بتـــــاريخ : 11/13/2008 7:46:37 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1740 0


    رجل بلا ملامح

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : طـلـعـت ســــقـيـرق | المصدر : www.awu-dam.org

    كلمات مفتاحية  :

     

    الحزن يشرش في قلبي ويذهب حتى آخر قطرة في دمي، وأنت لا تريدين أن تصدقي.. يا امرأة ألف مرة قلت لك: لستُ الرجل الذي تريدين.. زوجك مات.. ماذنبي إن كنت تائها لا أعرف من أنا.. لماذا تصرين على تعذيبي... ربما يكون هذا البيت بيتي.. لكن أن أكون زوجك الذي تعرفين، فهذا مستحيل.. زوجك مات... وأنت تعرفين حق المعرفة أن الموتى لا يعودون... وها أنا للمرة الألف أعيد ما رويت.. فلماذا تصرين على تعذيبي ..؟؟..‏

    كنت - ولا أنكر ذلك - الرجل الذي تعرفين.. صباحاً أستيقظ.. تأخذني رائحة الياسمين.. أنتظر فنجان القهوة... أسعل بافتعال.. أذهب إلى الحمام.. أغسل وجهي ويدي بعد إفراغ الأمعاء والمثانة.. أنظر في المرآة... . أصفر اللحن الذي أحب.. أخرج.. أجلس قربك وآخذ في قراءة جريدة الصباح.. أطويها بتلذذ.. أقوم إلى ملابسي.. بعدها أتناول فطوري.. ثم أبسمل وأفتح الباب... أمام باب المصعد أنتظر... . وإذا طال الانتظار، أطوي الدرجات الخمسين وصولاً إلى مدخل العمارة... السيارة تقترب.. ينزل السائق.. ينحني قليلاً.. يفتح الباب الخلفي.. أدخل.. أنظر مباشرة في المرآة الأمامية، أصحح وضع ربطة العنق.. أمرر يدي على شعري.. ينطلق السائق.. يتطلع المارة، فأشعر بأهمية الرجل الذي هو أنا وترتسم ابتسامتي في المرآة .‏

    هكذا كانت حياتي مليئة بنبض السعادة.. الفرح.. كنت موضع حسد الجميع.. فأنا مدير عام في شركة كبيرة.. زوجتي جميلة.. أولادي أذكياء إلى حد ما... أموري المادية في تحسن مستمر.. أملك بيتاً واسعاً في عمارة فاخرة.. ماذا ينقصني إذا؟؟.. ماذا حدث لتنقلب الدنيا على هذا الشكل ؟؟...‏

    كنت أصفر.. أمط اللحن وأصفر.. وجوه الأطفال تركض، تضحك.. كانت شاشة التلفاز قريبة.. الوجوه قريبة.. الحركات قريبة... الأطفال يركضون.. فجأة أخذ الأطفال يخرجون رؤوسهم من شاشة التلفاز ويستغيثون... لم يكن هناك أي وهم... كانت الحقيقة عارية بشكل لا يصدق.. رؤوس الأطفال خارج الشاشة.. أجسادهم في منطقة الضوء..... أخذ قلبي يعوي.. لأول مرة أعرف أن القلب يعوي.. أردت أن أمد يدي.. أن أنقذ أي واحد منهم.. أخذ الرصاص يلعلع. طار الدخان وعلا... انقلب الأفق واسود.. قلبي انكمش وأخذ يعض اللحم والعظم والدم... ارتفع لهاثي.. الصورة لم تدم طويلاً، لأن الرجل ذا الملامح الدموية جاء وأخرج من جيبه ممحاة كبيرة.. أخذ يحركها ببطء.. سقطت وجوه الأطفال وغابت.. أذكر أن أجسادهم غطاها نزيف الممحاة وغيبها... حاولت أن أغمض عيني، لكن دموعهم كلها اجتمعت في رأسي وأخذت تنز ..كان المشهد ضاغطاً.. علت بعدها ضحكات الرجل ذي الملامح الدموية، وأخرج من جيبه راقصة مليئة بالشبق والإغراء وفردها على الشاشة.. كانت ترقص على موسيقى ضحكاته... وحدها صرخات الأطفال ودموعهم كانت في رأسي.. في قلبي.. وحين ذهبت إلى الفراش.. لم أعرف كيف يكون النوم.. صدقيني لم يكن كابوساً.. كان حقيقة.. حقيقة جارحة حتى العظم.. امتد الليل طويلاً... عيناي معلقتان في سقف الغرفة.. قلبي يعصره النشيج.. بعدها لم يكن هناك صباح... صباح كالذي تعرفين...‏

    قربت القهوة من شفتي، رشفت، كانت مرّةً.. لم أستطع شربها.. تركت الفنجان وذهبت إلى الحمام.. بخطوات بطيئة ذهبت.. كأنني كنت أمشي وراء نعشي... دخلت.. أفرغت المثانة والأمعاء.. انتشرت في الجو رائحة عفن.. كأنني كنت أحمل جثة لاكها التفسخ... .‏

    لا أدري جثة من... لكنها كانت جثة لشخص ما... وعندما تحركت.. اقتربت من الصنبور... . فتحته.. وأخذ الماء يسيل.. ملأت كفي.. رشقت وجهي.. ثلاث مرات رشقت وجهي... وحين نظرت في المرآة لم أصدق.. وجدت وجها آخر غير وجهي.. هناك في المرآة لم أكن أنا... الجبهة.. العينان.. الأنف.. الشفتان.. الشعر.. كل ذلك لم يكن لي... هذا الوجه الذي في المرآة ليس وجهي.. هذه الملامح ليست ملامحي.. العينان اللتان أنظر بهما إلى هذا الوجه الغريب لا أعرفهما.. في البداية ظننت أنني أحلم.. وكما يفعل العقلاء في هذه الظروف الاستثنائية، قرصت يدي، قدمي، بطني، وشعرت بالألم.. رفعت يدي وقرصت خد الوجه الذي أحمل، لم أشعر بشيء.. ركضت إلى الغرفة.. أحضرت دبوساً.. عدت إلى المرآة، في لحم الرقبة دفعته، لم أشعر بشيء.. وقتها عرفت تماماً أنني لست أنا.. وفي مثل هذه الحالة لايمكن أن أكون الرجل الذي تعرفين... زوجك مات.. مات وانتهى أمره.. والمشكلة ياسيدتي ليست هنا.. المشكلة بالتحديد هي أنني أريد أن أعرف من أنا...‏

    هذه الملامح التي أحملها لمن تكون؟؟ هل أعيد القصة من البداية.. لابأس ياسيدتي اسمعي...‏

    أعرف أن المفردات التي أختارها قد لا تعبر تماماً عما أريد.. فأنا ياسيدتي رجل مشروخ.. أشعر أن هناك جزءاً مني يعود إلى الماضي.. أقصد الماضي الذي تتحدثين عنه.. لكن وجهي.. ملامحي.. تضاريس أو خارطة رأسي، فلا صلة لها بما كان.. حين كانت عيناي الحقيقيتان تنظران إلى شاشة التلفاز، شعرت بدوار.. الأطفال كانوا يركضون.. حاولوا أن يختبئوا تحت جلدي.. بين سرتي والقلب.. لكن الدوار كان أقوى مني.. سقطت.. سقط كل شيء.. حين فتحت عيني بعد حين لم يكن هناك أطفال ..وحده الحاوي كان يراقب شاشة التلفاز.. حاولت أن أنام ..من ثقوب الباب أخذ النشيج يتسلل إلى أذني.. لم أشرب قهوة الصباح.. وحين نظرت في المرآة لم أجد وجهي ..‏

     

    في النشرة السابعة بعد الألف قال المذيع" وجد قتيلا ".. عرفت أنه زوجك.. لا أدري أين وجدوه.. لكنه كان يحمل الوجه الذي تعرفين.. الملامح التي تبحثين عنها.. العينين.. الأنف.. الأذنين.. الشفتين.. والمشكلة ياسيدتي ليست هنا... فأنا أريد أن أعرف شيئاً عن هويتي.. أريد أن أعرف إلى أين أذهب.. هذه الملامح التي أحملها عن أي شيء تعبر... وكيف لي أن أتصالح مع هذا الوجه مادام الرجل الذي تعرفين قد مات.. ياسيدتي كفى.. لا تقتربي كثيراً من هذا الوجه.. صدقيني لست أنا من تبحثين عنه.. لست الرجل الذي تريدين.. حاولي أن تفهمي... . القصة قد تطول.. هل أعيد من البداية.. اسمعي...‏

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()