بتـــــاريخ : 11/17/2008 8:40:54 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1026 0


    تخيلات

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : عبد الرحمن سيدو | المصدر : www.awu-dam.org

    كلمات مفتاحية  :

    عشر سنوات وأنت تفشل... عشر سنوات، وفي كل سنة تدفع يوم الامتحان وتعيد ترتيب الكتب المدرسية فوق المنضدة وتسهر الليالي حتى الفجر، يحاصرك القنوط في كل مرة، فتبعد شبحه بالمذبّة المستلقية على الكرسي المجاور.

    كيف لا تهزج، كيف لا تخرج من جلدك وتغزو الأبنية والشوارع، الحانات والمقاهي في ليل الفرات الندي وتصيح بأعلى ما تملكه من صوت لقد نجحت....‏

    وضع عادل فناجين القهوة على الطاولة واستراح في مكانه، قبض عامر على عنق فنجان القهوة ودلقه في فمه المحزوز بحماس، طير ضحكاته، عبقت الغرفة بالدخان الأزرق وأريج الهيل...‏

    دقت الساعة تسع دقات، قال عادل:‏

    -ستدرس يا عامر‏

    -أكيد‏

    -وماذا قررت بشأن الفرع‏

    -الحقوق يا صديق الحقوق‏

    -ولم هذا الحماس‏

    -بودي أن أصبح قاضياً‏

    -ها... قاضياً‏

    قال عادل ساخراً:‏

    -ومن هو أول الموقوفين‏

    أجاب عامر:‏

    -هذا سر‏

    -لا أسرار بين الأصدقاء‏

    -أنت أحياناً محرج يا عامر‏

    -ليس في الأمر ما يدعو إلى الإحراج‏

    -حسناً... سيكون الموقوف الأول صديقنا صبحي‏

    -وماذا ستفعل به؟‏

    سأتناول قبضة الهاتف، وأدير القرص، أحدث الجهة المختصة.‏

    أوقفوا صبحي المهاوش، عنوانه المساكن.. آخر الخط... بناية رقم... وذلك على ذمة التحقيق وسترى سيارة مدججة بالسلاح والرجال.. تذهب إلى دار صبحي تدق الباب.‏

    -أنت صبحي المهاوش؟‏

    -نعم‏

    -تفضل معنا لحظة‏

    -إلى أين‏

    -قلنا تفضل معنا‏

    وتمتد يد كبيرة تقبض على صدره، تجره خارج البيت، وهو يصيح لحظة يا ناس لحظة من فضلكم ثيابي دعوني أرتديها... وسيلقي في الزنزانة، يفكر صبحي -ماذا فعلت... وينتابه الذهول وترتسم على وجهه علائم الحيرة هل رآنا أحد أمس.‏

    لقد اخترنا الوقت المناسب للقاء، سرنا سريعاً إلى زاوية مغمورة، وهناك مدت "لمياء" عباءتها وجلسنا تبادلنا بعض الهموم المتعلقة بوسائل تأمين موافقة الأهل، وعدنا ....لا...لا...لا..لا يمكن ...!‏

    منذ أن انخرطت في الوظيفة وأنا ملتزم بعملي أصيح حتى تذوب حنجرتي ولم أتطرق إلى أي موضوع سياسي أو جنسي أومعيشي، يقولون عني أني صموت... صموت..‏

    الصمت موت لكن هل أنا ميت..؟!‏

    لكن يا عادل تأكّد من أنه سيتقلب على جانبيه، والأرض يابسة، سيصيح، سيجمده البرد، وسينفخ في يديه بطريقة مضحكة، كأطفال المدارس آناء الصباحات الشتوية، سيجوع، سيتشهى كأس شاي وشيئاً من الهواء المنعش بطيئاً وثقيلاً سيمر الليل عليه، يقطعه، وعندما يصبح الصباح، سيدق عليه الشرطي الباب، وبدفعة قوية يخرج من الزنزانة، صباح الخير.... إلى عملك أيها المعلم....‏

    -نعم- ها- ما... كيف... وتتيبس على فمه الأسئلة وهو ينطلق خارجاً وبسرعة...‏

    أردف عادل:‏

    -لا يجوز يا رجل صبحي صديق طيب، هل تفعلها معه؟‏

    -الله وكيلك أفعلها وأفعل أبوها أنسيت ماذا عمل معي في المهرجان...‏

    -والثاني صاحب الحظ السعيد...‏

    -فؤاد صاحب القصائد الجميلة.‏

    -فؤاد.‏

    -سأوقفه بتهمة التعدي على القاضي أربع وعشرون ساعة تكفي.. وبعدها ليبلط البحر، سأراضيه بزجاجة بيرة، وباكيت سجائر.‏

    -اتق الله.. اتق الله -الحياة يا صديقي معركة... معركة حقيقية، وليس من ضحية فيها إلا الرومانسي الضعيف أمثالك.. رشفات القهوة تتالى. فمه ترسل ضحكاتها المعتادة، وبضحكه هذا نبت في ذهنه خناجر وسكاكين، مسلات طويلة على شكل خوازيق، ونبتات صبار وجماجم فارغة يدلق فيها مشروبه ويرفعها إلى فمه وهو يقهقه.. طفولته كيف طاردوه، وظلوا يضربوه، دونما رحمة حتى أشرف على الموت، أمه التي قالت له:‏

    "لكي تحيا يجب أن تقتل.. الحياة غابة.. غابة"‏

    وتخيل قوس المحكمة وقد تحولت إلى عتبة، جمع كل أصدقاءه فيها، رآهم صغاراً يتحركون بين قدميه كديدان وهو يقهقه وأفواه المحامين تنفتح وتنغلق، والمطرقة بجانبه يدق بها على المنصة ويوشوش المستشارين بجانبه كلمتين ثم يبتسم:‏

    -القهوة بردت يا عامر.. اشرب قهوتك... فتناول عادل فنجانه ودلقها في حلقه دفعة واحدة

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()