودرج بسمان وفي ساحة الجامع الحسيني، وعادت إلى جريدتها ومعها عشرات القصص المثيرة المليئة بالاستكشاف المدهش!‏

    وفي أواسط الستينات، فعل الزميل المصري ذلك، وعاد إلى رأس عمله في صحيفته.‏

    وفي أواخر السبعينات فعلت الزميلة الأردنية ما فعلت، وعادت إلى رأس عملها في صحيفتها..‏

    وفي التسعينات، أوردت إحدى وكالات الأنباء خبراً عن صحفي يوناني، أمضى عدة أيام في التسول بشوارع أثينا، وفي اليوم الأخير من جولته، قعد على الرصيف وفكر مليا بما هو أفضل له ولمستقبله: العودة إلى الجريدة التي تقدم له راتباً متدنياً، أم الاستمرار في التسول الذي يدر له دخلاً وفيراً. وحسم الزميل اليوناني أمره، وقرر أن يكون شحاذا له شأن!

    كلمات مفتاحية  :
    قصة زملائي الشحاذون

    تعليقات الزوار ()