بتـــــاريخ : 11/12/2008 5:27:38 AM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1421 0


    الأقنعة

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : سحر سليمان | المصدر : www.awu-dam.org

    كلمات مفتاحية  :
    قصة الأقنعة سحر سليمان

     

     

    "أتكونين أنت آخر ما نبض به القلب؟‏

     

    ألك كنت أقطف الياسمين؟‏

     

    ألأجلك كنت أصنع القهوة الحلوة؟‏

     

    وأهيء النرجيلة.....؟‏

     

    أرتب لجلستك على الأريكة....؟‏

     

    أضع الوسادة كي تتكئ يدك عليها؟‏

     

    أتكونين آخر من رحل عني...؟‏

     

    وأول المسافرين دون أن تلوحي بيدك وداعاً؟‏

     

    يا كل هؤلاء.............. يا أنت؟"‏

     

    ........................‏

     

    أتكونين آخر النسوة المرسلات؟ أم تكونين أكثر النسوة الكاذبات؟ الخائنات؟‍ أوجهك هذا الذي تحملينه أم هي الأقنعة؟ منذ حطت حواء على أرض الخطيئة إلى الآن يحط الحزن على قلبي طائراً بمخالب تنهش لحمه، تنثره صوراً وكلمات أمامي أأنت من أحببت، أبك آمنت!‏

     

    أسلمت لك القلب وقلت أبحري فالعالم كله مياه وقلبي القارب فجذفي كيفما تشائين فلِمَ اخترت أغور المياه.؟‏

     

    لو أنك فرطت تسلسل أيامنا الماضية، كم يوماً تحتاجين لجمع ما كان بيننا؟‏

     

    لو شاهدت فيضان محيط دمعي وتشكل نهر الفرات، أيهما كان الأصعب لديك أية أقنعة الآن تضعين؟‏

     

    وأي جلود ترتدين؟ أية تبريرات تقنعين بها نفسك؟‏

     

    خلعت القلب من جسدي؟. بت أحيا بنبض الذكرى أسجد للذي يحيا دون نبض.‏

     

    وأصلي لمن لا يخون.‏

     

    افترشت القلب سجادة، وقلت اسجدي فكل الجهات في قلبي الكعبة.‏

     

    كنت ماءاً طهوراً.. زمزماً، فكيف تحولت إلى شيء حارق في البال والقلب؟ ماض أنت وأستطيع نفيه من عمري، لأنك العمر الذي مضى.‏

     

    كل ما هو لي يصرخ باسمك، جسدي كله يراك، يصرخ بك: اخرجي مني، لأنك تلوثين طهارة وقدسية ماضيك فيَّ.‏

     

    أكون مغدوراً لهذا الحد؟ أم أنك بارعة في الإقناع.. تتغير نبرة الصوت أصرخ في السماء أن تترك مطراً يعمدني منك ... من الماضي. وأصرخ فيك.. لم.. بكل خياناتهم غدرتني؟ وبكل خساراتك ربحتني؟‏

     

    أجيبي رغم بعد المسافات التي ما بيننا. هل نفذت وعدك، وأسميت أول طفل لك مثرا. لكنه كان ابننا مثرا. غدنا.‏

     

    أطفئي نيران هذه التساؤلات بقلبي إن استطعت، فأنا ثمل وخدر ولا شيء أستطيع أن أقوم به، لا حياة لي أحيا بها بعيداً عنك.‏

     

    أشرد ثم أصرخ بك لم. تصل صرختي الملائكة؟ فتفز خائفة تلوذ بخالقها لم. يا أنت؟ يا لله.. يا سماء.. يا مثرا.. يا ليله؟‏

     

    وكم دندنت بأغنيتك، التي عشقت صوتك منها:‏

     

    "ليلة لو باقي ليلة.. بعمري أبيع الليلة..‏

     

    وأسهر بليل عيونك... وهي ليلة عمر..."‏

     

    كطفل كنت تضعين رأسي على صدرك وتهدهدين تعبي. تبعثرين أصابعك بشعري، تغنين ثم تشدين رأسي لصدرك، وتجهشين باكية، لم كنت تبكين؟ وتحقق حلمنا أن تضمنا ليلة.. دون جدران، فقط ساعات من ليلة، حين قررت السفر إلى دمشق، وأصررت أن أرافقك الرحلة. انطلقنا في الثامنة عشر ليلاً من الرقة إلى دمشق. جمعنا مقعد واحد، وليل تحدثنا فيه كثيراً، اتفقنا وتخاصمنا قررنا. حلمنا، شربنا القهوة والدخان، وغنيت لي ليلة. ولم أكن أعلم أن هذه هي آخر ليلة تجمعنا، تحقق حلمك وسهرت بعينيَّ. كنت تودين أن تحضننا ليلة وتشرق علينا شمس من البارحة الذي لم ننم فيه. وضعت يدي على كتفك انظري الشمس تبحث عنك. كانت عيناك واسنتين. نظرت إلى الشمس ثم إلي. ورحت في غفوة قصيرة. لم أطق أن تبعدي عني أو تنامي. عدت أوقظك، دخلنا الشام.‏

     

    وحين انتهينا قرابة الظهر، رغبت أن آخذك إلى بداية دمشق الأولى كي نمر سوية من تحت تلك القنطرة، التي مر من تحتها مئات الخيول العربية والرومية والبرمكية، أيها البلاط الذي وطئتك أقدامها. استنطقها لم فعلت كل ذلك؟!‏

     

    أمسكت يدك وأشرت لتلك القنطرة، وأخذت حينها نفساً طويلاً وقلت: إنني ما زلت أشم رائحة الخيول الغازية والفاتحة. والآن ما زلت اشم رائحة الذكريات، مشينا دروباً كثيرة وطويلة فيك يا دمشق.‏

     

    وحدك من شهد مشاويرنا. سمع همساتنا.. وحدك من أبحت بقاءها معي ليلة كاملة بعد أن قطعنا حارة الورد، وحارة الياسمين.‏

     

    قطعنا ياسميناً كثيراً وقبلناه ثم أهديناه لبعضنا. وأذكر كيف سرقت من خدك قبلة دون أن تشعري.‏

     

    والآن بعد هذا الإعتياد لمن أسلم نظر العين؟ ألهذا الفراغ الممتد أمامها؟ أصررت أنا أن نذهب للغداء في مطعم شعبي. مررنا قرب ضريحك يا سيدة رقية، كان هناك أناس شتى يقفون ببابك وها آنذا أعود لدمشق القديمة للبوابة الأولى. وأقف ببابك يا سيدة رقية، أطلب من المقام الطاهر أن يرضى باسكان روح ذكرياتي بقربك، قطعنا الشوارع الصغيرة الضيقة، دخلنا المطعم، كان مزدحماً لكنها أصرت أن تدخله.‏

     

    أدخلتها المطعم، وذهبت لشراء خبز التنور الذي نحبه، عدت، كانت كطبيعتها قد ألفت المكان وقد تناولت بعض الطعام مع شريكتها في الطاولة. طلبت لها طبقاً لم تأكله من قبل. أكلنا ثم نهضنا. كنت أسعى جاهداً، كي أحقق لها أمانيها خلال هذا النهار الشتوي القصير قبل أن نعود، وقد أصررت على أن نشرب الشاي في مقهى النوفرة.‏

     

    دخلنا السوق المؤدي إليها، وكعادة طاولاتها كانت مشغولة كلها، انتقيت مكاناً ثم ما لبثت أن غيرته إلى آخر طاولة يجلس إلى جانبها رجل، فاستأذنت منه أن نجلس معه إلى الطاولة نفسها ، ولم يمانع.‏

     

    جلست إلى جانبها، وقد شبكت أصابعي بأصابعها، وهي مبهورة بالنظر إلى المكان، والأشخاص ووجهي. كان يوماً أبيعه بعمري، لو طلبت مني ذلك لفعلت وقتها. طلبت لنا الشاي، ولها النرجيلة، ولم أنتبه إلى الحديث الذي دار بينها وبين الرجل الذي كان يجلس معنا. لكنها قليلاً قليلاً كانت تقترب منه برأسها كي تصغي إليه. وتشاركه الحديث. تعرفت إليه. كان من مدينة أبيها البعيدة جداً عن العاصمة، تعرف إليها عرف أهلها. سألها عن أناس كثر كانت تعرف بعضهم. تركتها دقائق، ثم عدت، لكنها لم تشعر لابمغادرتي المكان ولا بعودتي. وحين سألها الرجل عني قالت: مجرد صديق التقيته صدفة في دمشق، فأحب اصطحابي إلى هنا. فوجئت بتخليها عني هكذا بسرعة. وأنا من سهر ليلة كاملة لأجلها. تحمل طول الطريق. التعب. أهكذا تتخلى عني بمجرد أنها علمت أن هذا الرجل يسكن دولة أجنبية، وقد عاد للوطن يبحث عن عروس؟‏

     

    وبينما أنا أدخن، أصخت السمع دون أن ألفت انتباههما إلي. سمعته يتحدث عن مواصفات العروس التي تنطبق غالبيتها عليها، وهي تهز رأسها مبتسمة كأنها تقول له قد وجدتها. إنها أمامك، ثم أخرجت ورقة من حقيبتها، وطلبت مني القلم، كالذي يريد أن يكتب وصية قلبه الأخيرة. رسمت له مخطط لمنزلها وأعطته رقم الهاتف. بعدها استأذنا الرجل وغادرنا المقهى. لم تحاول أن تمسك بيدي كعادتها. بل سارت إلى جانبي، وقد أتقنت دور الصديقة وأنا مذهول بأقنعتها التي تغيرها بثوان. بعد أن قطعنا المقهى، شبكت يدها بيدي وسارت بقلبي لا بجانبي، عادت تتحدث عن الغد الذي سيجمعنا،.عن حلمي بطفل يشبهني، يحمل دمي، نسميه مثرا. لم أجب عشرات الأشخاص الذين كانوا يتحدثون معي. أقنعتها كانت أمامي. أيامنا. الساعة التي كنا نقضيها. هل أنسى؟ حين كانت تضع أغنيتها التي تحبها وتجلس بجانبي. ثم تبدأ بالبكاء. تضمني كطفلها. تتوسلني أن لا أهجرها أو أخونها أو أتركها. هل أجفف دموعها التي نسيتها على أرض القلب، فحولته إلى أرض محروقة؟ هل أنسى كيف كنت أهدئها؟ وأقسم لها بدمها المقدس بأبننا. أيامنا التي مرت لن أتركها. لكنها كانت دائماً تصر على أنها لا تخاف مني بل من نفسها على روحها. أهي مريضة؟ أم أنها تحمل العقد الكثيرة التي يصعب علي حلّها؟ ركبنا الباص. لم تفارق يدها يدي. تكلمت كثيراً. قالت بعض الجمل الغريبة. ففي بداية تعارفنا طلبت منها أن تكون حرة أن لا نحدد علاقتنا بزمن ينهيها. أو نضعها ضمن تصنيف معين. لكنها حزنت كثيراً لطلبي، ورويداً رويداً بدأت أنا من أحدد العلاقة. أشعرتها أنها غير حرة،. عليها إلتزامات تجاه ما بيننا. والآن تفاجئني من خلال كلامها، تريد أن تكون حرة. وعلاقتنا لا تخضع لزمن أو اسم يحددها أتريد استفزازي؟ أم إدراك مكانتها عندي؟ استمعت إلى كل ما أرادت قوله دون أن أناقش أو أنظر إليها. جاء توقف الباص في المحطة القريبة في توقيته المناسب لصالحي. طلبت منها أن تأتي معي نشرب شيئاً. ندخن. نتحدث وكأننا للتو التقينا لكنها اعتذرت بانها متعبة، تركتها ونزلت أخذت فنجاناً من القهوة.‏

     

    أشعلت لفافة تبغ ووقفت بعيداً عن الباص، أراقب مقعدنا، أراقب حركاتها، لم تكن متعبة، لأنها اعتدلت بجلستها، وأخرجت أوراقاً من حقيبتها وبدأت تقلب بها ثم تحدث معها أحد الركاب. صعدت الباص جلست بقربها، لم أتحدث معها ولم تسألني شيئاً. رحنا في شرودنا المعتاد، لم أنتبه إلى نفسي إلا وأضواء الجسر الجديد في مدينتي، توقظ عينيَّ من شرودهما. التفت إليها كانت نائمة آثرت أن أتركها حتى يتوقف الباص، وعلى ضجيج الركاب. صحت من غفوتها.‏

     

    التفتت حولها. نزلنا وكغريب عنها ابتعدت عني، أردت أن أتفق معها على موعد للقاء الغد قالت: دعها حسب الفرائج. وتركتها. قلت غفوة تصحو منها. مر يومان والثالث. لم أرها أو أسمع صوتها، اتصلت بها مساء.‏

     

    كانت عند إحدى صديقاتها. عاودت الإتصال بها بعد ثلاثة أيام.‏

     

    ادعت النوم واعتذرت وأنا أعلم حبها للنوم فهي تهرب للنوم إن ضايقتها الأفكار والأمكنة. قررت أن أذهب إليها. وقد ذهبت. حملت بيدي صورها. رسائلها. ياسمينها الذابل. دققت الجرس. وحين أطل وجهها، ولا أعرف ما رقمه. لكنه كان وجهها المبتسم. حينها نسيت ما حملت من رسائل وياسمين بقلبي. اعتذرت من استقبالي بحجة الضيوف. عدت إلى الوراء. بعد أن وعدت بزيارة قريبة، لم يلفت انتباهي تسريحة الشعر، ولا الوجه المزين، لباسها، فقد حفظت كل ذلك غيباً، عدت إلى منزلي بعد أن جلست مع الفرات .حدثته عنها. عن ما فعلت. المقهى أقنعتها. لكنه كعادة النهر قلب أمواجه، وابتعد. وصلت منزلي، لم أغادره أياماً متواصلة كعادتي متسكعاً أفكر فيها بقدومها كيف ستدخل كعادتها تضمني، تعتذر عن تأخرها، تمد لي يدها بالياسمين، كي تسكت غضبي، هيأت لها النرجيلة، الشاي، الوسادة التي تتكيء عليها يدها، عشرات الأوراق منذ عدنا من دمشق كنت قد كتبتها إليها.‏

     

    دق جرس الباب ودون أن أشعر بنفسي، ركضت كي أفتحه، أشدها من شعرها إلي، أعانقها. لكن صديقي وزوجته من كانا في الباب. كانت الساعة قد تجاوزت العاشرة، وهذا يعني موت الصوت. رحبت بهما سآلاني عنها. رددت بتساؤلهما، جلسا طويلاً. لم أسأل عن زيارتهما المتأخرة، ولا عن رغبتهما بالنوم عندي. دارت أحاديث كثيرة ما بيننا محورها كان النصيب، القدر الذي يرسم لنا كل ما قمنا به وسوف نقوم به من أفعال . بررا الخيانة، والغدر ووقفا عاجزين عند كلمة النصيب، نهضت كي أترك لهما الغرفة ليناما فيها إلا أنهما أصرا على السهر معي. حينها تنبهت أن هناك ميتاً وعزاءً وليلة واحدة هي ليلة الوحدانية يعرفها فقط من دفن تحت ترابه وهجره المشيعون. يريد العودة معهم لكنه نسي أن هناك ليلة دون جدران، وتشرق علينا شمس ليلة لم ننم فيها.‏

     

    قبل أيام قد جاء رجل المقهى، صاحب النصيب وتم الإتفاق معه. تمت الخطوبة وعقد القران -اليوم مساءً سافرت. إلى أين ترحلين؟ وجثمان ما بيننا لمن سلمته؟ هي رحلت، وأنا رجل قد طعن غدراً وسيلان دمائه تساؤلات. كل هذا حدث، وأنا معتكف انتظرها. أأكون أنا من يحمل وزر خيانتها؟‏

     

    كانت ترغب بالسفر وحدها، فقط ساعات وتعود إلا أني أنا من أصر على الذهاب معها كي أمشي وإياها في حارات دمشق القديمة، نزور قلعة صلاح الدين، نجلس في مقهى النوفرة، كي ندخن النرجيلة التي تحب . واجهني القمر، يحدق بوجهي مثل طفل هجره حليب أمه، بكيت. بكيت تلك الطيور التي هجرتني وتهدم الخطا تحت أقدامي. فتحت باب قفص العصفور الذي اهدتني إياه، واسمته شتات. أطلقته للهواء. هكذا علمتني كل النسوة، وهي آخرهن. أن أحب وحدي وأحس وحدي. أبكي وحدي.‏

     

    ابتعدي لا تطرقي الأبواب بحق الصدق الذي أحببتك فيه، ابتعدي عني لا تشرنقي روحي بيدك. دعيني ألم ذاكرتي المبعثرة، أمسح الغبار عن صورتك، صوتك. لست أنا. أنا؟ لست هنا. ولا في روحي لست في الشارع. غسلت الروح، وصليت عليها، دفنتها، فماذا تحدثين في جسد لا يملك روحاً؟ راهنت عليك بعمري. ودون إكتراث رميت العمر وراءك واليوم بعد كل تلك الخسارات ماذا جئت تريدين؟ بعد زواج فاشل وطفل كنا قد اخترنا له الإسم، بات يحمل اسم أب غير اسمي. ابكيك الآن فرحاً لأنك تخسرين ما ربحته؟ عودي، وتعلمي أن تحبي وحدك وتخسري وحدك وتبكي وحدك. أعرف أنك من يناديني. لكن صمتاً كصمت الرصاص، والقبور بأذني، عودي أمطارك لن تحرق قلبي. دعي الزوابع تثور وتهدأ وحدها حول روحك. أنا الآن جسد رجل. ألا تدركين معنى موت الروح؟‏

     

    ارجعي قد أزورك مع الزائرين‏

    فغدرك هدم كل الجسور

    كلمات مفتاحية  :
    قصة الأقنعة سحر سليمان

    تعليقات الزوار ()