( جالس أنا بأحد الزوايا هناك ،
رائحة البنزين تملأ المكان ،
جاءني ولد صغير يحمل كوبا من الشاي ، قال ببراءة )
ـ الأسطى بيمسي .
ـ ألف شكر يا أسطى جمال .
ـ ده إنت منورنا و الله يا أستاذ .
ـ منور بيكم يا أسطى عثمان .
( قالها الأسطى عثمان و هو يتواري ببشرته الجنوبية السمراء خلف غطاء المحرك الأبيض ،
كان يحاول جاهدا فك أحد المسامير الصدئة ،
بينما تمدد الأسطى جمال أسفل السيارة يفك ( طبة الزيت ) و قد توارت بشرته الناصعة البياض خلف بعض البقع الزيتية السوداء ،
منذ قليل طلبا مني الحضور بعد ساعتين لاستلام السيارة ،
و لكنني وجدتها فرصة للبقاء مع نفسي بعض الوقت ،
أخذتني الأفكار فوق جناحيها ،
حطت بي هناك ،
مازال صوت أمي و أختي الكبرى يتردد بمسامعي )
ـ أعدم عيني إن ما طلقتها لا أنت ابني و لا أعرفك .
ـ قلت لك أنا شفتها بعيني اللي ها يكلها الدود و هو نازل من عندها .
ـ طلقها و أنا من بكرة أجوزك ست ستها ،
على الأقل جايز ربنا يكرمك بحتة عيل .
( تساؤل أحد الصبية أعادني ثانية إلى رائحة البنزين )
ـ الشاي مظبوط يا أستاذ ؟ مش عاوز سكر ؟
ـ لا ، ده مية مية .
( لفت نظري الشبه الكبير بين الصبي و بين والده الأسطى جمال ،
فولة و انقسمت نصفين ،
نفس البشرة ناصعة البياض ،
نفس قصة الشعر حتى لونه ، سبحان الله )
ـ ربنا يخلي لك ابنك يا أسطى جمال .
( رد بمنتهى البرود )
ـ لأ مش ابني ، ده ابن الأسطى عثمان .
( عندها دارت بي الدنيا ،
لا حول و لا قوة إلا بالله ، كيف ؟
لا يمكن .
هل يعقل أن يكون هذا الصبي صاحب البشرة شاهقة البياض ابنا للأسطى عثمان صاحب هذه البشرة السمراء ؟؟؟؟؟
أي كلام هذا ؟
خطفتني غربان سوء الظن ، حلقت بي عاليا ،
اثنان كان الشيطان ثالثهما ،
جذبهما ، غاص بهما إلى ظلمات أعماق الرذيلة و الدناءة،
سلبهما الشيطان ضميرهما فضيعا الأمانة ،
لا حول و لا قوة إلا بالله ،
ألهذه الدرجة انحطت الأخلاق في سنواتنا العجاف هذه ؟
ألهذه الصورة وصلت بنا النخوة ؟
أين أبسط مقومات الرجولة ؟
كيف ضاعت منا أسمى معاني الصداقة و الزمالة ؟
أخذت أنظر إليهما ، أتمتم )
ـ شوف يا أخي الجبروت ، و لا كأنه عمل أي شيء ،
و الخنزير ده كمان ، و لا هو هنا ،
هي الدنيا جرى فيها إيه ؟
لا بص بص ، و بيكلموا بعض عادي جدا ، و لا كأن فيه حاجة خالص .
شوف البجاحة يا أخي ؟
قادرين يحطوا عينهم في عنين بعض إزاي بس ؟ نفسي أفهم ،
لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم ،
دي القيامة ها تقوم خلاص يا جدعان ،
حسبي الله و نعم الوكيل .
( في هذه الأثناء ذهب الصبي إلى الأب المخدوع )
ـ الشاي يا با .
( رد الأسطى عثمان )
ـ لا ، الشاي ده بتاع خالك ،
أنا طالب قهوة .
( عندها تعلق نظري بالصبي و هو يمشي الهوينى حاملا كوب الشاي ،
يناوله بكل براءة إلى خاله ،
الأسطى جمال )