ـ هو جرول بن أوس بن مالك العبسي. ولد لأَمَة تسمى الضراء. واختلف في سبب تلقيبه بالحُطيئة. فقيل لقب بذلك لفقره أو لدمامته وقُصد بهذا اللقب تحقيره، وكنيته أبو مليكة.
ـ كان ضعيف الجسم، قبيح الوجه، دميماً، ذا شره وسفه، مغموزاً في نسبه، فنشأ حاقداً ساخطاً على الناس من حوله، وقد أرجع معظم الدارسين غلبة الهجاء على شعره لهذا السبب. ومع ذلك يتفق الرواة على أنه كان باراً بزوجه وأبنائه.
ـ وقد عاش بنجد، ثم أسلم. واختلف في تاريخ إسلامه، فليس من المستيقن إن كان قد أسلم في حياة الرسول (ص) أم بعد وفاته، ولكن من الثابت أنه ارتد عن الإسلام وأسر في حروب الردة، ثم رجع فشارك في الفتوح.
ـ والحطيئة من الشعراء المخضرمين وفصحائهم، وقد قال الشعر في جميع الفنون: في المديح والهجاء والفخر والنسيب، وأجاد في ذلك كله.
ـ وكان من تلاميذ زهير بن أبي سلمى، وراوية له، وورث منه تنقيح الشعر وصقل الصياغة. وقد توفي عام 59ـ (650م).
قال في قصة شعرية يصف كرم إعرابي:
وطاوي ثلاثٍ عاصبِ البطن مُرملٍ
ببيداءَ لم يعرف بها ساكنٌ رسما
أخي جفوةٍ فيه من الأنس وحشةٌ
يرى البؤس فيها من شراسته نُعمى
تفرَّد في شِعبٍ عجوزاً إزاءها
ثلاثة أشباحٍ تخالهم بثهما
حفاةٌ عراةٌ ما اغتذوا خبز ملّةٍ
ولا عرفوا للبُرِّ مذ خُلقوا طعما
رأى شبحاً وسط الظلام فراعَهُ
فلما بدا ضيفاً تصوَّر واهتمّا
فقال ابنه لما رآه بحَيرةٍ
أيا أبتٍ اذبحني ويسِّر له طعما
ولا تعتذر بالعُدم علَّ الذي طرا
يظن لنا مالاً فيُوسعنا ذمّا
فروّى قليلاً ثم أحجم برهةً
وإن هُوَ لم يذبح فتاه فقد همّا
وقال: هَيا ربّاه! ضيفٌ ولا قِرى!
بحقك لا تحرمه تا الليلة اللحما
فبيناهُمُ عَنَّتْ على البعد عانةٌ
قد انتظمت من خلف مسحلها نظما
ظِماء تريد الماء فانساب نحوها
على أنه منها إلى دمها أظما
فأمهها حتى تروَّتْ عطاشُها
فأرسل فيها من كنانته سهما
فخرَّت نحوصٌ ذاتُ جحشٍ فتيَّةٌ
قد اكتنزت لحماً وقد طبِّقَت شحما
فيا بِشره إذ جرَّها نحو أهلهِ
ويا بشرهُمْ لما رأوا كلْمَها يَدمى
فباتوا كراماً قد قضَوا حق ضيفهمْ
فلم يغرموا غرْماً وقد غنموا غُنما
وبات أبوهم من بشاشته أباً
لضيفهم والأم من بِشرها أمّا
ـ البُرّ: الحنطة.
ـ قِرى: أكوام الضيف.
ـ عانة: غزال.