بتـــــاريخ : 11/18/2008 4:53:26 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1035 0


    ممنوع ركوب الدراجات

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : فخري قعوار | المصدر : www.awu-dam.org

    كلمات مفتاحية  :

    رحم الله مدير مدرستي الإعدادية الأستاذ قاسم الخصاونة، الذي كان يفرض إرادته على طلاب مدينة المفرق، ولا أقول طلاب مدرسة المفرق، لأنه كان يريد منا أن نلتزم بأوامره ونواهيه، حتى ونحن في الشارع أو في البيت أو في النوم أو في الصحو، وكان ينجح في كل ما يريد، ونمتثل نحن لكل شيء، داخل المدرسة التي لم يكن لها سور، وخارجها، حتى صارت صورة المرحوم جزءاً ملازماً لخيالنا وسلوكنا!‏

    ذات يوم، أصدر قراراً بمنع الطلاب من ركوب الدراجات الهوائية (البسكاليتات)، لأي سبب ولأي غرض، ومهما كانت الحالة طارئة أو ملحة، وعمم القرار علينا، أثناء الاصطفاف الصباحي، وأكد قبل إعلان القرار حرصه على سلامتنا، وضرورة تفادي مخاطر السيارات، التي بدأت تتكاثر نسبياً في المفرق، يقودها أشخاص حديثو العهد بالقيادة، وتنقصهم الخبرة الكافية لتجنب دهس المشاة أو فعص الأولاد الذين قد يداهمون السيارات بدراجاتهم.‏

    وأعترف، أنني لم أكن مولعاً بركوب الدراجات، ولم تكن عندي دراجة، لكنني كنت "أستعير" دراجة أحد الأصدقاء، وأفرح أثناء قيادتها لمواجهة الهواء وسرعة المرور بين الناس وأمام الأشياء، وأمضي- أول ما أمضي- إلى محطة سكة الحديد في الجهة الغربية من المدينة، وأتفرج على مبنى المحطة الذي كان يجلس فيه رجل شركسي اسمه "عزت"، وظيفته إغلاق الطريق في وجه السيارات، تمهيداً لمرور القطار، الذي لا نراه إلا بعد سماع صافرته، ثم سماع جفجفته.‏

    واعترف أيضاً، أنني أصبحت بحاجة ماسة لركوب دراجة، بعد الأمر الإداري الذي أعلنه المرحوم، وقررت استعارة الدراجة إياها، في عصر ذلك اليوم، كنوع من مواجهة القهر والأمر والنهي!‏

    وركبت الدراجة، وهي بالمناسبة ذات عجلات كبيرة، وكنا نسميها (بالون)، وهذا معناه، أنني كولد، كنت أركب دراجة تصلح لوالدي، فكان حالي مثل حال من يلبس ملابس أبيه!‏

    سرت بالدراجة، وعين الله ترعاني وترعاها، وقمت بتحريك البدالات بسرعة قصوى، حتى صرت في حالة طيران فوق الإسفلت.‏

    في هذه الأثناء، رأيت ما لا يمكن أن أراه في الخيال. لقد أصبحت أمضي نحو الهيئة التدريسية بكاملها، وبينهم واسطة العقد المدير المرحوم قاسم الخصاونة!‏

    ففي أواخر الخمسينات، وأوائل الستينات، كان الناس في مدينة صحراوية كالمفرق، يجدون في المشي عند اعتدال الطقس قبل الغروب، وسيلة من وسائل تزجية الوقت وقتل الفراغ، إضافة إلى القراءة وارتياد دار السينما!‏

    وما رأيته، كان سلوكاً عادياً جداً، فالمعلمون والمدير، تربط بينهم زمالة وصداقة، وقواسم مشتركة، من بينها المشي وتبادل الكتب والزيارات وما شابه ذلك.‏

    وما رأيته أيضاً، ليس موضوعاً لحسد أحد، فقد كان بالنسبة لي مأزقاً لا يسر غير الأعداء، ولم أكن في وضع يسمح لي بالانعطاف المفاجيء في شارع إلى اليمين أو إلى اليسار، كما لم أكن في وضع يسمح لي بالتوقف دون أن أدهس المدير أو أحد أفراد الكوكبة التدريسية، وأصبحت أمام خيارين، أحلاهما شديد المرارة‍‍‍!‏

    وقررت فجأة، أن أنعطف يميناً، وانعطفت بالفعل، فتصادف وجود رمل وحصمة لبناية قيد الإنشاء، مما أدى إلى انزلاق الدراجة، وانفلاتها مني، وانفلاتي منها، حتى صار كل منا على رصيف‏

    تهشمت الدراجة، وتهشمت أنا، وعندما كنت أنفض الغبار عن ملابسي، وأتفقد الأجزاء المرضوضة والمواقع المقشوطة من جسدي، كان المدير والمعلمون يساعدونني في ذلك، ويؤكدون لي أن جريمة ركوب الدراجة التي اقترفتها قد ترتب عليها العقاب المناسب، دون أن تتدخل إدارة المدرسة.‏

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()